Add Listing Sign In

عدم المساواة بين الأجور عالمياً حسب النوع: الفجوات القائمة وكيفية المعالجة

في الثامن عشر من سبتمبر هذا العام، أطل علينا “اليوم الدولي الثاني للمساواة في الأجر” International Equal Pay Day الذي اعتمدته هيئة الأمم المتحدة ضمن أجندة فعالياتها السنوية؛ لتوجيه اهتمام العالم أجمع نحو أهمية منح نفس الأجر عن العمل المتساوي القيمة، دون أي تمييز اجتماعي. الأمر الذي تعود جذوره إلى “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948.

لقد نصَّ هذا الإعلان في مادته رقم (23) على: أنه “لكل شخص حق العمل، وحرية اختيار عمله، في ظل شروط عمل عادلة ومُرضية، وله الحق أيضاً في الحماية من البطالة، ولجميع الأفراد – دون أي تمييز – الحق في أجرٍ متساوٍ على العمل المُتساوي”. وفي المقابل، يُثار عادة جدل حول مدى تطبيق هذا الطرح في الواقع الفعلي، وغالباً ما يتبادر إلى الأذهان إشكالية التمييز في الأجر عن العمل المتساوي بين الجنسين؛ النساء والرجال. بيد أن اللافت للانتباه أن هذه الإشكالية تنسحب إلى فضاء أكثر اتساعاً؛ ففي كثير من الأحوال، تنطوي حالات عدم المساواة في الأجر المدفوع عن العمل المتساوي على أبعاد مُركبة، لتُعمِّق من التمييز بين العاملين لخصائصهم الاجتماعية.فما منطق الأجر المتساوي عن العمل المُتساوي؟ وما أهمية توطينه في الواقع المَعِيش؟ وما طبيعة الممارسات الحالية ذات الصلة، وتداعياتها؟ وكيف يُمكن التعاطي معها؟ هذا ما سوف تُحاول الأسطر التالية طرحه على بساط النقاش.

منطق المساواة في الأجر

تاريخياً، أقرت منظمة العمل الدولية حق النساء والرجال في أجرٍ متساوٍ عن عمل ذي قيمة متساوية منذ عام 1919، فهو مُوَّثق في دستورها الذي تم اعتماده عام 1919، باعتباره مُكوناً رئيسياً للعدالة الاجتماعية، ثم جاء “إعلان فيلاديلفيا” الذي اعتمدته المنظمة عام 1944، ليؤكد على “أن لجميع البشر، أياً كان عرقهم أو معتقدهم أو جنسهم، الحق في العمل من أجل رفاهيتهم المادية وتقدمهم الروحي في ظروف توفر لهم الحرية والكرامة، والأمن الاقتصادي وتكافؤ الفرص”

وتبع ذلك انطلاق أُولى الخطوات الدولية لإعلاء منطق “المساواة في الأجر عن ذات العمل” مع “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، الصادر عام 1948. ثم جاءت “اتفاقية رقم 100″، والتي يطلق عليها اسم “اتفاقية المساواة في الأجور لعام 1951″، وتُعَدُّ هذه الاتفاقية أول صك دولي يُقر مبدأ “مساواة العمال والعاملات في الأجر عند تساوي قيمة العمل”. والجدير بالذكر أن المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية قد اعتمدها في 29 يونيو 1951، ودخلت حيز التنفيذ في 23 مايو 1953 .

وقد جاء إطلاق هذه الاتفاقية بمناسبة دخول الكثير من النساء بشكل جماعي في قوة العمل، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وما واكب ذلك من عدم مساواة بيّن في أجورهن مقارنة بالرجال. وهكذا، أصبح الضغط على أصحاب العمل من أجل المساواة في الأجر بمثابة اللبنة الأولى لقضية المساواة بين الجنسين على نطاق أوسع في سوق العمل، وفي المجتمع بشكل عام.

ووفقاً لنصوص هذه الاتفاقية، تشمل كلمة “الأجر” كلاً من الأجر أو الراتب العادي، الأساسي أو الأدنى، مُضافاً إليه جميع التعويضات الأخرى التي يدفعها صاحب العمل للعامل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، نقداً أو عيناً، نظير استخدامه له. في حين تُشير عبارة “مساواة العمال والعاملات في الأجر عند تساوي قيمة العمل” إلى معدلات الأجور المُحددة دون تمييز بسبب اختلاف النوع.

واتصالاً بذلك، تنص الاتفاقية، في مادتها الثالثة، على أنه “لا يُعتبر مخالفة لمبدأ مساواة العمال والعاملات في الأجر عند تساوي قيمة العمل أن توجد فروق بين معدلات الأجور تُقابل، دونما اعتبار للجنس، فروقاً في العمل الواجب إنجازه، ناجمة عن التقويم الموضوعي”. بعبارة أخرى، تُعلي الاتفاقية مبدأ “مكافأة التميُّز في الأداء وتفرده”، سواء بشكل مباشر أو غير مُباشر، طالما أنه يستند إلى أسس موضوعية، دون أي اعتبار لخصائص تمييزية اجتماعية.

