أتجوّل بين المخيمات و الأماكن السكنية للاجئين السوريين في لبنان، بينما تتهافت الاتصالات يومياً لطلب المساعدة، بشكل كبير من النساء المعيلات لأسرهن، لكوني ناشطة مجتمعية ولديّ الوصول ومعرفة الخدمات التي تقدمها المنظمات و الجمعيات على اختلاف نوعها. إحداهن تطلب العون لإيجاد مأوى لها ولأطفالها وأهلها المسنين معها، بعد طلب صاحب المنزل الذي تقيم فيه منذ خمس سنوات بإخلائه دون سبب على الرغم من أنّها تدفع الإيجار شهرياً. بينما تتصل داليا طالبة المساعدة بمدفأة. وثالثة تحتاج لتغطية تكاليف علاجها وحاجتها لثمن صورة للرنين المغناطيسي. هذه عينة بسيطة جداّ، تُضاف للكثيرات الخائفات من هدم مخيماتهن، أو اللواتي تمّت مداهمة مخيماتهن في الأسابيع القليلة الماضية.
منذ بداية الصيف، تصاعد الخطاب من السلطات اللبنانية بضرورة ترحيل اللاجئين، والتحضيرات لقوافل العودة، وعلى إثره ارتفعت نسبة الانتهاكات وخطاب العنصرية والكراهية التي يتعرض لها اللاجئون، الأمر الذي زاد نسبة القلق والخوف المستمر لدى العوائل اللاجئة، بوتيرة أعلى عند النساء.
رصد النشطاء والمراكز الحقوقية حالات الإخلاء القسري التي تعرضت لها بعض المخيمات ولم يتمّ الاستجابة لها من قبل المنظمات الإنسانية، وعلى هذا فإنّ ضحيّة هذه الوقائع والأحدث تكون من نصيب النساء والأطفال و المسنين الذين يشكلون النسبة الأكبر بين الأسر اللاجئة. سبق وأن قابلت خلال الشهرين الماضيين عدّة حالات لانتهاكات تأذّت النساء اللاجئات بسببها مباشرة ولم يحصلن على المساعدة المطلوبة. كان من بينها مبيت العوائل التي هُدّمت مخيماتهم في العراء، ولم يتمّ تأمين سلامة النساء من حيث وجود أماكن مخصصة لنومهن والأطفال، أو حمامات أو سلل صحيّة، كمستلزمات أساسية. وحدث ذلك على بعد كيلومترات معدودة بذات المنطقة الجغرافية لمبنى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لم يتحرك لأجلهنّ ولأجل مساعدتهنّ أحد من المعنيين. كما رصدتُ حينها حالة لسيدة ولدت طفلها وبقيت على أنقاض خيمتها بعد الولادة، فيما روت إحداهن لي خشيتها من الذهاب للعمل في الحقول الزراعية بسبب ملاحقة متحرش يعيش في مبنى مجاور لمخيمها وقام بملاحقتها إلى مكان العمل، لتتوقف عن الذهاب وحرمان نفسها من مصدر رزقها في العمل، على حساب حماية نفسها منه بعد عدم استجابة قسم الحماية لحالتها.
وبحسب مركز وصول لحقوق الإنسان، يشهد اللاجئون في لبنان صعوبة في تأمين الاحتياجات الأساسية لأسرهم، نتيجة تردي الظروف الاقتصادية والمعيشية التي تمر على البلاد، شح المساعدات المقدمة إليهم، تأخر الاستجابة لمطالبهم من قبل مفوضية اللاجئين المعنية برعاية شؤون اللاجئين في لبنان.
تداولت وسائل الإعلام الصور والفيديوهات لقافلتي العودة “الطوعية” من لبنان، يوم الأربعاء 26 تشرين الأول المنصرم، و السبت 5 تشرين الثاني الجاري، وظهر جليّا أنّ معظم العائدين من النساء و الأطفال، وعبّرت اللقطات عن عدم توفر ظروف آمنة حتى خلال رحلة العودة، حيث بدت النساء يجلسن بصعوبة بين الأمتعة المتزاحمة في سيارات مكشوفة تحت الأمطار الغزيرة. فيما رفضت العديد من النساء العودة دون رجال العائلة، عند وصول رفض أسمائهم.
تقول هدى البريدي وهي مسؤولة عن حلقة نساء عرسال، وتعمل على مساعدة وتمكين النساء اللاجئات هناك “إنّ المرأة اللاجئة تعاني من صعوبات بالغة، بوجود زوج أو معيل أو بدونه، خاصة بظلّ الظروف الحالية و منع اللاجئين من العمل، فهي مضطرة للعمل و السعي لتأمين لقمة العيش بأيّ شيء، فالمساعدات التي تقدمها المنظمات ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لا تكفي بالحدّ الأدنى لتلبية احتياجات العائلة. وهذه الأعباء كلّها على النساء وتُحمّلها المسؤولية المضاعفة”.
