المشاركة السياسية للمرأة بعيون السوريين
أجرى الاستطلاع: رويدا مطر- يسرى يونس – هديل سالم – أميرة سلام –
ليدا زيدان – هاديا منصور – سونيا العلي – جيهان حاج بكري.
جهة النشر: صور Suwar-magazine
أخذت النّقاشات حول المرأة وحقوقها ومشاركتها السّياسيّة مساحةً واسعةً من حوارات السّوريّين داخل سوريا، وخارجها خلال السّنوات الماضية، ولعبت منظّمات المجتمع المدنيّ دوراً كبيراً في إدراج تلك القضايا في العديد من المؤتمرات والمفاوضات، وحاولت الضّغط باتّجاه منح النّساء المزيد من المشاركة في المفاوضات السّياسيّة المتعلّقة بحلّ القضية السّوريّة، لتكون مساهمةً في صناعة القرار.
بعد اتّفاق تشكيل اللّجنة الدّستوريّة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي تمّ تبنّيه في ديسمبر 2015 ومع حرص المبعوث الأمميّ على مشاركةٍ أقوى لكافّة فئات المجتمع السّوريّ، وبشكلٍ خاصٍّ مشاركةٍ أقوى للمرأة، فُرِض أثناء تشكيل هذه اللّجنة مشاركة المجتمع المدنيّ بثلث مقاعد اللّجنة الدّستوريّة، والتي شكّلت نقطة خلافٍ بين الطّرفين في محاولة كلٍّ من النّظام والمعارضة التّأثير على اختيار شخصيّات هذه القائمة.
بالعودة إلى مشاركة المرأة في العمليّة السّياسيّة والمفاوضات، خاصّةً اللّجنة الدّستوريّة التي اجتمعت لأوّل مرّةٍ في 30 أكتوبر 2019 في مكتب الأمم المتّحدة في جنيف كانت حِصّة المرأة 30 ٪ من جميع أعضاء اللّجنة البالغ عددهم 150 عضواً.
في حين كانت مشاركة المرأة في “الهيئة المصغّرة” للجنة الدّستوريّة المكوّنة من 45 عضواً ضعيفةً في ضمن وفدي النّظام والمعارضة لكنّها كانت جيّدةً في قائمة المجتمع المدنيّ، والتي بلغت مجموعها 13 امرأةً.
بينما الهيئة العليا للمفاوضات السّوريّة التي تأسّست في 10 ديسمبر/كانون الأول 2015 خلال اجتماعٍ عقدته أطراف المعارضة السّوريّة في الرّياض، كانت حِصّة المرأة اثنتين من جميع أعضاء الهيئة البالغ 32 عضواً.
وبغضّ النّظر عن عدد المشاركات من النّساء؛ في كلٍّ من الهيئة التّفاوضيّة واللّجنة الدّستوريّة، والتي يرى الكثير من السّوريّين أنّها لا تعبّر عن المشاركة الفعليّة للمرأة في صناعة القرار على مستوى سوريا.
تقول النّاشطة الحقوقيّة بيان عبد الكريم من سكّان مدينة إدلب ” المرأة كأحد مكوّنات المجتمع السّوريّ ليس لها دورٌ مهمٌّ في صنع القرار السّياسيّ، وإنما هناك نساءٌ يتمّ اختيارهنّ من قبل صُنّاع القرار، ويتمّ وضعهن كدعايةٍ ضمن التّشكيلات السّياسيّة ليدّعي القائمين عليه أنّ المرأة لها دورٌ ضمن تنظيمهم أو تجمعهم، رغم ضعف دورها الكبير؛ فإن وجدت دون أيّ فائدةٍ سوى ملء الفراغ وإكمال العدد”
مجلّة صور استطلعت آراءً من الشّارع السّوريّ حول مشاركة المرأة السّوريّة في عمليّة صُنع السّياسات العامّة والقرارات السّياسيّة في سوريا ومدى فعّاليتها وتأثيرها، وما يمكن أن يترتّب على ضعف مشاركتها من نتائج.
تمّ إجراء الاستطلاع في خمس محافظاتٍ سوريّةٍ، وهي دمشق، والسّويداء، واللاذقية، وإدلب، والحسكة، كعيّنةٍ عشوائيّةٍ تعكس جزءاً من آراء المجتمع السّوريّ حول المشاركة السّياسيّة للمرأة السّوريّة وذلك من خلال المقابلات المباشرة لفريق صور، مع العيّنة المستطلعة آرائهم حيث شمل الاستطلاع 40 شخصاً شاركت فيه 18 امرأةً و22 رجلاً، وتراوحت أعمار المشاركين والمشاركات بين 25 سنةً حتّى 70 سنةً.
تباينت آراء المشاركات والمشاركين في الاستطلاع حول أهمّيّة الدّور الذي تلعبه النّساء في صُنع السّياسات في سوريا، ومدى فعّاليّة هذا الدّور، وإن كان غالبية المستطلع آرائهم قد أجمعوا على أنّ مشاركة النّساء في العمل السّياسيّ ما يزال ضعيفاً ويجب العمل على زيادة هذه المشاركة وفعّاليّتها.
يأسف محمود يوسف السّويد معدّ ومقدّم برامج إذاعيّةٍ (47 سنةً) على تغييب المرأة القسري عن صُنع القرار السّياسيّ رغم أنها طرقت كلّ أبواب العمل، إلّا أنّها وصلت إلى العمل السّياسيّ وأُحجمت عنه، يقول محمود: ” لا أدري إن كان بسبب طبيعة المجتمع أو طبيعة المرأة السّوريّة، حتّى الآن غير مهيّئةٍ لتخوض المعركة السّياسيّة فتركت المجال للرجل، هناك أمورٌ كثيرةٌ تمنع المرأة من خوض غمار السّياسة”.
يعتقد محمود أنّ وجود المرأة وتمثيلها في الأطر السّياسيّة لا يزال شكليّاً والهدف منه إعلاميٌّ لا أكثر وادّعاءٌ للتمثيل، وبخاصّةٍ اللّجنة الدّستوريّة التي لا تمثّل كافّة شرائح المجتمع والشّعب السّوريّ، فكيف لها أن تمثّل المرأة وهي نصف المجتمع؟
يتختلف رأي حسن الأطرش (70 سنةً) المدرّس المتقاعد عن رأي محمود السّويد، حيث يعتقد الأطرش أنّ المرأة تتحمّل جزءاً من هذا الغياب لدور المرأة في السّياسة إذا اكتفت بالحضور دون المشاركة الفاعلة.
ويرى أنّ هناك مشكلةً في المرأة ذاتها، فهي تسعى لتواجدها في أماكن إغاثيّةٍ أو إنسانيّة وتبتعد عن العمل السّياسيّ، وهو ليس ضعفاً بالمرأة بقدر ما هو ضعفٌ في الأداء في العمل السّياسيّ يقول حسن الأطرش ” لا يوجد عملٌ أنثويٌّ سياسيٌّ حقيقيٌ للمرأة السّوريّة، على سبيل المثال لا الحصر لم نسمع بوجود امرأةٍ كباحثةٍ سياسيّةٍ، لكن نرى العديد من النّساء في المجال الاجتماعيّ أو الاقتصاديّ، وتبتعد عن الحديث في المجال السّياسيّ ولم نرَ امرأةً تتحدّث بلغةٍ سياسيّةٍ حقيقيةٍ يجب أن تكون موجودةً فيها. المرأة موجودةٌ لإملاء الفراغات الموجودة “.
يرى الأطرش أن هذا التّهميش لدور المرأة يعود إلى زمن استلام البعث الحكم في سوريا، إذ كان يُشير إلى وجود المرأة في كلّ تشكيلاته، لكنّ وجودها كان شكليٌّ فقط؛ لإثبات أنه حزبٌ علمانيٌّ، وأنه يدعم دور المرأة فكانت المرأة ممثّلةً في أعلى درجات السّلطة، حيث أخذت منصب نائب رئيس الجمهورية، وفي الوزارات والتّشكيلات الإداريّة، لكن لم تكن فاعلةً على الإطلاق في كلّ المناصب التي أخذتها، ويعتقد الأطرش أنّ المعارضة تكرّر نفس الأسلوب.
فاعلةٌ في الحياة وبعيدةٌ عن مواقع صُنع القرار
يرى البعض أنّ المرأة السّوريّة على الرّغم أنّها مثقفةٌ وعاملةٌ ومتعلّمةٌ وفاعلةٌ في العلم والطّبّ والقضاء، ولكنّها لم تكن في يومٍ من الأيام في موقع صنع القرار، وأن وضعها بعد الثّورة ليس بأفضل حالٍ، وعلى العكس تماماً فقد تمّ إقصاؤها في كثيرٍ من الأحيان، واقتصر دورها على المشاركة في اللّجان والهيئات والمؤسّسات السّياسيّة المعارضة، ولم تكن في يومٍ من الأيام في دور القائد أو المسيّر لأيّ لجنةٍ أو هيئةٍ سياسيّةٍ في المعارضة السّوريّة.