وفي هذا الشأن، حددت “الاتفاقية رقم 100” عدداً من الوسائل التي يُمكن للدول الأعضاء العمل بموجبها؛ ليعم تطبيق مبدأ “مساواة العمال والعاملات في الأجر عند تساوي قيمة العمل” جميع العاملين. وتنطوي الآليات المُقترحة على: القوانين أو الأنظمة الوطنية، و/ أو سن نظام لتحديد الأجور، و/ أو الاتفاقيات الجماعية بين أصحاب العمل أو العمال.

ومنذ إطلاق هذه الاتفاقية الدولية، توالت الجهود الرامية إلى توطين منطق المساواة في الأجر مقابل العمل ذي القيمة المتساوية، ودون تمييز. مثال على ذلك، جاء إعلان منظمة العمل الدولية بشأن “المبادئ والحقوق الأساسية في العمل” عام 1998، لينص على أن جميع الدول الأعضاء مُلزمة بأن تحترم وتُعزز وتحقق المبادئ المتعلقة بالحقوق الأساسية التي تشمل القضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة.

أيضاً، يُجسد الإعلان الذي اعتمدته المنظمة عام 2008 بشأن “العدالة الاجتماعية من أجل عوْلمة عادلة” الرؤية المُعاصرة لمنظمة العمل الدولية في عصر العوْلمة؛ حيث يُوكد أن المساواة بين الجنسين وعدم التمييز قضيتان شاملتان، تتضمنهما الأهداف الاستراتيجية لأجندة العمل اللائق. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الإعلان يُضفي صبغة مؤسسية على مفهوم “العمل اللائق” الذي وضعته منظمة العمل الدولية عام 1999، باعتباره تجسيداً لتطلّعات الأفراد في حياتهم المهنية وآمالهم المعلّقة على فرص العمل، والدخول والحقوق، والاستقرار العائلي، والتطور الشخصي، في إطار من العدالة والمساواة، بالإضافة الى رغبتهم في إيصال صوتهم والاعتراف بدورهم.

وفي مُحاولة لترويج ذلك المنطق، تأسس “التحالف الدولي للمساواة في الأجور” Equal Pay International Coalition, EPIC؛ وهو مبادرة دولية بقيادة كل من “منظمة العمل الدولية”، و”هيئة الأمم المتحدة للمرأة”، و”منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، بالتحالف مع الحكومات وأصحاب العمل والعمال ومنظماتهم والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية؛ سعياً نحو اتخاذ خطوات ملموسة لتسريع سد فجوة الأجور بين الجنسين وتحقيق المساواة في الأجور في جميع البلدان والقطاعات الاقتصادية.

وفقاً لتعريف “منظمة العمل الدولية”، فإن مفهوم “المساواة في الأجر مقابل العمل ذي القيمة المتساوية” يُؤكد أن لكل من النساء والرجال الحق في الحصول على أجرٍ متساوٍ عن العمل المُتساوي القيمة، الأمر الذي يضمن الآتي:

  • المساواة في أجر الوظائف المتطابقة أو المتماثلة.
  • المساواة في أجر الوظائف المختلفة، ولكنها متساوية في القيمة.

بعبارة أخرى، ينطوي هذا المنطق على مساواة النساء والرجال ذوي المهارات المتماثلة في الأجر، عند مزاولة نفس العمل، أو العمل المتشابه تقريباً في ظل شروط مُطابقة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأمر يتسع ليضم المساواة في الأجر بين نساء ورجال يؤدون عملاً مُختلفاً من حيث المضمون والمسؤوليات، في شروط مُختلفة، ويتطلب مهارات وكفاءات مختلفة، ولكنه يظل متساوياً في القيمة التي يُنتجها.

الثابت هنا أن حجر الزاوية في تحديد الأجر المتساوي يعتمد في الأساس على “قيمة العمل المُؤدَّى” التي يتعين تقديرها، اعتماداً على أسلوب لقياس القيمة النسبية للوظائف المختلفة، والمقارنة فيما بينها لتحديد مرتبتها على سلم الأجور أو الرواتب؛ الأمر الذي يتطلب البحث في مسؤوليات كل وظيفة، استناداً إلى معايير موضوعية تماماً، وخالية من أي تمييز اجتماعي، لهدم أي تحيز قائم على النوع و/أو الخصائص الاجتماعية.

ومن أبرز أساليب التقييم الوظيفية منهج “التقييم التحليلي” الذي يُقسم الوظائف إلى مُكونات أو عوامل، مع منح كل منها درجة، والتي تشمل على سبيل المثال:

  • المهارات والكفاءات المُكتسبة من خلال التعليم والتدريب والخبرة.
  • مسؤوليات الوظيفة المالية والإدارية ومهامها، وإدارة الأفراد.
  • الجهد الجسدي أو الذهني أو النفسي الاجتماعي.
  • ظروف العمل المادية (كالمخاطر الصحية، والضجيج، والغبار الذي يتعرض له العامل)، والنفسية (كضغط العمل، والتعرض لحالات عُنف من قِبل العملاء).

