التأصيل النظري لمفهوم المجتمع المدني
إعداد: مي رأفت عامر
جهة النشر: الموسوعة السياسيّة – Political Encyclopeda
ارتبط مفهوم المجتمع المدني في نشأته وتطوره بتاريخ نضال الشعوب من أجل الحرية والمساواة وكذلك حاجة الإنسان إلى الأمن، الاستقرار، والنظام، وقد مر مفهوم المجتمع المدني عبر مراحل تاريخية عديدة عملت كل مرحلة على بلورة وصياغة معالمه ابتداءً من التحولات التّي عرفتها أوروبا من القرن السابع عشر والثامن عشر إذ فَرضت التحولات الاجتماعية هذا المفهوم حينما ظهرت الحاجة إلى علاقة ما جديدة بين الشعب والسلطة بعد انهيار المجتمع الإقطاعي القديم وظهور المجتمع البرجوازي الجديد، لذلك فلم ينفصل تطور هذا المفهوم عن تطور مفهوم الدولة وتبلوره عبر التاريخ.
وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى حوالي خمس مراحل تاريخية أساسية مرّ بها هذا المفهوم وأخذ في كل منها مدلولاً معيّناً حسب الظرف التاريخي والحاجة الاجتماعية وكذا العملية السياسية التّي شهدتها كل مرحلة آنذاك.
المرحلة الأولى: مفكرو العقد الإجتماعي
يُرجع بعض الباحثين ظهور المعالم الأولى لمفهوم المجتمع المدني إلى الفلسفة اليونانية القديمة، وينوّهون إلى أنّ أرسطو كان قد أشار إليه باعتباره مجموعة سياسية تخضع للقوانين، أي أنّ أرسطو لم يميّز بين الدولة والمجتمع المدني، فالدولة عند أرسطو والفلسفة اليونانية عموماً يقصد بها مجتمع مدني يمثل مجتمعاً سياسياً أعضاؤه هم المواطنون الذّين يعترفون بقوانين الدولة ويتصرفون وفقاً لها، ودعا أرسطو إلى تكوين مجتمع سياسي تسود فيه حرية التعبير عن الرأي ويقوم بتشريع القوانين لحماية العدالة والمساواة، إلاّ أنّ المشاركة في هذا المجتمع السياسي تقتصر على النخبة، ويحرم منها ومن حق المواطنة العمال، الأجانب والنساء .
ويرجع باحثين آخرين ظهور هذا المصطلح عند الرومان الذّين استعملوا هذا المصطلح، ليس بمفهومه الحالي، ولكن لتمييز العرق الروماني الخالص عن البرابرة والمتوحشين.
إلا أنّه يكاد يكون هناك إجماع حول ارتباط ظهور المجتمع المدني بتطور الفكر السياسي الغربي الحديث منذ عصر النهضة، والذّي تميز بظهور مجموعة من المفكرين نادوا بمجموعة من المبادئ التحررية في وجه الكنيسة، ثم الإقطاع، فلسفة الحاكم المطلقة، والتّي كانت وراء إفراز المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة وسيادة الشعب كما يعرفها العالم اليوم
إنّ أهم نتيجة تمخضت في هذه المرحلة عن كل هذه التحولات الاجتماعية والتاريخية التّي عرفتها أوروبا هي ما تُعرف بنظرية العقد الاجتماعي ووفقاً لهذه النظرية كان مفهوم المجتمع المدني مرادفاً للمجتمع السياسي” هوبز، لوك، روسو” وظهر مفهوم المجتمع المدني في هذه المرحلة نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر ميلادي، كنقيض لمفهوم الطبيعة والمجتمع السياسي وليعبّر عن الرغبة الملحة للتخلص من تأثيرات العصور الوسطى التّي عرفت سيطرة مطلقة للدين والكنيسة والتخلي عن النظام القديم والدعوة إلى نظام جديد يقر بحرية الفرد الإنسان باسم العقل والمنطق، إلى سيادة الشعب والسيادة القومية وحقوق الإنسان التّي فجرتها الثورة البرجوازية الانجليزية ودعمت مع اندلاع الثورة الفرنسية.
