بقلم: سلام علم الدين
الناشر: منصة صدى الجنوب السوري
تفتقر المكتبة العربية لدراسات وأبحاث حديثة تتطرق لموضوع الجنس والإباحية، وتذهب معظم خيارات البحث على محرك غوغل في هذا الموضوع إلى إحصاءات ودراسات أمريكية بمعظمها، وحسب هذه الدراسات ” تعتبر أمريكا أكبر منتج للمواد الإباحية”. كما أن معظم المعلومات تشير إلى دراسات غير مسندة أو موثوقة علمياً، تذهب بمعظمها إلى أخطار الأفلام الإباحية وضررها على الحياة الجنسية والنفسية والذهنية لمدمنيها. كما يمكن لك بسهولة وببحث سريع التعرف على حجم التمويل والتجارة المتعلقة بالجنس وداتا المتابعة للمواد الإباحية على مواقع الانترنت. ولا شك أن هناك اتفاق على بعض الأرقام الكبيرة سواء في الأرباح الاقتصادية الهائلة لهذه التجارة، أو عدد الأفلام التي تنتج كل دقيقة، أو عدد المتابعين، وأكثر الدول متابعة للمواقع الإباحية. في الحقيقة ستدهشك الأرقام والإحصاءات ولن تشعر هنا عزيزي القارئ بأنك وحيد ” كصالح في ثمود”.
فيلم ثقافي
في عام 2000 أنتج فلم مصري من كتابة وإخراج محمد أمين تحت عنوان “فلم ثقافي” يروي قصة لـ ثلاثة شباب مراهقين يريدون مشاهدة فيلم إباحي، “فلم ثقافي” كما كان يشار إليه. تدور أحداث الفلم في إطار كوميدي حول محاولة الشبان تجميع العناصر الأساسية للمشاهدة من (شريط الفيديو – الفيديو – المكان المناسب) ولا شك أن عنوان الفلم وأحداثه يحيلان لقضية ملحة في عالمنا العربي هي مشكلة الثقافة الجنسية، ومشاكل الكبت، الجهل، وكذلك قضية التربية الجنسية الغائبة، والتي مازال تناولها يشوبه الحذر الشديد والحياء ومن ثم التجاهل. ولا بأس من إشارة بين معترضتين إلى مفارقة في هذا السياق – كان العرب والمسلمون سباقين في تناول موضوع الجنس في كتبهم دون حرج، وهناك في كتب التراث ومجلداته ما يزيد عن 39 مؤلف وصلنا في علم الباه، لعل مجلدات السيوطي الإمام والفقيه الشافعي أشهرها، بالإضافة إلى أسماء كتب تنوف عن المئة لم تصل إلينا.
ولكن دعونا نطرح السؤال التالي: ما الذي حدث منذ أكثر من عشرين عاماً حتى الآن أي منذ كانت مشاهدة فلم اباحي تتطلب تحضير وتجهيز معدات خاصة، وتسخير فريق متعاون تجمعه المصلحة والفضول والرغبة بالاستكشاف والاثارة؟
عالم البورنو اليوم
وفقاُ لتقديرات عام 2022 بلغ عدد المواقع الإباحية في العالم حوالي 42 مليون موقع نشط، وتتلقى أكثر ثلاثة مواقع إباحية زيارة في العالم حوالي 8 مليار زيارة شهرياً، وهو ما يدلل على الانتشار الكبير لهذه الصناعة خلال السنوات الأخيرة وكيف أصبح من السهل على الأشخاص الوصول إلى المواد الإباحية أكثر من أي وقت مضى، حيث يستخدم معظم زوار المواقع الإباحية الهواتف الذكية للوصول لها وذلك بنسبة 83%.
