قراءة جديدة في بناء السلام
إعداد: اسماعيل محمد عبدالله
جهة النشر: المركز الديمقراطي العربي
يتناول البحث قراءة جديدة حول مفهوم بناء السلام كضرورة حتمية من اجل القضاء على مظاهر العنف , و تسليط الضوء على المفاهيم الاساسية في عملية بناء السلام , كما ايضا يتناول ضرور التركيز على المراءاة و الشباب كفاعلين اساسين في عملية بناء السلام .
و التركيز علي الادوات الجوهرية التي تعتبر الثمة الاساسية للقضاء على العنف و تعزيز السلم المجتمعي التي تتمثل في التعليم , المصالحة الوطنية , المشاركة الديمقراطية , و ايضا ترطز الدراسة على التجارب التي احدثت نقلة نوعية في مجال السلم المجتمعي .
المقدمة:
انطلاقا من معنى السلام بصفة عامة والذي إما يعرف بغياب المظاهر السلبية مثل العنف وبحضور المظاهر الايجابية مثل الهدوء والاستقرار والصحة والنماء، ولكن مع الحركة الديناميكية للمجتمع، تطورت مفاهيم بناء السلام بعدت مراحل التي سوف نذكرها لاحقا. عادتا ما يتحقق بناء السلام في ظل وجود مجتمعات متماسكة و تسود فيها روح الاحترام وتقبل الأخر وتحقيق العدالة الاجتماعية. يتكون كل مجتمع من مجموعة من البشر مختلفون بالضرورة عن بعضهم بعض سواء في الحراك الثقافي و ميكنزماته , التي تحدد ثقافاتهم و تظهر التنوع الجميل لدي الشعوب, وهنا ننظر للحراك الثقافي وفقا للبعد الأنثروبولوجي, الذي يتضمن انتمائهم الديني والمذهبي وموقعهم الاجتماعي والوظيفي والاقتصادي , ولكن يجمعهم جميعا ما يمكن إن نطلق عليه (عقد اجتماعي) أي التزام غير مكتوب بينهم أو العكس يتناول حقوق وواجبات كل طرف في المجتمع الخروج عن هذا العقد يمثل انتهاكا لحقوق الإطراق الأخرى يستوجب التدخل ا لتصحيح الموقف من هذا المنطق فان اعقد الاجتماعي هو تعبير عن حالة توازن بين الإطراق المجتمعية المختلفة في المصالح والقوة والإمكانيات والإرادات.
يحافظ على هذا التوازن قوة ليست بالضرورة قوة العضلات أي العنف ولكن هي في الأساس قوة القانون الشرعية
يساعد على تسوية النزاعات والخلافات باعتباره المرجعية التي تعود إليها الإطراف المختلفة لحل مشكلاتهم لذلك إن الاهتمام بتحقيق بناء ا لسلام كان دائما مطلبا إنساني والمفاهيم المتعلقة بمسائل السلام والحرب هي قديمة متعلقة مع ظهور الإنسان عانت البشرية من ويلات الحروب والصراع والعنف وظهور الإرهاب ومازال هنالك زيادة في معدلات الصراعات والعنف بجميع إشكاله خصوصا بعد ظهور الأنظمة الاستبدادية، هنالك بعض الاجتهادات من علماء الاجتماع وعلماء الأنثروبولوجيا للوصول إلى مجتمعات متعافية سليمة من ويلات الحروب.
اهمية لبحث:
– تكمن اهمية البحث في خلق رؤية علمية متكاملة في مسار السلام من اجدل ايقاف الحروب و تعزيز السلم المجتمعي .
– ايضا تسليط الضوء على الطرق المنهجية و العلمية كفاعل حقيقي لحل المشكلات الاجتماعية كبديل للطرق التقلدية .
– تسليط الضوء على ضرورة الانتقال الديمقراطي و التنمية المستدامة في المناطق التي تسود فيها النزعات .
مشكلة البحث :
– هل بلامكان تفعيل عناصر السلام الثلاثة كخطوات اساسية في تحقيق السلام ؟ التى تتمثل في صنع السلام , حفظ السلام , بناء السلام .
– كيف يمكننا الانتقال الى استخدام الادوات الحديثة و العلمية في بناء السلام بدلا عن الادوات التقلدية ؟
فرضية البحث:
– يمكننا تفعيل عناصر السلام الثلاثة في وقتا متزامن لانها تعتبر من اكثر الخطوات اهمية لبناء سلام متكامل.
