نقلا عن موقع تايم
فريق التحرير: Misbar – مسبار
في عام 1965، أطلع الكاتب روبرت إلسون زميلته باتي ديفر على المسودة الأولى من تاريخ شركة تايم. ديفر التي بدأت العمل كباحثة في “تايم” أوائل الثلاثينيات، عبّرت عن انزعاجها من عدم وجود إشارة في المسودة إلى جهود النساء في بناء هذه المؤسسة.
مدققات حقائق منسيات في تاريخ المهنة
كان للنساء علاقة وثيقة بتاريخ الشركة، ففي العقود الأولى من تاريخ المجلة، عندما نشأ مفهوم تدقيق الحقائق في بيئة العمل، كانت النساء مسؤولات بشكل حصري تقريبًا عن هذه المهمّة. وفي الوقت الذي أصبحت فيه مكافحة المعلومات المضللة مسألة مهمة عالميًا، بات واضحًا أكثر أنّ عمل مدققي الحقائق مهم للغاية.
معظم النساء اللواتي عملن في المجلة في أيامها الأولى شغلن وظيفة “باحثة”، وهو دور ارتبط بالنوع الاجتماعي. إذ إنّ جميع باحثي المجلة كانوا نساءً حتى عام 1973، وكانت هذه الوظيفة تمثل فرصة في الحياة الوظيفية. وفي وقت أصبحت فيه المرأة تشكّل نسبة أكبر من العاملين بأجر، عملت الباحثات مع الكتاب (الذين كانوا من الذكور عادة) لجمع المواد البحثية اللازمة لكتابة مقال، ومن ثمّ تولّين مهمة تدقيق المعلومات الواردة في المقال.
وعلى الرغم من الدور الفاعل والهام الذي كان للباحثات، والذي وصل أحيانًا إلى تغطية بعض القصص الإخبارية، تقول ديفر “إنّ النساء كنّ غير معروفات تمامًا في الصناعة الأميركية” حينها.
ارتباط مهنة تقصي الحقائق بالنساء
جاء في السيرة الذاتية للمؤسس المشارك لمجلة تايم، بريتون هادن، عام 1949، أنّ التوتر الذي كان يحصل بين الكاتب والباحث، ما هو إلا امتدادٌ للمنافسة الطبيعية بين الرجل والمرأة. وقد ذكرت نانسي فورد، وهي أول باحثة في مجلة تايم، والتي بدأت في عام 1923، أنّ هادن ذات مرة، كان سيجعلها تخبر الشخص الذي سيطبع المقال عن تغييرات في اللحظة الأخيرة قبل النشر، وقال لها “أنت فتاة. لا يمكنهم قتلك!”.
كما أشارت ماري فريزر، أول رئيسة لقسم الأبحاث في المجلة، أنه على الرغم من أنّ العديد من الموظفين كانوا سعداء بهذه الهيكلة في ذلك الوقت، إلا أنّها اعتقدت أنّ هادن والمؤسس المشارك هنري لوس، كانا يعتبران “الفتيات” مسؤولات عن تدبير شؤون المكتب، بالإضافة إلى عملهن الفعلي، وكتبت عام 1965 “كان هناك خط مرسوم بوضوح شديد بين الكتاب والباحثين”.
وفي السياق ذاته، تجدر الإشارة إلى أنّ دليل العمل الخاص بالباحثات تضمن إرشادات عن ملابس الموظفات وسلوكهن، إذ جاء في كتيّب العمل النص التالي: “يحتاج الرجال إلى التذكير بقدر ما تحتاج النساء، لكن لا تنسي أن خصوصية شركة تايم، تتجلّى بسمة فضول لا ينتهي وتعليق متكرر، وهذا ما تعنيه المرأة الباحثة “. ووصفت ملابس الباحثات بدقة، عندما جاء فيها أن اللباس المقترح “أنثوي بين لباس الفتيات ولباس السيدات الصارم، وليس أي منهما”.
ومن النصائح التي وُجّهت للباحثات، عند التعامل مع شخص غير معتاد على “إجراء مقابلة مع فتاة”، جاء في الكتيّب “يجب على الباحثة أن لا تنسى كم من الممكن أن تكون مزعجة للبعض لمجرّد أنها امرأة، لذا يجب عليها أن تبرهن من خلال سلوكها غير المتكلّف، أنها ليست عبئًا أكثر مما يمكن أن يكون الرجل”.
