Add Listing Sign In

زلزال كهرمان مرعش تاريخ لا ينسى

بقلم: سوزان المحمود

Salon Syria\صالون سوريا

يوم ٦ شباط من سنة ٢٠٢٣ زلزال كهرمان مرعش، لن ينسى أحد هذا التاريخ من سكان منطقة شرق المتوسط لعشرات الأجيال القادمة، سيروى مع حكايات أدب (الديستوبيا). إن ما فعلته مجموعة الزلازل التي حدثت ولاتزال تحدث في سوريا وتركيا هي شاهد أولاً على غضب الطبيعة الأم، وثانياً على تعرية الواقع الرهيب الذي أحدثته سنوات الحرب الطويلة في هذه المنطقة، والآثار الكارثية التي خلفها صراع مصالح القوى على الأرض، والإهمال الكبير للناس واحتياجاتهم الضرورية وأبسطها الحصول على سكن متين ولائق وآمن، إذ إن معظم الأبنية التي انهارت في معظم المناطق التي ضربها الزلزال المدمر وخاصةً التي كانت بعيدة عن مركز الزلزال كانت تفتقد إلى المعاييرالإنشائية السليمة ومواد البناء الجيدة، وقد أدلى خبير الزلازل الياباني يوشينوري موكوفوري بتصريح صادم لا يمكن أن ينسى في اليوم الأول لوقوع الزلزال إذ يقول: “وقت وقوع الكارثة يمكن للناس أن يشعروا بالندم ولكن من المستحيل أن تعفو الأبنية عن الأخطاء البشرية التي تحدث في عملية إعمارها، وبالتالي تتحول فوراً إلى قبور لنا.” فيما يلي محاولة لرسم صورة حول ماحدث في الأيام الأولى، وقد استعنت بشهادات حية لأشخاص متضررين وناشطين ومتطوعين على الأرض من مختلف المناطق التي ضربها الزلزال المدمر:
تركيا
أنطاكيا يقول أحد الناشطين القادمين لتقييم الوضع على الأرض إن الوضع في انطاكيا رهيب. جزء كبير من المدينة سوي بالأرض وهناك بنايات غاصت تحت الأرض تماماً، أنطاكيا المدينة الأكثر تضرراً وأيضاً نور داغ و مرعش. ويضيف: ما رأيناه في بلدة نارلجا يشيب شعر الرأس منه، من بقي على قيد الحياة سافر إلى أقاربه في أورفا أو مرسين أو غيرها من المدن، أوانتقل إلى الخيم ومراكز الإيواء التي استقبلت المتضررين لأن الأبنية التي لم تسقط أصبحت متصدعة وغير قابلة للسكن عدا عن حالة الهلع بين السكان بسبب الهزات الأرضية المتكررة، ويقول للأسف كان هناك تمييز في المعاملة بين المتضررين وكان الاهتمام موجهاً بالدرجة الأولى للأتراك على حساب السوريين، فقد فتحت المطارات وقدمت تذاكر طيران مجانية للمواطنين الأتراك لإجلائهم على وجه السرعة، وهذا لم يحدث مع السوريين.

اسكندرون
وتقول السيدة روعة وهي من سكان اسكندرون “أكثر الولايات التركية تضررا هي أنطاكيا حيث تدمر 80% من المدينة ثم اسكندرون ثم كرخان وأُعلِنت إحدى عشرة ولاية تركية منكوبة جراء الزلازل المتلاحقة”، وتقول: “قامت السلطات التركية بترحيل سكان اسكندرون السوريين الذين فقدوا منازلهم إلى مرسين حيث تفاجأ الناس هناك أنهم سيقيمون في ملاعب رياضية دون تدفئة أو شروط إقامة مناسبة للعائلات، فعاد عدد كبير منهم إلى اسكندرون وانطاكيا ليقيموا في الخيم ومراكز الإيواء”.وعندما سألناها عن أصعب الحالات التي رأتها قالت:”عائلة جيراني، بقيت تحت الأنقاض لفترة، ثم عندما انقذوا أُخِذَ كلُ فردٍ منها إلى مستشفى مدينة، العائلة مشتتة في مشافي ثلاث مدن تركية الآن” و”هناك طفلة صديقة ابنتي بالصف توفي أهلها الأب والأم وأحد أخوتها وبقيت هي وأخ وأخت على قيد الحياة فقط، وأصبحت الآن هي مسؤولة عنهما”.
في مدينة أديامان التي تقع جنوب شرق تركيا وهي ذات أغلبية كردية يقول أحد الناجين من الزلزال المدمر: “بقيت أنا وعائلتي 44 ساعة في العراء وفي ظروف جوية سيئة للغاية حتى تمكنا من مغادرة المدينة بعد أن انهار البناء الذي نقطن فيه”.
الشمال السوري كارثة إنسانية وواقع شديد التعقيد