– مع تطور مفهوم اسلام و العلوم الانسانية اصبح بمقدورنا الاعتماد على الوسائل الحديثة لتحقيق السلام بصورة حديثة نحو تفعيل القوانين التى تهتم بحقوق الانسان و مناهضة العنف
اهداف البحث:
– يهدف هذا البحث لتقديم رؤية مختلفة في بردايم السلام و التعرف على المفاهيم المتعلقة بالسلام التى يمكن بلورتعا في ارض الواقع .
– يهدف البحث الى الاستفادة من الرؤى التي قدمت في بعض البلاد كحلول لتحقيق السلام .
مقدمة :
بناء السلام ارتبط بالحرب بالباردة يعتبر من المواضيع المهمة والمثيرة للنقاش لأنه يعبر عن اهتمام الدول والإفراد على حدا سوى في توفير السلم والاستقرار كبديل للحرب وإصلاح فترات ما بعد النزاعات، الشيء الذي أدي إلى تكثيفها وتنسيقها من اجل انجاز هذه العملية وتحقيق غايتها المنشودة التي من شانها مساعدة الإنسانية وإرساء دعائم السلم والأمن.
لكن توطيد السلام الدائم يتطلب تشيد بنيات أساسية وهيكلية وتوفير الأمن الإنساني وحماية حقوق الإنسان والدفع بعجلة التنمية ومعالجة الاقتصاد المنهار نتيجة للحروب كذلك إزالة الأسباب العميقة للنزاع بحيث يتمكن الإطراق من إصلاح علاقتهم مع بعضهم البعض وإصلاح الادراكات الخاطئة تجاه الاخر،
مفهوم السلام تطور مفهوم السلام من معناه السلبي قديما الذي كان يربط السلام بغياب النزاعات والحروب والصراعات ليتسع ويشمل فعل ايجابي يربط السلام بإيجاد العدل الاجتماعي والقضاء على الاستغلال والفساد. مرة مفهوم السلام بستة مراحل لابد من التطرق لها بقرض التعمق أكثر الوصول للمعني الأكثر شمولا لمفهوم السلام.
تغيرت طبيعة السلام لعقود مضت كان السلام يعني إسكات صوت الأسلحة واستعادت السياسية الرسمية كطريقة للحكم، وكان وقف إطلاق النار وتسريح القوات يمثلان محور التركيز الرئيسي لعمليات السلام، ولكن هنالك إقرار اليوم بان السلام يمثل شيئا ابعد كثيرا ابعد من غياب العنف وأصبح السلام يعني بصورة شاملة، التزما بحقوق الإنسان في فترت ما بعد الحرب ومحاولة التعامل مع قضايا العدالة والمصالحة،
وبمرور الوقت أزهرت الأبحاث بان السلام المستدام ممكن في حال كانت عملية صنع السلام شاملة لجميع إطراف والصراع ومشاركة المرأة وفتح باب العدالة والمصالحة لتؤدي إلى السلام المستدام.
المرحلة الأولي:
هي فهم السلام باعتباره ممارسة لأتحقق إلافي ظل غياب الحرب والنزاعات والصراعات العنيفة سوى كانت تلك الصراعات داخلية أو دولية وتظل تلك الفكرة هي الشائعة للسلام في أذهان كثير من العامة والساسة.
المرحلة الثانية:
ركزت على السلام كتوازن للقوى في أطار النظام الدولي هذا التوازن غالبا راجع إلى قوة عسكرية ذات ثقل بين المعسكرات.
المرحلة الثالثة:
هي التي تبنت مفهوم السلام السلبي الذي يتبنى نبذ الحروب والنزاعات.
المرحلة الرابعة:
هي المرحلة الأكثر تطورا التي تبنت مفهوم السلام في العلاقات الاجتماعية الرئيسة فركزت على قضية العنف ضد المرأة كمدد رئيسي للسلم وتبنت فكرة إن لا فائدة للتفرقة بين وجود الحرب من عدمها في حالة ممارسة العنف ضد المرأة.
المرحلة الخامسة:
هي المرحلة التي تم الربط فيها بين السلم وبين علاقة الإنسان بالبيئة وما يمكن أن يجلبه الممارسة السالبة ضد البيئة من دمار وتهديد للبشرية.