تتحدّث سوسن (الاسم مستعارٌ) عن تجربتها الشّخصيّة كعضوة مجلسٍ محلّيٍّ، ومديرة مكتب المرأة بقولها ” ليس لي رأيٌ فاعلٌ ومؤثّرٌ.. ويأخذ دورنا بشكلٍ ثانويٍّ وخجولٍ وعند الحاجة رغم سعينا المستمرّ لإثبات أنّنا قادراتٌ على صُنع القرار” وتضيف ” لا توجد منصّةٌ سياسيّةٌ في المعارضة السّوريّة ترأسها امرأةٌ والنّتائج هي غيابٌ لنصف المجتمع، ولكِ أن تتخيّلي مجتمعاً يغيب نصفه عن العمل السّياسيّ المؤثّر”.
يكاد يتّفق زياد 34 سنةً، وهو فنّانٌ تشكيليٌّ من دمشق منطقة ساروجة، مع سوسن حيث يرى أن مشاركة المرأة لا تزال غير ملموسةٍ، يقول زياد: ” المجتمع ذكوريٌّ ومن الواضح فيه سيطرة الرّجل على كلّ أشكال الحياة، وحتّى إذا وصلت فهي نتيجة وسطٍ ذكوريٍّ متحكّمٍ يملي عليها ماذا تفعل”، ويعتقد زياد أن تغيّب المرأة عن المشاركة السّياسيّة سوف يترتّب عليها نتائجٌ سلبيّةٌ لأنه يزيد من تغييب المرأة وسيطرة الذّكور وتبقى المرأة تابعةً.
هذا ما ذهب إليه المدرّس حمدو الحسن، حيث يرى أنّ مشاركة المرأة ما تزال محدودةً، ويتمّ التّدخل بانتقاء النّساء، ويقول: “لا يوجد إلى الآن نساءٌ يمثّلن النّساء السّوريّات في الدّاخل سواءً العاملات، أو الأرامل، أو الأمهات، أو أيٍّ من النّساء المتضرّرات أو المعنيّات في سوريا”.
ويؤكّد حمدو؛ أن غياب المرأة يؤثّر بشكلٍ مباشرٍ على عدم إيصال مشاكل المرأة وخصوصاً في البيئة الرّيفيّة. ويعتقد أنّ اختيار المرأة يجب أن يكون بشكلٍ حياديٍ بعيداً عن التّحزّبات التي لها أفكارٌ لا تناسب المجتمع، وخصوصاً المجتمعات الرّيفيّة، كمثالٍ؛ حالياً النّساء في التّنظيمات والأحزاب يكون هناك تدخلٌ للرجال من الدّائرة المحيطة، أو تدخل وساطاتٍ والمرأة لا تمثّل الشّريحة المختارة لها فيكون الأمر محصوراً في فئةٍ معيّنةٍ، ولا تمثّل هموم المرأة في المجتمع الذي نحن فيه.
بينما ترى الصّيدلانيّة رولا (٤٤ سنةً)، من جديدة عرطوز في ريف دمشق، أن وجود المرأة ضروريٌّ في العمليّة السّياسيّة، من أجل المساواة والمطالبة بقوانينٍ تحمي وجودها، ومن أجل الوصول لمجتمعٍ سوريٍّ متكاملٍ ومتوازنٍ.
تتّفق نسرين (٣٨ سنة) مدرّسة التّاريخ والتي تقيم في جرمانا مع رولا وتقول: ” انعدام التّنوع يؤدّي إلى ظلم المرأة وتهميشها؛ وبالتّالي تكريس نظرةٍ متدنيّةٍ للمرأة اتّجاه نفسها”.
من جابنها ترى رنا العمر؛ وهي ناشطةٌ مدنيّةٌ تعمل في منظّمة برجاف، أنّ المرأة السّوريّة استطاعت أن تنظّم نفسها، وهناك هيئاتٌ عديدةٌ منها المجلس الاستشاريّ النّسائيّ هو يشارك في غرفة دعم المجتمع المدنيّ، ولديه ممثّلون عنها في اللّجنة الدّستوريّة، وأن مشاركتها نوعاً ما جيّدةٌ، ولكن ليست بالمستوى المطلوب.
غير أنها ترى أن المرأة لا تزال تعاني من الصّعوبات والعقبات؛ وعليها تخطيها من بينها الوضع الاقتصاديّ، وعوامل تتعلّق بالمؤسّسة السّياسيّة، وعوامل متّصلةٌ بالمجتمع والثّقافة السّائدة وضعفٍ في قدرات ومؤسّسات المرأة السّوريّة والتّحدّيات الأمنيّة. وتقول رنا: ” ستبقى العمليّة السّياسيّة ناقصةً وغير مكتملةٍ ما دامت مشاركة المرأة ضعيفةً، ولذلك وجود المرأة يحقّق شرط نُضج أيّ منظومةٍ سياسيّةٍ من جهةٍ، والتّعبير عن الوجه العامّ للمجتمع من جهةٍ أخرى.
تحاول سولين محمد أمين؛ وهي صحفيّةٌ كرديّةٌ من قامشلو/القامشلي التّفريق بين واقعين مختلفين للمرأة من حيث المشاركة السّياسيّة إذ ترى دور المرأة يندرج من المعدوم إلى الضّعيف والشّكليّ كما في مناطق الحكومة السّوريّة، في باقي المناطق السّوريّة الأخرى.
وتقول سولين ” هناك من يحاول وضع المرأة بشكلٍ شكليٍّ في بعض المنعطفات، ربّما لإرضاء بعض الأطراف الدّوليّة وهي في الحقيقة تمثّل دوراً صوريّاً فقط، أو ربّما إن كانت موجودةً فهي لا تمثّل فكريّاً وثقافيّاً شريحةً واسعةً في المجتمع السّوريّ”.
في حين تنطلق من كونها امرأةٌ كرديّةٌ وتتحدّث عن تجربةٍ فريدةٍ من نوعها ورياديّةٍ للمرأة في منطقة شمال وشرق سوريا، وتقول: “المرأة في هذه المنطقة تحظى بمكانةٍ رفيعةٍ سياسيّاً وعسكريّاً وفي صناعة القرار، هذا عدا عن جانب التّشاركيّة في المؤسّسات والدّوائر”
تراجع دورها بعد التّقدم الذي أحرزته في بداية الحراك
ترى الكاتبة شمس عنتر من قامشلو/القامشلي أنّ الحراك الثّوريّ كان يرحب بوجود النّساء في بداية الثّورة، وبرزت أسماءٌ نسائيّةٌ ذات دورٍ فاعلٍ، شكّلن المنظّمات والجمعيات وكان لهنّ حضورٌ متميّزٌ في الأطر السّياسيّة المعارضة. تقول شمس: ” لكن تراجع هذا الدّور بدل أن يتقدّم والأسباب عديدةٌ أهمّها، العسكرة وظهور التّيارات المتطرفة.. وكذلك الثّقافة الجمعيّة وأسبابٌ متعلّقةٌ بالمرأة نفسها وهيمنة الفكر الذّكوريّ، ممّا أدّى إلى تراجع عدد النّساء المشاركات في الحياة السّياسيّة وخاصّة في مراكز صُنع القرار”.
وتعتقد الكاتبة شمس أنّ ظهور مبادراتٍ مثل اللّجنة الاستشاريّة النّسائيّة التي شكّلتها الهيئة العليا للمفاوضات، وكذلك المجلس الذي شكّله ديمستورا من النّساء السّوريّات لزيادة تمثيل النّساء في رسم مستقبل سورية؛ إنما جاءت تحت ضغط المؤسّسات الدّوليّة. وتقول شمس ” تلك النّظرة الدّونيّة إليهنّ لم تتلاشى وتطوّرت قليلاً لترى فيهنّ حمَامَات سلامٍ، وربّما استكمالٌ شكليٌّ وعدم الاعتماد على آرائهنّ”.
وترى عنتر أنّ الحاجة ملحةٌ جداً إلى إدماج المرأة إلى جانب الرّجل في رسم سياساتٍ واستراتيجيّات الحلّ السّياسيّ في سوريا حتّى تكون العمليّة السّياسيّة مكتملةً.