ومن خلال منح درجة لكل عامل، يتم تحديد قيمة كل وظيفة بالأرقام؛ الأمر الذي قد ينطوي على وجود وظيفتين مختلفتين في طبيعتيهما، ولكنهما متساويتان في القيمة، وبالتالي يحصل العاملون هنا على قيمة الأجر نفسها عن العمل المختلف. ومثال على ذلك، أن يحصل الأفراد الذين يعملون في وظيفة “محلل اقتصادي”، و”محلل قانوني”، وينتجون نفس القيمة، على دخل متساوٍ.

وهكذا، يسمح التقييم الموضوعي المهني للوظائف – وفقاً لمعايير مُحايدة إنسانياً – بإعلاء الحق في المساواة؛ لأنه يركز على مضمون الوظيفة، ومعالجة فجوات عدة بين الأجور ناتجة عن خصائص إنسانية، والتي يأتي في مقدمتها: التمييز وفقاً للنوع (ذكور وإناث)، و/ أو الوظيفة، وكذلك التمييز وفقاً للجنسية أو الأصل العرقي أو الهوية والديانة، أو حتى الفئة العمرية.

أهمية الأجر المتساوي عن العمل المتساوي

يقيناً، ينطوي توطين الأجر المتساوي عن نفس قيمة العمل، دون تمييز إنساني من أي نوع على منافع متعددة المستويات، بما في ذلك المُستوى الوطني، وعلى مستوى جهات العمل، وعلى مستوى العاملين أنفسهم. وهو الأمر الذي دعا كثير من البلدان إلى النص صراحة في قوانين/ نظم عملها على هذا المبدأ، فضلاً أن اتجاه أصحاب أعمال من الإدارة الحكومية والقطاع الخاص نحو توطينه.

 على المستوى الوطني، تُعزز المساواة في الأجر مقابل نفس العمل جهود إنجاز “الأهداف الأممية للتنمية المستدامة 2030″، حيث يرتبط هذا المبدأ بشكل مباشر بـ “الهدف الثامن” ضمن منظومتها، المعنيّ بتحقيق العدالة الكاملة والمنتجة، والعمل اللائق لجميع النساء والرجال، بما في ذلك الشباب والأشخاص ذوو الإعاقة، والأجر المتساوي نظير العمل المتساوي القيمة. وبالإضافة إلى ذلك، يدعم توطين هذا المبدأ بشكل غير مباشر تحقيق خمسة أهداف أممية أخرى، ضمن أهداف التنمية المُستدامة 2030، وتتمثَّل في الآتي:

  • الهدف الأول: القضاء على الفقر؛ حيث لا يزال القضاء على الفقر بجميع أشكاله أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية؛ فإذا كانت النساء يتقاضين نفس أجر نظرائهن من الرجال الذين يعيشون في نفس المكان، ويعملون نفس ساعات العمل، ولديهم نفس المستوى التعليمي، فإن معدل الفقر سوف ينخفض، أخذاً في الاعتبار أن هذه الحالة من عدالة الأجر سوف تنسحب على الأسرة بالكامل، وليس المرأة العاملة فقط.
  • الهدف الخامس: المساواة بين الجنسين؛ إيماناً بأن القضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء والفتيات لا يمثل حقاً أساسياً من حقوق الإنسان فحسب، بل هو أيضاً عامل حاسم في التعجيل بتحقيق التنمية المستدامة.
  • الهدف العاشر: الحد من أوجه عدم المساواة التي يُمكن أن تُمثل تهديداً خطيراً للاستقرار الاجتماعي والسياسي، فضلاً عن تهديدها للنمو المستدام. وفي هذا الشأن تتمثل إحدى غايات هذا الهدف في التمكين والإدماج الاجتماعي والاقتصادي للجميع، بغض النظر عن العِرق أو النوع أو الوضع الاقتصادي
  • الهدف السادس عشر: السلام والعدل والمؤسسات القوية؛ ذلك أنه بدون السلام والاستقرار وحقوق الإنسان والحُكم الفعال القائم على سيادة القانون – لن تتحقق التنمية المستدامة. وفي هذا السياق، يُسهم توطين مبدأ الأجر المتساوي عن العمل المتساوي القيمة في إنفاذ القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية المُلزمة ذات الصلة.
  • الهدف السابع عشر: عقد الشراكات لتحقيق الأهداف، في إشارة إلى أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة لن يتأتى بدون التزام قوي بالشراكة والتعاون الدولي. ولاشك أن توطين مبدأ الأجر المتساوي بشراكات ثلاثية بين الحكومة وأصحاب الأعمال وممثلي العمال تدعم حقاً إنجاز هذا الهدف.