المرحلة السادسة :
تناولت تلك المرحلة علاقة السلم الداخلي للإنسان بتحقيق السلام العام والشامل وتطور هذا المفهوم ليشمل أهمية التركيز علي دعم حقوق الإنسان ونبذ العنف الموجود ضد الفئات المختلفة كالطفال والرجال والنساء وأصحاب الرأي والممارسات التمييزية والعنصرية علي اختلاف أساسها ,هكذا نري كيف تطور وتدرج مفهوم السلام من الارتكاز علي فكرة نبذ الحروب والنزاعات ليصل إلي أصل بناء السلام في حفظ سبل العيش الكريم للإنسان وتعزيز سلامة النفس ثم علاقته مع البيئة والتدرج لعلاقته بمن حوله من إفراد حتى نصل لعلاقات الدول مع بعضها البعض هكذا أدرك العالم أن الإنسان انه لا يمكن إن يحقق السلم إلا إذا تمتع الإنسان بحقوقه الأساسية والعيش الكريم والتمتع بالمساواة .
خطوات بناء السلام
يمر بناء السلام بعدت خطوات أساسية يمكن إن تتمثل في الاتي:
اولا صنع السلام:
هي من أهم الخطوات التي تمر بها مرحلة السلام حيث تقوم هذه المرحلة بجمع الإطراق المتنازعة لمعرفة إلا سباب الجذرية للمشكلة من اجل وضع الحلول الجذرية لها وهي مرهونة بالوضعية التي حدثت فيها يمكن إن تتم بواسطة الحكومة أو الجودية أيضا هنالك مصطلحات أخر نحو القلد وغيره تحل محلها إما الوساطة خارجية.
ثانيا حفظ السلام:
هذه المرحلة بنسبة كبيرة تعتمد على العملية العسكرية المختصة بالسلام ما يسمى بقوات حفظ السلام التي يتم نشرها في مناطق الصراع بغرض السيطرة والتقليل من حدة الصراع لكن بشرط توفر الروح الوطنية لتلك القوات وعدم الانحياز لأي جهة فقط مهمتها احتواء الأزمة وجمع معلومات وتحليلها لعدم تكررا الإحداث.
ثالتا بناء السلام:
هذه الفترة مهمة وهي تتحقق في مدى زمني بعيد وهنالك عدت وسائل تساهم في تحقيقها نحو التعليم الذي من خلاله يتم بث الروح الوطنية ووسائل الإعلام التي يمكن إن تساهم في تثقيف المجتمعات بماهية السلام المجتمعي وضرورته أيضا قيام الورش والندوات.
كيف تساهم المرأة في حفظ السلام النساء كصناع قرار:
تستطيع المرأة أن تلعب دور مهم في تحديد صلاحيات واختصاصات دعم السلام، كما يمكننا الاستعانة بتجربة جنوب إفريقيا اشتركت نساء برلمانيات في النقاش الذي عقب مرحلة التمييز العنصري حول دور البلاد في حفظ السلام وقد ساعد تأثرهن ونفوذهن في توسيع التعريف الخاص بعمليات حفظ السلام بشكل يتعدى ويتجاوز الانتشار التقليدي للجيوش، بشكل يتضمن أسلوب أكثر إنسانية للأمن الإنساني.
كما إن هنالك نموذج رواندي مشرف لمشاركة المرأة في تحقيق السلام حيث قامت نساء أرامل من قبيلتي (الهوتي والتوتسي ) للاهتمام بأيتام الحرب كذلك التقت النساء المحاربات السابقات من النساء اللواتي لهن تجربة مباشرة باعتبارهن مرتكبات جريمة في نفس الوقت ضحايا العنف من اجل تبادل التجارب وطرائق إدارة الصدمة النفسية , وبعضهن أصبحنا مدربات في هيئة التسريح وإعادة الدمج وعملن علي لفت الانتباه إلي حاجات النساء في نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج , والأكثر من ذلك هو بتامين إدراج للنساء الروانديات بنسبة 49% في البرلمان الدستوري الجديد و كانت هي النسبة الأعلى في العالم .