إدلب وجسر الشغور
تقول السيدة نسرين وهي مدرسة لغة عربية من جسر الشغورو تقيم حالياً في بلدة ييلداغي على الحدود السورية التركية: “في جسر الشغور تضررت الأبنية التي كانت متصدعة أصلاً بسبب الحرب وتضررت من القرى التابعة للجسر القنية، والملند، لكن الأضرار الكبيرة وقعت في بلدتي حارم، وسلقين، وتقول أن المساعدات لا تصل لهذه القرى بسبب المحسوبيات فمن ليس لديه واسطة في إدلب لا يصله شيء من مستحقاته”.

جنديرس وعفرين
الأهالي يدفعون الفاتورة الأغلى للمرة الألف، بأرواحهم ومنازلهم وأرزاقهم ومستقبل أطفالهم ، جميع القوى المتصارعة على الأرض مسؤولة عن تأخر وصول المساعدات إلى ضحايا الزلزال المدمر، كما حدث في جنديرس وعفرين حيث حُرِمَ الأهالي ومعظمهم من المكون الكردي من المساعدات بينما وزعت المساعدات على المستوطنين الجدد(وهم أيضاً ضحايا الصراع القائم على الأرض منذ سنوات) الذين جاءت بهم قوى الأمر الواقع السياسية والعسكرية أثناء الحرب لتقوم بعمليات تغيير ديمغرافي في مناطق الشمال ذات الغالبية الكردية، حتى المنظمات الإنسانية في الشمال تذهب في نشاطها أحياناً باتجاه سياسي وتهتم بفئات بعينها، وسبق أن تداول ناشطون فيديو صوره متضررون من الزلزال من عفرين وجنديرس وقرى عفرين لجأوا إلى قرية الأمل يقولون فيه إن إدارة قرية الأمل من منظمة (أنصر) تمنع المنظمات الإغاثية من الوصول للأهالي فقد مُنِعت منظمة شفق الإنسانية من الوصول لهم وكانت تحمل مشروع مساعدة مالية مؤلفة من 150$ لكل عائلة متضررة، كما يقول أحد المتضررين و يقول أيضاً نحن ندفع ثمن الماء هنا، على الرغم من أن هناك منظمات توزع الماء الصالح للشرب لكن منعوهم من الدخول إلى مشروع القرية مسبقة الصنع، ومُنِع وصول مساعدات عدة منظمات أخرى، ويقول الطعام الذي يوزعونه هنا لايكفي كل المتضررين، وهم يقومون عن قصد بهذا التضييق ليجبرونا على الرحيل من هنا ليستقبلوا متضررين من فئات أخرى، والمنطقة هنا جبل بعيد لايمكننا أن نؤمن أغراضنا من الخارج، إن لم تأت به المنظمات لنا ، ثم وجه نداء للمسؤولين والإدارة التركية للطوارئ وللمجلس المحلي و لمنظمة آفاد أن ينجدوهم بأسرع وقت ممكن”. وتقول ناشطة: “حتى المنظمات التي فيها أكراد مُنِعَ موظفوها من خدمة أهلهم في جنديرس وأُمروا بأخذ المساعدات إلى مخيمات ومناطق أخرى، ليُترك أهل جنديرس وعفرين ليواجهوا قدرهم لوحدهم عزلاً من كل مساعدة ممكنة من الآخرين، هذا ماقالته الناشطة الكردية المقيمة في ألمانيا السيدة أمينة مستو التي تقوم بتوثيق الانتهاكات في المنطقة الشمالية، وهي من قرية “كفر صفرة” قضاء جنديرس، تبعد عنها حوالي 5كم وجميع سكان قريتها ينزلون بشكل يومي إلى جنديرس لشراء حاجياتهم الضرورية. تقول تهدم 85% من بلدة جنديرس التابعة لعفرين، انهار 140 بناء بشكل كامل، ويوجد أربعة أبنية متصدعة كما يوجد أبنية متصدعة أيضاً في عفرين وقراها، وعندما سألناها من الحاكم على الأرض في هذه المناطق قالت: “الفصائل الإسلامية التي تحكم المنطقة هي أحرار الشرقية، وأحرار الشام، وفصيل سليمان شاه (أبو عمشة) متحكم ببلدة شيا وفصائل تركمانية فصيل السلطان مراد متحكم بنواحي راجو والبلبل. وتتابع السيدة أمينة: في جنديرس هناك عدد