لقد استخدمت هذه النظرية· لمقاومة مطالب الأمراء والملوك بالحكم المطلق والاستبداد برعاياهم في أواخر القرن السادس، وقد حققت هذه النظرية إحلال العلاقات المدنية محل العلاقات الطبيعية إذ كانت المشكلة الرئيسية المطروحة على منظّري القرن السابع عشر والثامن عشر ميلادي هي إعادة بناء السياسة على أسس غير دينية (متحررة من الكنيسة) وغير ارستقراطية ( متحررة من استبداد النخبة)، وإنّما تنبع من المجتمع نفسه وتصب فيه، فالسلطة هنا لا ترتبط بحق إلهي أو إرث عائلي وإنّما ترتبط بالشعب وتعبر عن سيادته وإرادته الجماعية، وهذا هو أصل الانتقال إلى السياسة المدنية الحديثة.
المرحلة الثانية: المرحلة الهيجلية
مع بزوغ القرن التاسع عشر دخلت أوروبا عصر التنوير بعد أن أغرقت السلطة الدينية والحكم الإقطاعي المجتمع الأوروبي ونقلت الثورة الصناعية المجتمع من نمط العلاقات الحرفية والإقطاعية إلى مجتمع ذو طبقات أحدهما تعمل والأخرى تملك رأس المال، وبدأ التفاوض يتضح بين مصالح العمال وأصحاب المصانع، وارتبط بهذا الوضع الاقتصادي ظهور حق الملكية الخاصة، وهو ما دفع كل مجموعة إلى تأسيس روابط واتحادات للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم الخاصة والمشتركة، هذه التحولات فرضت قضايا وإشكاليات على مفكري القرن التاسع عشر في أوروبا، وفي مقدمتهم الفيلسوف الألماني فريديريك هيغل – Friedrich Hegel والذّي كان له مفهوماً مختلفاً للمجتمع المدني، فهو يُنكر الانسجام الذّي تفرضه نظرية العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع المدني مؤكداً عجز هذا الأخير عن إقامة وتحقيق العدالة والحرية من تلقاء نفسه حيث تكون الدولة هي الإطار القوي القادر على تحقيق هذه الغاية، لأنّ المجتمع المدني في غياب الدولة هو مجتمع يسوده الفرقة والصراع والتمزق لتجسيد المصالح الخاصة للأفراد والمتعارضة في كثير من الأحيان، ولهذا لا يتحقق له الاستقرار والوحدة إلاّ في وجود الدولة.
إنّ المجتمع المدني حسب هيغل هو الوسيط بين العائلة والدولة إنّه نظام الحاجات أو مكان التبادل والإنتاج الخاص الذّي لا يمكن أن يولد أو يتطور إلاّ في الدولة وبواسطتها فهي المجسِّدة للمصلحة العامة، ومن هنا كانت العلاقة بين الاثنين علاقة تكامل وتعارض في الوقت ذاته.
المرحلة الثالثة: المرحلة الماركسية والصراع الطبقي
انطلق كارل ماركس – Karl Marx من فلسفة هيغل واعتبر المجتمع المدني مرادفاً لمفهوم البنية التحتية، وذلك لأنّه يمثّل القاعدة المادية للدولة على المستوى الاقتصادي والإنتاجي، ومن هنا جاءت مقولة ماركس المتكررة:” إنّ تحليل التركيب البنيوي للمجتمع المدني يُلتمس في الاقتصاد السياسي”، كما أنّ مفهوم المجتمع المدني الماركسي يُقصد به المجتمع البرجوازي المتميّز بالتناقضات بين المصالح المادية لمكوناته وهذا ما سيخلق الصراع الطبقي، وتخرج الدولة بسيطرة إحدى الطبقات على مقدرات المجتمع ككل، ولهذا فإنّ المجتمع المدني هو كذلك إلى تلاشيها في نهاية الصراع عند خلق المجتمع الشيوعي المتجانس، مما يؤدي إلى زوال الحاجة إلى المجتمع المدني مع اندثار الدولة، فبحسب التكوين الطبقي في المجتمع المدني وعلاقات القوة السائدة بين الطبقات تتحدد علاقته بالدولة، فإذا تمكنت طبقة معينة من فرض إرادتها على سائر الطبقات الأخرى فإنّ الدولة تصبح مجرد تابعة للطبقة المسيطرة اقتصادياً والتّي خرجت من عباءة المجتمع المدني أمّا إذا تعذّر على أي طبقة أن تستحوذ على هذا القدر من السيطرة فإنّ الدولة تظل في مواجهة المجتمع المدني بل وتُنصّب نفسها قوة فوق قوة المجتمع المدني.
