Add Listing Sign In

التعابير الفنية عن الزلزال

SyriaUntold حكاية ما انحكت

التعابير الفنية عن الزلزال

بقلم: علاء رشيدي

جهة النشر: SyriaUntold حكاية ما انحكت

إنّ متابعة مضامين وأسلوبيات الأعمال الفنية السورية التي ارتبطت بحادثة الزلزال الذي وقع بتاريخ السادس من شباط/ فبراير العام 2023، وشملت أضراره مساحات واسعة من تركية وسورية، تمكننا من تلمّس العوامل التي تدفع الإنسان إلى الإبداع في لحظة الكارثة والنكبة. وإنّ تحليل هذه الأعمال الفنية يرشح عنه أربع تيمات تحضر بتواتر في الأعمال الفنية التي تعالج أو تعبّر عن كارثة الزلزال، وهذه الأنواع الأربعة تستعرضها ضمن هذه المقالة.

لطالما ربطت نظريات علم الجمال، وعلم النفس بين الألم والإبداع. فقُدّم الإبداع باعتباره حصيلة التصعيد الناتج عن الكبت أو الألم. ويكتب جبران خليل جبران: “في الألم يتألق الإنسان”، وقد بلغت هذه العلاقة بين الإبداع والألم ذروتها في كتابات المدرسة الرومانطيقية التي صوّرت الفنان باعتباره ذلك الإنسان الذي يعيش ألماً داخلياً يدفعه إلى الفعل الإبداعي. ومع المدرسة التعبيرية، لم يعد الألم دافعاً إبداعياً فحسب، بل أصبح جزءاً من موضوعات القصائد الشعرية عند الشاعرين الإنكليزييين وليام بتلر ييتس وصامويل تايلر كولريدج، وكذلك في الأعمال الفنية كما في لوحات الفنان النرويجي إدوارد مونش.

من ناحية أخرى، وعلى مدار التاريخ، طالما قدّمت الحضارة الإنسانية أعمالاً فنية وأدبية عن الكوارث والنوائب الطبيعية، فنعثر في الآداب على حكايات الطوفان، الأوبئة، والبراكين والحرائق التي تشكّل أحداثاً أساسية في الأعمال الأدبية والفنية الكبرى. وخلال السنوات الماضية، قدّم الأديب المصري، السيد البحراوي، كتابه بعنوان “في مديح الألم” (2016). لكن ما هي العوامل في التجربة المأساوية التي تدفع الإنسان إلى الإبداع؟ هل الأمر يتعلّق برغبة التعبير وحسب، أم أنّها رغبة التعاضد الإنساني تجاه الكوارث والنكبات؟

إنّ متابعة مضامين وأسلوبيات الأعمال الفنية السورية التي ارتبطت بحادثة الزلزال الذي وقع بتاريخ السادس من شباط/ فبراير العام 2023، وشملت أضراره مساحات واسعة من تركية وسورية، تمكننا من تلمّس العوامل التي تدفع الإنسان إلى الإبداع في لحظة الكارثة والنكبة.

وقد تنوّعت الأعمال الفنية السورية التي حاولت التعبير، ليس عن الحدث/ الكارثة وحسب، بل وبالأدّق، اهتمت بتحليل واقع الإنسان السوري السابق على الحدث الطبيعي، فركزت مجمل الأعمال على استمرارية المأساة السورية في ظلّ الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعاني منه المجتمع السوري منذ سنوات. لذلك، وإن كنّا نرى بعض التجسيدات لكارثة الزلزال في بعض الأعمال الفنية، إلا أنّ الغالبية الأوسع من الأعمال الفنية ترتبط بواقع الإنسان السوري على مدار السنوات الماضية، بين القمع، الحرب، النزوح، العيش في المخيمات، ومحاولات النجاة عبر ركوب قوارب الموت.

إنّ تحليل هذه الأعمال الفنية يرشح عنه أربع تيمات تحضر بتواتر في الأعمال الفنية التي تعالج أو تعبّر عن كارثة الزلزال، وهذه الأنواع الأربعة سنستعرضها ضمن هذه المقالة.