كبير من الأشخاص الذين بقوا على قيد الحياة فضلوا أن يبنوا خياماً فوق ركام بيوتهم وحاولوا سحب ما يمكن من أغراض منازلهم من تحت الركام، لأن الفصائل منعت عنهم المساعدة، الأهالي في حالة يرثى لها فوق مصابهم، وتقول: حتى المناطق التي حدث فيها الزلزال في تركيا غالبيتها أكراد لذلك كانت استجابة النظام التركي للكارثة التي حدثت هناك مخجلة ففي هاتاي ومرعش توفي عدد كبير من الضحايا بسبب بطء الاستجابة للكارثة وتُرِك السوريون تحت الأنقاض لفترة طويلة، لم تفتح الحدود حتى اليوم الرابع للزلزال. وتتابع حول ما جرى في جنديرس: “عانى السكان من التمييز العنصري فقد تُرِكَ الأهالي تحت الأنقاض وسحبت معظم الآليات التي كانت تقوم بعملية بناء في جنديرس إلى مناطق أخرى لإنقاذ الآخرين في إعزاز وإدلب في (حارم وسرمدا)(وأيضاً كان هناك أضرار في بلدات سنارة والنقلة وكاخرية). وتعقب: في منطقتناهناك خوف دائم من بناء مستوطنات جديدة أعمق وأكبر، و خوف من طرد الأهالي خارج قراهم. عندما سألناها عن موقف الإدارة الذاتية من ذلك أجابت أن الإدارة لا تهتم أبدا بالأهالي داخل عفرين وجنديرس.
حلب
تقول السيدة غفران المقيمة في مدينة حلب قامت المبادرات الفردية في الأيام العشرة الأولى على نجدة الناس وذلك من خلال تقديم الحاجات الضرورية الاسعافية من سلات غذائية وأدوية وتقديم مساعدات مالية لتأمين سكن مستأجر للعائلات، وقمت أنا وزوجي بمساعدة وتأمين 65 عائلة متضررة، المناطق التي تضررت في حلب (الفردوس، وصلاح الدين، والأعظمية، والعزيزية ) بعض البنايات التي انهارت كانت قد تصدعت منذ وقت الحرب ووصل عدد الوفيات في حلب لأكثر من 500 حالة وفاة ويوجد عدد كبير من المصابين.
تقول السيدة ديمة وهي من العائلات التي نزحت من حلب بعد الزلزال باتجاه دمشق: “كنت أسكن في الأعظمية في حلب بعد أن نزحت من إدلب بسبب الحرب وهذه المرة أنزح للمرة الثانية بسبب الزلزال أنا وأمي وأخواتي وطفلة عمرها أربعة شهور من حلب لبيت أقاربي في حي “جبل الرز”في الشام.
وتقول السيدة أم منى “نزحت بعد الزلزال من بستان القصر في حلب إلى بلدة “صحنايا” في دمشق، بعد أن تصدع منزلنا وكُسِرت يد زوجي من جراء الزلزال، أتيت أنا وزوجي وابنتي ونزلنا عند أقاربنا هنا”وكان قد نزح عدد كبير من العائلات من مدينة حلب باتجاه حماه و اللاذقية ودمشق بعد الزلزال.

حماه والسقيلبية والغاب
يقول السيد باسل انهارت 10 أبنية في حي الأربعين وقسم من حي الفيحاء، وهذه الأبنية كانت متصدعة بالأصل بسبب خلل في الأساسات وتسرب في المياه، الوفيات حدثت في اليوم الأول للزلزال فقط بسبب انهيار هذه المباني. في السقيلبية كما يقول السيد منذر حنا الناس يعيشون حالة خوف وهلع حتى الآن حتى أنهم نصبوا بيوت شعر وخياماً في الخارج. وقالت لنا زوجته: “الناس لا تنام في الليل من الخوف” انهارت بعض البيوت في الحارة القديمة، لكن دون خسائر بشرية في قرى الغاب. في الشريعة انهارت البيوت التي بدون أعمدة في قرية عين الكروم انهارت بنايتان حديثتان وهناك حالتا وفاة و 16 إصابة وهناك أضرار في قرية الحوايق، وفُتحت مراكز إيواء في السقيلبية لمساعدة المتضررين وقامت الجمعيات الأهلية والأهالي بمساعدة كل شخص متضرر من الزلزال.

