Add Listing Sign In

الإهمال العاطفي..ضرر صامت، وألم مستمر

بقلم: ريم حمزة

الناشر: صدى الجنوب

يَحصُر الكثير من الآباء والأمهات دورهم كمربين في حدود الحماية والإرشاد وزرع القيم الأخلاقية، التي تعمل على توجيه سلوك الفرد بما يتلاءم مع عادات المجتمع وتقاليده، بالإضافة إلى دورهم في تلبية الحاجات الفيزيولوجية، دون الأخذ بعين الاعتبار الحاجات العاطفية والنفسية الهامة لنمو شخصية الطفل واتزانها، فيقعون هم وأطفالهم ضحية للإهمال العاطفي

فما هو الإهمال العاطفي للأطفال؟

الإهمال العاطفي هو نوع من إساءة معاملة الأطفال التي غالبًا ما تمر دون أن يلاحظها أحد. ويحدث عندما يفشل الآباء أو مقدمو الرعاية في توفير الدعم العاطفي والاهتمام الذي يحتاجه الأطفال للنمو. يمكن أن يكون للإهمال العاطفي آثار خطيرة وطويلة الأمد على الصحة العقلية والعاطفية للأطفال. وهناك علاقة وثيقة بين غياب النضج العاطفي لدى الأهل وإهمالهم عاطفياً للأبناء بشكل عام، ويتضمن الإهمال العاطفي أثناء الطفولة عدم الانتباه للتطور العاطفي للطفل، الذي يكون له آثار قصيرة وبعيدة المدى. وله عدة أشكال مثل نقص الدعم العاطفي خلال الأوقات الصعبة أو المرض. حجب أو عدم إظهار المودة حتى عند الطلب.

في كتابها “دراما الطفل الموهوب” والذي أحدث ضجة كبيرة عند صدوره عام 1981 وتصدر قائمة المبيعات، تقول الأخصائية النفسية البولندية (أليس ميللر) “أن الإهمال العاطفي يمكن أن يتسبب في قمع الأطفال لمشاعرهم وتطوير شعور زائف بالذات”. وتضيف بأن “الآباء الذين يهملون أطفالهم عاطفياً غالباً ما يكررون أنماط الإهمال العاطفي التي عانوا منها في طفولتهم.”

تكمن مشكلة الضرر الذي يتسبب به الإهمال العاطفي، أنه ضرر صامت، ألمه مستمر، ونتائجه غير محسوسة، لكنها قد ترافقنا طيلة حياتنا، والتي غالباً ما يصعب فهمها أو ربطها بالإهمال العاطفي خلال مراحل الطفولة.

وقد أشارت ميللر في كتابها إلى عدد من النتائج التي تظهر على الأطفال الذين يعانون من الإهمال العاطفي مثل:

  • تدني احترام الذات، وشعور الأطفال بأنهم غير محبوبين أو غير مرغوب بهم أو غير مهمين. 
  • القلق والاكتئاب الذي قد يتسبب للأطفال بالشعور بالعجز وصعوبة في تنظيم عواطفهم والتعبير عن مشاعرهم ورغباتهم ما يجعلهم عرضة للعزلة الاجتماعية وعدم القدرة على تكوين علاقات وثيقة أو التعاطف مع الآخرين وفهم مشاعرهم.
  • هناك أيضا مشاكل سلوكية يتسبب بها الإهمال العاطفي مثل العدوانية تجاه الآخرين، أو الحالة المعاكسة: الميل الدائم للانسحاب والتردد في اتخاذ القرارات الشخصية. 