الجندر كمدخل لبناء السلام:
ظلت هنالك عدة تعريفات تشير إلي إن مفهوم الجند رهو مفهوم مرتبط فقط بالنساء عندما نسمع كلمة جندر معظمنا يحدثنا نظام الاستعدادات والتصورات بان هذه الكلمة لها علامة خاصة بالمرأة دون الرجل ولكن هذا شئ خاطئ يشير مفهوم الجندر ganderإلي الخواص الاجتماعية والمشاركة في النشطات الاجتماعية كفرد في جماعة محدودة ولان هذه الخواص هي سلوك وتصرفات يتم تعلمها فهي قابلة للتغيير بالفعل عبر الزمن وتختلف باختلاف الثقافات ينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325 حول المرأة والسلام والأمن علي ضرورة التشاور مع المرأة علي كافة مستويات عمليات بناء السلام وتعتبر عمليات دعم السلام جزاء مهما من هذه العملية ومن بين عمليات دعم السلام الستة عشر التي قامت بها إدارة الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام dpkoفان هنالك تسعة منها قد وفرت وظائف لمستشارين من الجندر المساواة بين الجنس كانت مستشارة الجندر في عمليات دعم السلام في سيراليون تعمل في وحدة حقوق الإنسان واستطاعت من خلال الوظيفة تأسيس وحدة عمل المرأة في مفوضية الحقيقة والمصالحة التي ركزت علي العنف الناتج علي الجندر من خلال الصراع كما ركزت وحدة العمل أيضا علي تحقيق توازن الجندرفي المحاكم الخاصة وفي مفوضية الحقيقة والمصالحة بالرغم من وجود اتفاقيات التي تدعم ممارسة الوعي الجند ري فان هنالك الحاجة إلي المزيد من اجل ضمان دمج كافة القضايا بشكل كامل في عمليات دعم السلام والقضاء علي العنف ضد جميع أفراد المجتمع لبناء سلام شامل عبر البعد المحلي والإقليمي والدولي التركيز علي المنع لا العملية العسكرية ا ن الاعتماد علي استخدام القوة كوسيلة وحيدة لتسوية النزاعات قد يؤدي في ذاته إلي خلق والحفاظ علي دورا لعنف و لهذا السبب فان النساء من شتي إنحاء العالم قررن التأكيد علي إن الاستجابة العسكرية يجب استخدامها بحرص وكما سبق الذكر فقد جادلن بضرورة زيادة تأكيد النظام العالمي علي المنع والحماية من خلال الوسائل غير العنيفة وتخصيص المزيد من المواد لهذا المسعى وإعادة بناء السلام عبر تضمينه في المناهج التعليمة ونشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي من اجل بلورة هذا المفهوم وخلق عملية بناء السلام التي في حوجة إلي عمل حقيقي علي ارض الواقع خصوصا بعد تزايد نطاقات العنف وتعدد عدة نقاط أسبابه وهذا ليمكن القضاء عليه بشكل جزري الأمن خلال بلورة بناء السلام وهذه العملية تحتاج إلي وهي :
- ثقافة السلام من خلال التعليم -1
- التنمية الاقتصادية والاجتماعية –2
- احترام حقوق الإنسان-3
- المساواة بين الرجال والنساء -4
- المشاركة الديمقراطية-5
- التفاهم والتسامح والتضامن -5
- مشاركة الاتصال وحرية تدفق المعلومات والمعرفة -7
- الأمن والسلام الدولي-8
- ثقافة السلام -9
فئة الشباب والتعليم :
إن الاهتمام بفئة الشباب وانخراطها الفعال ليس في عملية التعليم وحسب بل أيضا بسبب مساهمتها في تطوير المجتمع يعيش في وئام وسكون , من الخطاء إن نتعامل مع الشباب كأنهم مجرد مستقبلين لخطط التعليم التي أعدها لهم الآخرون عوضا عن النظر إليهم بصفتهم كائنات قادرة علي التكفير الذي يمكن إن يثري اهتماماتهم وحمايتهم للحياة الاجتماعية بقوة النظام التعليمي يعد العلم احد مؤشرات التقدم والارتقاء بالشعوب واحد أهم قواعد البناء تجاه المستقبل يعتبر التعليم قاعدة الانطلاقة الحقيقية للتنمية بمفهومها الشامل وذلك بالنظر إلي دوره في تحقيق التنمية البشرية والارتقاء بقدرات ومعارف ومهارات الإفراد الذين هم سواعد التنمية البشرية وتشكيل اتجاهاتهم وقيمهم وبذا فان ارتفاع مستوى التعليم للدولة فضلا عن