في اللاذقية وجبلة
أكبر فاجعة صدمت أهل جبلة واللاذقية سقوط “بناء الأطباء” وسط مدينة جبلة حيث لقي مجموعة من نخبة أطباء المدينة حتفهم مع عائلاتهم، جراء الزلزال بسبب سوء البناء مع العلم بأن جميع الأبنية التي تحيط ببناء الأطباء لم تسقط، ووصل عدد ضحايا الزلزال من الأطباء والصيادلة فقط في مدينة اللاذقية وما حولها إلى 31 طبيباً وطبيبة.
يقول عبدالله كنت أسكن في الرمل الجنوبي (الرمل الفلسطيني) لكن بيتي تصدع من جراء الزلزال خرجت أنا وزوجتي وأطفالي لنقيم عند والدة زوجتي مؤقتاً حتى نتمكن من استئجار منزل صغير خاص بنا.
تقول بسمة وهي معلمة سابقة ومتطوعة في مدينة اللاذقية تنشط في تقديم المساعدات منذ الأيام الأولى من حدوث الزلزال، أنا أسكن في المساكن الجديدة في القنجرة الحمد الله لم يتأذ البناء الذي أسكن فيه ، وعندما سألناها أي الحالات التي قامت بمساعدتها وتأثرت بها أجابت: “أكثر الحالات التي أثرت بي هي عائلة في (روضو) مكونة من أب وأم و6 أطفال أخبروني أنهم كانوا يحتفلون قبل وقوع الزلزال بمرور أسبوع على تسديد آخر قسط لبيتهم وأنهم انهاروا من الحزن عندما تصدع البيت وسقط أمام أعينهم وهم في الأصل أتوا نازحين من حلب إلى اللاذقية أثناء الحرب، و حاولوا أن يشتروا هذا البيت في قرية روضو بالتقسيط وهم أناس بسطاء للغاية، وليس لديهم تلفون للتواصل” .
يقول السيد محمد من مدينة جبلة “خرجت أنا و زوجتي وأطفالي السبعة من بيتنا المكون من طابقين والذي تصدع من جراء الزلزال في أول العسّالية في جبلة التي تهدم فيها مايقارب ال 14 بناء سوي بالأرض والتجأت إلى بيت أهلي في حميميم الذي التجأ له أيضاً أخي وعائلته، ولكن منزل أهلي أيضاً مهدد بالانهيار بسبب بعض الشقوق التي حدثت به بسبب الزلزال، لا ندري أين سنذهب إذا تصدع بيت أهلي أيضاً”. وعندما سألناه عن إمكانية استئجار بيت في جبلة أخبرني “أن عدداً كبيراً من الناس في مدينة جبلة تركتها وذهبت إلى القرى لأنهم يخافون من هزات قادمة وخاصة الأطفال الذين اختبروا هذا الرعب”. وعن المساعدات المقدمة قال: “أن الهلال الأحمر السوري يقدم بعض المساعدة المنظمة لكن بشكل عام هناك فوضى وعدم تنظيم بموضوع المساعدات و عدالة توزيعها”.
ويقول أخ أحد الضحايا الذين قضوا في العسّالية: “لم يتمكن أخي الشاب وزوجته من النجاة بعد أن أنهارت البناية التي يسكنون بها. اتصلت بأخوتي وقدموا إلى مكان الردم وحاولوا الحفر بأيديهم لإخراجهم من تحت الأنقاض لساعتين دون جدوى لأنه لم توجد آليات هناك للحفر وللإنقاذ، فقدناهما”
في جبلة تضررت مناطق الرميلة ، العسّالية، الفيض، الجندرية، العمرونية ، قبو العوام.
في القرداحة تضررت مناطق الهنادي، وسطامو، فديو. تواصلنا مع بلدية قمين وقال لنا أحد موظفي البلدية إن “البلدية مسؤولة عن 7 قرى منها ثلاث قرى متضررة وهي اسطامو، ومرخو، والنبي ريح، وحرث الهوى عدد الوفيات وصل إلى 54 شخصاً في اسطامو، وانتشل من تحت الأنقاض 21 شخصاً أحياء وتضرر 100بيت ،وهناك 14 كتلة بناء متضررة” وفي قرى بستان الباشا وصل عدد الوفيات إلى 49 شخصاً.

