Add Listing Sign In

العنف الجنسي في الأزمة السورية وآثاره

العنف الجنسي في الأزمة السورية وآثاره

بقلم: رسلان عامر

جهة النشر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة Harmoon Center for Contemporary Studies

مقدمة

العنف الجنسي بأشكاله المختلفة هو أحد أنماط العنف البشعة التي تستخدم أو تحدث دومًا في الصراعات والأزمات الحادة، وتتحول فيها إلى ظاهرة خاصة مميزة، وعمومًا هو ومفهومه الموسع سمة من سمات المجتمعات ذات الأوضاع الاجتماعية والثقافية المتردية التي عادة ما تشكل المرجعية الاجتماعية الملائمة لاندلاع الصراعات وتفاقم الأزمات، وعلى الرغم من أن العنف الجنسي يعد انتهاكًا لمنظومة حقوق الإنسان وللقوانين الدولية كـ(القانون الدولي) و(القانون الدولي الجنائي) وغيرهما من القوانين والمواثيق العالمية، فهو ما يزال منتشرًا على نطاق واسع في عالمنا المعاصر، وما زالت أساليب التصدي له حتى اليوم محدودة الجدوى.

في الأزمة السورية ما يزال العنف الجنسي مستمرًا ويشكل أحد أكثر الجوانب المأساوية والوحشية في هذه الأزمة، تمارسه أطراف النزاع المختلفة، وهذا ما أكده وأوضح عمقه عدد من التقارير والدراسات الرسمية الدولية، فتحدثت عن مخاطره كثير من الشخصيات المختصة، فعن ذلك تقول -مثلًا- غيدا عناني، الأستاذة المساعدة في كليّة الصحّة العامة في الجامعة اللبنانية ومؤسِّسة مؤسَّسة (أبعاد – مركز الموارد للمساواة بين الجنسين) ومديرتها: «تشير تقييمات أثر الأزمة السورية على ارتفاع مستويات العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ويلاحظ تزايد انتشار الاغتصاب والاعتداء والعنف من جانب الشريك الحميم والجنس من أجل البقاء. وأمام الهيئات الإنسانية حاجة ماسة للعمل معًا للتعامل مع ذلك التوجه»، وتضيف عناني: «في أوقات النِّزاع، يتأثر الجميع بالعنف. لكنَّ النساء والبنات على وجه الخصوص يتعرضن لمخاطر أكبر لأنواع مختلفة من العنف، منها: العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي نتيجة غياب الحماية الاجتماعية وعدم القدرة على الحصول على الخدمات بأمان. وفي حين هناك إقرار كبير بأن العنف الجنسي يمثِّل سلاحًا يُستخدم في الحروب، هناك نماذج أخرى للعنف الذي يُرتكب ضد النساء خلال النزاعات بما فيها العنف الأسري والاستغلال الجنسي والزواج المبكر»([1]).

هذه الدراسة هي مساهمة في تسليط الضوء على أبعاد هذه المشكلة المريعة في سورية اليوم، وكما نرى من كلام السيدة عناني هناك مفهومان للعنف المرتبط بالجنس، وهما (العنف الجنسي) و(العنف القائم على النوع الاجتماعي)، وفي ما يأتي توضيح أكثر للمفهومين ودلالتهما.

ما هو العنف الجنساني (Gender Violence)؟

العنف القائم على النوع الاجتماعي هو نوع من العنف الجسدي أو النفسي الذي يمارس ضد أي شخص أو مجموعة من الأشخاص بسبب هويتهم الجنسية أي جنسهم أو (جندرهم)، ما يترك أثرًا شديد السلبية في حقوقهم الإنسانية وأوضاعهم الاجتماعية والجسدية والنفسية والاقتصادية، وعنه تقول الإسكوا: «العنف على أساس نوع الجنس، أو العنف الذي يمارس ضد إنسان بناءً على جنسه، هو ظاهرة عالمية وانتهاك جسيم لحقوق الإنسان.  ومن أبرز أشكاله العنف ضد المرأة. ويحدَّد العنف ضد المرأة في الإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة الذي اعتمدته الجمعية العامة في 1993 بوصفه “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”([2]).

ووفقًا للأمم المتحدة، يُستخدم المصطلح “للتمييز بين العنف الشائع والعنف الموجه ضد الأفراد أو الجماعات على أساس جنسهم”، وتعده كل من الأمم المتحدة وهيومن رايتس ووتش انتهاكًا لحقوق الإنسان، وهناك إجماع على أن غالبية ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي هم من النساء والفتيات([3]).