وتكمل هدى حديثها لشبكة المرأة السورية: ” في الفترة الأخيرة ازدادت الضغوطات بطريقة غير محتملة، و نحن مقبلون على الشتاء، في حال لم تقم المنظمات بتقديم مساعدات مناسبة، نحذر من وضع كارثي أسوأ بكثير من الشتاء الماضي”.
وعن العوائل التي سجلت على العودة من عرسال: “هناك عدد من النساء اللواتي رفضن العودة بعد رفض أسماء أزواجهن بالعودة إلى سوريا وعدم استحصالهم على موافقات أمنية. كيف ستعود امرأة و أطفالها، وقد تمّ رفض زوجها؟ مستحيل.”
وتندد هدى بالظروف التي عادت خلالها العوائل اللاجئة بالنسبة لعدم توفير أمان للسيدات في وسائل النقل وتحت ظروف جويّة سيئة باردة. وتشير إلى هواجس المرأة السورية العائدة من قلّة الأمن والأمان، و تهدّم منازلهن، وخوفهن من استطاعتهن على التأقلم، فلا موارد متوفرة تؤمن معيشتهن بظروف اقتصادية أسوأ في سوريا عنها من لبنان.
تحكي رزان، وهي ناشطة مجتمعية في البقاع لشبكة المرأة السورية، عن الخوف والقلق الذي تعيشه المرأة السورية في لبنان، حالات وصفتها ب “الهستيرية” تصيب اللاجئات بسبب تدهور الوضع الاقتصادي والغلاء المعيشي والضغط الأمني، سواء لإرتفاع معدّلات الفقر والجوع، و قرارات المنظمات الدولية بخفض مخصصات المياه للمخيمات، وارتفاع إيجار الأرض المبنية عليها المخيمات و مطالبتهن بالدفع بالدولار، و أمّا عن المدارس فهي تبكي فعلياً على حدّ تعبيرها. “التضييق على اللاجئين في المخيمات يتزايد، و القوى الأمنية تمنع الانترنت و تخزين الحطب للتدفئة”. وتؤكد رزان رصدها لرعب الأمهات اللاجئات إن كان خشيةً من ترحيل قسري يتعرضون له في لبنان، أو اعتقال بسبب الاوراق الثبوتية، أو من اعتقال أولادهن في حال اتخذت الأسرة قرار العودة “الأمّ بتقول، بموت هون ومابنزل ولادي الشباب لسوريا. أعرف سيدات ذهبن إلى المدرسة في منطقتنا للحصول على أوراق من المدير لتثبت منذ متى وهي في لبنان في حال تعرضت لمواقف أمنية هنا ضمن لبنان أو لإذا تمّ ترحيلهم قسراً إلى سوريا. يوجد رعب حقيقي من كلمة معتقل”.
وعن الانتهاكات المستمرة التي تتعرض لها النساء في سوريا، تروي ف. ر قصة اعتقالها من قبل النظام السوري العام الماضي، ودموعها تغمرها. دخلت ف.ر إلى بلدتها في القلمون بطريقة غير شرعية، لتزور أهلها المسنين، فيما قدّم أحد أقربائها وشاية عنها للأجهزة الأمنية، وتمّ اعتقالها و تعذيبها لمدة أربعة أشهر بعدّة أفرع أمنية، ولم يفرجوا عنها إلاّ بعد دفع عائلتها مبلغ مالي 15 ألف دولار أمريكي، أمّنته العائلة بعد بيع ممتلكاتهم وجمع التبرعات. لذلك تخشى ف. ر من موضوع العودة و القوافل، و تخشى مجرّد تفكيرها بالترحيل أو إعادتهم إلى سوريا.
بين مساعي السلطات اللبنانية بالدفع نحو عودة اللاجئين إلى سوريا تحت مسمّى “العودة الطوعية”، وعدم استجابة المنظمات لاحتياجات اللاجئين في لبنان عموماً و اللاجئات خصوصاً، وبين الضغوطات التي تعيشها يومياً هذه الفئة المهمّشة، لا خيارات أمام النساء في لبنان إلاّ أن يبقين ناجيات و ضحايا ويكافحن لمحاولة ترميم ما سُلب من حقوقهن، فيما تستمر عوامل الضغط على اللاجئين لتخضعهم للاستسلام بالعودة إلى سوريا غير الآمنة، أو التسليم بهدم المأوى المؤقت و الانتهاكات اليومية.
لقراءة المقال كاملاً :
أضف تعليق