تقول السيدة هيام سلمان وهي فنانة تشكيلية أسست مع زوجها النحات ماهر علاء الدين جمعية “أرسم حلمي” في 2010 في مدينة اللاذقية، وهي جمعية ثقافية فنية تشكيلية تعنى باكتشاف مواهب الأطفال: “بدأت بالعمل الإغاثي من ثاني يوم لحدوث الزلزال. تواصل معي أصدقاء من كل سوريا ومن الخارج كانوا يسألون عن كل ما يحدث هنا، اضطررت أنا وزوجي للنزول إلى الميدان، وكان مؤلماً جداً ما رأيناه، وماتعرضت له الأسر من جراء الزلزال، بيوت مدمرة بالكامل تحولت إلى ركام، وبيوت أخرى متصدعة متخلخلة، المأساة الأكبر كانت جموع الناس التي تشردت وفقدت بيوتها البيت الذي يعني الحماية والسكينة، حزَّ بنفسي الأطفال الذين تشردوا وفقدوا أهلهم والصبايا والشباب و الأشخاص الذين فقدوا كل شيء، نظمنا عملنا باتجاه العائلات التي استضافت عائلات منكوبة بينما اتّجه البعض للعناية بالمتضررين الذين التجأوا إلى مراكز الإيواء، نحن اتجهنا للعائلات التي استضافت عائلات أخرى منكوبة لمساعدتها في تحمل مسؤوليتها، وكان التواصل الكبير عن طريق الانترنت لتأمين الدعم للناس، قام المجتمع مدني بعمل جبار كأفراد وكمنظمات وكمؤسسات. الزلزال قرّب السوريين من بعضهم البعض، التواصل بين المجموعات على الأرض وبين المغتربين، والثقة المتبادلة في المجتمع الأهلي من أجل الدعم والمبادرات لتأمين أماكن سكن وجمع مبالغ لاستئجار بيوت للمتضررين، العمليات الجراحية التي تكفل بها أشخاص، الأطفال الذين أخرجوا من تحت الردم والدعوة لإقرار قانون للتبني وكفالة الأطفال اليتامى الذين فقدوا ذويهم، قدمنا المساعدة في اللاذقية ثم خرجنا إلى الريف لنرى كيف يمكننا أن نساعد المتضررين في القرى النائية في ريف اللاذقية وجبلة والتي لم تصلها مساعدات، والتي رغم فقرها الشديد تستضيف عائلات منكوبة. وعندما سألنا السيدة هيام كيف ترين مرحلة مابعد الحلول الأسعافية.أجابت: “للأسف لا أرى هناك شيئاً يبشر بالخير، هناك بطء بتقديم الخدمات للناس، والناس عندها حزن وعتب كبيرعندما نزورها تشتكي بألم. قالت لي إحدى العائلات في الريف لم يعزنا أحد أو يقدم لنا مساعدة حقيقية، ليس هناك عدالة في توزيع المساعدات، المبادرات الفردية جيدة جداً نتمنى أن تحدث إعادة إعمار سريعة وبناء بيوت للمتضررين لأن أماكن الإيواء يجب أن تكون حلاً مؤقتاً وليس دائماً ويجب أن ينتقل الناس إلى بيوت بأسرع وقت ممكن وتُقدم لهم تعويضات ليحدث استقرار. لايوجد تعويض عن الضحايا لكن تأمين المسكن مهم جدا.
وعندما سألنا متطوعين ناشطين على الأرض حول أهم الصعوبات التي واجهتهم في الأيام الأولى للكارثة، أجابوا: “صعوبة إنقاذ الضحايا بسبب تأخر وصول الآليات إلى أماكن الردم بسبب عدم توفر المحروقات من بنزين ومازوت في البلاد، عدم وجود مختصين برفع الأنقاض، سوء الأحوال الجوية ليلة وقوع الزلزال، صعوبة إسعاف المصابين إلى المشافي، ثم واجهنا فيما بعد صعوبة في تأمين حليب الأطفال وأدوية مرضى السرطان وأمراض الكلى والأمراض المزمنة ذات التكاليف العالية جداً”، بعد الأيام الأولى من العمل التطوعي الاسعافي طلبت منا الجهات الرسمية الحصول على تراخيص للاستمرار في العمل التطوعي من تقديم مساعدات وغيرها، وجدنا صعوبة في ذلك لأن معظمنا يعمل بشكل تطوعي فردي وليس تحت غطاء جمعيات أو مؤسسات.