ويدخل في نطاق العنف الجنساني أو الجندري أفعال مثل العنف الأسري والزواج القسري وجرائم غسل العار والإجهاض الانتقائي بسبب الجنس وختان البنات، والتمييز في الحقوق بين الجنسين، والتمييز في العمل بينهما، وغيرها، ومن الأمثلة على ذلك في التاريخ العربي (وأد البنات) قبل الإسلام، و(عدم توريث البنت) الذي ما يزال مستمرًا في حالات كثيرة حتى اليوم.

ما هو العنف الجنسي (Sexual Violence)؟

وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: «العنف الجنسي هو أي فعل أو محاولة أو تهديد، يكون جنسيًا في طبيعته وينفذ دون موافقة الضحية. ويشمل العنف الجنسي الاغتصاب والاعتداء الجنسي والمضايقة والاستغلال والإكراه على البغاء. ويمكن أن يحدث ذلك في إطار الزيجات خاصة عندما يكون هناك عدم موافقة على النشاط الجنسي من جانب أحد الزوجين.»([4]).

وفي تقريرها العالمي في 2002 عن العنف والصحة العنف الجنسيين عرّفته منظمة الصحة العالمية  (WHO)بأنه: “أي فعل جنسي، أو محاولة الحصول على فعل جنسي، أو تعليقات أو تحرشات جنسية غير مرغوب فيها، أو أعمال للإتجار، أو أية أفعال موجهة بطريقة أخرى ضد جنسانية الشخص باستخدام الإكراه، من قبل أي شخص بغض النظر عن علاقته بالضحية، في أي مكان، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر المنزل والعمل “، ويشمل تعريف منظمة الصحة العالمية للعنف الجنسي ، على سبيل المثال لا الحصر، الاغتصاب([5]).

 وفي تقرير لها بعنوان (العنف الجنسي في مرافق الاحتجاز) تعرّف اللجنة الدولية العنف الجنسي بالآتي: «يستخدم مصطلح (العنف الجنسي) لوصف الأعمال ذات الطابع الجنسي التي يرتكبها أي شخص ضد شخص آخر بالإجبار. والإجبار قد ينتج عن ظروف مثل الخوف من التعرض للعنف، أو الإكراه، أو استخدام القوة، أو التهديد باستخدام القوة، أو الاضطهاد النفسي أو إساءة استخدام السلطة. كما يتضمن العنف الجنسي الأعمال ذات الطابع الجنسي التي تُرتكب عن  طريق استغلال البيئة القسرية أو عجز الشخص عن التعبير حقيقة عن الرضا… وتكون احتمالية حدوث العنف الجنسي أكبر عند وجود نمط أوسع نطاقًا من الإهمال، وعدم احترام الكرامة الإنسانية والإساءة، وعندما تخفق السلطات في توفير بيئة احتجازية آمنة وكريمة أو عندما تروج لطريقة تركز على السلطة واستخدام القوة ضد المحتجزين.»([6])، ويضيف التقرير في ما يتعلق بمراكز الاحتجاز: «الممارسات التي تأتي في إطار الروتين الأمني قد تشبه العنف الجنسي حتى إذا تمت دون تحقق ذلك القصد. فمثالًا مراقبة المحتجزين أثناء خلعهم لملابسهم أو اغتسالهم أو أثناء استخدامهم دورات المياه؛ وإجراءات التفتيش على الجسم؛ وأمر المحتجزين باتخاذ أوضاع معينة بالجسم؛ وإدخال الأصابع أو الأشياء داخل الفم أو غيره من التجويفات الجسدية؛ واستخدام أجهزة المراقبة البصرية ومعدات التسجيل. كل هذه الأمور من المحتمل أن تكون مسيئة»([7]).

مع ذلك تجدر الإشارة إلى أنه ليس هناك فصل قطعي كامل بين المصطلحين بحيث يرتبط مفهوم (العنف الجنسي) حصرًا بالأفعال المتعلقة به بمعناه الضيق كوظيفة بيولوجية، ويرتبط (العنف الجنساني أو الجندري) بالسلوكات القائمة على الجنس في بعده الاجتماعي المرتبط بالتقاليد الاجتماعية، ففي كثير من الأحيان.. يستخدم مصطلح (الجنس) بمعناه الموسع للدلالة على كل ما يرتبط به من نشاط بيولوجي أو تقاليد اجتماعية، أو يدرج مفهوم (الجنس) بمعناه الضيق في إطار النشاط القائم على النوع الاجتماعي، ويتضح مدلول المقاربتين كلتيهما من خلال السياق.