هل الإهمال العاطفي مقصود؟ وهل ثمة فرق؟

يمكن أن يختلف الإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة من حيث السبب والشدة، فبالنسبة لبعض مقدمي الرعاية قد يكون الإهمال العاطفي مقصودًا، (على سبيل المثال، إنكار المشاعر أو تقليصها من أجل “تقوية” الأطفال). وهناك مثال على ذلك تشير إليه بيث تايسون، وهي أخصائية نفسية متخصصة في صدمات الطفولة: “عدم تحمل بكاء الأولاد بسبب الأعراف الجنسانية في مجتمعنا” وتتابع أنّ “البكاء هو استجابة طبيعية للخوف والحزن، وعندما لا نسمح للأولاد بالبكاء، فإنهم يكتمون عواطفهم، مما يتسبب في مشاكل سلوكية في المستقبل”،كما تشير إلى أن الإهمال العاطفي لا يقف عند هذا الحد، بل قد يكون له آثار سلبية على الصحة العقلية للطفل، من خلال استمرار مقدم الرعاية باللامبالاة تجاه الطفل و إظهار سلوكيات طائشة من قبل الوالدين (أو أحدهما)، مثل لوم الطفل المستمر على التحديات في المنزل أو المدرسة، أو إعطاء شعور  للطفل على أنه “سيء” أو “عديم القيمة” ، والتصرف كما لو أنه عبء على الأسرة.

قد يبدو ذلك غريباً،!! فمن لا يحب أطفاله؟ لكنه مع ذلك كثيرا ما يحدث لاعتقاد الأهل بأن التربية يجب أن تكون هكذا.. صارمة وخالية من العواطف (لاسيما الذكور)  لكي ينشأ الطفل قوياً وصلباً، وقادراً على تحمل أعباء الحياة، وليس من قبيل المصادفة أن تسمع من الأهل في مثل هذه الحالات عبارة (هيك أهلنا ربونا) حيث احترام الأهل وتوقير الأجداد، يتلخص عبر استلهام طريقتهم ذاتها في تربية أبنائهم.

ومن الممكن أيضًا أن يكون الإهمال العاطفي غير مقصود. وهذا الشكل غير المتعمد ناتج عن تعرض أحد الوالدين (أو كليهما) للإهمال العاطفي في مرحلة الطفولة، تقول تايسون: “غالبًا ما يتأثر البالغون الذين يعانون من صدمات لم يتم حلها منذ طفولتهم باحتياجات الطفل العاطفية”. “خاصة إذا تعرض البالغ للإهمال العاطفي أو الإساءة عندما كان طفلاً، فعندما نشهد أطفالنا يطالبون بضرورة تلبية حاجات عاطفية لم يتم تلبيتها لنا عندما كنا أطفال، فإنه تنشط لدينا الذكريات القديمة، لنعتبر أنّ سلوك أطفالنا غير مقبول “. لماذا غير مقبول؟ لأنه تم التعامل مع سلوكنا عندما كنا صغاراً على أنه غير مقبول،

فيتم اللجوء إلى تقليل أو تجاهل ألم الأطفال، والامتناع عن تقديم التعاطف المطلوب، واستخدام المشتتات لخنق أو تجنب التعبير العاطفي لديهم، ولا يمكن في هذا السياق إغفال ضغوطات وأعباء الحياة الاقتصادية وظروف العمل لساعات طويلة، وتداعيتها النفسية على الوالدين، ما يجعلهما غير قادرين على تقديم الاحتواء اللازم لاحتياجات أبنائهما العاطفية، كأن يتم اللجوء إلى السماح للأطفال بقضاء الكثير من الوقت على الأجهزة الإلكترونية “للبقاء هادئين” من دون الانتباه للأهمية الكبيرة للتواصل البصري مع الأطفال، وأثره في قطع قنوات الاتصال والحوار المتبادل، وبالتالي انقطاع الاتصال العاطفي كما تشرح تايسون وتنبّه إلى أن خطورة انقطاع الاتصال العاطفي، سوف تدفع الأطفال للبحث عن مصادر خارجية للراحة. 

  يمكن أن يتقاطع تعريف الإساءة العاطفية مع تعريف الإساءة بشكل عام في العديد من الظروف. فالإساءة العاطفية هي أي فعل يؤدي إلى فشل في التصرف ويتسبب في ضرر عاطفي فوري أو طويل الأمد. وليس بالضرورة أن تكون الإساءة العاطفية متعمدة وخبيثة، فيمكن أن يحدث الإهمال العاطفي أيضاً دون وعي من مقدم الرعاية، في مقال للطبيب النفسي (كمبرلي هولاند)، يحدد فيه الفارق بين الإساءة العاطفية في الطفولة، والإهمال العاطفي، فالإساءة غالباً ما تكون مقصودة، فهي اختيار محدد للتعامل بشكل ضار ومسيء، أما الإهمال فهو فشل في التصرف أو في فهم احتياجات الطفل.