دور السوريين في الخارج في مساعدة أهلهم داخل الوطن
أنشأت على وجه السرعة مجموعات دعم كبيرة من شبكات التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي من فيسبوك وواتس، وغيرها، لتنسيق عمليات المساعدة وتقديم الخدمات للمتضررين من الزلزال حيث قام عدد كبير من السوريين المقيمن في الخارج من مهاجرين ولاجئين بإرسال حوالات مالية بشكل مستمر لأهلهم وأصدقائهم في الداخل ليتمكنوا من تقديم المساعدة للمصابين ولعائلاتهم، وكان للنساء دور كبير في ذلك من جميع دول العالم قامت النساء بالمشاركة بالعمل الإغاثي. إحدى السيدات السوريات المقيمات في السويد كانت تهتم بأمور تنسيق وتوصيل المساعدات لأهالي مدينتها في سوريا بينما تنقل طفلتها المريضة باللوكيميا إلى المشفى، وهي (أي السيدة) تقاوم نوبات الشقيقة، بينما تفكر بأبناء بلدها المنكوب وتبكي بحرقة عجزها أمام مصابين كبيرين مصابها الشخصي ومصاب بلدها، أيضا سوريات مقيمات في فرنسا وإيطاليا والنمسا وبريطانيا وتركيا ومعظم دول العالم كن يعملن مع مجموعات الدعم على الأرض، يقمن بجمع التبرعات وإرسالها إلى المدن السورية المنكوبة، ويقمن بعمليات جمع المعلومات الإغاثية وأماكن توفر الدواء وحليب الأطفال ومساعدة المتطوعين على الأرض، وإرشاد المتضررين إلى مراكز الإيواء.
بعض الملاحظات المشتركة بين جميع المناطق التي حدثت فيها الزلازل:

بطء الاستجابة الرسمية للكارثة الإنسانية إن كان في تركيا أو في مناطق نفوذ قوى وسلطات الأمر الواقع في الشمال السوري أو في مناطق سيطرة الدولة السورية، مقابل سرعة ونجدة المجتمع الأهلي لأهله المتضريين حيث قام الأهالي بمحاولات يائسة لنجدة عائلاتهم بحفرالأنقاض بأصابعهم وأيديهم لساعات وفي مناطق أخرى لأيام لإنقاذ الضحايا حدث هذا في أنطاكيا وجنديرس وحلب وجبلة، سمعنا القصص نفسها، لأن الآليات تأخرت لساعات في الوصول الى أماكن الكارثة.

أيضاً تأخر قرارات فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية وفرق الطوارئ في الشمال.

البطء في تذليل الصعوبات للوصول للأماكن المنكوبة.

البطء بسبب الاعتبارات السياسية والقوى الحاكمة على الأرض وتحكم هذه القوى بمصائر الأهالي داخل مناطق نفوذها في الشمال.

وصول كميات كبيرة من المساعدات الدولية والأهلية، لكن كان هناك فارق كبير بين كمية المساعدات الواصلة وكمية المساعدات الموزعة على أرض الواقع وعدالة توزيعها على المتضررين في معظم المناطق، داخل سيطرة الدولة السورية وخارج سيطرتها، وهناك مناطق تم فيها الاستيلاء على المساعدات وتوزيعها لفئات تهم الفصيل المسلح الذي يحكم المنطقة.

قامت الكارثة الطبيعية بتعرية دور الفساد الهائل الذي انتشرعلى مستوى البلاد جميعها في العقد الأخير، وترهل مؤسسات الدولة وتخليها عن مسؤولياتها تجاه مواطنيها، إن كان في مناطق سيطرة الدولة الرسمية أو في المناطق التي أصبحت خارج سيطرتها وما اصطلح على تسميته سياسياً بالمناطق المحررة، والذي يقع تحت حكم قوى الأمر الواقع من فصائل عسكرية مسلحة تتبع سياسياً لقوى دولية وإقليمية مختلفة، يعاني الأهالي تحت حكمها الأمرين لولا بعض منظمات المجتمع المدني الإنسانية التي تقدم في بعض المناطق الشروط الدنيا للعيش.