العنف الجنسي في الأزمة السورية

 شمل العنف المفرط في الأزمة السورية -بما فيه العنف الجنسي- كل الفئات الاجتماعية وعانت منه النساء والرجال والأطفال، وهذا ما أثبته ووثقته التحقيقات الدولية في نطاق واسع وممنهج.

1 – العنف الجنسي ضد النساء

أفاد تقرير للأمم المتحدة صادر في 8 آذار/ مارس 2018 بعنوان (فقدت كرامتي: العنف الجنسي والجنساني في الجمهورية العربية السورية) أنه في أثناء الاعتقال، أخضعت قوات النظام الرجال والنساء والفتيات للتفتيش الجسدي المهين في 20 مركز احتجاز على الأقل في مختلف أرجاء سورية، وأن المحتجـِزين أقدموا على اغتصاب النساء والفتيات في خلال الاستجواب، وقد أبلغ عدد من النساء والفتيات عن حالات متعددة للاغتصاب، بما في ذلك حالات الاغتصاب الجماعي، أما تنظيم داعش، فقد قام في ذروة نفوذ بعدد من الممارسات الوحشية المتكررة، ومنها رجم النساء والفتيات حتى الموت بتهمة الزنى، وجلد من ينتهك قواعد الملبس المرهِقة، وتزويج الفتيات والنساء قسرًا بمقاتليه، وقد أُجبر عدد منهن على الزواج مجددًا عند لقاء الزوج/ المقاتل حتفه في المعارك، وقد وصف التقرير هذه الأفعال بأنها ترقى إلى جرائم الحرب، وتتناقض بشدة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان([8]).

عدا عن ذلك، فقد ازادت معدلات الجرائم الجنسية الجنائية والعنف الجنساني بوضوح حتى في المناطق التي لم تشهد عنفًا حربيًا، وهذا عائد إلى حالة التدهور الاجتماعي الشاملة التي تسببت بها الأزمة وما أنتجته من فلتان أمني وفوضى وتدهور معيشي واضطرابات عصبية نتيجة ضغوط الحياة المتفاقمة، فقد ازدادت مثلًا جرائم السرقة التي تنتهي في حالات عديدة بالقتل أو الاغتصاب([9])، وبهذا الصدد يقول المحامي والناشط الحقوقي عقبة باريش للجزيرة نت أن انتشار الجريمة يعود قطعًا إلى أسباب عدة أولها الوضع الاقتصادي المتردي الذي يضغط على الناس كثيرًا ويدفعهم إلى السرقة أو أعمال الخطف وغيرها من الجرائم التي قد تصل إلى القتل و(الدعارة)([10]).

وفي تقرير عن العنف القائم على النوع الاجتماعي في الأزمة السورية بعنوان (أكثر من مجرد أرقام) أعده (صندوق الأمم المتحدة للسكان) في 2016، جاء أنه: “بحلول شهر كانون الأول/ ديسمبر من عام 2015  كان هناك حوالي 13,5 مليون من السوريين داخل سورية بحاجة إلى مساعدات إنسانية، منهم 4 مليون امرأة في سن الإنجاب بين 15 و49 سنة، و360 ألف امرأة حامل، و1,2 مليون فتاة في سن الإنجاب في مناطق يصعب الوصول إليها، و0,1 مليون فتاة في سن الإنجاب عالقات في 25 موقعًا محاصرًا، أما في دول الجوار فكان هناك 1,2 مليون فتاة لاجئة في سن الإنجاب و80,500 امرأة حامل و 145 ألف امرأة تعتبر رب أسرتها “، وأفاد التقرير بانخفاض متوسط العمر المتوقع للمرأة السورية من 75,9 سنة في 2010 إلى 55,7 في 2014، أي بما يزيد على 27%، وأن  فتيات لا تتجاوز أعمارهن13  سنة يُدفعن نحو الزواج وذلك لتخفيف الضغوط الاقتصادية على أسرهن، وأنه في معظم الحالات تترك الفتيات المدرسة ويبقين في البيت([11])، وما لا شك فيه أن هذه الأرقام تغيرت وازداد بعضها كثيرًا في السنوات الخمس التالية بسبب استمرار المعارك والنزوح والتدهور المعيشي.

