Add Listing Sign In

لماذا نعلن الحرب على أطفالنا المراهقين؟

بقلم: ربيعة حسين صدى الجنوب السوري

بقلم: ربيعة حسين

صدى الجنوب السوري

ما الذي نخشاه من أطفالنا؟ أن يرتكبوا الأخطاء؟ أن يتعرضوا للمخاطر؟ أن يهدروا وقتهم؟ أن لا نحظى باحترامهم؟ هل يقلقنا نموهم الجنسي؟ وهل الحل “بأن نعمل على تقييدهم وعزلهم، والإصرار على صوغ أجسادهم على غرار صنفنا الرجولي أو النسوي، وتلقينهم القوانين القَبَلية، والتأكد من ركوعهم أمام سلطتنا”(1)؟ أسئلة تدفعنا للبحث في مرحلة المراهقة كمرحلة نمو تنطوي على تغيرات جسدية وعقلية ونفسية، والتوقف أمام شكل علاقاتنا مع أطفالنا، وما الذي يحتاجونه أو يصبون إليه، علّ ذلك يبدد خوفنا الذي يتحكم بمصائر أطفالنا.

ما الفرق بين سن البلوغ وسن النضج؟

لا تخوّلنا العلامات الأولى للبلوغ أن نطلق على الفرد أنه بالغ أو بالغة، إنما هي بداية لمرحلة البلوغ والتي وردت عند “أحمد محمد الزعبي” في كتابه (سيكولوجية المراهقة) تحت مسمّى “مرحلة المراهقة المبكرة” التي تمتد من 13 إلى 16 سنة، فالفتيات يبدأن بلوغهن في العاشرة أو الحادية عشرة، ويكتمل بلوغهن ما بين 15 و 17سنة, أما الفتيان فيبدأ في 11 أو12 سنة، ويكتمل بلوغهم بين 16 و17سنة، أي أنّ هناك رحلة زمنية يجتازها الفرد، تبدأ ببدء نشاط الغدد الجنسية وقيامها بوظائفها، وتنتهي باكتمال الوظائف العضوية، ونضج الأعضاء التناسلية، ومن ثم تأتي مرحلة المراهقة المتأخرة التي تبدأ من 17 إلى21 سنة, وتُعرف باسم مرحلة ما بعد البلوغ، حيث يتمكّن الفرد في هذه المرحلة من أداء وظائفه الجنسية بشكل كامل، تليها مرحلة سن الرشد الذي يُفترض أنه سن النضج(2). 

والفرق بين البلوغ والنضج, يشير إليه بوضوح المعنى المعجمي لكلمة نضج, ففي معجم “المعاني الجامع” نضج الشخص اكتمل نموه واكتسب خبرة في التفكير، وهو يلتقي مع تعريف علم النفس التربوي:” حالة من التوافق المحكم تشير إلى اكتمال وتناغم العمل بين الوظائف العقلية والجسدية والفيزيولوجية والروحية والاجتماعية، بصورة تُمكّنه من فهم الحياة بتناقضاتها المختلفة والمعقّدة، والاستقلالية في التحكم بشؤونه، واتخاذ القرارات المصيرية المعقولة والمنطقية والسليمة في حياته، بمعزل عن سيطرة الآخرين وتأثيرهم”. بالتالي فإنّ الفترة الزمنية بين 10 و18 سنة هي مرحلة إعداد لسن النضج.

ما هي التغيرات البنيوية التي تحدث في دماغ المراهق/ة؟

استطاع الكثير من الباحثين والعلماء أن يلقوا الضوء على التغيرات البنيوية التي تحدث في دماغ المراهقين، ومنهم(جاي جيد)، (وسارة جين)، (وآن دوبرواز) في كتابهم (خفايا الدماغ)(3) وملخص هذه التغيرات: أنّ مناطق الدماغ لدى المراهقين تنضج بمعدلات متباينة جداً، “فمركز العاطفة” ويدعى اللوزة أو النواة داخل الفص الصدغي، وله دور أساسي في معالجة وتقييم الخطر والخوف وردود الفعل العاطفية، و”مركز المكافأة” حيث يكون في قمة نشاطه في هذه المرحلة، وخاصة حين يتعلق الأمر باعتراف الآخرين بالمراهق وتقديرهم له،  وهذان المركزان يتصفان بالنضوج المبكر، أما “مركز التفكير” في الفص الجبهي، هو المسؤول عن اتخاذ القرارات المنطقية والتحكم والسيطرة على الدوافع وردود الأفعال، ويتأخر هذا المركز بالنضوج حتى سن 25 سنة،

هذا يعني أنّ دماغ المراهق غير متطور نسبياً عندما يتعلق الأمر بالتفكير المنطقي، مما يفسر القرارات التي نسميها بالقرارات الطائشة للمراهقين واندفاعاتهم، فهم أقل قدرة من الناضجين أو الراشدين في التحكم بانفعالاتهم، واتخاذ القرارات المنطقية، والتخطيط للمستقبل بشكل سليم، في ظل عدم اكتمال نضج مركز التفكير المنطقي.