معظم الأبنية التي انهارت في جميع المناطق غير مطابقة للمواصفات المعيارية للسكن، في جنديرس كل ما بني بعد عام 2011 انهار، وفي حلب الأبنية المتصدعة من جراء الحرب والمُنشأة بعد الحرب، وفي جبلة واللاذقية الأبنية التي انهارت كانت غير مطابقة للمواصفات بناها مقاولون تجاريون غير مهتمين بحياة الناس، حتى في الأبنية ذات الأسعارالمرتفعة جدا.

تواضع الحلول، فقد ذكرت وكالة سانا السورية الأخبارية الرسمية أن مصرف “الوطنية
للتمويل الأصغر” أطلق قرض “ساند” المخصص لترميم وإعادة تأهيل المساكن المتضررة من الزلزال في محافظات حلب واللاذقية وحماة، دون فائدة وبقيمة تمويل تصل حتى 18مليون ليرة سورية، وعلى فترة سداد تمتد إلى ست سنوات، لكن معظم المتضررين لن يتمكنوا من الاستفادة منه بسبب شروطه المعقدة وثانياً لأن معظمهم لايمكنهم أن يقوموا بسداد الأقساط الشهرية بعد أن فقدوا كل ما يملكون وعدد كبير منهم يعيش على المساعدات المقدمة من الآخرين، أيضاً هذا المبلغ لا يمكن أن يفعل أي شيء حقيقي لمن فقد منزله بسبب انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأمريكي، الحل الحقيقي الذي يجب أن تقوم به الدولة هو بناء وحدات سكنية بشروط فنية صحيحة مُقاومة للزلازل للمتضررين، وكانت مؤسسة الهلال الأحمر الإماراتية قد أعلنت عن نيتها بناء 400 وحدة سكنية للمتضررين لكن غير معروف في أي مكان حتى الآن، وكانت قد أعلنت قطر عن نيتها إرسال غرف مسبقة الصنع كانت قد استخدمت في المونديال سابقاً لمتضرري الزلزال في الشمال.

في تركيا وعد الرئيس التركي طيب رجب أردوغان الأتراك بأنه خلال عام سيكون قد بنى وحدات سكنية تستوعب جميع المتضررين الأتراك من الزلزال، لكن هذا لن يشمل للأسف السوريين الموجودين في تركيا بشكل غير قانوني أو نظامي، ممن لا يملكون “الكملك” الرقم الوطني التركي.

حتى الآن لم يتلقَ المتضررون ( من غير المتواجدين ضمن مراكز الإيواء الرسمية) أي دعم نفسي لما بعد الصدمة، وخاصة الأطفال، في حين أُعلن عن خارطة خدمات الدعم النفسي الاجتماعي المجانية من قبل منظمة “مستقبل سوريا الزاهر” ويضم الملف عدداً من الجمعيات والفرق والمنصات الجاهزة لهذا الدعم لكن سيكون هناك عوائق كبيرة أمامها خاصة أن معظم هذه المنظمات ستقوم بعملها عن بعد، أي أنها بحاجة لخدمات وخطوط انترنت وهاتف سريعة لتتمكن من الوصول إلى المتضررين، وبالتالي سيكون هناك عدد كبير من المتضررين خارج شبكات الدعم هذه بسبب سوء خدمات الاتصالات في الكثير من المناطق المتضررة، في حين تقول السيدة ريتا أن الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية في حلب تقدم الدعم النفسي بشكل مباشر للمتضررين المتواجدين في ستة مراكز للإيواء في حلب، منذ اليوم التالي لزلزال المدمر 7منذ شباط.