التّراجع في دورها سيؤدّي إلى خللٍ في العمليّة الدّيمقراطيّة؛ هذا ما تراه حسناء دحنون مديرة دار أيتامٍ ورئيسة فريق المجد التّطوعيّ. تقول: “مشاركة المرأة موضوعٌ جدليٌّ مهمٌّ للناشطين في العمل المدنيّ أو في مجالات الدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان والمواطنة؛ خصوصاً وأن المنطقة تشهد حراكاً ثوريّاً لا نستطيع إنكار آثاه السّلبيّة على المرأة” وتضيف:” المرأة داعيةٌ أساسيّةٌ لموضوع الأمن والأمان والذي دفعت ثمنه من كرامتها وتفتت عائلاتها، طبعاً دور المرأة تراجع في الفترة الأخيرة في ظلّ التّطرف والتّحجّر الفكريّ”.
وتؤكّد حسناء على دور المرأة والحدّ من المعوّقات التي تمنعها من الوصول ومشاركتها الفعّالة في الأحزاب والتّنظيمات السّياسيّة، وأن عدم أخذ المرأة لحقوقها في كافّة المجالات سيؤدّي إلى خللٍ في العمليّة الدّيمقراطيّة. وترى أنّ الشّريعة الإسلاميّة كانت الأسبق بين الشّرائع في الاعتراف بحقوق المرأة الثّقافيّة والاجتماعيّة والتّعليميّة.
في حين بيّنت المدرّسة هبة إبراهيم، العاملة في مخيمات ريف إدلب الغربيّ، أنه حتّى الآن لايوجد تمثيلٌ حقيقيٌ للنساء السّوريّات خصوصاً المتوجدات في الدّاخل السّوريّ وعلى الأرض، والتّمثيل في معظمه لنساءٍ من لونٍ واحدٍ يتكلّمن باسم نساء سوريا، لكن لايستطعن إيصال الصّوت الحقيقي؛ بسبب عدم معرفتهم وإداركهم الكامل للوضع، فضلاً عن أن وجودهنّ كعددٍ يعتبر قليلاً جداً، وتمّ وضعهنّ لإرضاء الجهات الدّوليّة التي تدعم هذه التّشكيلات وترغب بوجود النّساء.
مشيرةً إلى أنّ غياب دور النّساء سوف يترتّب عليه الكثير من المشاكل والشّرخ مستقبلاً، وسوف يُضعف حقوق النّساء خصوصاً بما ينتج عن هذه التّشكيلات من قراراتٍ سياسيّةٍ تخصّ الشّأن السّوريّ بشكلٍ عامٍّ.
من جانبها اعتبرت النّاشطة ومديرة مكتب المرأة في الهيئة السّياسيّة سابقاً، ميليا معاذ من أهالي مدينة جسر الشّغور، أنه من خلال مشاركتها في السّياسة؛ ترى أنّ الدّور السّياسيّ للمرأة دورٌ كبيرٌ، وتقول ميليا: “على المرأة الاهتمام بهذا المجال، حيث أنّه جزءٌ لا يتجزّأ من الحياة اليوميّة ومثل أيّ مجالٍ آخر مهمٍّ خاصّةً في ظلّ الظّروف الرّاهنة والحرب، حيث يجب أن تُبرز دورها كسيّدةٍ ومربّيةٍ للأجيال وكممثّلةٍ سياسيّةٍ”.
فيما يرى غانم خليل عضو مكتب العلاقات العامّة في الهيئة السّياسيّة بإدلب أنّ دور المرأة محدودٌ إلى الآن، ويعتقد أنّ العادات والتّقاليد تلعب دوراً سلبيّاً في ذلك، إضافةً إلى ضعف الثّقة بالنّفس وضعف الخبرات في هذا المجال، ويقول: “إلى حدّ الآن نسبةٌ قليلةٌ من النّساء لديها القدرة ولديها الثّقة بالنّفس لاستلام مراكز قياديّةٍ.
كما يعتقد أنّ نسبة تمثيل المرأة في الهيئات والأطر السّياسيّة تتفاوت زمنيّاً منذ بداية الثّورة وإلى الآن وتتفاوت من جسمٍ سياسيٍّ إلى آخر، ففي بداية الثّورة يكاد يكون تواجد المرأة معدوماً، ولكن بسبب خضوع المرأة لدوراتٍ تدريبيّةٍ؛ إنّ كان ببناء القدرات أو التّمكين السّياسيّ. أصبح هناك عددٌ من النّساء القادرات على الخوض في المجال السّياسيّ بما يخدم الوضع الحالي ويخدم المجتمع.
ويأتي غانم على ما يقول بمثال الهيئة السّياسيّة بإدلب كانت الدّورة الأولى دون مشاركة النّساء، في الدّورة الثّانية شاركت امرأةٌ واحدةٌ، وفي الدّورة الثّالثة كان عدد المشاركات اثنتين، وفي الدّورة الرّابعة شاركت ثلاث نساءٍ، ويضيف” نسعى لتحقيق نسبة الكوتا العالميّة وهي 30% من المجموع العامّ.
يرى البعض أنّ إقصاء المرأة أو مشاركتها الضّعيفة في السّياسة ليست جديدةً أو حالةً فريدةً رغم خطورتها الكبيرة، حيث يعتقدون أنّ المرأة تنحو نحو السّلام والاستقرار وزيادة التّعاون وعقلها ذو طبيعةٍ مرنةٍ. بينما يسعى الرّجال إلى التّنافس والحرب. وإن كانت المرأة تشارك في صنع سياسات هذا العالم، فهي تشارك وفق النّمط الذّكوريّ. يقول جلال (الاسم مستعارٌ) 35 سنةٌ، مدرّسٌ وطالب دراساتٍ عليا في الفلسفة من مدينة السّويداء “نتائج هذه العقلية الاقصائيّة نراه واضحاً اليوم في كم الدّمار والخراب في العالم”.
ويرى جلال أنّ مشاركة المرأة ليست هي المهمّة بل تفعيل دورها، ويعتقد أن ذلك مازال محكوماً بالعقلية التي تفسح المجال لحضور المرأة، وتعطيها هذا الشّكل الصّوريّ أو الشّكليّ. في سوريا ويضيف “غياب دور المرأة في العمل السّياسيّ هو غيابٌ لقدراتٍ عظيمةٍ تجعل من السّياسة حقلاً لبناء السّلام”.
المرأة عاطفيةٌ وغير قادرةٍ على اتّخاذ القرارات
من خلال هذا الاستطلاع ظهر العديد من الآراء التي ترى أنّ المرأة غير قادرةٍ على اتّخاذ القرارات؛ لأنّها عاطفيةٌ وأنّ مشاركتها في السّياسة تُضرّ أكثر من أن تنفع. يقول رامز (٢5 سنةً) طالب تجارةٍ واقتصادٍ يقيم في شارع بغداد دمشق: ” لا يوجد دورٌ للمرأة، وإذا كان هنالك دورٌ فهي غير قادرةٍ على اتّخاذ القرارات، واعتقد أنّ النّساء تعتمد بقراراتها، ورأيها على رأي الرّجال من حولها”.
بينما يرى محمّد (٤٧ سنةً) صاحب متجر شرقياتٍ في باب شرقي بدمشق، أنّ المرأة دخلت عالم السّياسة منذ السّبعينيّات، في سوريا لكنه لا يفضّل أن تعمل المرأة في السّياسة يقول محمّد: “من الأفضل لها أن تعمل في المجالات التي تضمن كرامتها وضمن الأخلاقيات”.
دورٌ فعّالٌ بعد الثّورة
يعتقد البعض أنّ الثّورة السّوريّة أفسحت المجال أمام المرأة للمشاركة بشكلٍ كبيرٍ في الحقل السّياسيّ، وهذا ما ساعدها للمساهمة في عمليّة صُنع السّياسات والمشاركة في اتّخاذ القرارات.
عبد الرّزاق الصّبيح (40 سنةً) مراسل قناة حلب اليوم في إدلب، يرى أنّ للمرأة تأثيراً في القرارات التي تمّ اتّخاذها في القضية السّوريّة، ويقول: ” ولاحظنا ذلك أثناء تواجد المرأة السّوريّة بشكلٍ قويٍّ في الهيئات التي مثلت السّوريّين ولا سيّما في دول اللّجوء، كتركيا وبعض المحافل الدّوليّة”.
ويؤكّد على أنّ هناك تمثيلاً واضحاً للمرأة السّوريّة منذ بداية الثّورة في المجلس الوطنيّ السّوريّ والائتلاف السّوريّ وهيئة التّفاوض، ويعتبر صبيح؛ أنّ الفضل يعود في ذلك للجوّ الذي أتاحته الثّورة للمرأة للمشاركة في هذه الهيئات والتّشكيلات ولاندفاع المرأة من أجل حبّها للمشاركة من أجل صُنع قراراتٍ في سوريا المستقبل.