وتشير كثير من الإحصاءات إلى أن الأطفال يبدأون بمتابعة المحتوى الإباحي منذ سن الحادية عشرة. غير أن الأمر لا يتطلب إحصاءات، فمن البديهي أن الطفل الذي يحمل بين يديه هاتف ذكي ليس محصناً أبداً عن مشاهدة محتوى إباحي، لا سيما أن الإباحية ليست مقتصرة على المواقع المختصة بل أن انتشارها أصبح واسعاً على معظم برامج التواصل الاجتماعي. حيث تعرّض 34٪ من مستخدمي الإنترنت إلى الإباحية غير المرغوب فيها عبر الإعلانات، والنوافذ المنبثقة. وما لا يقل عن 30٪ من جميع البيانات المنقولة عبر الإنترنت ذات صلة بالإباحية.
يمكن للكبار أن يجدوا بعض الترفيه في مشاهدة الأفلام الإباحية، وقد يكون لها أثر إيجابي في تحسين العلاقة الجنسية بين الشريكين. لكن إدمان الإباحية بالعموم وفقاً لمختصين تجعل من الحياة الجنسيّة للشخص أقلّ إرضاءً ومتعة، وغالباً ما يصبح المَيل التدريجيّ إلى مشاهدة موادّ إباحيّة أكثر تطرّفًا؛ إذ تفقد الموادّ الإباحيّة التقليديّة تأثيرها السابق. إن الموادّ الإباحيّة تخلق توقّعات غير واقعيّة حول الممارسة الجنسية، وبالتالي فهي تخلق هوة بين الممارسة الحقيقية الحميمية وبين التصورات حول الجنس.
يوضّح إيان كيرنر (Ian Kerner) لفوكس نيوز وهو طبيب نفسي ومستشار جنسي أنّ الإفراط في مشاهدة الأفلام الإباحية غالبًا ما يكون اعتلالاً مشتركاً مع قضايا صحيّة أخرى، مثل التعرّض للقلق والاكتئاب أو اضطراب ثنائي القطب، حيث يقول: «عندما يتعرّض الناس للاكتئاب، يشعرون بالوحدة مما يؤدي بهم إلى الاستمناء. وأضاف: «عندما يصاب الشخص بالقلق، تظهر المُشكلة حينما يشعر بأنّ الشيء الوحيد الذي سيجعله يهدأ هو الاستمناء، وفي هذه الحالة تكون الأفلام الإباحية هي العَرَض وليست المُشكلة.
ولكن ماذا عن الأطفال؟
لا تتوقف المشكلة التي يتعرض لها الأطفال من مشاهدة المحتوى الإباحي على الصدمة التي تواجههم، ولا على ما يترتب عن ذلك من هوة سحيقة بين ما يشاهدونه وبين الواقع، ولا على مشاكل الشعور بالذنب والاكتئاب والعدوانية. بل تحمل المواقع الإباحية اليوم ما هو أخطر من ذلك بكثير. فحيث أن معظم الأطفال والمراهقين غير محصنين معرفياً وعاطفياً فيما يتعلق بالجنس، وتحجب عنهم المعارف الضرورية خجلاً وتجاهلاً وخوفاً، فإنهم معرضون بشكل حتمي لمشاهدة شتى أنواع وصنوف الشذوذ الجنسي على المواقع الالكترونية، وأنماط غريبة من العلاقات الجنسية. وإن كان ليس محسوماً بعد ما إذا كانت مثل هذه الأفلام تخلق أو تروج للشذوذ والعلاقات غير السوية، أم أنها تحاكي ميول وغرائز وأمراض نفسية موجودة لدى البشر؟ بيد أن ما يمكن التأكد منه هو أن الأطفال والمراهقين سيكونون ضحية هذه التصورات المصنعة عن الجنس لأغراض تجارية بالدرجة الأولى. فغالباً ما تكون المواد الإباحية بوابة المراهقين لهذا العالم. فإلى متى سنبقى مختبئين وراء إصبعنا من قضية ملحة وهامة مثل قضية التربية الجنسية التي من شأنها تحصين الأسر عموماً، وحماية الأطفال والمراهقين من كل هذه الأخطار.!
Add Comment