مراكز البحوث التي تعني بالفكر think tanks\\والدراسات العلمية المختصة في المجالات عامة وكذلك تلك التي تعني بالدراسات المستقبلية بإبعادها الاستراتيجية ومخرجاتها العلمية تمثلا أهم مرتكزات الارتقاء الحضاري من جانب أهميتها في نشر التوعية والإدراك الصحيح لدي المجتمع ,في أي ظاهرة سياسية اجتماعية ورفده برؤى فكرية وعلمية هنالك علاقة طرديه بين العلم ومخرجات التنمية كل ما أخذت الدولة بالعلم ومخرجاتها كلما رتقت هذه الدولة بمسارها الحضاري وحققت السلام المجتمعي علي نحو المثال ماليزيا مخرجات العلم أفضت إلي انتقالها من دولة متخلفة إلي دولة متأخرة إلي دولة سائرة في التقدم
المصالحة الوطنية :
إن مفهوم المصالحة من أكثر المفاهيم التي تتعد معانيه من حيث المترادفات كالتوافق بين الإطراف و إعادة العلاقات , هو يرتبط عادة بالعديد من المفاهيم الأخرى نحو التسامح, العفو, بناء السلام وتختلف مدللاته من شخص إلى أخر و من مجتمع إلى أخر ويرتبط هذا الاختلاف بالظروف السياسية والاقتصادية و السياسية ,بذلك يمكن إن نشير إلى إن المصالحة الوطنية هي شرط لازم من شروط البناء الديمقراطي السليم بعيدا عن كافة الحسابات السياسية الضيقة , إذا كان تنازل الضحايا عن حقهم في معاقبة الجلادين يظل الأمر ممكن من الناحية السياسية فانه من غير المنطقي التغاضي عن كشف الحقيقة و تحميل كل طرف مسؤوليته من ناحية قانونية وأخلاقية وإلزامهم بالاعتزاز للمجتمع وكانت تجارب المصالحة الوطنية قد قادت إلي نتائج مبهرة في الدول التي تمر بمراحل مماثلة ,وساهمت في تعزيز المسار الديمقراطي ,وتكريس العدالة وسيادة القانون .
التجربة الرواندية:
أيضا هذا الإطار هام وجديرة بالاطلاع والاستفادة، فبعد إن وضعت الإبادة الجماعية أوزرها، والتي أدت إلى إبادة مليون شخص في ثلاثة أشهر استطاع المواطنون إن يتفقوا علي حل الخلافات بطريقة :(لأغالب ولا مغلوب (، بمعني إن الخسارة كانت لجميع الإطراف، من هنا استطاعت رواندا إن تداوى جراحاتها
يضاف إلى ذلك في تجربة رواندا في المصالحة، على المستوى السياسي، إن الأحزاب في الحكومة والمعارضة اتفقوا على نقاط، هي بمثابة خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها مهما بلغ بينها الخلاف
كما شرعت الحكومة الرواندية في تطبيق نظام تشاركي للعدالة ,يعرف باسم :(غاتشاتشا((ينطق هذا الاسم هكذا :غا- تشا- تشا),وذلك في عام 2001 م ,من اجل مواجهة ذلك الكم العظيم من القضايا التراكم في النظام القضائي ,وفي هذا النظام يقوم القضاة المنتخبون علي الصعيد المجتمعي بالاستماع إلي محاكمات المشتبه في مشاركتهم في الإبادة الجماعية والمتهمين بأية جريمة من الجرائم ,باستثناء التخطيط لعمليات الإبادة أو الاغتصاب ,وحاكمت هذه المحاكم الأهلية المتورطين في أعمال عنصرية بالسجن ,وحكمت علي الذين أدينوا بان يقضون صف المدة بالسجن والنصف الأخر بتقديم خدمات اجتماعية.
كما قامت رواندا بتشكيل (لجنة الوحدة والمصالحة الوطنية (,ومهمتها الأساسية عملية التصالح والتسامح ,بدءا من تحقيق العدالة ,وعرض الحقيقة ,ومن ثم يأتي التصالح ,وهذا يعتبر حقا طبيعيا لضمان حقوق المظلومين وعدم إهدارها ,وقد رأى الروانديون هذه الطريق مفيدة جدا للمصالحة الوطنية ,كما ساهمت في إخراج البلاد من أتون حرب أهلية كادت تقضي علب كيان الدولة ,وبفضل الوحدة والمصالحة تمكنت رواندا من الخروج من تمزق النسيج الاجتماعي الناجم عن عواقب الإبادة الجماعية التي حدثت سنة 1994م 0
إن حديثنا عن هذه المصالحة الوطنية لا يعني بحال أنها العلاج السحري الوحيد القادر علي حل مشكلات الوحدة في رواندا ,وإنما هي مقترح يسند إلي تجارب سابقة مماثلة في غينيا وجنوب أفريقا .. ويسترشد بها ,ولابد إن تصاحبها وسائل واليات ومقترحات أخرى تأسيسا علي الإرادة السياسية لتكون نقطة البداية لحل النزاعات ,وعودة الوئام والملحمة الوطنية إلي سابق عهدها .