لقد خلص ماركس إلى أن هيغل أخفق في فهم العلاقة الحقيقية بين الدولة والمجتمع المدني” إن العائلة والمجتمع المدني مقدمتان على الدولة، وهما عنصران فاعلان حقاً، ولكنّ الفلسفة التأملية (يقصد فلسفة هيغل) قلبت الأشياء…إنّ مثالية هيغل قادته إلى المبدأ الاندماجي للدولة، ولكنّ ماركس كان قد تعلم درساً مهما من الرقابية البروسية، ووصل إلى نتيجة مفادها:” إن المطابقة بين مصلحة الدولة والهدف الخاص الجزئي، في البيروقراطية، يتأسس بطريقة تميّز فيها مصلحة الدولة هدفا خاصا جزئيا بمقابل الأهداف الخاصة الأخرى”، وتُعرّض شبكة المصالح المادية الجزئية المجتمع المدني لخطر جِدّي، وتهدد قدرته على القيام بدور” كلًّ أخلاقي” للبشرية، ولا يمكن للدولة البيروقراطية أن تكون وسيلة المجتمع الأخلاقي الكلي الناجعة، فكان من شأن انتقال ماركس إلى التحليل المادي أن يُغيّر إلى الأبد نظريات الدولة والمجتمع المدني.
وفي حين نظر هيغل للدولة بوصفها دولة متحررة من تناحرات المجتمع المدني، فإنّ مادية ماركس قادته إلى نقد الدولة باعتباره جزءًا من نقد أعّم للمجتمع المدني، وبقدر ما كان الإنعتاق السياسي مُهّماً كأهمية التقدم، كان تأسيس نظام حكم على حماية حقوق الفرد شرطاً غير كافٍ للإنعتاق، قال ماركس عن أفراد المجتمع المدني:” إن الرابط الوحيد الذي يجمعهم معاً هو الضرورة الطبيعية، والحاجة والمصلحة الشخصية، وحفظ ملكيتهم وذواتهم الأنانية”، وعلى الرغم من كل ما قيل وحدث، أقامت الثورة الفرنسية المجتمع المدني بوصفه أساس النظام الاجتماعي بأكمله، ووضع الأفراد المنكبين على مصالحهم الذاتية بصفتهم أساساً للمجتمع المدني، فالإنعتاق السياسي هو في الوقت نفسه إنعتاق المجتمع المدني من السياسة.
المرحلة الرابعة: المرحلة الغرامشية
لقد عاد المفهوم إلى ساحة التداول بعد فترة من الانقطاع حتى نهاية الحرب العالمية الأولى يد المفكر الإيطالي- الماركسي الجديد- أنطونيو غرامشي – Antonio Gramsci، وذلك تأثّراً بالتحولات الثورية والاجتماعية التّي شهدتها أوروبا بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917، وبدء ظهور الحركات الفاشية والنازية واستيلائها على مقاليد السلطة في إيطاليا وألمانيا، والسؤال الذي جعل غرامشي يستدعي مفهوم المجتمع المدني هو: ما هي الشروط الاجتماعية التّي مكنت الطبقة العمالية من الاستيلاء على السلطة في روسيا رغم خصوصيتها الاقتصادية والاجتماعية المتميزة عن أوروبا؟ وكيف يمكن تكوين جبهة مدنية واسعة من مؤسسات المجتمع المدني لمواجهة المجتمع الفاشي الشمولي في إيطاليا، وإقامة المجتمع الشيوعي التحرري؟، كما أراد غرامشي أن يعرف سبب نجاة الرأسمالية الأوروبية بعد اشتعال حرب عالمية مدمرة واندلاع الثورة الروسية، ونشوب الأزمة الاقتصادية العميقة، وانقلاب عناصر مهمة من الطبقة المثقفة، وقيام الانتفاضات البروليتارية البارزة المهمة، ولأجل كل ذلك صاغ غرامشي مفهوم الهيمنة (hegemony)، وهو مفهوم سجّل بداية تركيز جديد على المسائل الأيديولوجية والثقافية، ما أطلق شرارة التنظير المهم لبنى المجتمع المدني الفوقية.