(1): صورة الجماعة البشرية الراحلة في الخواء

إنّ مجموعة التصاميم الغرافيكية التي تقدمها الفنانة، نور صبحي، هي الأمثل تعبيراً عن ذلك، فمن خلال خمسة تصاميم تحمل عنوان “مأساة شعب في حرب بلا نهاية”، تنتقل الفنانة في توصيف الواقع السوري بين النزوح، الركوب في قوارب الموت، اللجوء إلى قسوة المخيمات، وتختص الصورة الأخيرة في حالة النزوح بسبب الدمار، فيظهر في الصورة شاباً في مقتبل العمر وهو يمشي وحيداً محني الظهر مبتعداً عن ركام الأبنية من خلفه. إنّ كلّ صورة من هذه السلسلة هي تجسيد لمآساة يعاني منها المجتمع السوري منذ سنوات النزوح والهروب من الموت، سواءً بسبب الحروب أو بسبب الزلزال. وهذا ما يجسّده الفنان، مصطفى يعقوب، في عمل/ تصميم بعنوان “سوريون”، حيث يجعل من الجماعة البشرية في عمق الصورة وكأنّها تمشي في فضاء لا نهائي، لا أمل له بالوصول، أو حتى بالانتقال بين نقطة وأخرى.

إنّ التناقض بين ألوان الحضور البشري السوداء، والمساحات الواسعة المقتصرة على الأبيض، تغلّف حركة مسير الجماعة البشرية بالعبث واللا جدوى، حتى أنّ ظلال الجماعة البشرية المتحرّكة تنعكس على الأرض، كما لو أنّها ظلال أشباح غير موجودة. إنّ حركة الهجرة البشرية، أو جماعة من البشر، هي واحدة من الرموز أو الإشارات التي استخدمت بكثافة من قبل الفنانين/ات في التعبير عن الحال السوري، وهذا يعني أنّ التعبير عن حدث الزلزال يرتبط بشكل مباشر، بحالة النزوح والهجرة التي عاشها المجتمع السوري سابقاً على الزلزال.

في مجال الرسم، يمكن التأمّل في لوحة للفنان، طارق بطيحي، بعنوان “الحضن”، حيث تصوّر أيضاً رجلاً في حالة نزوح أو مسير متواصل يحضن بين يديه طفلاً تغيب الملامح خلف رأس مرسوم باللون الأحمر. إنّ هذه اللوحة تنقلنا من الحركة الجماعية للنزوح إلى حركة أفراد، فالرجل يحضن الطفل بينما تضيع ملامح حضور كلّ منهما مع المحيط اللوني من حولهما، مما يوحي بحالة منّ التشتّت والضياع. ليست مسيرة النزوح عبثية هنا، وإنما محمّلة بشحنة تعبيرية بائسة، تبيّن الرجل والطفل في حالة توهان داخل كلّ ما يحيط بهما. إنّ التماهي في هذه اللوحة يتم بين الإنسان والمكان المهجور أو الغامض، وإن كانت الشخصيتان في اللوحة في حالة حركة، فإنّها حركة تائهة في العالم الثابت على صورة الغموض من حولها.

(2): الطفولة في التعبير عن المأساة

يكرّر الفنانون/ات توظيف حضور الطفولة في أعمالهم/ن الفنية باعتبارها معبراً إلى توصيف المشاعر المأساوية. ففي أغلب الأعمال التي تضم جماعات بشرية مهاجرة يحضر الأطفال. فيصوّر الفنان، فادي تون، طفلاً منكمشاً على نفسه في حالة من البكاء، يحيط به الدمار من كلّ جانب، ويظهر فوقه في أعلى اللوحة أفراد عائلته وكلبه الذي فقده وفقدهم. يرصد هذا التصميم الغرافيكي الطفل في حالة من الألم والمعاناة، كأنّه يعي للتو، وأمام عين المتلقي المتفرج عن خساراته وفقد عائلته. أما الفنانة، ميسون علم الدين، فهي تكتفي بالحالة التعبيرية الكئيبة والتائهة لوجه طفل، تحتل قسمات وجهه كامل مساحة سطح اللوحة التي تحمل عنوان “ابن الوجع المكثف”، إنها التوظيف التعبيري لملامح الطفولة الحزينة والتائهة كاستعارة لكلّ الأبعاد التي تفرضها المأساة، مع خيارات لونية بين البني والأسود والرمادي، وبينما نرى في اللوحة الأولى حضور عصفور إلى جانب الوجه الطفولي يخفّف من حدّة الألم، فإنّ اللوحة الثانية تعرض الطفل بعين واحدة، بينما تغطّى العين الأخرى بعصا سوداء. في كلا اللوحتين يحضر الطفل كاستعارة لتعبير الفنانة نفسها التي تحمل لوحتها عنوانها الواضح والمباشر عن الطفولة، الوجع، وتراكم المصائب.