2 – الابتزاز الجنسي والجنساني للنساء

ما تقدم من أشكال العنف، لا يستنفد ما تتعرض له المرأة من ضروب المعاناة في الأزمة السورية، فكثيرًا ما تتعرض النساء للابتزاز إما في مستوى أنوثتهن أو في مستوى جندرهن، حيث يُرغمن مثلًا على ممارسة البغاء من جانب شبكات تهريب اللاجئين، أو الموزعين المحليين للمساعدات الإنسانية في المناطق التي لم يتمكن الموظون الدوليون من الوصول إليها، فيستغلهم هؤلاء الموزعون بأبشع السبل مقابل بعض المعونات، أو ترغمهن قسوة الحياة وانسداد سبل العيش على ممارسة البغاء، إضافة إلى ذلك قد يتعرضن للتحرش من الرجال اللاجئين في مراكز الإيواء.. أو حتى من الموظفين في هذه المراكز أنفسهم في بعض الحالات، وإن لم يحدث أي من هذا فالمرأة تبقى معرضة للاستغلال من أرباب العمل الذين يستغلون حاجتها ويستخدمونها يدًا عاملة رخيصة بأجور متدنية ومن دون أي ضمانات، وفي كثير من الأحيان لا تجد المرأة مخرجًا إلا بالزواج من الرجل غير الملائم، إذ لا يمكن في مثل هذه الأحوال القاهرة العثور على الزوج الملائم. ولا تسمح الأوضاع قطعًا بالبحث عنه أو انتظاره، وهي المضطرة إلى الزواج إما لغياب المعيل، أو لتوفير نفقة المعيشة في أسرتها التي تعاني النزوح أو من تدهور المعيشة، أو خوفًا من التعرض للاغتصاب في أماكن اللجوء أو في مناطق سيطرة الميليشيات، وكثيرًا ما تضطر هذه الفتاة إلى الزواج وهي ما تزال في عمر الطفولة، فتتزوج من هو في عمر أبيها.. أو من لديه سواها زوجة أو أكثر، أو من يفتقر إلى حسن الأخلاق.. أو من هو أميّ ثقافيًا ومعرفيًا، وهذا ما قالت عنه قناة (فرانس 24): «معاناة نساء سورية من الحرب الدائرة في بلدهن مضاعفة، وحتى النازحات منهن اللواتي أجبرن على مغادرة الوطن إلى الخارج وجدن أنفسهن أمام مواجهة أخرى، عنوانها السعي إلى استغلال وضعهن في مشاريع زواج يشبه الإكراه»([12]).

وُثقت كثير من الحالات سابقة الذكر، فمثلًا أجرى (صندوق الأمم المتحدة للسكان) في 2017 تقييمًا للعنف القائم على النوع الجنسي في سورية في تقرير بعنوان (أصوات من سورية 2018)([13])، واستنتج من خلاله أن “المساعدات الإنسانية يجري تبادلها مقابل الجنس في مختلف المحافظات السورية، فالنساء والفتيات اللواتي ليس لهن من يحميهن مثل الأرامل والمطلقات والنازحات داخليًا، يعتبرن معرضات بشكل خاص للاستغلال الجنسي”([14])، وهذا الأمر وثقته البي بي سي أيضًا في تقرير لها بعنوان (سوريات يتعرضن للاستغلال الجنسي مقابل الحصول على مساعدات إنسانية)، وأكدته كذلك المستشارة الإنسانية (دانييل سبنسر) التي تعمل مع إحدى المنظمات الخيرية، فقالت بناء على مقابلاتها مع عدد من النساء إن “أفرادًا من المجالس المحلية في درعا والقنيطرة “كانوا يحجبون المساعدات التي تم تسليمها ثم يستخدمون هؤلاء النسوة لممارسة الجنس” وأضافت أن “الاستغلال والاعتداء الجنسي على النساء والفتيات قد جرى تجاهله لعدة سنوات”([15])، وفي سياق آخر كُشفت -مثلًا- في تركيا في أواخر 2016 شبكة دعارة تستغل السوريات اللاجئات السوريات الوافدات إلى أضنة هربًا من الحرب القائمة في سورية في ممارسة الدعارة([16])، أما في لبنان.. فكثير من اللاجئات السوريات أخبرن منظمة العفو الدولية بأنهن لا يشعرن بالأمان في لبنان، وأنهن يواجهن تحرشًا جنسيًا واستغلالًا باستمرار([17]).

3 – العنف الجنسي ضد الذكور

تشير تقارير ومصادر عدة إلى اعتماد ممارسة العنف الجنسي ضد الرجال والصبية جزءًا من تكتيك العنف الجنسي المستعمل من أطراف النزاع المختلفة في الأزمة السورية، وإلى استخدام مثل تلك الممارسات أداة لنشر الرُعب والإذلال أو العقاب من القوات الحكومية وحلفائها، أو أداة لفرض نظام اجتماعي صارم في حال المجموعات الإرهابية([18]).