لقد حاول غرامشي أن يطرح موضوع المجتمع المدني في إطار نظرية السيطرة والهيمنة الطبقية ويستخدمها لإعادة بناء إستراتيجية الثورة الشيوعية أو التحررية، وبالنسبة لغرامشي سواء كان ذلك في كتابه “الأمير الحديث” أو “دفاتر السجن” هناك مجالان رئيسيان يضمنان استقرار سيطرة البرجوازية ونظامها، المجال الأول هو مجال الدولة وما تملكه من أجهزة، وفيه تتحقق السيطرة المباشرة، أي السياسة، والمجال الثاني هو مجال المجتمع المدني وما يمثله من أحزاب ونقابات وجمعيات ووسائل إعلام ومدارس وكنائس أو دور عبادة..الخ، وفيه تتحقق وظيفة ثانية لابّد منها لبقاء أي نظام وهي الهيمنة الأيديولوجية والثقافية، ولذلك لا يكفي للوصول إلى السلطة في نظر غرامشي والاحتفاظ بها السيطرة على جهاز الدولة ولكن لابّد من تحقيق الهيمنة على المجتمع، ولا يتّم ذلك إلاّ من خلال منظمات المجتمع المدني وعبر العمل الثقافي بالدرجة الرئيسية، وفي هذا التحليل يبلور غرامشي للحزب الشيوعي الطامح إلى السيطرة إستراتيجية جديدة تقول إنّ من الممكن البدء في معركة التغيير الاجتماعي المنشود، أي الشيوعي، من إستراتيجية ترتكز على العمل على مستوى المجتمع المدني وتعبئة المثقفين لكسب معركة الهيمنة الأيديولوجية والثقافية التّي ستلعب دورها في مساعدة الحزب على عبور الخطوة الثانية وهي السيطرة على جهاز الدولة، ففي مقابل إستراتيجية الانقلاب العسكري أو شبه العسكري يقترح غرامشي عملية التربية والتعبئة الشاملة للمجتمع، أي السيطرة التدريجية والفكرية على الأطراف التّي تنظم علاقاته اليومية، ففي منظور غرامشي، المجتمع المدني هو المجال الذّي تتجلى فيه وظيفة الهيمنة الاجتماعية مقابل المجتمع السياسي أو الدولة الذّي تتجلى فيه وتتحقق وظيفة السيطرة أو القيادة المباشرة، ولأنّ الهيمنة مرتبطة بالإيديولوجية فإنّ المثقفين هم أداتها، ومن هنا جاءت حاجة غرامشي لإعادة تعريف المثقف وتحليل دوره والرهان الكبير الذّي وضعه عليه في التحويل الاجتماعي، لكن المراهنة على المجتمع المدني لم تلغ عند غرامشي دور الدولة ولا أهمية السيطرة عليها، فالعمل في إطار المجتمع المدني هو جزء من العمل في إطار الدولة وسياسة التحويل في المجتمع والدولة، لذلك لا قيمة للمثقف عند غرامشي ولا ضمان لفاعليته إلاّ إذا كان عضوياً، أي إذا ارتبط بمشروع طبقة سياسي، تماماً كما أنّ الهيمنة لا قيمة لها إلا كجزء أو مستوى من مستويات العمل لتحقيق السيطرة الاجتماعية، إنّها ليست منافية للسياسة ولكن مُكمّلة لها، وإن كانت متميّزة عنها، فالمجتمع المدني والمجتمع السياسي أو الدولة يسيران جنباً إلى جنب ويجمع بينهما في كل نظام وحدة ديناميكية السيطرة الاجتماعية.