وعلى صعيد جهات العمل، فإن أنظمة الأجور المستندة إلى مبدأ الأجر المتساوي عن العمل المتساوي القيمة، المُطبقة بشفافية، تُعزز الصورة الذهنية الإيجابية بشأن قيم العمل التي تلتزم بها تلك الجهات، وامتثالها للقوانين الوطنية والقواعد الدولية، وإعلائها لقيم الإنسانية، وبالإضافة إلى ذلك:

  • تشير كتابات عدة إلى أن توطين مبدأ الأجر المتساوي قد أصبح جزءاً أصيلاً ضمن منظومة المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات؛ الأمر الذي يعلي من قيمة العلامات التجارية لهذه المؤسسات.
  • تساعد نظم الأجور المتساوية لنفس قيمة العمل على استقطاب أفضل المواهب، ورفع معدلات تحفيز الموظفين ومستويات إنتاجيتهم؛ ما ينعكس إيجابياً على معدلات الأداء.
  • يُحد هذا النظام من الوقت المخصص للنظر في شكاوى العاملين ذات الصلة، وما يواكب ذلك من تكاليف مباشرة وغير مباشرة.

وعلى مستوى الأفراد، تسهم سياسة الأجر المتساوي في رفع معدلات الرفاه الاقتصادي، وزيادة مستوى ولاء العاملين لجهات عملهم ورضاهم الوظيفي، خاصة الكفاءات منهم؛ ما يحد من التكلفة التي تتحملها الشركات نتيجة المعدلات المرتفعة لدوران العمالة، وتحتل هذه القضية أهمية خاصة، في ظل تفضيل الشباب بصفة عامة لتغيير جهة عملهم في المدى الزمني القصير.

للدلالة على ذلك، يمكن الاستئناس بنتائج مسح “شركة ديلويت” Deloitte لاستطلاع رأي “جيل الألفية” Millennials Generation تجاه أماكن عملهم؛ فعند سؤال المشاركين عن الوقت المتبقي لهم مع صاحب العمل الحالي قبل الانتقال إلى جهة عمل أخرى أو القيام بشيء مختلف، إذا كان بإمكانهم الاختيار، أشار 36% من “جيل الألفية” إلى أنهم سيبقون عامين فقط، وارتفعت النسبة إلى 53% بين المشاركين من “الجيل زد”، والجدير بالذكر أن هذه النسبة قد ارتفعت مقارنة بالعام الماضي (31% و50% في عام 2020 على التوالي) كما يوضح الشكل رقم (1)

الشكل (1): ولاء شباب العالم لجهات عملهم (2021)

(الشباب الذين يتوقعون مغادرة جهة عملهم خلال العامين القادمين، بالنسبة المئوية)

الجدير بالذكر أن 23 ألفاً من الشباب شاركوا في استطلاع الرأي، من 45 دولة تقع في كل من أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية والغربية والشرق الأوسط وأفريقيا ومنطقة الباسيفيك. هذا وقد تم تنفيذ المسح خلال الفترة 8 يناير إلى 18 فبراير 2021. هذا ويتم تعريف “جيل الألفية” بأنهم الشباب الذين وُلدوا خلال الفترة (1981 – 1996)، و”الجيل زد” Generation Z بأنهم الشباب الذين وُلدوا خلال الفترة (1997 – 2012).

واقع المساواة في الأجر بين النساء والرجال

عند اختبار مدى تحقق منطق “الأجر المتساوي مُقابل العمل المتساوي القيمة” في الواقع الفعلي، يُمكن الوقوف على تفاوتات عِدة، ناتجة عن خصائص إنسانية متنوعة في جميع أنحاء العالم، حتى أصبح يعتبرها البعض “عادة”. الأكثر من ذلك أن هناك مؤشرات عدة تؤكد على أن “فجوات الأجر” لا تنعكس فقط على دخول العاملين خلال حياتهم العملية، ولكنها تؤثر أيضاً على تراكم معاشاتهم التقاعدية؛ ما يُعمق تأثيراتها السلبية على الرفاه الاجتماعي. واللافت للانتباه أن هذه الإشكالية ليس حكراً على بلدان بعينها، ولكن جذورها متأصلة في كل من البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء.

فلا غرو أن العالم يُعاني “فجوة بين النساء والرجال وفقاً للنوع”، ويمكن الاستدلال عليها من واقع إحصاءات هيئة الأمم المتحدة فيما يتعلق بالمرأة؛ حيث تحصل النساء على 77 سنتاً فقط مُقابل كل دولار أمريكي يجنيه الرجال من نفس العمل في المتوسط على مستوى العالم والجدير بالذكر أن هذه الفجوة الأجرية تجعل النساء أكثر فقراً من الرجال، حتى بعد انتهاء حياتهن العملية، ناهيك عن أنهم يقمن بالجزء الأكبر من الرعاية والأعمال المنزلية غير المدفوعة الأجر.