ما الذي تعنيه المثاليات والقيم بالنسبة للمراهق/ة؟

المثل الأعلى يصبح ملحّاً في مرحلة المراهقة، لكن لا يمكن لأحد أن يستأثر بهذه المنزلة إذا لم يعترف ويحتفل بوجود المراهق/ة  كما هو، ويصغي إليه ويفسح له أن يعبّر عن أسئلته ومشكلاته، خاصةً إذا كان من دائرته القريبة أو من محيطه، إنّ حاجته للمثل الأعلى هي حاجته “للمثاليات والقيم التي يمكن  أن يخلص لها”، وقد يكون أولها قيمة الحب التي تلعب دوراً في إضفاء الجمال على وجوده، فالحب لديه لا يرتبط بالجنس أو بالأحرى لا يرتبط بالدوافع الجنسية، بل هو عتبة نمو وجودي لا يمكن أن تنضج شخصيته إلّا بالمرور من خلالها، بالتالي إنّ قمع هذه الصيرورة، ستحرمه من التوازن العاطفي، الخلل الذي سيؤدي إلى نتائج وخيمة.

غالباً ما نسمي مرحلة المراهقة بالمرحلة الخطيرة، وتبدو هذه التّسمية صحيحة واقعياً حين لا ينفصل الطفل في مجتمعاتنا عن كونه مُلكيّة خاصة، فتنشأ العلاقة على أساس مُسيطِر ومُسيطَر عليه، فنقذف العلاقة معه إلى خانة الحرب والإلغاء، ضمن تصورات مأزومة عن المراهقين بأنهم “سيدوسوننا وهم ينطلقون بسرعة إلى مجراتهم الجديدة، فنبدأ محاولاتنا بتقييدهم وعزلهم في شرنقة الأسرة، والإصرار على صوغ أجسادهم على غرار صنفنا الرجولي أو النسوي، وتلقينهم القوانين القبلية والتأكد من ركوعهم أمام سلطتنا”(4) فالنضج الذي ينتظره الجميع من المراهق/ة, يقف الجميع ضده بطريقة مواربة، ضمن معجم اجتماعي لا يحمل في تضاعيفه سوى الإدانة والنكران،( إنهم قنابل موقوته/ لا يمكن التفاهم معهم/ علاقتنا معهم في صراع مستمر/ فقدنا السيطرة عليهم/ إنهم مصدر قلق/ تحولت العلاقة بيننا إلى تهديد وابتزاز). بالنظر إلى مفردات المعجم السابق، لن نرى فرقاً بينها وبين مفردات الحرب، فهل نحن في حالة حرب مع المراهق/ة؟ نعم. إذ أنّ الحرب في النهاية هي العجز عن تشكيل لغة مشتركة خاضعة للفهم والحوار. 

أخيراً ما الذي يحتاجه المراهق/ة؟

يقول (كووشيانغ) في كتاب التاو(5) ل (لاوتسه تشوانغ):”من دون عمقٍ كافٍ لا يحمل الماء زورقاً كبيراً”، يمكن لنا أن نسحب هذا القول على التربية، فإذا كان الماء  يقابل النواة العميقة للأسرة (الأب و الأم) فإن مهمتهما ترتكز على حمل الزورق الكبير و الذي يقابل الطفل، إنه حقاً زورق كبير لأنه يحمل كل إمكانات الحياة بداخله، و لا يمكن أن تحمله سوى مياه عميقة، فلو كان هذا الماء ضحلاً سيجعل الزورق يراوح مكانه، متخبطاً بالقيعان الموحلة لتبعات تربية لم تعِ ذاتها. فمهمة الماء حمل القارب ليشق طريقه ويحدد وجهته، ما يحتاجه أطفالنا حقاً هو الأخذ بيدهم كي تنمو قدراتهم و تنضج ملكاتهم، أي مساعدتهم على النمو من خلال الانتباه والاهتمام والمسؤولية، المفردات التي تفضي إلى الحب، وتشرّع الأبواب أمام فضاء من الحرية ينطوي على الإصغاء والفهم والحوار.

المراجع:

  1. المراهقة وداعاً أيتها الطفولة، لويز ج. كابلن، ترجمة: أحمد رمو، منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1998
  2. سيكولوجية المراهقة، أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2010
  3. خفايا الدماغ، آن دوبرواز، ترجمة زينة دهيبي، إصدارات المجلة العربية، الطبعة الأولى 2015
  4. المراهقة وداعاً أيتها الطفولة، نفس المرجع
  5. كتاب التاو، لاوتسه/تشوانغ تسه، ترجمة هادي العلوي،دار المدى للثقافة والنشر، الطبعة الأولى2002

للاطلاع على المقال على منصة صدى الجنوب السوري

Prev Post
حول دور السلطات القضائية والادارية في مناهضة العنف ضد النساء والفتيات في سوريا
Next Post
دعوة للتقديم : دورة منصة تأثير لعام 2023 لجميع مشاريع الريادة الاجتماعية ومبادرات المجتمع المدني

Add Comment

Your email is safe with us.

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

Application for registration on Rawabet

X