من جانبه يرى محمود الشّماليّ (32 سنةً) صحفيٌّ من إدلب، أنّ المرأة كانت شريكةً منذ الحراك السّلميّ، وحرصت أن تكون شريكاً مؤثّراً في المجالات التي تخدم أهداف الثّورة، فانخرطت في الأجسام السّياسيّة بشكلٍ رئيسيٍّ حاولت المرأة الحصول على مراكز في صنع القرار، وخاصّةً عند التّوجّه نحو تطبيق الحلّ السّياسيّ في سوريا ازدادت الحاجة إلى تعزيز الوجود النّسائيّ وتفعيله.
يقول محمود ” بعد الضّغط الأمميّ والأوروبيّ لوجود النّساء، تمّ تثبيت الوجود النّسائيّ في كافّة مفاصل العمل السّياسيّ السّوريّ، والمشاركة في رسم مستقبل سوريا، ويتّضح ذلك من المشاركة السّياسيّة في لجنة التّفاوض والدّستوريّة وغيرها”.
في حين يرى البعض أنّ مشاركة المرأة تتفاوت من حينٍ إلى آخر، بحسب التّطور في مستوى البرامج التدريبيّة التي تخضع لها المرأة، ومن هؤلاء عاطف زريق رئيس الهيئة السّياسيّة في إدلب، الذي يرى نسبة تمثيل المرأة على المستوى السّياسيّ أو المحليّ: ” في الحقيقة ببداية انطلاق أيّ جسمٍ سياسيٍّ يكون تمثيل المرأة قليلاً، لكن بسبب تطور المرأة وخضوعها لبعض الدّورات المهنيّة، وتطوير الذّات أضحت موجودةً في جميع الأجسام”.
ويقول عاطف: ” في بداية تشكيل الهيئة السّياسيّة كانت تمثيل المرأة 2% أما الآن أصبحت 20% وهذا دليلٌ على ازدياد حضور المرأة”. ويعتقد زريق إذا لم تكن المرأة موجودةً، فالكثير من الحقوق التي تحتاجها المرأة في المستقبل لن تستطيع الحصول عليها، يقول زريق” هي المضحية ولن تَعرِفَ التّعبير عن معاناتها إلا المرأة ذاتها”.
هناك من يدعو إلى تشجيع المرأة على المشاركة السّياسيّة من خلال الحملات والمبادرات، حيث ترى المحامية سلمى عباس، وهي مستشارةٌ قانونيّةٌ ورئيسة الاتّحاد النّسائيّ بسراقب سابقاً، أنّ تفاوت عدد النّساء والرّجال سيخلق تفاوتاً في الفرص، لأن خبرة المرأة ستكون أقلّ واطّلاعها أقلّ، وبالتّالي ستكون مهمّشةً، وهذا سيؤدّي إلى لا مبالاة المرأة في المشاركة السّياسيّة.
السّياسة في سوريا لا دور للرجل فيها ولا للمرأة
يعتقد البعض الآخر بأنه لا دور لرجلٍ أو امرأةٍ في السّياسة، بل لا يوجد سياسةٌ في سوريا إنّما هناك نظامٌ متسلّطٌ يرى بقاءه فقط، ويفرض ذلك على كافّة الهيئات والجمعيات التّابعة له برجالها ونسائها، وبالتّالي لا يوجد شيءٌ اسمه مساهمة المرأة لصنع السّياسات والقرارات في سوريا.
وهذا ما يتعتقده أحد المدرّسين (41 سنة) من السّويداء لم يرغب بالكشف عن اسمه. يقول: ” دور المرأة مهمّشٌ بشكلٍ كبيرٍ، لكن لنفترض أنّ المرأة فاعلةٌ، الموضوع ليس امرأةً ورجلاً، لأنه ليس للمرأة ولا للرجل دورٌ في سوريا” ويضيف “صوت المرأة مثل صوت الرّجل لكنهم يخضعون لأجنداتٍ سياسيّةٍ، وأقرب مثالٍ كان لرئيسة اتّحاد الطّلبة، التي رأيناها في فيديو تدعو فيه للتصدي للمتظاهرين، فإن كان الرّجل أو المرأة في موقعٍ سياسيٍّ ما سيخضعون لأجندةٍ سياسيّةٍ معيّنةٍ”.
ويتّفق الصّحفيّ معاذ (35 سنةً) الاسم مستعارٌ، مع ابن مدينته السّويداء بالقول: ” الهيئات والأطر السّياسيّة التي تشارك في المفاوضات واللّجنة الدّستوريّة أيضاً مشكّلةٌ بأشخاصها بتبعيّةٍ معيّنةٍ وبخطّةٍ معدّةٍ سلفاً، يجب على أعضائها السّير بها، ولا يوجد حرّيّةٌ كبيرةٌ ليناوروا بها، وبالتّالي لا يوجد فرقٌ هنا بين رجلٍ وامرأةٍ لتنفيذ تلك السّياسات”.
ويرى معاذ أنه لا يمكن أن تتواجد المرأة في التّنظيمات والأحزاب إن لم يكن لها حضورٌ اجتماعيٌّ، وهذا له علاقةٌ بقوانينٍ وأطرٍ عامّةٍ تفرضه الدّولة ويتفاعل معها المجتمع، بالتالي ضعف وجود المرأة في الأحزاب هو ضعف وجودها في المجتمع وليس العكس.
من جانبه يرى عاصم (اسم مستعارٌ) 42 سنةً من السّويداء، وهو مدرّس لغةٍ عربيّةٍ، أنّ دور المرأة مهمّشٌ في المشاركة السّياسيّة ليس لأنّها امرأة لكن لأن كلّ العمل السّياسيّ المعارض مهمّشٌ ومحدودٌ، أو يدور في دائرةٍ ضيّقةٍ جداً لا تمكّنه من اتّخاذ قراراتٍ حاسمةٍ بما يتعلّق بالشّأن السّوريّ. يقول عاصم “المرأة ممثّلةٌ كونها موجودةً، المسألة لها علاقةٌ بالفعّاليّة، ونعود لفعّاليّة العمل السّياسيّ المعارض بشكلٍ عامّ وما يترتّب عليه”.
بينما يربط أحد الإعلاميّين من السّويداء بقدراتٍ فرديّةٍ للنساء وحسب، وذلك في ظلّ غياب سياساتٍ دستوريّةٍ لمشاركة المرأة، ويعتقد بعدم وجود نساءٍ بارزاتٍ، ويذكر الإعلاميّ ذاته مثال الدّكتورة نجاح العطار استطاعت أن تلعب دوراً بارزاً في السّياسات الثّقافيّة في البلد، وكانت الحامي الفعليّ للمعهد العالي للفنون المسرحية، عدا عن دورها في إنشائه، نظراً للحُظْوَةِ التي نالتها واستحقتها لدى الرّئيس حافظ الأسد.
ويعتقد أن ما حدث منذ العام 2011 وإلى اليوم، ساهم في إحياء المجتمع المدنيّ، والتي كانت إحدى أهمّ مقوماته، هي العناية بالجندرية، يقول الإعلاميّ: ” فقد أفسح المجال لبعض النّساء في إظهار قدراتهنّ، وخاصّةً في دفع كثيرٍ من الأمور والظّواهر نحو تخفيف العنف ونحو السّلميّة”.
يتبيّن من الآراء التي تمّ استعراضها من خلال هذا الاستطلاع؛ أنّ شريحةً كبيرةً من المواطنين والمواطنات يرون أنّ مشاركة المرأة ما تزال ضعيفةً، ودورها غير فاعلٍ ومهمّشٍ، ويعتقدون أنّ ضعف المشاركة تلك مرتبطٌ بالعديد من العوامل التي تمّ سردها في متن الاستطلاع، وسوف يترتّب على ذلك نتائج مثل عدم المساواة وغياب تطبيق الدّيمقراطيّة.
يسرى يونس
كيف يقيّم السّوريّون دور المرأة في الحياة السّياسيّة عموماً، ودورها في تشكيل اللّجنة الدّستوريّة خصوصاً؟
هنالك نسبةٌ لا بأس بها ممّن قالوا لنا: إنّه لا يعنيهم كلّ أمر اجتماعات اللّجنة الدّستوريّة، سواءً بمشاركة كادرٍ نسائيٍّ أو دونه، وهنالك أيضاً من يرى أنّ تمثيل النّساء يندرج ضمن الإطار الشّكليّ فقط، كحال الاهتمام بالتّلوين الطّائفيّ في الكثير من القضايا والوظائف العليا بغض النّظر عن فاعلية الأشخاص.
النّاشطة في حقوق النّساء سوسن زكزك، تأسف لعدم توافر البيئة الدّاعمة لمشاركة الّنساء في الحياة السّوريّة العامّة، ومنها المشاركة السّياسيّة، رغم أنّها أوّل من حصلت على حقّ الانتخاب في المنطقة منذ عام 1949، وتؤكّد زكزك، أنّ نسبة النّساء في مجلس الشّعب الجديد أقلّ من 12%، وأنّه لا يوجد أيّ امرأةٍ تَشْغَلُ منصب محافظٍ، كما تنخفض نسبة تمثيل النّساء في مجالس الإدارة المحلّيّة لأقلّ من 5% في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السّوريّة، أما في مناطق المعارضة فلا تتعدّى 2% فقط.