اتصالاً، يُوضح التقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية عام 2020، المُعَنون “النساء في الأعمال والإدارة: فهم فجوة الأجر بين الجنسين”، أن فجوة الأجور بين الجنسين في المتوسط يمكن أن تتخطى حاجز الـ 40% لصالح الرجال، كما هو الحال في سيراليون وباكستان، على النحو المُبيَّن بالشكل رقم (2). وفي بلدان، مثل هولندا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة وسويسرا وأستراليا، فإن فجوة الأجر بين الجنسين تزيد على 30% لصالح الرجال. وفي المقابل تتلاشى هذه الفجوة في تايلاند، بينما يزيد أجر النساء عن الرجال في الفلبين بنسبة تُقارب الـ 8%.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن عدداً من الإحصاءات الوطنية يؤكد استمرار هذه الظاهرة، حيث تشير نتائج مسح لمؤسسة APD Canada الكندية – تم تنفيذه في الفترة من 9 إلى 15 فبراير 2021 بمشاركة ألف من العاملين الكنديين – إلى أن النساء تقاضين دخلاً إجمالياً خلال عام 2020 أقل من الرجال بنحو الربع (بنسبة 23%)، والأكثر من ذلك أن المسح خلص إلى أن النساء يجنين التعويضات الإضافية المتغيرة – مثل المكافآت الإضافية أو تقاسم الأرباح – أقل من الرجال بنسبة 43%.

وفي أستراليا، تشير إحصاءات 2021 إلى أن فجوة الأجور الراهنة بين الجنسين قد سجلت 14.2%، مُرتفعة عما كانت عليه منذ ستة أشهر بنحو 0.8 نقطة مئوية. بعبارة أخرى، يمكن القول إن النساء في أستراليا عليهن العمل لفترة شهرين إضافيين ليحصلن على نفس الأجر الذي تقاضاه الرجال خلال العام الماضي. والأكثر من ذلك، تُظهر نتائج الدراسات إلى أن متوسط أرصدة حساب المعاش التقاعدي للنساء يقل عن نظيره الخاص بالرجال بنسبة تتراوح بين 20% و40%.

الشكل (2): متوسط فجوة الأجر بين الجنسين، في عدد من البلدان المختارة وفقاً لمستوى الدخل (%)

(أ) بلدان مرتفعة الدخل

(ب) بلدان متوسطة الدخل – الفئة العليا

(جـ) بلدان منخفضة الدخل

الأكثر من ذلك، يُمكن أن تُعمق الحاجة الاجتماعية للنساء من فجوة الأجور بينهن، رغم تقديمهن نفس القيمة في العمل، وهو ما يُطلق عليه “عقوبة الأمومة” Mother Penalty، والتي تُعرفها “الجمعية الأمريكية للنساء الجامعيات” American Association of University Women, AAUW – وهي مؤسسة وطنية تُروج للمساواة وتعليم النساء والفتيات – بأنها ظاهرة تناقص أجر النساء بمجرد أن تُنجب طفلاً وتصبح أُمّاً، وبموجب هذه “العقوبة” يُمكن القول إن الأمهات العاملات في الولايات المتحدة الأمريكية يتقاضين 70 سنتاً فقط في مقابل كل دولار أمريكي يُدفع للآباء. الأمر الذي يدفعهن إلى الانضمام للاقتصاد غير الرسمي، و/ أو العمل بدوام جزئي.

وفي هذا الشأن، لفتت “الجمعية الأمريكية للنساء الجامعيات” الانتباه إلى أن مديري التوظيف يُقبلون بدرجة أقل على توظيف الأمهات مقارنة بالنساء اللواتي ليس لديهن أطفال. وعندما يُقدم أصحاب العمل عرضاً لأُم مرشحة لوظيفة ما، فإن الأجر المقترح يكون أقل من النساء الأخريات لذات العمل. اللافت للانتباه أن “فجوة الأمومة” بين النساء يُقابلها ما يُطلق عليه “مُكافأة الأبوة” Fatherhood Bonus، في إشارة إلى أن الموظف الأب يحصل على دخل أعلى من الموظف الذي ليس لديه طفل، مقابل نفس قيمة العمل.

من بين النتائج المؤيدة لما سبق تلك الدراسة التي أعدتها الباحثتان “سيلفيا فولر” و”لين برينس” Sylvia Fuller and Lynn Prince Cooke, 2018، والتي تناولت عينة من 18730 رجلاً يعملون في كندا، تتراوح أعمارهم بين 24 و44 عاماً وينتمون إلى 5020 جهة عمل، وقد خلصت الدراسة إلى أن هؤلاء الرجال قد حصلوا على زيادة في أجورهم عندما رُزقوا بأطفال. بالإضافة إلى ذلك، تمكنت الدراسة من اكتشاف بعد آخر يتمثل في التأثير غير المُتساوي مهنياً لمكافأة الأبوّة، حيث استفاد الرجال في المهن التخصصية والإدارية بعلاوة أجر إضافية صافية بنسبة 6.9% في المتوسط، مقارنة بنحو 3.6% علاوة إضافية للرجال في مهن أخرى.

أبعاد أخرى لفجوات الأجور

إلى جانب “فجوة الأجر” القائمة بين النساء والرجال، هناك الكثير من الأدلة التي تؤكد الطبيعة المُركبة لها، عند الأخذ في الاعتبار أبعاداً أُخرى؛ ما يعمّق من حدة هذه الظاهرة. ومثال لذلك على مستوى المهن، تُشير إحصاءات منظمة العمل الدولية إلى أنه عندما تشغل النساء هذا المستوى الوظيفي، فإن فجوة الأجر بين الجنسين تصل إلى 43% لصالح الرجال في هندوراس، كما يُوضح الشكل رقم (3)، بينما تسجل نسباً متدنية أو حتى تتلاشى في بعض الدول مثل ألبانيا والسلفادور وتايلاند.

وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية تكمن أكبر فجوة في الأجور بين الجنسين بين الأطباء والجراحين، حيث يزيد أجر الرجال منهم عن النساء بنحو 43 ألف دولار أمريكي, والجدير بالذكر أن هذه النتائج قد أكدتها سارة بارانجي Sareh Parangi، جرَّاحة الغدد الصماء في مستشفى ماساتشوستس العام، وأستاذة الجراحة في كلية الطب بجامعة هارفارد، والتي أشارت بوضوح إلى أنه: “إذا تم توظيف أطباء من الرجال والنساء ويتمتعون جميعاً بنفس مدة التدريب، ولديهم نفس الكفاءات المذكورة بالسيرة الذاتية، وحصلوا على نفس المنح التعليمية من المعهد الوطني للصحة، ويعملون في نفس المكان، فلاتزال النساء منهن يحصلن على مستويات أجر أقل”.

الشكل (3): فجوة الأجر بحسب الجنس في الوظائف الإدارية في عدة دول (وفقاً لأحدث بيان متاح)

 جميع البيانات تمثل متوسطات لعام 2017، فيما عدا: أستراليا (2014)، ومصر (2015)، والأردن ومالي وسويسرا (2016)، والبرازيل والإكوادور والمكسيك وسيبيريا (2018).

ويمكن الوقوف أيضاً على حالة من عدم المساواة في الأجور عن العمل المتساوي القيمة وفقاً للأصول العِرقية، حيث تعكس إحصاءات “معهد بحوث سياسات المرأة”، و”مكتب الولايات المتحدة لإحصاءات العمل” الصادرة عام 2020 أن المرأة الأمريكية تجني حوالي 82 سنتاً مُقابل كل دولار يكسبه الرجل عن العمل المتساوي القيمة، والأكثر من ذلك، تشير النتائج إلى تفاوتات عدة بين النساء والرجال من الأصول العرقية المختلفة، على النحو المُوضح بالشكل رقم (4).

الشكل (4): الولايات المتحدة الأمريكية: فجوات الأجر وفقاً للنوع والعِرق (2020)

ورغم تفاوت التقديرات بشأن تكلفة فجوة الأجور بين النساء والرجال الأمريكيين عبر مسيرتهم المهنية، فإن “مركز قانون المرأة الوطني” The National Women’s Law Center يُقدر الدخل الذي تفقده المرأة نتيجة عدم المساواة في الأجر عبر مسيرتها المهنية بنحو 406.3 ألف دولار أمريكي في المتوسط.

وهنا يمكن ملاحظة أنه بالرغم من مرور أكثر من خمسين عاماً على إعلان عدم قانونية التمييز في الأجور في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الفجوة لاتزال مُستمرة، ومن المتوقع أن تظل لعقود لاحقة؛ حيث تُشير تقديرات مكتب إحصاءات الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن فجوة الأجر بين النساء والرجال من أصول آسيوية سوف تتلاشى بحلول عام 2041، في حين يستغرق رأب هذه الفجوة بين الأمريكيين من أصول إسبانية حتى عام 2451؛ أي بعد 430 عاماً من الآن، كما يوضح الشكل (5)، وليس هذا فحسب، بل إن الفجوة بين العاملين وفقاً للعرق سوف تظل قائمة.

الشكل (5): الولايات المتحدة الأمريكية: تطور نسبة أجر النساء إلى الرجال عن نفس العمل بدوام كامل وفقاً للعِرق خلال الفترة (1988 – 2030) – (%)

إضافة إلى ذلك، يُمكن الوقوف على وجه آخر لعدم المساواة في الأجر المرتبط بذات العمل، يتمثل في تردد أصحاب العمل في منح العاملين الأصغر سناً قيمة أجر تُقابل ذلك الممنوح للعاملين في الفئات العمرية الأكبر، حتى وإن كانوا يؤدون نفس العمل المُتساوي القيمة؛ ما يُشعر صغار العاملين سناً بأنهم ضحية للتمييز العمري، وسط مُحاولات من أصحاب العمل لخفض التكلفة. هنا، يُمكن الاستئناس ببيانات عدد من دول الاتحاد الأوروبي، كما يُوضح الجدول رقم (1).

الجدول (1): فجوة الأجر بين النساء والرجال في بلدان أوروبية مُختارة، وفقاً للفئة العمرية (2019) – (%)

على سبيل المثال، في لاتفيا، سجل عام 2019 فجوة في الأجر بين النساء والرجال في الفئة العمرية أقل من 25 عاماً نحو 10.6% لصالح الرجال؛ أي إن كل دولار يحصل عليه الرجال مقابل عمل ما يُقابله حصول النساء على 89.4 سنتاً لذات العمل في المتوسط. والأكثر من ذلك، أن هذه الفجوة ترتفع في الفئات العمرية الأكبر، لتُسجل 19.8% و23.1% في الفئتين العمرتين (25 – 34 سنة)، و(35 – 44 سنة) على التوالي؛ الأمر الذي يؤشر على حالة من عدم التساوي في الأجر مقابل نفس العمل بين الجنسين، وبين الفئات العمرية المختلفة.