أركان السلام الاجتماعي:
هنالك عدة أركان للسلام الاجتماعي في أي مجتمع ,لا تتصل فقط بالتاريخ ,لكنها تقترب أكثر فأكثر من الإرادة السياسية للمجتمعات.
الإدارة السليمة للتعددية
تعرف المجتمعات البشرية ظاهرة التعددية الدينية والمذهبية واللغوية والاثنية لم تعد هنالك مجتمعات خالصة تضم أهل ديني معين ,أو مذهب معين ,أو عرق معين أو لغة معينة تحولت التعددية إلي قيمة أساسية في المجتمعات المتنوعة ,بشريا ودينا وثقافيا التعددية في ذاتها لا تعني سوى ظاهرة اجتماعية ,ويتوقف الأمر بشكل أساسي علي إدارة التعددية هنالك إدارة سليمة تحفظ للجماعات المتنوعة التي تعيش مع بعضها بعضا مساحة للتعبير عن تنوعها في أجواء من الاحترام المتبادل ,وهنالك تعددية سلبية تقوم علي اعتبار التنوع “مصدر ضعف” وليس “مصدر غناء” يترب غلي ذلك العمل بقدر المستطاع علي نفي الأخر المختلف ,لصالح الجماعات الأكبر عددا ,أو الأكثر سلطة ,أو الأوسع ثراء ونفوذا يؤدي ذلك إلي حروب أثنية ومذهبية ودينية ,ويخلف وراءه قتلي وجرحي وخراب اقتصادي ,والأكثر خطورة أرثاء ذلك في الذاكرة التاريخية ويتم تناقلها الأجيال محمله بمشاعر الحق ,وذكريات الكراهية والرغبة في الانتقام
الاحتكام إلى القانون
يمثل” حكم القانون” في المجتمع الحديث أحد أهم عوامل تحقيق المساواة والعدالة في العلاقات بين الإفراد، والجماعات يعني حكم القانون عدد من النقاط الإفراد متساوون إمام القانون بصرف التظرف عن الاختلاف في اللون أو الجنس أو الدين أو العرق مؤسسات العدالة ,الشرطة والنيابة والمحاكم تطبق القانون علي الإفراد بحيدة كاملة بصرف النظر عن موقعهم الاجتماعي ,أو انتمائهم الديني ,ونفوذهم السياسي يكون اللجوء إلي مؤسسات العدالة ميسورا مكفولا للجميع ,لاحتمل فيه الشخص أعباء مالية تفوق إمكاناته المالية أو مستواه الثقافي يحاكم الشخص إمام قاضيه الطبيعي ,ولا يواجه إيه إجراءات استثنائية بسبب انتمائه السياسي أو الديني آو الذهبي .
تطبق العدالة القانونية في أطار زمني معقول ,يسمح لها بتداول الأمر بجدية ,وفي الوقت ذاته لا يؤدي إلي اطله أمد التقاضي علي نحو يضيع حقوق الوطنين تنفذ الأحكام الصادرة عن مؤسسات العدالة بحزم دون تسويف أو تأخير هذه المعاير الأساسية التي تحكم تجسد مفهوم “حكم القانون” في المجتمع يؤدي حضورها إلي ما يمكن إن نطلق عليه “التوقع الاجتماعي” ويعني ذلك إن الأفراد يتوقعون نظاما قانونيا في المجتمع ,يحكم علاقات بعضهم بعضا ,يقوم علي وضوح القوانين ,وشفافية عملية التقاضي ,والحزم في تنفيذ الإحكام القضائية النهائية غياب بعض هذه المعايير أو جميعها يؤدي إلي أهدار مفهوم المساواة بين المواطنين في المجتمع ,ويدفع الأفراد إلي الاستناد إلي قوانين من صنعهم ,مثل البلطجة ,والرشوة ,وجميعها تعبر عن اهتزاز مفهوم “حكم القانون ” في نفوس الأفراد ,وهو ما يؤثر علي السلام الاجتماعي في المجتمع
الحكم الرشيد:
الحفاظ على السلام الاجتماعي في إي مجتمع يحتاج إلي حكم رشيد كثيرا من الغلائل والإضرابات تحدث من جراء غياب المشاركة وسرقة المال العام من هنا يحتاج السلام الاجتماعي إلى ديمقراطية ويعني الحكم الرشيد (good governance) مجموعة من المفاهيم الأساسية، يمكن تعريفها بإيجاز
المساءلة:
وتعني تقديم كشف حساب عن تصرف ما وتشمل المساءلة جانبين هما
– التقييم الثواب
العقاب:
ويعني إن يتم أولا تقييم العمل، ثم محاسبة القائمين عليه يكون ذلك من خلال تفعيل دور المؤسسات السياسية مثل مجلس الشعب، والمؤسسات الرقابية، والصحافة، ومنظمات حقوق الإنسان، الأمر الذي يؤدي إلى رفع مستوى النزاهة في الحياة العامة
الشفافية :
وتعني العلنية في مناقشة الموضوعات, وحرية تداول المعلومات في المجتمع تساعد الشافية في تداول المعلومات وتحقيق المساءلة الجادة حين تتوفر الحقائق أمام المواطنين في المجتمع .