في حين يعدّ المترجم عبد الله ف. أنّ “النّشاط النّسويّ يحمل كلّ علل وسيئات النّشاط السّياسيّ وأكثر، فهنالك تنظيماتٌ وتجمعاتٌ وجمعياتٌ تحمل اسم العمل المدنيّ، والنّسويّ تحديداً، ولكنها؛ في الحقيقة تعمل ببرامج سياسيّةٍ، وهي تجمعاتٌ متشظّيةٌ ومنقسمةٌ جميعها، وفيها الكثير من الأمراض”.
أما أستاذ العلوم السّياسيّة د. أيمن إبراهيم، فيرى إنّه في ظلّ وجود ثقافةٍ ذكوريّةٍ تصبح مشاركة المرأة إلى حدٍّ كبيرٍ تزيينيّةً وليست حقيقيةً، ولا تفرضها في كثير من الأحيان إمكانياتها الحقيقة، بل ضرورة تمثيلها كنسبةٍ مئويةٍ، وذلك بسبب انكفاء كثير ممّن لديهنّ الإمكانيات عن التّمثيل لأسبابٍ اجتماعيّةٍ وثقافيّةٍ وأيديولوجيّةٍ ودينيّةٍ وغيرها، وهذا ينطبق على كافّة تشكيلات المجتمع السّوريّ في سلطاتها التّنفيذيّة والتّشريعيّة والقضائيّة وفي أحزابها ونقاباتها ومجالسها و….الخ.
المرأة والدّستور
عن مشاركة المرأة في اجتماعات اللّجنة الدّستوريّة لوضع دستورٍ للبلاد، تضيف زكزك: “إنّ للنساء 12 مقعدًا في قائمة الوفد المدعوم من الحكومة السّوريّة، وستة مقاعدٍ في قائمة هيئة التّفاوض، و19 مقعدًا في قائمة المجتمع المدنيّ، وبالتّالي لم تصل النّسبة إلى 30%، وهو الحدّ الأدنى الذي نطمح إليه كحركةٍ نسويّةٍ”.
وترى أنّ الحركة النّسويّة السّوريّة؛ كانت من أوائل من اقترح مجموعةً من المبادئ المؤسّسة للدستور، وعملت للترويج لها، انطلاقاً من الحاجة الماسّة لوجود دستورٍ حسّاسٍ لقضايا المساواة الجندريّة، وهم يعتقدون أنّ هنالك حاجةً لوجود نصوصٍ دستوريّةٍ تنصّ على المساواة التّامّة بين الرّجال والنّساء، وتجرّم العنف والتّمييز ضدّهنّ وتضمن علمانية الدّولة ….. الخ.
لذلك تعتقد أنّ المواطنين، نساءً ورجالاً، يجب أن يشاركوا بصناعة الدّستور عبر التّأثير على عضوات وأعضاء اللّجنة الدّستوريّة لتبني هذه النّصوص، ومن هنا تنبع أهمّيّة إثارة النّقاش العامّ للتوعية بالموادّ الدّستوريّة التي تضمن حقوق النّساء الإنسانيّة. وأنّه على الرّغم من وجود سيّدةٍ تَشغَلُ موقع نائب رئيس الجمهورية – د. نجاح العطار- إلّا أنّ هذا التّواجد لم ينعكس على تواجد النّساء السّوريّات في بقية مواقع صنع القرار، أو حتّى في مستويات المشاركة السّياسيّة. إنّ التّقرير الوطنيّ الأول للسكّان (2008-2009) أطلق على هذا الأمر صفة التّمثيل السّاكن للمرأة، لأنه لا يعكس تمكيناً حقيقياً للنساء السّوريّات عامّةً.
لا الرّجال ولا النّساء
وعن دور المرأة في اللّجنة الدّستوريّة، تابع المترجم عبد الله. قائلاً بأنّ ما سمعه “لا يُبشر بالخير، لا من حيث مشاركة الرّجال ولا من حيث مشاركة النّساء، فكلاهما مشاركتهما الفعليّة ضعيفةٌ وشكليّةٌ، بينما اللّاعبون الأساسيّون أو اللاعبون الكبار هم من سيقرّرون كلّ شيءٍ”. وهو يعتقد أنّ “النّشاط السّياسيّ عموماً فيه الكثير من الأمراض والعلل الشّلليّة والارتباطات الخارجيّة أو الارتزاق، وغياب الهمّ الوطنيّ الحقيقي ومحسوبيات وطغيان الأيديولوجيا على التّفكير، إضافةً إلى ذلك تكاد تنعدم الشّفافيّة بين هذه التّجمعات بشقيها الرّجاليّ والنّسائيّ، ما يجعل العمل نوعاً من الضّرب بالمندل”. ويضيف عبد الله. أنّه لا يعرف “إذا كانت النّساء اللواتي شاركنّ في “سوتشي” مثلاً، قد جرى اختيارهنّ لتميّزهنّ وفهمهنّ أو لانشغالهنّ بالهمّ السّياسيّ، أم ذهبن باعتبار ذلك فرصةً للسياحة؟ والحال ذاتها مع النّساء المنخرطات في أطرٍ مدعومةٍ من السّعودية أو غيرها من الدّول، هل جاءت مشاركتهنّ نتيجة قناعاتٍ فعليّةٍ ووعيٍ للدور الذي يقمن به، أم لأسبابٍ أخرى، ليس أقلّها المال؟” ويعتقد عبد الله. أنّ “النّساء اللواتي يمثّلن التّيار الإسلاميّ وحاملات المشروع الليبراليّ/الأمريكيّ هنّ الأكثر وعياً لدورهنّ وهدفهنّ، لأنّ هذا الصّنف الأخير من النّساء يمثّل تياراً لديه مشروعٌ متكاملٌ منسجمٌ داخليّاً، وله داعمون في الدّاخل والخارج. بغضّ النّظر عن الرّأي فيهنّ أو في المشروع. وهذا التّيار يَعرِفُ كيف يستخدم كلّ القوى والأطراف لمصلحته، بينما التّيارات الأخرى مشتّتةٌ ومجزّأةٌ وليست منسجمةً. وربّما تفتقر للمشروع الواضح، بعكس الإسلاميّين والإسلاميّات الذين لا يتنازلون عن أمورٍ أساسيّةٍ لديهم رغم ما يتمتّعون به من براغماتية”. أما التّيار الليبراليّ/الأمريكيّ، كما يقول عبد الله.، “فلديه مشروعٌ هو الرّؤية الأمريكيّة للمنطقة، وهي رؤيةٌ متكاملةٌ سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً وقانونيّاً، وتأتي قوّته من الدّعم والتّرويج الأمريكيّ له”. أما على الجانب الحكوميّ، فيرى عبد الله. أنّ “الطّرف الحكوميّ السّوريّ يتّسم بالجمود وعدم التقاط المتغيرات وعدم الانفتاح على القوى والأصوات الحيّة المعنية بمصلحة الشّعب برمته”.
سِمةٌ عامّةٌ
تتشابه الآراء بين المستطلعين عموماً، المراسل الصّحفي محمد علي يرى أن دور المرأة في دول العالم كافّة؛ هو أقلّ من دور الرّجل في الكثير من النّواحي، فكيف الحال في بلدان العالم الثّالث، ويصف هذا الدّور بالمهمّش والضّعيف، خاصّةً مع الحروب وانتشار الفساد. يضيف عليٌّ أنّ الظّروف القاسية التي تمرّ بها سورية تسبّبت في تراجعٍ إضافيٍ لدور المرأة وحضورها السّياسيّ، ويأمل ألّا يؤثّر هذا الحال على صياغة الدّستور الجديد، خاصّةً مع الاختلاف الكبير بين الأطراف المجتمعة.
لا يعكس الواقع
في حين يعتقد الدّكتور في العلوم السّياسيّة أيمن إبراهيم؛ أن تمثيل المرأة في اللّجنة الدّستوريّة، لا يعكس في بعضه إمكانيات المرأة السّوريّة الثّقافيّة، وإن كان يُعطي انطباعاً أوّليّاً عنه؛ بسبب تقدّم عدد النّساء في وفد المجتمع المدنيّ، وفي وفد الدّولة السّوريّة، وتراجعه في وفد المعارضة ليكون محدوداً جداً لأسبابٍ أيديولوجيّةٍ واجتماعيّةٍ وثقافيّةٍ، ويعتقد أنّ المرأة تظلم نفسها عندما تطالب بالمساواة مع الرّجل، وتظلمها الدّولة عندما يُنظر لها كحصّةٍ تمثيليّةٍ، ويظلمها الرّجل والمجتمع عندما يتركاها تلهث لملء فراغات التّقصير الخدميّ، وهو ما يفرض تراجعاً على كافّة المستويات في الدّولة والمجتمع. ويعتقد أيضاً أنّ أكثر ما يظلم المرأة في مجتمعاتنا هو المرأة ذاتها، لأنّها، ببساطةٍ، ثقافةٌ نفتقدها، ولأنّها موروثٌ دينيٌّ وثقافيٌّ واجتماعيٌّ.