سُبل علاج فجوات الأجور

يقيناً، تدق المؤشرات السابقة، وغيرها، ناقوس الخطر بشأن “فجوات الأجور المتعددة الأبعاد”، وما يترتب عليها من تداعيات سلبية على المستوى الوطني والقطاعي والفردي. وفي المُقابل، هناك من الأدلة ما يُشير إلى إمكانية قيادة جيل الشباب لمسيرة ردم هذه الفجوات، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاءات الوطنية في المملكة المُتحدة لعام 2020، فإن فجوة الأجر بين الموظفين من النساء والرجال عن العمل المتساوي تتضاءل تدريجياً بمرور الوقت.

لقد أصبحت الفجوة تُقدر بنحو 0.7% فقط لصالح الرجال في الفئة العمرية (30 – 39) سنة، بعد أن كان الفارق 10.2% عام 2000. في المقابل، كما نجد أن الفجوة سجلت 11.2% لصالح الرجال في الفئة العمرية (40 – 49) سنة، بعد أن كانت 22.9% عام 2000، وذلك على النحو المُوضح بالشكل رقم (6)، ورغم إيجابية هذه النتائج، والتي قد ترتبط باتجاه الشباب للتنقل بين أصحاب العمل بحثاً عن شروط وظيفية أفضل، فإنه لا يُمكن تعميمها على جميع البلدان التي تشهد تفاوتات حادة في مستويات الأجور عن ذات العمل المتساوي القيمة.

الشكل (6): المملكة المُتحدة: فجوة الأجر بين النساء والرجال العاملين بدوام كامل، وفقاً للفئة العمرية في عامي 2000 و2020 – (%)

تأسيساً على ما تقدم، تُصبح الحاجة ماسة إلى تعزيز منطق “المساواة في الأجر” بمفهومه الأكثر رحابة، دون أن يقتصر فقط على المساواة بين النساء والرجال في الأعمال المتماثلة، ولكن في الأعمال المتباينة التي تُنتج نفس القيمة أيضاً؛ الأمر الذي يأتي في جوهره إلى توطين مبدأ “العمل اللائق”، ويتطلب ذلك عدداً من المبادرات التشريعية والتنظيمية؛ لضمان إنفاذ القواعد القانونية المُستقر عليها بهذا الخصوص؛ ومنها على سبيل المثال:

  • إعادة إحياء التشريعات القائمة، الداعية إلى المُساواة في الأجر عن العمل المتساوي القيمة، مع إصدار التعاميم الحكومية التي من شأنها توحيد مبدأ “المساواة في الأجر” بمفهومها الأوسع بين الجهات الحكومية، بالإضافة إلى باقة من الأدلة الإرشادية عن منهج تطبيقه.
  • البدء بالإدارة الحكومية، والوقوف على فجوات الأجور بين جميع العاملين بالخدمة المدنية، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتصحيحها، وصولاً إلى توطين مبدأ “الأجر المتساوي”، من خلال وضع القواعد التنظيمية لاحتساب مستويات الأجور عن الأعمال ذات القيمة المماثلة أو المُشابهة – حتى مع اختلاف طبيعتها – في ظل مجموعة من الشروط الموضوعية، وفي مقدمتها مبدأ الجدارة، لتحقيق العدالة الأجرية على نطاق الجهاز الحكومي ككل.

وفي محاولة لإلقاء الضوء على ممارسات تطبيقية لهذا المنطق، يُمكن الإشارة إلى “النظام الوطني المُشترك لتقييم الوظائف” National Joint Council for Job Evaluation Scheme, NJC JES الذي تطبقه حكومة المملكة المُتحدة، ويستند هذا النظام إلى تقييم الوظائف لمنحها درجات وفقاً لمعايير موضوعية، حتى يتم تحديد أجر الوظائف دون أي تمييز، تطبيقاً لتشريعات الأجر المتساوي Equal Pay Legislation وممارسات النظم ذات الصلة؛ ومنها “قانون المساواة لعام 2010”: Equality Act 2010.

الجدير بالذكر أن هذا النظام قد شارك في تصميمه ممثلون عن منظمات الأعمال وأصحاب العمل، من خلال المجالس الوطنية القائمة، كما شهد النظام العديد من التنقيحات على مدار السنوات الماضية، منذ إطلاقه عام 1997، وصولاً إلى نسخته الأخيرة الصادرة في 13 مارس 2019.

مما سبق يتبين أنه يُمكن الترويج لأحكام قضائية مؤيدة لمبدأ الأجر المتساوي، ومثاله إحدى القضايا العمالية في أستراليا؛ حيث أصدرت “محكمة لجنة العمل العادل” Fair Work Commission Tribunal حُكماً في يونيو 2012، قضى بتسوية الأجور في قطاع الخدمات الاجتماعية والأهلية والرعاية المنزلية والإعاقة، وهو القطاع الذي تغلب عليه النساء بأكثر من 80%، ولا يُساوي العمال والعاملات في الأجر عن العمل المتساوي القيمة، مُستندة في ذلك إلى أجور العاملين في وظائف متشابهة في الحكومة المركزية والمحلية.