تتحدث ماري فريزر عن هذه التحيّزات، وتذكر أنّها لاحظ عندما عبأت نموذجًا للشركة أنّه احتوى خانة تقول “إذا كنت متزوجًا، اذكر اسم زوجتك قبل الزواج”، لتغيّر فريزر الصياغة يدويًا إلى “زوجك”. وأوضحت أنها عدّلت أكثر من سؤال، وكتبت قبل تسليمه “استبيان ذكوري بالكامل، لدينا قرابة 300 امرأة يعملن هنا!”.
وفي عام 1946، كتب هنري لوس إلى رئيس قسم الأبحاث مقترحًا “ربما حان الوقت مرة أخرى لحملة “لباقة” بين الباحثين في المجلة، وأقترح أن يتم عقد دروس في السلوكيات المهذبة، إلى جانب كيفية كتابة خطاب شكر وما إلى ذلك، واختتم اقتراحه بالقول “لا شك أن بعض شاباتنا كن مشغولات للغاية لدراسة هذه الأخلاق في كلية فاسار”.
من المؤكد أن تقصي الحقائق ليس المهنة الوحيدة التي يقدم فيها التاريخ أمثلة على وجود صلة بين النوع الاجتماعي والطريقة التي يتم بها تقييم العمل، في الواقع ومن قبيل الصدفة، فإن يوم الثاني من إبريل/نيسان الذي يُحتفى به كيوم تقصّي الحقائق العالمي، هو أيضًا يوم المساواة في الأجور.
كيف عرقل النوع الاجتماعي تطوّر مدققّات الحقائق حينها؟
وعلى الرغم من أنّ فريزر أصبحت أول محررة أولى في عام 1942، إلا أنّ عقودًا مرت قبل أن ترقّي مجلة تايم وغيرها من المجلات، المزيد من النساء المؤهلات إلى أدوار عليا. ففي عام 1970، رفعت نساء يعملن في صحيفة نيوزويك دعوى قضائية، أعقبتها بشكوى في مجلة تايم بعد بضعة أشهر، وبما أنّ هذه القضايا البارزة دفعت المجلات إلى ترقية النساء إلى وظائف الكتابة والتحرير، ظلت مهمة تقصّي الحقائق أمرًا بالغ الأهمية ولكنها لم تعد مرتبطة بالنساء كما كانت من قبل، إذ سرعان ما بدأ بعض الرجال بالتدفق إلى صفوف الباحثين.
ولكن لمجرد أنّ الأمر استغرق حتى سبعينيات القرن الفائت ليحدث هذا التغيير، لا يعني أن النساء الأوائل اللواتي كنّ مدققات حقائق لم يكنّ مهتمات بالتقدم الوظيفي.
في صيف عام 1946، قدّم ناشران من المجلة فريق البحث إلى القرّاء، وجاء في وصف إحدى الباحثات “أنيقة، تبلغ من الطول 5 أقدام و6 بوصات ووزنها 126 رطلًا، عمرها 26 سنة، غير متزوجة عيونها زرقاء، يسعدها أنها عملت بجد بما يكفي خلال عام وتسعة أشهر في المجلة”.
وفي المقال الذي تحدث عن المحررين، لم تتم الإشارة إلى أوزانهم، بل تحدّث عن حضور بعضهم حفلات موسيقية ومسرحيات، ومكافحة أحدهم للوصول إلى الجزار قبل إغلاقه، إلى جانب أنهم في المتوسط كانوا يدخنون علبة سجائر في اليوم.
وعندما تساءل كاتب المقال في نهايته، عمّا إذا كان الجمهور يرى “أنّ محرر أو كاتب مجلة تايم يشبه فكرتك عما يجب أن يكون عليه الرجل؟”، تلقى العديد من الأجوبة حول هذا السؤال، ولكن الباحثات فاجئن رؤساءهن عند الإجابة على السؤال الثاني، وهو “ما الذي تفضّل الباحثات فعله بدلًا من هذه الوظيفة؟”. وفي حين توقع الكاتب أن يسمع عن “رغباتهن في حياة منزلية هادئة”، تفاجأ بطموح عدد كبير منهن للارتقاء إلى مهنة محرر أو كاتب.
Add Comment