فمثلًا يشير تقرير (“فقدتُ كرامتي) الأممي آنف الذكر إلى “أن أدوات التعذيب المستعمَلة ضد المعتقلين الذكور، بما في ذلك الأولاد، اشتملت على الاغتصاب باستخدام أجسام، والصعق الكهربائي للأعضاء التناسلية، وتشويه تلك الأعضاء. وعادة ما كان الرجال والأولاد يتعرضون للاغتصاب باستخدام بعض الأجسام التي تشمل الهراوات والعصي الخشبية والمواسير والقوارير”([19])، ويفيد التقرير بأن الاعتداء الجنسي على الرجال والصبية موثق في 15 موقعًا من مواقع الاحتجاز الرسمية التابعة للنظام([20]).

ويشير (التقرير الـ21 للجنة الدولية المستقلة للتحقيق في الجمهورية العربية السورية) المقدم إلى (مجلس حقوق الإنسان) في 15 أيلول/ سبتمبر 2020 إلى استمرار تعرض النساء والرجال المحتجزين للاعتداء الجنسي في عدد من مواقع الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية([21]).

 وتقول (لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية) في ورقتها المعنونة بـ(لقد محوا أحلام أطفالي) في 13 كانون الثاني/ يناير 2020([22]): «كان الأولاد في الاحتجاز يتعرضون بصورة خاصة للعنف الجنسي. وكان التعذيب الجنسي، بما في ذلك ربط الأعضاء التناسلية، يرتكب بصورة منهجية ضد الرجال والأولاد في الاحتجاز في دمشق وحمص وحلب»([23]).

إضافة إلى ذلك.. وفقًا لـ (أخبار الأمم المتحدة) “وجدت دراسة أجرتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن الاغتصاب والتعذيب والاستغلال الجنسي الذي يستهدف الرجال والفتيان قد يكون أكثر شيوعًا داخل سورية وخارجها مما كان يُعتقد سابقا”([24])… وقد شملت الدراسة التي نشرتها المفوضية في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017، وقادتها مجموعات متخصصة مقابلات مع نحو 196 لاجئًا في العراق ولبنان والأردن، أجريت في أواخر 2016، قدموا فيها روايات صادمة عما تعرضوا له شخصيًا أو أشخاص يعرفونهم، وقد شملت أشكالُ العنف الجنسي المبلغ عنها الاغتصابَ والتشويه أو إطلاق النار على الأعضاء التناسلية بشكل مباشر، وأفادوا بأن معظم هذه الحوادث حدثت في السجون أو السجون المؤقتة. وتحدث التقرير عن حدوث أعمال عنف ضد الأولاد الذين لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات، وضد الرجال بمن فيهم من يبلغون الثمانين من العمر، وقد أفادت الدراسة أيضًا بأن الذكور اللاجئين الذين تعيش معظم أسرهم تحت خط الفقر ويعملون في الاقتصاد غير الرسمي يتعرضون للاستغلال والابتزاز الجنسيين في بلدان اللجوء، وأن الأولاد اللاجئين في بلدان اللجوء يعانون العنف الجنسي على أيدي لاجئين آخرين من الذكور، وعلى أيدي ذكور المجتمع المحلي([25]).

4 – العنف الجنسي ضد الأطفال

«تركت وحشية الحرب في الجمهورية العربية السورية آثارها القبيحة على حياة الأطفال. ومنذ بداية الأعمال القتالية وقع الأطفال في ذلك البلد ضحايا بطرق عديدة، وتُركوا يعانون من انتهاكات عديدة لحقوقهم ارتكبها جميع أطراف النزاع. وحُرم الأطفال من طفولتهم وأرغموا على المشاركة في حرب وحشية، وتعرضوا للقتل والتشويه بأعداد هائلة… وقامت قوات الحكومة أيضًا باحتجاز الأطفال في سن صغيرة لا تتعدى 12 سنة وإخضاعهم للضرب الشديد والتعذيب، وحرمانهم من الحصول على الغذاء والماء والمرافق الصحية والرعاية الطبية. واستخدم الاغتصاب والعنف الجنسي ضد الرجال والنساء والأولاد والفتيات في مراكز الاحتجاز، ولكن أيضًا بصورة أعم كثيرًا، كوسيلة للعقاب والإذلال وبث الخوف بين المجتمعات المتأثرة…».

هذا بعض مما تقوله عن مأساة الأطفال في الأزمة السورية ورقة (لقد محوا أحلام أطفالي) المذكورة آنفًا([26]).