وهناك أيضاً حاجة لتبني إجراءات ومبادرات غير تشريعية، والتي تؤتي ثمارها في مواضع كثيرة، وقد تكون أكثر تأثيراً من التدخلات التشريعية في بعض الأحيان؛ وعلى سبيل المثال يُمكن:

  • إجراء أصحاب العمل، سواء الجهات الحكومية أو الخاصة، مراجعات داخلية Internal Audit دقيقة وعلى أساس دوري لرواتب الموظفين، وفقاً لفئاتهم الوظيفية وخصائصهم السكانية، وذلك للوقوف على مدى الامتثال للقواعد الإرشادية، ونشر مؤشراته في إطار من الشفافية، مع العمل على تصحيح أيّ تشوهات تشوبها.
  • تكثيف الجهود المعنية بجمع بيانات أجور العاملين من قِبل أصحاب العمل والعاملين؛ لتحليلها على أساس دوري من أجل الوقوف على الفجوات الأجرية القائمة، ونشرها مجتمعياً.
  • التوعية بأهمية “المساواة في الأجر” بين جهات العمل باعتباره جزءاً أصيلاً من المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، وتبيان انعكاساته الإيجابية على كل من الأداء الفردي ورأس المال البشري والأداء المؤسسي عموماً. هذا بالإضافة إلى التعريف بآليات تطبيقه، والممارسات النموذجية ذات الصلة.

من المبادرات التي يُمكن الاسترشاد بها قيام “مفوضية المساواة وحقوق الإنسان” Equality and Human Rights Commission في المملكة المتحدة بتدشين صفحة رسمية على موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت للتعريف بأهمية الأجر المتساوي.

  • إطلاق مبادرة للمساواة في الأجر، وتأسيس لوحة شرف إلكترونية للمؤسسات التي تنضم طوعاً إليها، بعد استيفاء الشروط الواجب توافرها؛ ليواكب ذلك أيضاً حقها في إضافة “ختم المبادرة” على جميع مراسلاتها وظهورها الإلكتروني خلال فترة الصلاحية (يُقترح تجديده كل عام أو عامين).
  • نشر متوسطات معيارية موثوق بها لمتوسطات دخول مختلف الفئات الوظيفية على مستوى الاقتصاد ككل، وقطاعياً، على أساس دوري، بحيث يُمكن الاسترشاد بها ومتابعة وتقييم نتائج التدخلات التي تتبناها الدولة في هذا الشأن.

الخاتمة

بعد ما سبق ذكره، تُلقي فجوات الأجر المتعددة الأبعاد بتداعياتها السلبية على خطى التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي؛ فإلى جانب تجاهلها للمساواة في الفرص والخيارات بين الجميع، فهي أيضاً تُمثل تحدياً صارخاً للقوانين الوطنية، وتزيد من معدل دوران الموظفين وهجرة الكفاءات وما يرافق ذلك من ارتفاع تكلفة التوظيف، بالإضافة إلى تدشين صورة ذهنية سلبية عن قيم المؤسسة وسلوكياتها، وصعوبة جذب الكفاءات والاحتفاظ بهم.

وبالطبع، تُسهم هذه الأمور مجتمعة، وغيرها، في خفض معدلات الإنتاجية ومستويات الدخول وتراكم الثروات؛ ما يُنذر بصعوبة بلوغ مستهدفات التنمية، لانعكاسها على مستويات الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي، والنمو السنوي المُحقق.

ختاماً، تبدو أهمية التأكيد على “أن التشريع لتطبيق مبدأ الأجر المتساوي للعمل المتساوي القيمة، دون تمييز بسبب النوع، هو مسألة بسيطة لإعلاء العدالة”، كما يؤكد “دوايت دي أيزنهاور” الرئيس الرابع والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة (1953 – 1961). بيد أن هذا لا يتعارض مع تقدير الكفاءات والمواهب الخاصة وتشجيعها على التقدم والترقي، دون أدنى تمييز وفقاً لخصائصهم الإنسانية؛ لأنهم في هذه الحالة سوف ينتقلون تلقائياً إلى فئة وظيفية أخرى.

للمزيد :

https://trendsresearch.org/ar/insight/%D8%B9%D8%AF%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D9%88%D8%A7%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D9%88%D8%B1-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A7%D9%8B-%D8%AD%D8%B3%D8%A8-%D8%A7%D9%84/#:~:text=%D8%A7%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%8B%D8%8C%20%D9%8A%D9%8F%D9%88%D8%B6%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D8%B1%20%D8%B9%D9%86,%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8F%D8%A8%D9%8A%D9%8E%D9%91%D9%86%20%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%83%D9%84%20%D8%B1%D9%82%D9%85%20(2)

Prev Post
الجماعات المسلحة في ضوء القانون الدولي الانساني
Next Post
حضور تيدإكس الأمل

Add Comment

Your email is safe with us.

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

Application for registration on Rawabet

X