الزلزال جيولوجيا

سألنا الجيولوجي الأستاذ مضر سليمة بضعة أسئلة أولها لماذا وقع الزلزال وكيف؟
ثانيها ما التربة التي تأثرت بالزلزال بناءً على قراءتك الجيولوجية؟
ثالثها هل هناك إحصاء لعدد الأماكن المتضررة بالزلزال؟
رابعها كيف تتوقع أن يكون مستقبل المنطقة بالنسبة للزلازل، هل ستبقى مهددة؟
وكانت إجابته كالتالي:
يقع الجزء الأكبر من سورية تكتونياً؛ شمال الصفيحة العربية، ويحد هذه الصفيحة من الشمال الغربي صفيحة الأناضول ومن الشرق والشمال الشرقي الصفيحة الآسيوية، في حين يحدها من الغرب الصفيحة الأفريقية التي يمثل الساحل السوري أطرافها الشمالية الشرقية.
تتدافع الصفيحة العربية مع صفيحة الأناضول وفق فالق تنغرز أحداهما تحت الأخرى نتيجة حركة الصفيحة العربية نحو الشمال ويتفرع عن فالق التدافع فوالق انزلاق،هذه الحركة بطيئة وأحيانا متوقفة نتيجة المقاومة التي تبديها صفيحة الأناضول ولكن في اللحظة التي تتراكم فيها القوة وتصبح مقاومة صفيحة الأناضول أقل من قوة الدفع القادمة من الصفيحة العربية تحدث الهزات.
وهذا بشكل عام ما حدث منذ أيام وماسبق أن حدث منذ أكثر من مئة عام، لكن التفاصيل في حدثنا الآني تحتاج الى دراسات ميدانية وسيزمية لتحدد بالضبط نوع الحركة ومدى تأثيرها وما قد ينجم عنها. لكن في الأيام الاولى: لا يستطع المختصون سوى تقدير ما حدث، من خلال قراءة البيانات المسجلة ومنها شدة الهزات ومدتها الزمنية وعدد الهزات ومناطق وقوعها وترتيب وقوعها، وهذا ما حاولت فعله شخصيا، الجميع شعر في اليوم الأول أن الهزات كانت كبيرة وطويلة وهذه صفات الهزات الناتجة عن التصادم أما لاحقاً فقد ظهرت هزات قصيرة وشديدة وهذه صفات الهزات الناجمة عن الانزلاق strike-slip وكان معظمها (أي الانزلاق) في الساحل السوري.
لماذا تأثرت مناطق بعيدة عن الزلزال كجبلة أكثر من مناطق أخرى قريبة ككسب ورأس البسيط؟
هناك عوامل كثيرة يمكن ذكرها، ولكن ما يستحق الاهتمام (برأيي) هو نوع التربة أو الصخر الحامل فبالعودة إلى الخرائط الجيولوجية في المنطقة (حيث تثنى لي التحقق) نلاحظ الآتي:

منطقة دمسرخو وما حولها مناطق السهل الساحلي من اللاذقية إلى جبلة تقع فوق ترب لحقية.

الرمل الفلسطيني (تربة رملية).
أما الأماكن التي لم تتضرر أو كان الضرر فيها محدوداً فكانت على سبيل المثال:

صلنفة وكسب، والتربة فيها كلس صخري.

برج اسلام ، كرسانا، القنجرة، سقوبين، عين البيضا، المشرفة والتربة في هذه المناطق كلس مارني.

اللاذقية: بترب متنوعة(كلس، كلس مارني، افيوليت، صخور رملية)

رأس البسيط، صخور أفيوليتية.

وكنتيجة، وبغض النظر عن جودة البناء نجد أن أنواعاً من التربة، ساهمت في التقليل من أضرار الزلزال بعكس أتربة أخرى كان لها دور فاعل في انهيار كثير من المباني.
الاحصاء هو مهمة تقوم بها المؤسسات المتخصصة وعلى هذه المؤسسات الأخذ بعين الاعتبار الدور الذي يلعبه الجيولوجيون في المساهمة بدراسات ناجحة.
مستقبل المنطقة:
وفق ما ذكرنا في بداية الحديث فإن الصفائح المكونة للقشرة الأرضية دائمة الحركة وهناك لحظة (قد تطول) ولكنها آتية آجلا أم عاجلاً تعجز فيها صفيحة ما عن مقاومة الأخرى. وسورية التي يقع جزءها الأكبر على الصفيحة العربية يقع بعضها على الصفيحة الأفريقية في حين يمثل شمال اللاذقية امتداداً لصفيحة الأناضول، أي أننا مزنرون بالفوالق المتحركة، وهي مناطق زلزالية نشطة دوماً.

رابط المقال

Prev Post
شمال غرب سوريا بعد الزلزال: مساعدات لا تلبي الاحتياجات وقطاعات منسية
Next Post
حول دور السلطات القضائية والادارية في مناهضة العنف ضد النساء والفتيات في سوريا

Add Comment

Your email is safe with us.

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

Application for registration on Rawabet

X