لكن ليس الاعتداء الجنسي المباشر هو الشكل الوحيد الذي يعد عنفًا جنسيًا ضد الأطفال، ووفقا لما تقوله المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: «يشكل أي نشاط جنسي مع طفل (أي شخص لم يكمل بعد 18 عامًا من العمر) عنفًا جنسيًا، وله آثار مدمرة في نمو الطفل المعني وصحته البدنية والعقلية.»([27])، ووفقًا للإسكوا “الصكوك والقوانين الإنسانية الدولية تتناول زواج الأطفال بوصفه شكلًا من أشكال العنف القائم على نوع الجنس، وانتهاكًا لحقوق الإنسان”([28])، و”في 2013، تم اعتماد أول قرار خاص بمكافحة زواج القُصّر، والزواج المبكر، والزواج بالإكراه من قَبِلَ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. لقد تم اِتِّخاذ هذا القرار بناءً على العديد من الجوانب، كانطواء زواج القُصَّر، والزواج بالإكراه على انتهاكات صريحة لحقوق الإنسان”([29]).

وبذلك يدخل كل من الزواج القسري وزواج القاصرات في إطار العنف الجنسي والجنساني، وقد شهدت هاتان الظاهرتان نموًا بارزًا في الأزمة السورية، وكما سلف الذكر، فقد سجلت -مثلًا- حالات كثيرة أرغمت فيها الفتيات على الزواج من مقاتلي داعش أو جبهة النصرة أو سواهما من الجماعات المسلحة([30])، أو زوِّجنَ في عمر الطفولة خوفًا من تعرضهن للاغتصاب في مناطق سيطرة بعض المليشيات، أو لتوفير نفقاتهن أو تأمين معيل لهن.  

ويعد أي تمييز في المعاملة أو انتقاص الحقوق المرتبطين بجنس الشخص شكلًا من أشكال العنف الجنساني، وهذا ما كثر حدوثه في الأزمة السورية في مجالات كثيرة أبرزها التعليم والرعاية الصحية وحرية التنقل، وعن ذلك تقول ورقة (لقد محوا أحلام أطفالي): «كانت تجارب الأطفال في النزاع السوري تتسم بطابع جنساني عميق. إذ إن الإناث يتأثرون بصورة غير متناسبة من العنف الجنسي والتهديد بالاغتصاب مما أدى إلى تقييد حركتهن. وحُبست الفتيات في البيوت وأُخرجن من المدارس أو واجهن عقبات في الحصول على الرعاية الصحية»([31])، وتضيف الورقة: «خلَّفت ثماني سنوات من الحرب آثارًا صارخة واسعة التشعب على التمتع بحقوق الإنسان الأساسية، وخاصة الحق في التعليم. وكانت هشاشة وضع الفتيات حادة نظرًا لعدم تمكنهن من الالتحاق بالمدارس، ونتيجة لذلك، تقل احتمالات عودتهن إلى التعليم بسبب سعي أسرهن إلى (حمايتهن) عن طريق الزواج المبكر. ومع تزايد سوء أوضاع عدم المساواة الجنسانية الموجودة من قبل، تصبح الفتيات اللائي تقل فرصهن في الوصول إلى التعليم أكثر عرضة لانخفاض القدرة على ممارسة عمليات صنع القرار المتصل بحياتهن» ([32]).

الآثار الاجتماعية للعنف الجنسي

للعنف الجنسي بأشكاله كلها عواقب اجتماعية وخيمة على ضحاياه، فإن كان جنسانيًا فهو يعني الإجحاف وانتقاص الحقوق، وجعل من يتعرض له ضحية للغبن والتهميش أو الإلغاء في المجتمع، وإن كان جنسيًا فهو غالبًا ما يسبب صدمات وأزمات خطرة لضحاياه كثيرًا ما تجعلهم أشخاصًا غير أسوياء أو معوقين نفسيًا أو تدمر حياتهم.

فزواج القاصر مثلًا الذي يدخلها منذ بدايته في زواج غير متكافئ وغير مستوفٍ للشروط الصحيحة، يعرضها من أساسه لتجربة زواج فاشل قد تنتهي بالطلاق، أو يحولها بشكل دائم إلى تابعة لزوجها ومؤطرة في إطار حياته وخاضعة لسلطته في زواج ظالم، وفي الحالتين كلتيهما -مع حرمانها من مواصلة تعليمها- تصبح محرومة من حيازة الكفاءات والمؤهلات اللازمة لامتلاك الشخصية الإنسانية الفاعلة التي تستطيع أن تعي حقوقها وتدافع عنها وتقوم بدور فاعل في مجتمعها، وبهذا الشأن تقول اليونيسيف: «تتعرض الفتيات اللائي يتزوجن في مرحلة الطفولة لمخاطر العنف والاعتداء والاستغلال (اليونيسيف، وضع أطفال العالم، 2009)»، وتضيف «إن زواج الأطفال غالبًا ما يؤدي إلى الانفصال عن الأسرة والأصدقاء، وعدم حرية المشاركة في الأنشطة المجتمعية التي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على رفاه الفتيات عقليًا وبدنيا»([33]).