كذلك ترسم الفنانة، سارة خياط، بأسلوب يقارب رسومات القصص المصوّرة، طفلة بشعرها الأحمر، وهي تنطوي على نفسها كأنها تحمي نفسها للتو من آثار الزلزال، تبدو الطفلة وحيدة في المنزل، حيث تتدلى على الجدران الصور العائلية المحطمة والآيلة للسقوط. هذه اللوحة تقارب تصميم فادي تون، حيث تعيش الطفولة لحظة المأساة أمام عين المتلقي، كأنّما الزلزال يعبر في لحظة النظر إلى اللوحة، ونجد في أسفل اللوحة رسماً لمنزل يطير مع بالون أحمر، مما يوحي بضياع منزل العائلة وفقدان المأوى.

 أما الفنان، سامر طرابيشي، فيقسو على المتلقي بأكثر، ويرسم له جنيناً نائماً أو غائباً عن الوعي أو ميتاً فوق الأنقاض. صفائح الركام باللون الأبيض تتراصف حول جثة الطفل مما يوحي بأنّه فارق الحياة، بينما جسده محصور بين طبقات الأحجار البيضاء، ويزيد عنوان اللوحة من شعريتها، بعنوان “يلا تنام”، وكأنّ العنوان يخدع الجنين نفسه، ويوهمه بالنوم عوضاً عن حقيقة الموت الكامد في اللوحة.

 بينما تختار الفنانة، جلنار حاجو، لعملها الحفر أسلوباً مغايراً تماماً، حيث الفتاة المتشكلة من خطوط طويلة وممتدة بالأبيض والأسود تغطي بحضورها كامل مساحة الصورة، إنها تطير فوق المنازل وتتماهى مع الأماكن، لكن هذا الانقطاع في تسلسل كتلة جسدها، وتشرذم أقدامها عن يديها وعن خصرها، يمنع إحساساً بالقلق، وهو عنوان اللوحة “قلق”، فرغم أنّ الحضور الطفولي في هذا العمل يتوّسع ويحتل كامل مساحة سطح الصورة، إلا أنّ هذا التوّسع يحمل المضمون الإيحائي في العمل، حيث الطفولة والمكان في تداخل مستمر، يشكل كلّ منهما الآخر، وبما أنّ المكان خاضع لمنطق الزلزال هندسياً، فإنّ جسد الطفلة في الصورة فاقد للعلاقات المترابطة بين الأعضاء.

(٣): التداخل بين الجسد الإنساني والركام والدمار

في هذه الفئة من الأعمال الفنية تتكرّر تيمة الجسد الإنساني، بأحد أعضائه، الخارج من تحت الركام والدمار كتيمة رئيسية وظّفها العديد من الفنانين/ات للتعبير عن تجربة التأرجح بين الحياة والموت، بين الوجود والغياب، بين محاولة النجاة واستحالته. يملأ الركام مساحات الصور في هذه الفئة من الأعمال، وتظهر في أحد أجزاء اللوحة يد تحاول الإشارة إلى عالم الحياة. إنّ لوحة “تصدّع” للفنان، عبد الله مراد، تأخذ هذا الخيار الموضوعي إلى حدوده القصوى، فبينما يبيّن لنا العنوان وتظهر لنا الصورة وكأنّ اللوحة لا تضم إلا تصدّعاً، تشقّقاً، انفصالاً بين أجزاء من طبقات الأرض، ما تلبث الألوان المختارة أن توحي لنا أنّ التصدّع يتشكل على هيئة جسد إنساني. في هذه اللوحة تصبح تشققات الأرض جسداً متجثاً فوقها، ويضيف السكون الشديد في حركة العناصر في اللوحة، وكأننا نتابع تشقّق جسد إنساني على طول التصدّع المرسوم داخلها. 

وبينما يكتفي الفنان، حازم الحموي، في عمل بتقنية الحفر بتجسيد غرفة منزل مهدمة، وقد غاب عنها الحضور الإنساني تماماً، فإنّ الفنان، زهير حسيب، يقلب المعادلة رأساً على عقب فتقتصر لوحته على تصوير بورتريه لوجه إنساني في حالة من الألم، بعيون جاحظة وتعابير مشدوهة من حجم الكارثة. توحي المساحات اللونية التي يتشكل من خلالها البورتريه بأنّها طبقات متجاورة من الركام، تتراصف فوق بعضها البعض فتقدّم لعين المتلقي وجهاً إنسانياً مغرقاً في الألم، في الخوف، وفي الضياع، ويمنح الفنان للوحته عنوان “الوجع السوري”.

