Add Listing Sign In

كيس على المبيض: متى يصبح الطب النسائي للنساء؟

Jeem

كيس على المبيض: متى يصبح الطب النسائي للنساء؟

بقلم: جوال حاتم

جهة النشر: Jeem

منذ بضعة أسابيع، اكتشفتُ في أثناء معاينتي الروتينية لدى طبيبي النسائي أنّ كيس المبيض الذي أحمله منذ أكثر من سنتين اختفى. للوهلة الأولى، لم أصدّق الطبيب عندما زفّ إليّ الخبر بعد استكماله التخطيط الصوتي. فسألته مستغربةً: “أكيد؟” ابتسم، قائلًا: “إيه، شو عم بمزح معك؟ يلّا قومي. ما في شي”.

استغرابي اختفاء الكيس من تلقاء نفسه نبع من توقّفي عن تناول حبوب منع الحمل – الدواء الذي وصفه الطبيب لمعالجة الكيس – منذ حوالي شهرَين من دون استشارته. كنتُ سئمت التقلّبات الهرمونية، وانتفاخ صدري وأوجاع الرأس المتكررة التي كانت أحيانًا تصيبني في شكل صداعاتٍ نصفية. كذلك كنتُ سأتناول لقاح “أسترازينيكا” (AstraZeneca) للوقاية من فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) الذي ارتبط اسمه بجلطاتٍ دمويةٍ نادرةٍ أصاب معظمها النساءَ دون سن 55 عامًا بعد تلقّيه، في حين يُعرف أن أحد الآثار المحتملة لتناول حبوب منع الحمل هو الإصابة بالجلطات الدموية. لم أُرد مضاعفة المخاطر. أعي أنّني بشكلٍ ما كنتُ أطبّب نفسي، لكنّي كنتُ بحاجةٍ إلى هذه الاستراحة.

ترافقني أكياس المبيض منذ أكثر من 10 سنوات. لا أذكر سنةً منها لم ينمُ فيها كيسٌ أو اثنان على أحد المبيضَين لديّ. وفي كل مرّة، كان طبيبي النسائي يصفُ لي حبوب منع الحمل للعلاج، رغم أنّي اكتشفتُ مؤخرًا دراساتٍ بيّنَت عدم وجود أدلةٍ كافيةٍ تدعم استخدام موانع الحمل لمعالجة الأكياس المتكوّنة. في الواقع، ينمو معظم أكياس المبيض نتيجةً لدورة الحيض، ويختفي أغلبها في غضون بضعة أشهرٍ من دون علاج. في حالتي، في كل مرةٍ كنتُ ألاحظ فيها تغيّراتٍ في دورتي الشهرية أو أعاني آلامًا لا تُطاق في منطقة الحوض، كان يتّضح أن سببها أكياسُ المبيض تلك. أما العلاج الذي كان طبيبي يصفه لي دائمًا، فكان حبوب منع الحمل. لعلّه لم يُرد المخاطرة بترك تلك الأكياس تكبر وتؤدي إلى تعقيدات، ففضّل عدم انتظار احتمال اختفائها من تلقاء نفسها. في عام 2015، نما كيسٌ مبيضيٌ على شريان دمٍ وتضخّم حتى بات يضغط على الرحم، ما استدعى إجراء عمليةٍ جراحيةٍ لاستئصاله.

ما زالت الأبوية تسيطر على الطبّ النسائي إما عبر تعتيمها على المعلومات المتاحة بشأن أجساد النساء، أو فشلها في تقصّي أبسط الأمور المرتبطة بها

في إحدى زياراتي المُعتادة إلى طبيبي النسائي سألتُه: “ما في حلّ تاني؟ بدي ضلّ آخد الحبّة كل حياتي؟” لا أذكر إجابته حرفيًا، لكن بعض كلماته يومذاك بقيَت معي – وإن جاءت على سبيل المزاح: “بدّك تحبلي”. تعكس هذه الكلمة الهيمنة الأبويةَ والمعياريةَ في الطبّ عمومًا، والنسائي منه خصوصًا. فهي تربط جسد المرأة بالعملية الإنجابية، كأنّ أجسادنا “الشائبة” أو “الناقصة” لا تُصحَّح أو لا تكتمل إلّا عبر الإنجاب. وإذا ما سلّمتُ أمري للطبيعة أو للبيولوجيا، فسوف يحتّم عليّ العيش مع أكياس مبيضٍ متكرّرةٍ والاستخدام المستمرّ لحبوب منع الحمل لعلاجها، إلا إذا اخترتُ الحلّ الجذري الذي يقضي باستئصال المبيضَين.

لكن أين التقدّم العلمي من كل هذا؟ رغم المساعي لمحاربة التمييز الجنسي والجندري في الطبّ والبحث العلمي، ما زالت الموارد (تمويل وأبحاث وتصنيع وإعلانات) المخصّصة لصحّة النساء ومتعتهنّ الجنسية أقل بكثيرٍ من تلك المخصّصة لصحّة الرجال ومتعتهم الجنسية. وما زالت الأبوية تسيطر على الطبّ النسائي إما عبر تعتيمها على المعلومات المتاحة بشأن أجساد النساء، أو فشلها في تقصّي أبسط الأمور المرتبطة بها.

لكن للأبوية حلٌّ ألا وهو النسوية. نحن بحاجةٍ إلى مقاربةٍ نسويةٍ لبرامج تعليم الطبّ النسائي، تركّز على النساء وترى أبعد من قضايا الإنجاب في صحة النساء وحيواتهنّ الجنسية والإنجابية. كما نحتاج إلى طبيباتٍ نسويّاتٍ وأطباء نسويّين يرفضن التمييز بجميع أنواعه، ويحاربون الميزوجينية ويستمِعن إلى مريضاتهنّ ويتحدّون قولبتهنّ من منظار أحكامهم المسبقة؛ هذه مجرّد أمثلةٍ عن ممارساتٍ طبّيةٍ نسويةٍ محورها النساء ورفاهيتهنّ وسلامتهنّ. بمعنًى آخر، نحن بحاجةٍ إلى ​​مقاربةٍ نسويةٍ لصحّة النساء ترتكز على العمل مع النساء عوضًا عن العمل من أجلهنّ، وتعتمد التنوّع في النظر إلى تجاربهنّ عوضًا عن التجانس، وتسعى إلى إبراز ومعالجة الاختلال في موازين القوى في سياق تقديم الرعاية الصحية، وترفض تطبيع المحوَرية الذكورية (أي تمحوُر نماذج الصحّة والأمراض حول الرجال)، وتتحدّى النظر إلى العمليات الفيزيولوجية على أنها مشاكل طبيةٌ وباثولوجيةٌ بحتة، وتسعى إلى إحداث تغييرٍ اجتماعي وسياسي لمعالجة القضايا المرتبطة بصحّة النساء.

من المفترض أن أزور طبيبي النسائي بعد ثلاثة أشهر لإجراء معاينةٍ روتينيةٍ جديدة. لا أدري ما قد يحصل حتى حينها، وأحاول عدم التفكير بالأمر. لكن ما يفرحني في الوقت الحالي هو نتيجة الفحص الأخير واعتراف طبيبي بهيمنة المحورية الذكورية على الصحّة في خلال حديثنا السريع عن تدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والصحّية في لبنان.

المصدر.

Prev Post
تعنيف أطفال في حضانة في لبنان…ماذا لو كان الرجال شركاء في الأعباء المنزلية؟
Next Post
في تدريب عن بلدي.. احكيلي

Add Comment

Your email is safe with us.

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

Application for registration on Rawabet

X