التمكين :
ويعني توسيع قدرات الأفراد ,ومساعدتهم علي تطوير الحياة التي يعيشونها ويشمل تمكين المواطنين وتحويلهم من “متلقين “سلبيين إلي “مشاركين ” فاعلين ,يكون ذلك من خلال رفع قدراتهم ,ومساعدتهم علي تنمية أنفسهم ,والارتقاء بنوعية الحياة .
المشاركة :
وتعني تشجيع الأفراد علي المشاركة في العمل العام ,وإزالة العقبات من أمامهم تأخذ المشاركة عدة صور ,منها المشاركة السياسية )عضوية الأحزاب ,الانتخابات ,الخ ) , والمشاركة الاجتماعية (مؤسسات العمل الأهلي ,الجهود التطوعية ,الخ ),والمشاركة الثقافية (حول الحياة الثقافية ,ونقدم منتجات ثقافية في شكل كتب أو أعمال فنية ,الخ .
الفساد:
ويعني سوء استخدام الموقع الوظيفي من اجل مكاسب شخصية، والحرمان من خدمة يحتاجها الشخص، أو عدم الحصول علي فرصة عمل لغياب الواسطة فقد تحول الفساد إلي أداة لتسيير الحياة اليومية من خلال تحريك تروس ألبير وقرطبة المتكلسة، وشراء الولاء ,وتجنيد التابعين ,وحشد الأنصار ,وبناء قاعدة التأييد ,وخدمة المصالح الضيقة ,وهو ما يتسبب بالضرورة في أحداث فجوة حقيقية بين الأغنياء والفقراء في المجتمع ,وهو ما يؤدي إلي ارتفاع مستوى التوتر الاجتماعي ,ولجوء بعض الفئات إلي العنف والجريمة
حرية التعبير:
تعد حرية التعبير من مستلزمات عملية بناء السلام الاجتماعي في أي مجتمع فمن الثابت إن المجتمعات تقوم علي التعددية الثقافية والدينية والنوعية والسياسية ,كل طرف لديه ما يشغله ,وما يود تحقيقه القاسم المشتركة بين الجماعات المختلفة هو أساس بناء المجتمعات ولايتحقق السلام الاجتماعي دون إن تتمتع كل مكونات المجتمع من مساحات متساوية في التعبير عن أرائها , ,وطموحاتها في مناخ عقلاني يسوده الانفتاح يمكن الاستماع إلي كل الإطراف ,وتفهم كل الآراء ,دون استبعاد لأحد ,بهدف الوصول إلي الأرضية المشتركة التي يتلقى عندها الجميع كما يمكننا إن نستنجد هنا ماجاي من نصوص في الدستور المصري _الصادر عام 1971 م _في المادة (47)إلي التأكيد علي إن “حرية الرؤى مكفولة ,ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون ,وانقد الذاتي والنقد البناء ,ضمان لسلامة البناء الوطني “وأكدت المادة (49)علي إن “تكفل الدولة للموطنين حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي, وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك “انطلاقا من ذلك يتضح إن الدستور المصري يؤكد ليس فقط علي حرية الرؤى ,وحرية التعبير عن الآراء المختلفة ,لكنه ذهب إلي ما هو ابعد من ذلك من خلال التأكيد علي إن حرية التعبير ضرورية لضمان سلامة البناء الوطني وإلزام الدولة بتوفير وسائل التشجيع اللازمة لضمان حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي
العدالة الاجتماعية
تعد العدالة الاجتماعية ركنا أساسيا من أركان السلام الاجتماعي لا يمكن إن يتحقق سلام اجتماعي في أي مجتمع إذا كانت اقليه تحتكر كل شيء , وغالبيته تفتقر إلي كل شيء الصراع بين الطرفين سيكون في دوامة مستمر إلى إن تحقق تلك العدالة ولا يقتصر مفهوم العدالة الاجتماعية علي المشاركة في الثروة ,وتوسيع قاعدة الملكية لتشمل قطاعات عريضة من المجتمع ,والحصول علي نصيب عادل من الخدمات العامة ,ولكن يمتد ليشمل ما نطلق عليه “ألمكانه الاجتماعية “,التي تحقق من خلال مؤشرات واضحة مثل التعليم وتقتضي العدالة الاجتماعية إن يحصل كل شخص علي فرصة حياتية يستحقها بجهده ,وعرقه وهو ما يعني انتفاء كافة إشكال المحسوبية والواسطة ,التي تعد الباب الملكي للفساد .