كلّ ما سبق، يمهد لمقدار التجريدية التي تختارها الفنانة، هنادي يوسفان، في لوحتها بعنوان “أليس من آخر لهذا الليل الطويل؟”. حيث أنّ الأشكال والهيئات الظاهرة في اللوحة، والممتدة على كامل مساحتها باللونين الأبيض والأسود، تختص بدرجة عالية من التجريدية، مما يوحي للمتلقي بحضور إنساني خلف هذه الكتل السوداء العشوائية، فتارةً يمكن استقبال الكتلة التجريدية داخل اللوحة باعتبارها مجموعة من الوجوه الإنسانية المتألمة والمفجوعة، وتارةً يمكن تأويل الشكل التجريدي إلى طبقات من الركام والدمار. في هذه اللوحة، نتابع أشد درجات التماهي بين الحضور البشري وبين الركام الفوضوي.

 وحالما نعي التداخل المتكرّر بين الوجوه أو الهيئات الإنسانية وبين كتل الركام والدمار، يصبح الانتقال إلى لوحتين مميزتين للفنان، ابراهيم برغوث، منطقياً. اللوحة الأولى بعنوان “تحت الركام”، حيث نرى مجموعة من الهيئات الإنسانية لكن المبسطة للغاية، وهي نائمة أو ملقية على الأرض، أرض اللا مكان، أو أرض كلّ مكان. فالأجساد الساقطة بين الركام هي التي تصنع وجوده، وتتداخل في بعض أجزاء اللوحة عناصر الحضور البشري بالعناصر المكوّنة للركام، وبالتالي للمكان برمته. وتقدم اللوحة عالماً لونياً مكثفاً بالأخضر والأحمر والأزرق، لكن هذه الألوان لا توحي بالرهافة أو الإشراق بمقدار ما تؤرق بصر المتلقي، الذي تفرض عليه اللوحة شعوراً من الارتباك، ممتداً من تعابير الشخصيات العديدة الموجودة في اللوحة، فالأطفال والنساء الغالبين في الحضور بين الهئيات البشرية، ينظرون إلى المتلقي نظرة فجائعية، كأنّهم يفقدون أرواحهم للتو، ليس من أثر الزلزال، بل من شدّة الفجيعة والألم اللذان يوحدان مجموعة الشخصيات الحاضرة في اللوحة.

يستحضر الفنان، خالد نجار، الهيئات الإنسانية القريبة من الحيوان، أو من شخصيات الرسوم المتحركة، كائن بوجه أخضر ينتصب في وسط اللوحة بين الأبنية، وهو وإن كان كائناً خرافياً، فإنّه يقدر التعبير عن مكنوناته، لكن حجمه الكبير الذي يماثل طولانية الأبنية يخدم فكرة الانشقاق، التصدّع، بين الوجه الإنساني، البناء والمنازل، أو تصدّعات الأرض. فعلى طول الواجهة الأمامية لهذه الشخصية نلمح تصدّعاً، انشقاقاً ممتداً بعمق في كيانه. إنّ هذه اللوحة التي تحمل عنوان “وجع القلب”، تضيف إلى ما سبق فكرة التعاطف والتعاضد في حال الكارثة على المستوى الإنساني، لكن أيضاً تفتح على تعاطف من قبل كائنات تنتمي إلى أنواع أخرى. وهنا، لابدّ من التأكيد على أنّ التعاضد واحد من الدوافع الإساسية للعملية الإبداعية في ظلّ الأزمات والكوارث.

 فالفنانون/ات الذين قدّموا لوحاتهم ورسوماتهم في سبيل التعبير عن مأساة الكارثة، ليسوا بالضرورة هم/ن أولئك المتواجدون ضمن نطاق الضرر الحاصل من الزلزال. وتمثل لوحة الفنانة، نهاد قولي، بعنوان “ربما ينجون”، هذه الغاية التي تجعل من العمل الفني رسالة تعاضد أو حتى محاولة فاعلية في تغيير مصير الضحايا. تتضمن اللوحة أم تحضن ولديها وجميعهم عالقون تحت الأنقاض التي تشكل الجزء السفلي الكامل من اللوحة التي تطلقها الرسامة كنداء أمل يحمله عنوانها (ربما ينجون)، وهل ذلك إلا من تأثير العمل الفني. اللوحة هنا هي محاولة فوق واقعية لتحقيق النجاة لمن هم أصبحوا في عداد الضحايا.