ويرى أنّ هناك فرقاً بين حقوق المرأة وبين المساواة بين الرّجل والمرأة، فالرّجل ذكرٌ والمرأة أنثىً، وهذا ينعكس على دور كلٍّ منهما في الحياة، دون أن يعني تفوّق أحدهما على الآخر، ويعتقد أنّ تقدّم دور الرّجل على دور المرأة عبر التّاريخ، وفي كافّة المجتمعات دون استثناءٍ، كان نتيجةً لتفاوت دورهما بسبب التّحدّيات المجتمعيّة النّاتجة عن طبيعة الحياة والموروث الثّقافيّ، دون أن يعني ذلك تقدّم دور الرّجل على دور المرأة. وأنه لا زال حضور الرّجل متقدّماً على حضور المرأة في أكثر المجتمعات تقدّماً واحتراماً لحقوق المرأة والإنسان بسبب طبيعة المرأة وبنيتها الفيزيولوجيّة ودورها كأمٍّ بشكلٍ أساسيٍّ، وكزوجةٍ وابنةٍ، وأنه حتّى في الدّول الإسكندنافيّة التي تسجّل أعلى مستوىً للمساواة بين الجنسين تتقاضى النّساء راتباً أقلّ من الذّكور، ويتّسع الفارق في دورهما في دول العالم الثّالث، حيث تقلّ واجبات المجتمع، وتزيد مساحة الفكر الذّكوريّ والعادات والتّقاليد الموروثة، فتكبر مسؤوليّات المرأة وتزيد تضحياتها لملء الفراغ الحاصل.
عوامل عدّة
تحدّد النّاشطة في حقوق النّساء زكزك مجموعةً من المعيقات التي تجعل حضور المرأة ضعيفاً، وترى أن في مقدّمة تلك المعيقات:
* يُعدّ العمل ضمن الجمعيات المدنيّة بوابةَ المشاركة في الحياة العامّة، وفي سوريا لا يوجد قانونٌ عصريٌّ للجمعيات يُبيح حرّيّة التّشكيل والعمل ويعتمد الرّقابة اللّاحقة، فما يزال القانون المعمول به هو قانون عام 1958، والذي يربط تشكيل الجمعيات بالموافقات الأمنيّة، كما يسمح للوزارة بالهيمنة على عمل الجمعيات. وهذا كلّه يجعل عمل الجمعيات عملاً ضيّقاً ومحصوراً بأعدادٍ قليلةٍ من المواطنين والمواطنات، وغير مشجّعٍ على انخراط النّساء فيه.
* ضعف الحياة الحزبيّة في سوريا، فقانون الأحزاب ليس قانوناً ديمقراطيّاً، ويربط الموافقة على إنشاء أيّ حزبٍ بموافقة الحزب الحاكم في البلاد، كما أنّ العمل الحزبيّ مراقبٌ من قبل الأجهزة الأمنيّة، وهذا ما يخلق بيئةً غير آمنةٍ لانخراط النّساء في أحزابٍ غير الحزب الحاكم.
* لا يوجد في قانون الانتخاب أو في قانون الأحزاب أو قانون الجمعيات أيّ نصٍّ يضمن حصّةً للنساء في قوائم التّرشيحات أو في مواقع صنع القرار، وتُترك النّساء وحيداتٍ في غمار معارك انتخابيّةٍ غير عادلةٍ بسبب هيمنة الرّجال على الفضاء العامّ.
* البنية المجتمعيّة المنحازة للرجال والتّضييق على حرّيّة المرأة خاصّة في المشاركة في الحياة العامّة.
* الافتقار لوجود إرادةٍ سياسيّةٍ حقيقيةٍ وإحداث تغييرٍ نوعيٍ في مشاركة النّساء في الحياة العامّة والسّياسيّة.
استطلاعٌ للرأي: تمثيل المرأة بالمؤسّسات الخدميّة أعلى من مشاركتها السّياسيّة
هديل سالم
في الوقت الذي تشهده بعض المناطق والدّول العربيّة من تغييرٍ خجولٍ في مجال مشاركة المرأة في العمليّة السّياسيّة والوصول إلى مناصب صنع القرار، تتمتع المرأة في المنطقة الكرديّة بحيّزٍ أكبر ومتقدّمٍ إذ فتحن أبواب العمل في كافّة المجالات الاجتماعيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة وأهمّها السّياسيّة، واستلمت مناصب تمثيليةٍ كشريكٍ للرجل في إدارة المؤسّسات والهيئات السّياسيّة والإداريّة والعسكريّة أيضاً.
وتُعتبر المنطقة الكرديّة في سوريا نموذجاً رائداً في تحقيق المساواة النّوعيّة وتمكين النّساء مقارنةً بباقي المناطق الأخرى، إضافةً إلى الدّول المجاورة لها وبشكلٍ أكثر ظهوراً بعد سنواتٍ من الثّورة السّوريّة التي اندلعت شرارتها ربيع 2011، حيث برزت ناشطاتٌ وقيادياتٌ كرديّاتٌ في المضمار السّياسيّ من بينها “هفرين خلف” السّياسيّة الكرديّة التي اغتيلت على أيدي الفصائل السّوريّة الموالية لتركيا على الطّريق الدّوليّ M4 نهاية العام الفائت، وهي متوجهةٌ نحو عملها، كانت تشغل منصب الأمين العامّ لحزب سوريا المستقبل بعد تشكيله في 18 آذار عام 2018.
ومن بين التّجارب لنساء كرديّاتٍ شاركن في صناعة القرار السّياسيّ، القيادية فصلة يوسف سكرتير حزب الوحدة الدّيمقراطيّ الكردستانيّ وعضوة الهيئة الرّئاسيّة بـ(المجلس الوطنيّ الكرديّ) والتي انتسبت لأوّل تنظيمٍ سياسيٍّ بالعام 1987، فيما ترعرعت دلاف حاجّ درويش عضو اللّجنة المركزيّة في حزب الدّيمقراطيّ التّقدميّ الكرديّ، في منزل الرّاحل حميد حاجّ درويش أحد مؤسّسي الحركة الكرديّة.
أما بالجانب النّسويّ، أطلقت الدّكتورة والنّاشطة ميديا محمود أوّل منظّمةٍ نسويّةٍ قبل عام 2011، وتمّ وأد نشاطها آنذاك لأسبابٍ أمنيّةٍ، بينما تعمل جيان حسين عضو منسقية مجلس المرأة، وقياديةً في اتّحاد ستار، ويعدّ من بين أكبر التّنظيمات النّسائيّة العاملة بالمنطقة وساهمت بتأسيس الإدارة الذّاتيّة.
المرأة الكرديّة بمراكز صنع القرار
تقول فصلة يوسف سكرتيرة حزب الوحدة الديمقراطي الكردستاني وعضوة الهيئة الرّئاسيّة بـ(المجلس الوطنيّ الكرديّ)، لدى حديثها لمجلّة (صور): “إنّ وجود المرأة داخل مجتمعٍ ذكوريٍّ ونظرته الدّونيّة على أن مستواها أقلّ من الرّجل وليس باستطاعتها القيام بالعمل السّياسيّ، باعتقادي هذا غير صحيحٍ، فالمرأة تفوّقت على الرّجل بالكثير من المجالات وتحصيلها للشهادات العلميّة وممارسة عملها كطبّيّبةٍ ومهندسةٍ ومعلمةٍ يبرهن على قدرتها على التّفوّق في ممارسة العمل والحراك السّياسيّ”.
وانتسبت يوسف إلى أوّل تنظيمٍ سياسيٍّ آنذاك سنة 1987، وكانت أوّل امرأةٍ تَشغل منصب رئيس حزبٍ بالانتخاب قبل سنتين، وترى بأنّ المرأة يجب ألّا يكون وجودها عبر تقاسم الحصص والنّسب حتّى يحفظ مكانتها لشغل كرسيٍ فقط، وأضافت: “بل أن تلعب دوراً إيجابيّاً في المراكز التي تشغلها أيّاً كان نوعه، فدور المرأة داخل المجلس الوطنيّ جيّدٌ ومهمٌّ، وأصبح لها بصمةٌ واضحةٌ في اتّخاذ القرار السّياسيّ، كما تتصدّر مقاعداً في الهيئة الرّئاسيّة والأمانة العامّة وهي مراكز صنع واتّخاذ القرارات بالمشاركة”.