ويصبح الأمر أسوأ عندما تكون الفتاة ضحية لعنف جنسي كالاغتصاب الذي يعد في المجتمعات المحافظة (وصمة عار)، وتعد فيه الضحية (فاقدة للشرف)، وهنا تصبح الفتاة ضحية مزدوجة لكل من المجرم الذي اعتدى عليها وللمجتمع الذي لا يرحم الذي يعاملها -وهي ضحية- كأنها جانية مذنبة في ما أصابها، فيزدريها وينبذها بدلًا من أن يتعاطف معها ويساعدها على تجاوز مصيبتها ومواصلة حياتها، ولذلك فكثيرًا ما تلجأ الضحايا إلى السكوت ويعانين بصمت خوفًا من الفضيحة والعار، ما يعني نجاة الجاني بجريمته، وليس من النادر أن تلجأ الضحية إلى الانتحار بسبب صدمة الشعور بالعار أو الخوف منه.

ومن الأمثلة على ذلك سجلت في -سياق تحقيقاتها- (لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية) حالات عدة لأسر أُرغمت على السماح بزواج بناتها القاصرات من أعضاء المجموعات المسلحة في ريف دمشق. وأدّت مثل هذه الزيجات في كثير من الحالات إلى هجر الفتاة بعد الزواج بمدة قصيرة، ثم منعها من العودة إلى بيت أسرتها نظرًا إلى أنها (فقدت شرفها)([34]).

وعن اقتران الاعتداء الجنسي بوصمة العار وخشية الفضيحة وعواقب ذلك تقول غيدا عناني: «لا تميل الناجيات إلى الإبلاغ عما يتعرضن له من عنف جنسي قائم على النوع الاجتماعي ويخشين طلب الدعم خوفًا من أن يجلبن (العار) على أسرهن. فالمرأة هناك تتعرض لمخاطر إضافية من عنف بدني وجنسي إن أبلغت عن تعرضها للعنف القائم على النوع الاجتماعي، بل قد تتعرض للموت على يد أفراد أسرتها. ويتكرر هذا النمط في كثير من السياقات»([35]).

 وفي السياق نفسه تقول كارين أبو زيد، عضوة لجنة التحقيق الدولية المذكورة أعلاه: «يجب بذل المزيد من الجهود للتصدي للضرر البدني والنفسي الذي لحق بالناجين من العنف الجنسي والجنساني، ولمحاربة التصورات المرتبطة بالعار أو الشعور بالذنب التي تـُفاقم عادة من معاناتهم.»([36]).

الآثار الصحية للعنف الجنسي

يتسبب العنف الجنسي لضحاياه بنتائج نفسية وبدنية خطرة عدة، وقد تكون طويلة الأجل وغير قابلة للإصلاح كليًا أو جزئيًا، وهذا ينطبق على كل من حالات الاعتداء الجنسي وحالات العنف الجندري، وإن اختلفت التفاصيل.

 فعن عواقب الاعتداء الجنسي يقول الصليب الأحمر: «قد ينتج عن العنف الجنسي مشاكل صحية جسيمة بدنيًا ونفسيًا. فكثيرًا ما يعاني الضحايا من الصدمات والاضطرابات الناتجة عن الضغوط النفسية، ومن القلق و/ أو الاكتئاب. وإذا وقع العنف الجنسي خلال فترة الاحتجاز والتي تكون مسببة للصدمة في حد ذاتها بوجه عام قد يؤدي التعرض للعنف الجنسي إلى تفاقم مشاعر اليأس والانعزال وعدم الجدارة والرفض…» ([37]).

فيما تقول (لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية) عن آثار الاعتداء الجنسي على الأطفال: «بالنسبة لهؤلاء الأولاد والفتيات يؤثر الطابع غير المسبوق والمتكرر لهذه الانتهاكات على أجيال كثيرة في المستقبل. وكان الأثر النفسي للنزاع على الأطفال سمة بارزة للحرب في سورية وأدى إلى عواقب بعيدة المدى. ونتيجة للتعرض المستمر للعنف وانعدام الأمن، ظهرت على الأطفال أعراض الصدمة، بما في ذلك الاضطرابات النفسية والسلوكية، وكذلك الإجهاد المزمن والضغط الحاد»([38]).