وأخيراً، في هذه الفئة نتوقف عند عمل نموذجي في التعبير عن رغبة النجاة، واستمرارية البقاء، والتي تجسّد أربع أيدي تحاول الخروج من هاوية الركام والأحجار المرمية في كامل مساحة اللوحة، لا يتخلّلها إلا أصابع الأيدي التي تحاول أن تتمسّك بالحياة، أو تمسك ببعضها البعض، بما يوحي برغبة نجاة، وكذلك برغبة الموت معاً. الفنان، سهيل ذبيان، يستفيد من تقنيات الحفر ليداخل بين الأجحار المتشقّقة واليد الإنسانية المعقدة الخطوط والتعاريج الجلدية.

 وترسم الفنانة، شمسية حساني، لقطة لعائلة في لحظة انهيار المبنى الذي يتواجدون فيه، فتتحوّل الأعضاء الجسدية لأفراد العائلة إلى أحجار منهارة تسقط بأعضاءهم كما تسقط بأجسادهم.

(4): العمل الفني كرسالة تواصل وتقدير

لقد خصصنا الفئة الأخيرة لموضوعة مركزية في العوامل ودوافع التعبير الفني أثناء الكوارث، ورغم أنّ عدد الأعمال الفنية هنا لا يتجاوز العملين، إلا أنّ الأهمية تتأتى من التعرّف على دور العمل الفني بغاية التعاضد، التعاطف، والتعبير عن القيمة والتقدير. لقد تكرّر هذا الدافع في العديد من النصوص، الشهادات الإعلامية، وها هنا تظهر في التعبير الفني. الفنانون/ات في هذه الأعمال وجهوا رسالة شكر عبر عملهم الفني، سواءً كان لوحة أو تصميم ديجتالي، إلى الجهة التي عملت على مساعدتهم لحظة وقوع الزلزال، وفي العملين الفنيين تُوّجه رسالة التقدير إلى فريق الدفاع المدني في منطقة إدلب، أو ما تعرف بمنظمة الخوذ البيضاء. تصدّرت صور فرق الدفاع المدني السوري مواقع التواصل الاجتماعي، منذ اللحظات الأولى لكارثة الزلزال الذي ضرب المنطقة الحدودية في جنوب شرق تركيا وشمال غرب سوريا بتاريخ 06شباط/ فبراير2023، وهم يعملون جاهدين على إنقاذ العالقين تحت الأنقاض في المناطق المتضرّرة في الشمال السوري، وصور أخرى لعشرات الناجين ممن أنقذتهم هذه الفرق، رغم نقص المعدات والآليات والدعم الدولي. فانهمك الناشطون/ات والفنانون/ات في تحقيق الأعمال الفنية التي توّجه الشكر والتقدير للأفراد والعاملين في هذه المنظمة، عدا عن الصور الفوتوغرافية، قُدّمت عشرات الأعمال الفنية المرتبطة بذلك، ونظمت العديد من الحملات الاعلامية التي صممت الصور والبوسترات التي توّجه الشكر لهذه المنظمة. العمل الذي بين أيدينا يعود إلى حملة بعنوان “يا مسند حملنا”، والتصميم الغرافيكي يعود للفنان، عمار بويضاتي، وتروي الصورة لحظة إنقاذ رجلين من الدفاع المدني لطفلة يخرجونها من الأنقاض، كما أرفق الفنان نصاً يؤكد على مضمون اللوحة: “يا مسند حملنا ووجعنا. الخوذ البيضاء، ومن أحياها كأنه أحيا الناس جميعاً”.

 أما العمل الفني الثاني فهو من نوع الفيديو آرت، من تصميم الفنان سعد حاجو، بعنوان “الخوذ البيضاء سلام عليكم“، ويضع فيه شارة فريق الخوذ البيضاء على علم يرفرف ويتحرّك بصورة مماثلة تماماً، لصورة وكرة العلم الوطني السوري التي تُعرض باستمرار على شاشة التلفزيون الرسمي، إنها لعبة استبدال العلم الوطني بالعلم المراد توجيه التقدير والتحية له، ورغم أنّ مدة الفيديو لا يتجاوز العشرة ثواني إلا أنها ينم عن مهارة شديدة في التعبير على المستوى الإخراجي، والرموز البصرية الثقافية والسياسية التي يميزها السوريون بإحالتها إلى العلم الوطني الرسمي.

المصدر.

Prev Post
نداء لمصمم/ة جرافيك (عقد قصير المدى) حملة على مواقع التواصل الاجتماعي
Next Post
«داتا» اللاجئين السوريين في يد السلطات اللبنانية

Add Comment

Your email is safe with us.

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

Application for registration on Rawabet

X