وفصلة يوسف من بين أعضاء الوفد المفاوض بالمباحثات الكرديّة– الكرديّة، نوّهت إلى العمل بشكلٍ حقيقيٍ على زيادة نسبة حضور المرأة داخل الهيئات وبشكلٍ أكبر فعّاليّةٍ داخل المجلس، وتؤكّد بأنّ المرأة الكرديّة بشكلٍ عامٍّ ذكيةٌ ومجتهدةٌ ومحبّةٌ لقضيتها، والقضية الكرديّة ليست محصورةً بالرّجل فقط، بل هي قضية مجتمعٍ بأكمله ومن ضمنه المرأة.
أما دلاف حاجّ درويش والتي ترعرعت في بيت السّياسيّ الكبير الرّاحل عبد الحميد حاجّ درويش وكان أحد مؤسّسي الحركة السّياسيّة الكرديّة في سوريا التي انبثقت سنة 1957، انخرطت بالعمل السّياسيّ منذ نعومة أظافرها، كونها ورفقةً مع والدتها قاموا بدورهنّ إلى جانب حاجّ درويش.
تقول: إنّها انتسبت إلى صفوف الحزب الدّيمقراطيّ التّقدميّ الكرديّ منذ سنٍّ مبكرةٍ، وناضلت في منظّمات الحزب المختلفة، وفي المؤتمر 15 للحزب منحها رفاقها في الحزب عضوية اللّجنة المركزيّة توافقياً عبر الانتخاب.
ولدى حديثها مع مجلّة (صور) عن تقييمها لدور المرأة في الحياة السّياسيّة، وضمناً العمل التّنظيمي في أحزاب الحركة الكرديّة تقول: حتّى الآن لا يرقى إلى المستوى المطلوب بالمقارنة مع نسبة تواجدها في المجتمع الكرديّ وأهمّيّتها وانخراطها في مجالات العمل والتّعليم ودورها المهمّ في الدّفاع عن مناطقها.
وتضيف: “على الرّغم من الدّور الذي لعبته المرأة خلال الأزمة السّوريّة والتّضحيات الكبيرة التي قدّمتها وتَحمُلها النّصيب الأكبر من نتائج الأزمة اقتصاديّاً واجتماعيّاً ونفسيّاً، يبقى دورها السّياسيّ ضعيفاً ويعود إلى إهمال وتهميش دور المرأة في المجتمع، خاصّة وأنّ النّشاط أو النّضال السّياسيّ الكرديّ اقتصر على الرّجال كفهمٍ عامٍّ”، ولفتت درويش في حديثها إنها تستطيع القول اليوم وبكلّ ثقةٍ: “بأنّ مشاركة المرأة على قلّة نسبة تمثيلها فعليّةٌ في العمل السّياسيّ، حيث تحتل أماكن قياديةً في بعض الأحزاب، والمرأة التي تمتلك امتيازاتٍ فكريّةً وثقافيّةً، وتتمتع بإمكانياتٍ تؤهّلها لتولي هذا المكان، ففي حزبنا هناك أربع رفيقات في اللّجنة المركزيّة، إلّا أنه يبقى دون مستوى طموحنا”.
وككلّ مجتمعٍ خاضعٍ لحركة التّطور التّاريخيّة وللصيرورة الاجتماعيّة والمدنيّة والفكريّة التي تتطلّب مساهمةً فعّالةً من المرأة في عمليّة التّغيير والبناء، والمرأة الكرديّة كفردٍ من المجتمع لم تصل لهذه المرحلة من نيلها لحقوقها ومشاركتها في صناعة القرار، إلا بعد نضالٍ طويلٍ بدءاً من تأكيد الهويّة الثّقافيّة، ومن بين الأسماء القيادات بالمنطقة السّياسيّة إلهام أحمد الرّئيسة التّنفيذيّة لمجلس سوريا الدّيمقراطيّة. تقود الجهود السّياسيّة للدفاع عن حقوق وقضايا أبناء شمال وشرق سوريا. شاركت في مفاوضاتٍ مباشرةٍ مع النّظام الحاكم منتصف 2018 لانتزاع اعترافٍ دستوريٍّ بحقوق الشّعب الكرديّ بسوريا.
والأميرة والكاتبة روشن بدرخان؛ هي مثالٌ ونموذجٌ لإحدى النّساء اللاّتي ساهمن في مقدّمة النّضال الوطنيّ والتّقدميّ، فكان لها دورٌ قويٌّ وفعّالٌ كممثّلةٍ للكرد في المحافل الدّوليّة في القرن العشرين لإثبات الوجود الكرديّ في ظلّ السّياسات الهادفة لوأد القضية الكرديّة وإزالتها من الذّاكرة السّياسيّة العالميّة، وبين الأوساط الثّقافيّة الكرديّة في دمشق ويعود لها شهرة ولقب أوّل امرأةٍ تقرأ وتكتب باللّغة الكرديّة-الأبجدية اللاتينية- ووقوفها المتواصل إلى جانب زوجها الأمير جلادت بدرخان خلال مسيرته الثّقافيّة، وكانت روشن من المؤسّسات لجمعية (إحياء الثّقافة الكرديّة) في دمشق 1954، ومن أقوالها المأثورة: “أعطني وحدة الكرد أعطيك كردستان مستقلّةً”.
دور المنظّمات النّسويّة
بعد انسحاب النّظام السّوريّ من المناطق الكرديّة بشكلٍ تدريجيٍ، وانحصاره ضمن نقاطٍ ومربعاتٍ أمنيّةٍ، شكّل حزب “الاتّحاد الدّيمقراطيّ” (pyd) الإدارة الذّاتيّة عام 2013، كما أسّس ثلاث مقاطعاتٍ (مقاطعة الجزيرة والفرات والشّهباء بحلب)، وفي صيف 2018 أُعلن عن الإدارة الذّاتيّة لشمال وشرق سوريا، ومنحت الأخيرة المرأة أدواراً مهمّةً، ووضعتها في مركزٍ مسؤولٍ كشريكٍ في إدارة المؤسّسات المدنيّة والعسكريّة وأنشأت رئاسةً مشتركةً بين الرّجل والمرأة، كما شكّلت “وحدات حماية المرأة” (ypj) وتشكّل ثلث قوّات سوريا الدّيمقراطيّة، وأسّست تنظيماتٍ نسائيّةٍ مدنيّةٍ مثل “اتّحاد ستار” قبل 2011، الذي يعدّ من أبرز التّنظيمات السّياسيّة النّاشطة في المنطقة، ويضمّ جميع التّنظيمات والشّخصيات النّسائيّة العاملة مع الإدارة الذّاتية، وحركة المجتمع الدّيمقراطيّ (TEV-DEM) وحزب الاتّحاد الدّيمقراطيّ.
ولدى حديثها مع مجلّة (صور) عبر خدمة (واتس آب)، أفادت جيان حسين عضو منسقية اتّحاد ستار وقياديّةٌ بمجلس المرأة في شمال وشرق سوريا: “إنّ مشاركة المرأة في العمل السّياسيّ حقيقيٌ ويجب ألّا تقلّ عن 40% لأنها تعتبر ركيزةً أساسيّةً في هذا المجتمع، ولها الدّور الأكبر في العمليّة السّياسيّة” وهو ما نطمح إليه”، على حدّ تعبيرها.
وتؤكّد بأنّ ثورة روجآفا وهي التّسمية الكرديّة للمناطق الكرديّة شمال شرق البلاد،”سميت بثورة المرأة؛ لأنها شاركت في بناء مجتمعها، وساهمت في كلّ مجالات الحياة، ومنها السّياسيّة والعسكريّة وتطبيق نظام الرّئاسة المشتركة والحياة المشتركة النّديّة وتشكيل نظامها الخاصّ بالمرأة”، وشرحت بأنّ المجلس يسعى للحفاظ على مكتسبات المرأة ومكوّنات الشّعوب: “وذلك بالعمل الدّؤوب من أجل تطويرها كثقافةٍ وتحقيق ضمانٍ دستوريٍّ لها في سوريا المستقبل”.
في حين شكّكت الباحثة والنّاشطة الحقوقيّة الدّكتورة ميديا محمود لدى حديثها مع مجلّة (صور) عن مدى فعّاليّة دور المرأة وقدرتها على المشاركة في صنع القرار السّياسيّ بقولها: “أشكّ بذلك”، ولفتت أنّ الأحزاب والأطراف السّياسيّة: “تأخذ النّساء كمزهريةٍ جميلةٍ توضع على مناضِد الحوارات”، وكانت محمود من بين أوّل من أسّسنّ منظّمةً نسويّةً مستقلّةً قبل 2011 في مدينة القامشلي، وشغلت منصب عضوة لجنة أمناء منظّمة داد لحقوق الإنسان وقياديّةٍ سابقةٍ في حزب آزاد الكرديّ.