وبدورها تقول اليونيسيف عن عواقب زواج القاصرات الذي يعد شكلًا من أشكال العنف الجنساني: «تشير الأدلة إلى أن الفتيات اللائي يتزوجن في سن مبكر يتركن التعليم الرسمي ويصبحن حوامل، في كثير من الأحيان. كما أن الوفيات النفاسية المرتبطة بالحمل والولادة تعتبر عنصرًا مهمًا لوفيات الفتيات اللائي تراوح أعمارهن بين 15 و19 عامًا في جميع أنحاء العالم، وتتسبب في 70000 حالة وفاة سنويًا (اليونيسف، وضع أطفال العالم، 2009). وإذا كانت الأم دون سن 18 عامًا، فإن خطر وفاة مولودها في السنة الأولى من العمر يبلغ 60 في المئة أكثر من المولود الأول لأم يزيد عمرها على 19 عامًا (اليونيسف، وضع أطفال العالم، 2009). وحتى لو عاش الطفل، يكون أكثر عرضة للإصابة بنقص الوزن عند الولادة وسوء التغذية وتأخر النمو البدني والإدراكي (اليونيسف، وضع أطفال العالم، 2009)»([39]).

خاتمة

تقول مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت: “في معظم دول العالم، المشكلة الرئيسية هي أن ضحايا العنف الجنسي لا يمكنهم الوصول إلى العدالة أصلًا، سواء بسبب وصمة العار أو الخوف من الانتقام، أو القوالب النمطية الراسخة أو اختلال توازن القوى، أو القصور في تدريب الشرطة والقضاة، أو القوانين التي تتغاضى عن أو تبرر أنواعا معينة من العنف الجنسي أو عدم حماية الضحايا”([40]).

قد يحاسب الجناة ومجرمي الحروب ومرتكبي الجريمة الجنسية أحيانًا، ولكنهم غالبًا ما يفلتون بسبب صمت الضحايا خوفًا من العار أو الانتقام، أو بسبب عدم القدرة على إثبات إدانة المجرم وطمس الأدلة، أو بسبب حصانة المجرمين أو فرارهم، أو بسبب فساد قوانين المحاسبة وأساليبها وفساد المسؤولين عنها أو سوى ذلك، لكن حتى إن جرى العقاب بالشكل المفروض، فهل ينصف هذا الضحايا؟

قد يحقق القصاص -وهو أمر كبير الأهمية- بعضًا من العزاء للضحية، ولا يقل عنه أهمية التعاطف والدعم الإنساني من المختصين والبيئة المحيطة، ولذا لا بد دومًا من السعي إلى معاقبة الجناة ودعم الضحايا، ولكن كل ذلك لا يعوض الضحية قطعًا عما يصيبها من معاناة وألم كبيرين بسبب العنف نفسه أو تبعاته اللاحقة، وفعليًا.. لن ينصف الضحية شيء بعد وقوع الجريمة، ولكي لا تحدث مثل هذه المأساة، فالحل الجذري الوحيد هو العمل على عدم وقوع الجريمة من أساسها، وذلك بالسعي إلى القضاء على كل أسبابها.

وأحد أكبر الأسباب التي تنتج الصراعات المدمرة والأزمات الكارثية هي الدكتاتوريات التي تكون نتيجتها المحتمة سقوط في الصراعات والأزمات، وما ينجم عن ذلك من أشكال العنف والانهيار بما في ذلك العنف الجنسي بكل أشكاله.

ولذا على كل من يريد حماية الإنسانية من مثل هذا العنف أو سواه، في سورية أو في أي بلد عربي آخر أو أي مكان آخر في العالم، أن يعمل بصدق من أجل الخلاص من الدكتاتورية، فالديمقراطية الحقيقية التي لا تتجزأ في مستوى كل من الدولة والمجتمع، هي وحدها الضمان لعدم حدوث أي عنف مرتبط بالجنس بأي شكل من الأشكال أو سواه من أنواع العنف الأخرى، أما حيث تبقى الدكتاتورية فسيكون ثمن بقائها هو الانتقال الدائم من جريمة إلى جريمة.. ومن محرقة إلى محرقة.. ومن كارثة إلى كارثة.

المصدر.

Prev Post
تقرير عمالة الأطفال في ظل جائحة كورونا
Next Post
برنامج هيلموت شميدت (منح ماجستير للسياسة العامة والحكم الرشيد)

Add Comment

Your email is safe with us.

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

Application for registration on Rawabet

X