على سبيل المثال أن يأتي طفل ليبلغك أنه حزين لأجل صديقه المقرب في المدرسة، فيتجاهل الوالدان مشاعر الإبن، ويتعاملان مع الأمر كأنه لعبة، بينما هو في الواقع أكبر من ذلك بكثير، ومثل هذه التصرفات تدفع الطفل إلى عدم الإفصاح عن مشاعره واحتياجاته مرة أخرى.

ماذا يمكن أن نفعل؟

يؤكد مقال بعنوان “كيفية التغلب على الإهمال العاطفي وتجاوزه“، نشر على موقع “غود ثيرابي” Good Therapy، أن حسن نية الوالدين ليست كافية للتعافي من الإهمال العاطفي، لذا يجب على كل من الأب والأم العمل على جعل الأطفال ينخرطون في كافة التجارب المتنوعة، التي تمكن الأطفال من عمل علاقات وتكوين أصدقاء، لأن العزل يسبب للأطفال نوعاً من الإهمال العاطفي، يؤثر على نموهم العاطفي والنفسي والاجتماعي، بالإضافة لإحاطة الاطفال بالمحبة والإصغاء لهم، والسماح لهم بالتعبير عما يشعرون به في جميع الحالات، والابتعاد كلياً عن العنف الجسدي و اللفظي المتمثل بـ التحقير و الاستهزاء، والتركيز بدلا عن ذلك على المدح و التشجيع و الثناء . فهو ما يسهم بتعزيز ثقة الطفل بنفسه و تراجع النظرة الدونية لنفسه، وتهيئة الطريق أمامه لينمو بشكل سليم ومعافى.

ولكن…

وقبل كل شيء.. لابد من وجود قابلية لدينا لإعادة النظر في مفاهيمنا وقناعاتنا وعدم اعتبار أن الطريقة التي تربينا عليها هي الصحيحة بالضرورة، وأن خبراتنا في الحياة هي النهائية و الناجزة.

عندما تبادر إلى احتضان طفلك عند تعرضه لأقل ألم مادي أو معنوي، فهو بمثابة توقيع عقد معه مدى الحياة، أنك ستكون إلى جانبه دوماً بكافة الظروف، وأياً تكن الأسباب، ومهما فعل..

أنه لا مساومة على الحب… ولا شروط

هامش

1. أليس ميلر (1923-2010) عالمة نفس، وأخصائية اجتماعية، ورسامة وكاتبة بولندية. تعتبر الإهمال العاطفي أحد أشكال الإساءة النفسية وتلقي باللوم على الآباء المعنفين نفسيًا لأطفالهم وتقول “حتى الأطباء النفسيون والمحللون النفسيون وعلماء النفس السريري كان لديهم خوف لاواعي تجاه إلقاء اللوم على الوالدين عندما يعود إلى الاضطرابات النفسية لأطفالهم”. ووفقاً لميلر، “حتى خبراء الصحة العقلية كانوا نتاجاً للبيداغوجيا السامة التي تعرضوا لها في طفولتهم”

2. بيث تايسون، عالمة نفس اجتماعية وأستاذة جامعية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA). تركز أبحاثها على تطور الذات والهوية في الطفولة والشباب، وتشمل دراساتها مجالات مثل التطور الاجتماعي والعاطفي والنفسي للأطفال، والأسرة والعلاقات الاجتماعية والثقافية التي ينشئ فيها الأطفال.

Prev Post
المجتمع المدني والنخبة المحلية شمال سورية
Next Post
التدريب على حقوق الإنسان والنوع الاجتماعي

Add Comment

Your email is safe with us.

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

Application for registration on Rawabet

X