إ علام المواطنة:
يحتاج المجتمع إلى إعلام تعددي، يساعده على ممارسة التعددية من ناحية، ويكشف الإمراض الاجتماعية والسياسية والثقافية بهدف معالجتها، والنهوض بالمجتمع هنا نفرق بين نوعين من إعلام المواطنة، وإعلام ضد المواطنة ما يحتاج إليه السلام الاجتماعي _قطعا هو إعلام يعزز المواطنة
يقصد بإعلام المواطنة إن تجد هموم المواطن مساحة في وسائل الإعلام وتتنوع هموم المواطن حسب موقعه الاجتماعي والديني والسياسي والثقافي في المجتمع هنالك هموم للفقراء، وهموم للمرأة، وهموم للمسيحيين، وهموم للعمال، ……الخ. من الطبيعي إن تجد كل فئات المجتمع مساحة تعبير عن همومها في وسائل الإعلام. وكلما وجد المواطن _العادي مساحة تعبير ملائمة عن همومها في وسائل الإعلام .كلما كان ذلك مؤشرا علي إن الإعلام ذات طبيعة ديناميكية تفاعلية مع المواطن ويقف على مسافة واحد بين الموطنين و هذا كفيل بخلق روح التسامح و دخول الجميع تحت مظلة السلام الاجتماعي كذلك يمكن خلق فرص من اجل بث ثقافة السلام .
وعلي العكس مما سبق ,هناك إعلام يلعب دورا ضد ثقافة المواطنة سواء بتجاهل هموم مواطنين في المجتمع , اقتصاديا ,سياسيا ,دينيا عن هموم مجموعات معينة من المواطنين دون غيرهم وقد يصل الأمر إلي ابعد من هذا حين يوظف الإعلام ذاته كأداة صراع سياسيا ,ثقافيا ,اقتصاديا أو دينيا ,من خلال تفضيل مجموعات من المواطنين علي بعضهم البعض ,ونشر ثقافة البغضاء في المجتمع ,أو تصوير قطاعات من البشر بصورة سلبية مما يدفع من المواطنين إلي التعامل معهم بتعال غير مبرر.
ذاكرة العمل المشترك
يختبر كل مجتمع أيا كان بلحظات تعثر وتراجع. المطلوب تجاوز هذه المعضلات بما يسمح ببنيان المجتمع علي أسس سليمة من التجانس ,والتلاحم ,والاحترام المتبادل . من هنا يحتاج المجتمع إلي تكابد جهود مستمرة علي ذاكرة العمل المشترك ,وتذكر لحظات الوحدة ,دون ان يكون هاجس كل الأطراف هو الحديث عما يفرق الجماعة ويبعثرها
إن هناك من يقرا التاريخ بحثا عن العوامل التي تدعم الوحدة . وهناك من يقرا التاريخ بحثا عن العوامل التي تعمق الشقاق . المطلوب هو نقل ذاكرة العمل المشترك للأجيال الصاعدة ,ومهما كان من أمر المشكلات ,يكون النقاش حولها مكن منطلق البحث عن حلول تعمق خبرة العمل المشترك.
Add Comment