وترى محمود أنّ: “في الحياة السّياسيّة غالباً يتمّ صنع القرارات في الغرف المغلقة، وليس على منصّة المؤتمرات”، واعتبرت بأنّ الحرب عُكست سلباً على جميع شرائح المجتمع: “سيّما الرّجال الذين هم مغلوبٌ على أمرهم لأن الوضع السّوريّ عامّة أصبح فيه الإنسان عاجزاً، ودور المجتمع الدّوليّ أصبح أكثر فعّاليّة في القضية السّوريّة من الأحزاب السّياسيّة سواء كانت كرديّةً أو غير ذلك”.
وفي مسعىً لإيجاد آلية تغييرٍ لبعض عادات المجتمع وانفتاحه فكريّاً وسياسيّاً، تقول محمود عن أوّل تجاربها في العمل النّسويّ في كتابة مقالة عن الحاجة إلى جمعيةٍ نسويّةٍ مستقلّةٍ عن الأحزاب في المجتمع الكرديّ، وأنّ نسبة الإقبال على العمل في التّنظيمات النّسويّة أكبر من الإقبال على الأحزاب السّياسيّة وتعزو محمود ذلك إلى: “لا زال مجتمعنا هو ذات المجتمع الذي غالبيته يُنكر خروج المرأة من المنزل والعمل في الشّأن العامّ”، أما العامل المادّي والرّواتب المشجّعة بحسب محمود: لعبت دوراً مهمّاً في منح بعض النّساء مساحةً من الحرّيّة وسماح الأهل لأخواتهم وبناتهم أو زوجاتهم للالتحاق بالعمل المجتمع المدنيّ والمجال السّياسيّ”.
وأضافت أنّه حين يكون المجتمع ديمقراطيّاً ويجد الرّجل مكانه الصّحيح في الحراك السّياسيّ وتطبيق مثال: (الرّجل المناسب في المكان المناسب)، حينها النّساء بشكلٍ تلقائيٍّ سيتبوّأن الكفاءات والمناصب المناسبة لهنّ، وشدّدت ميديا محمود بأنّ الحروب الدّائرة منذ تسع سنواتٍ والظّروف الاقتصاديّة القاسية ورحيل فئتي الشّباب والرّجال: “كانت من الأسباب التي وجدت النّساء أنفسهنّ مضطرّاتٍ لقيادة المجتمع، والقيام بأدوارٍ لم تكن نمطيةً لهنّ، ومن ضمنها الحياة السّياسيّة، وبذلك استطاعت المرأة أن تغيّر حياتها الخاصّة، سيّما النّساء الكرديّات هناك بعض التّطورات الإيجابيّة في حياتهنّ من ناحية الجرأة والانخراط في العمل”.
وهناك العشرات من المنظّمات النّسوية العاملة في شمال شرق البلاد تأسّست في أعقاب الثّورة السّورية، ومنها: منظّمة الاتّحاد النّسائيّ الكرديّ في سوريا وتعدّ أوّلى المنظّمات الكرديّة النّسويّة بعد الثّورة، اتّحاد نساء كردستان-سوريا، شبكة الصّحفيات السّوريّات ومبادرة نساءٍ سوريّاتٍ من أجل السّلام والدّيمقراطيّة.
والجدير ذكره أنّ عدد سكّان سوريا قبل الحرب كان بحدود 21 مليون نسمةٍ بحسب المكتب المركزيّ للإحصاء، ويشكّل الكرد 13 بالمائة نسبة للتعداد السّكّانيّ العامّ، وأنّ النّسبّة بين عدد الرّجال والنّساء كانت متساويةً تقريبياً، لكن بعد ظروف الحرب باتت نسبة النّساء تساوي 60 بالمائة مقابل 40 بالمائة من الذّكور، وانخفاض عدد السّكّان إلى 18 مليون نسمةٍ، نصفهم أصبح لاجئين في دول الجوار وهاجروا إلى الدّول الغربيّة والأوربيّة.
آراء المستطلعين
وفي استطلاعٍ لآراء الشّارع في مدينتي الحسكة والقامشلي من شمال شرق سوريا، خاصّ بمجلّة (صور)، نجد أن نسبة تمثيل المرأة في المؤسّسات والهيئات المجتمعيّة تتفوّق على تمثيلها في اللّجان والهيئات السّياسيّة ومراكز اتّخاذ القرار السّياسيّ. وبشكلٍ كبيرٍ تتشابه الآراء بأنّها تخطو بخطواتٍ سريعةٍ قبل تمكينها سياسيّاً بالشّكل المطلوب، لذلك يبقى دورها بروتوكوليّاً، أي أنّ العمل السّياسيّ للمرأة في المنطقة الكرديّة جاء أشبه بمولودٍ ولدٍ قبل أوانه (خديجاً) أقلّ وزناً واكتمالاً.
وعزى معظم المشاركين والمستطلعين ضمن التّحقيق عموماً أنّ صعوبة العمل السّياسيّ والسّرّيّة المحاطة به والنّتائج المرعبة التي كان يعاني منها العامل في الحراك السّياسيّ والتّواري عن أنظار الأجهزة الأمنيّة لدى السّلطة القائمة في الحكومة السّورية والتي وصفها الغالبية “بالاستبدادية”، ويضاف إلى ذلك العادات والتّقاليد المتوارثة في المجتمع الكرديّ، واقتصار مسؤوليّات المرأة على تربية الأولاد والاهتمام بالمنزل، من أهمّ الأسباب التي أضعفن دور ومشاركة المرأة في الحياة السّياسيّة.
“ميديا حاجّ موسى” (37عاماً) موظفةٌ في هيئة الشّباب والرّياضة في عامودا، تقول لمجلّة (صور): “هناك غيابٌ كبيرٌ لدور المرأة في العمليّة السّياسيّة، حيث يتمّ استغلال وجودها بروتوكوليّاً كشماعةٍ كاذبةٍ في إظهار مساواةٍ وهميّةٍ تنخدع بها المرأة، حقيقةً لا يمكنها الوصول إلى مراكز القرار كما في الدّول الغربيّة”.
وتصف تمثيل المرأة في لجنة صياغة الدّستور، “بالضّعيف جداً”، لأنها لا تملك تجارب سابقةٍ في مشاركة العمليّات الدّستوريّة.
وتضيف: “عدم مشاركة المرأة في السّياسات العامّة يؤدّي إلى ضعف العمليّة السّياسيّة ونقصٍ في الحلول الممكنة في سبيل الوصول لتسوياتٍ سياسيّةٍ كون المرأة لديها أفكارٌ وقادرةٌ على مجاراة أفكار الرّجل”.
أما “ناظم درويش” (41 سنة)، مدرس مهارات قيادة الحاسوب في المعهد الأمريكيّ للغات، كان رأيه مختلفاً عن آراء المستطلعين، يقول لمجلّة (صور): “للمرأة دورٌ إيجابيٌّ في صُنع السّياسة العامّة، وذات أهمّيّة وكانت بمثابة السّند الأساسي لقيام الإدارة الذّاتيّة”، يعزو درويش ذلك، “بسبب رفض أغلب الرّجال الانخراط في مؤسّسات الإدارة بسبب قلّة المردود المادّي”، بحسب وصفه.
ويُحمّل ضعف دور المرأة داخل التّنظيمات الحزبيّة “للقيود المجتمعيّة في مرحلة ما قبل نشوء الإدارة الذّاتية، فيما بعد أدركت الأحزاب ضرورة انخراط المرأة ومشاركتها في العمليّة السّياسيّة تقليداً لنظام كوتا المعمول به في كثير من البلدان”.
وما يجدر ذكره أنّ الإدارة الذّاتيّة أصدرت العديد من القوانين الخاصّة بحقوق المرأة، ومنها حقّ العمل والمشاركة السّياسيّة، شبيهةً بتلك القوانين المدنيّة المعمول بها في الدّول الغربيّة، وفي استغرابٍ أوّليٍ لهذه القوانين بين مؤيّدٍ ومعارضٍ ومستهزئٍ إلّا أنه أصبح أمراً واقعيّاً تقبله الرّجل والمجتمع، فما شهدته المنطقة من حراكٍ سياسيٍّ ودمويٍّ استوجب استنفار كلّ الطّاقات البشريّة لإرساء الاستقرار فيها، بما في ذلك الحاجة لدور المرأة التي شاركت في التّحركات السّياسيّة كداعيةٍ ومفاوضةٍ أساسيّةٍ للحوار.
Add Comment