المرحلة الخامسة: الموجة الثالثة للديموقراطية
بنهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 توارى مفهوم المجتمع المدني طِوال المرحلة التّي أعقبتها، أي مرحلة الحرب الباردة وصولاً إلى انهيار المعسكر الشيوعي سنة 1989، وقد شهدت أواخر تلك الحقبة الزمنية ما اصطلح على تسميته بصحوة المجتمع المدني، في خِضّم انتقال كثير من الدول نحو الديمقراطية، وهي الحركة التّي أطلق عليها صامويل هنتنغتون – Samuel Huntington بالموجة الثالثة للديمقراطية، مشيراً إلى انتقال كثير من الدول والمجتمعات في حركة تحولية سريعة من نُظم حكم سلطوية أو ذات حزب واحد إلى نظم حكم تقوم على التعددية الحزبية والسياسية، وهي الموجة التّي بدأت بالبرتغال مبكراً سنة 1974، وانتقلت من جنوب أوروبا إلى أمريكا اللاتينية فجنوب آسيا لتنفجر أخيراً في أوروبا الشرقية، وقد رأى هنتنغتون أنّه ما كان لهذا التحوّل الديمقراطي أن يتّم بنجاح لولا منظمات المجتمع المدني، فهي التّي قامت بتدعيم الديمقراطية وجعلها غير قابلة للانكفاء أو الارتداد.
لقد كانت تنظيمات المجتمع المدني فواعل أساسية فيما حدث في شرق أوروبا من تحولات نهاية الثمانينات من القرن العشرين، على غرار ما حدث في بولندا حيث تزعمت فيها كل من الكنيسة الكاثوليكية وحركة التضامن النقابية حركات الاحتجاج التّي أسقطت الحاكم الشيوعي المستبد، ولم تقتصر هذه التنظيمات على بولندا فقط، ولكنّها امتدت إلى العديد من دول شرق أوروبا وتقاربت أسماؤها ما بين المنتدى المدني في تشيكوسلوفاكيا إلى المنتدى الجديد في ألمانيا الشرقية سابقاً إلى المنتدى الديمقراطي في المجر، وضمن هذه التنظيمات العديد من قطاعات المجتمع كالمثقفين والطلبة ورجال الدين وغيرهم، كان هدفها الأول والمشترك إسقاط النظم الشيوعية المتسلطة في تلك الدول، وقد تم لها ذلك بنجاح.. وقد انتقلت عدواها إلى إفريقيا أيضا إذ لعبت على سبيل المثال الجمعية القانونية الكينية منذ منتصف الثمانينيات دوراً بارزاً في التغيير، وفي زامبيا استطاعت جمعيات الضغط والنقابات القيام بدور مماثل، وهو ما حدث في الزائير أيضاً سنة 1990، وينطبق الأمر كذلك على العديد من دول آسيا وأمريكا اللاتينية.
إجمالاً يمكن القول أنّ مفهوم المجتمع المدني قد مرّ في استخداماته المعاصرة بثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى: وهي مرحلة الانفتاح على المجتمع المدني من قبل الأحزاب والقوى والنظم السياسية بهدف إضفاء طابع شعبي على السياسة، وذلك بإدخال عناصر أو حركات أو تنظيمات اجتماعية خيرية في التشكيلات الوزارية على سبيل تقريب السياسة من الفئات النشطة في المجتمع.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة التعامل مع المجتمع المدني بوصفه منظمات مستقلة موازية للدولة ومشاركة في تحقيق الكثير من المهام التّي تراجعت عنها الدولة في ظل عجزها بالوفاء بالتزاماتها وتبرير انسحابها، وهذا المفهوم يتوافق مع انتشار مفهوم العولمة.
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة طفرة المجتمع المدني إلى قطب قائم بذاته ومركز لقيادة وسلطة اجتماعية على مستوى التنظيم العالي بشكل خاص، وقد برز ذلك بشكل أساسي في النقاشات الدائرة حول التمكين للديمقراطية والحكم الراشد ودور المجتمع المدني في تعزيز حقوق الإنسان، والقيم الديمقراطية على الصعيد القطري والعالمي.
Add Comment