جهة النشر: المركز السوري لبحوث السياسات، جامعة فيينا
تاريخ النشر: 03-ايلول-2023
في صبيحة السادس من شباط 2023 تعرضت مناطق جنوبي تركيا والشمال الغربي من سوريا لزلزال مدمر، لم تشهد المنطقة مثيلاً له منذ عشرات السنوات. خلف وراءه آثاراً كارثية على سوريا المثقلة أصلاً بأعباء الحرب، وشكل كارثة متعددة الأبعاد لمناطق شمالي غربي سوريا المهمشة والمحاصرة منذ وقت طويل. وتعمَّقت خسائر الزلزال بفعل الاستجابة الضعيفة للقوى الدولية والدور السلبي لقوى الصراع الداخلية، وضعف البنى المؤسساتية التنموية والإغاثية في جميع المناطق. في هذا الإطار عمل المركز السوري لبحوث السياسات على إعداد تقرير “آثار الزلزال في سوريا المقاربة التنموية المفقودة في ظل النزاع”، والذي يقدم تحليلاً معمقاً لتداعيات كارثة الزلزال وتقييماً لأهم الآثار الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية المباشرة، التي نجمت عنه.
أهمية التقرير
الزلزال ظاهرة طبيعية، في لحظاته الأولى، لكن بعدها تحول إلى قضية سياسية واجتماعية وتنموية، تعتمد على كيفية استجابة النظم الحوكمية القائمة والقوى الفاعلة لآثار الكارثة. حلَّ الزلزال في بلد مزقته الحرب لما يزيد على اثني عشر عاماً، وتشظى سياسياً واجتماعياً وهُدرت مقوماته التنموية والاقتصادية. تأتي أهمية هذا التقرير بأنه يقدم مقاربة تنموية مرتبطة بمواجهة مستدامة لآثار الزلزال، ترتكز هذه المقاربة على جوهرية الدفع باتجاه حل سياسي عادل ودائم، مع دور مركزي للقوى المجتمعية السورية في تطوير خيارات تجاوز النزاع، وبناء نموذج التحول التنموي.
تستند منهجية تحليل كارثة الزلزال على إطار مركب من مقاربات الاقتصاد السياسي والقدرات والفرص، إضافة إلى تبني منهجية تشاركية متعددة التخصصات في تصميم البحث وتنفيذه. في هذا الإطار تم الاستناد إلى تشخيص الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية قبل الزلزال وتقدير آثار الزلزال على المقومات التنموية وتقييم استجابة القوى الفاعلة.
ويقدم التقرير مقاربة تنموية مستدامة لمواجهة آثار الزلزال تركز على: الاستثمار في تعزيز التضامن الاجتماعي وإعادة الاعتبار للمجتمع في الداخل والخارج، والتحول من الدور الخدمي للمجتمع المدني إلى دور سياسي وتنموي فاعل في الفضاء العام، وتوسيع إمكانيات مساءلة قوى النزاع السياسية والعسكرية، وتطوير دور المنظمات والمبادرات المدنية في إنشاء البنى الحوكمية المناهضة للنزاع والاستبداد والتشظي؛ وتبني الاقتصاد التضامني الاجتماعي، بوصفه أحد البدائل الممكنة للتحول من اقتصاديات الحرب، والتركيز على استثمار الموارد المادية والبشرية بعيداً عن الاستغلال والعسكرة واستنزاف البيئة؛ والربط بين العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي وتعزيز مقومات المجتمع التنموية، ليتمكن من التأثير في مسار تجاوز النزاع وآثار الزلزال.
أبرز نتائج التقرير
أدى الزلزال إلى آلاف الضحايا بين السوريين في المناطق المتضررة، وتركز الأثر الأكبر في مناطق شمالي غربي سوريا. حيث قدر التقرير عدد النازحين بفعل الزلزال، حتى الأسبوع الأول من شهر آذار، بأكثر من 170 ألف شخص، انضم جزء كبير منهم إلى مخيمات الإيواء، التي كانت قائمة أصلاً، وأنشئت مخيمات جديدة لاستيعاب الأعداد الكبيرة من النازحين الجدد. كما أثر الزلزال على القطاع الصحي المتهالك أصلاً، نتيجة النزاع المديد، وعجز النظام الصحي، عند حدوث الزلزال، عن تلبية الاحتياجات المتزايدة، لإنقاذ المصابين والمتضررين في مختلف المناطق. كما أظهرت تقارير متابعة الأمراض المنقولة تزايد حالات الكوليرا والإسهال الحاد والأمراض التنفسية في مختلف المناطق.
أوضح المركز الآثار الاقتصادية التي سببها الزلزال، حيث بلغت نسبة الخسائر في مخزون رأس المال وثروة الأسر من الأثاث والتجهيزات 0.8%، على المستوى الوطني، وبلغ معدل خسائر مخزون رأس المال في إدلب 6.9% من مخزون رأس المال في المحافظة، وبلغ في حلب معدل 2.1%، كما بلغت الخسائر في اللاذقية 6 بالألف وفي حماة 3 بالألف.
قدر المركز السوري قيمة استبدال مخزون رأس المال والأثاث بنحو 2.23 مليار دولار أمريكي بالأسعار الجارية. وتشكل هذه الخسائر من الثروة المتراكمة ضرراً فادحاً للاقتصاد، على المستوى الوطني بوجه عام، وعلى المناطق المتضررة بوجه خاص، وسوف تحتاج هذه المناطق إلى سنوات طويلة لتعويض الخسائر. كما تراجع الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 نتيجة الزلزال بنسبة 2.2%، على المستوى الوطني. وتراجع على المستوى المحلي بمعدل 16.2% في إدلب، و4.4% في حلب، أما في اللاذقية وحماة، فكانت معدلات الانكماش الاقتصادي أقل على نحو ملحوظ، إذ يقدر الانكماش في اللاذقية بحوالي 5 بالألف وفي حماة 3 بالألف. وبناءً عليه، تقدر خسائر الناتج المحلي الإجمالي في سوريا بحوالي 3.62 مليار دولار أمريكي. وعليه بلغت الخسائر الاقتصادية الإجمالية المباشرة 5.85 مليار دولار أمريكي. وتشكل الخسائر المباشرة للزلزال نحو 33% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022، ما يظهر الأثر النسبي الكبير للزلزال، في ظل الحالة الكارثية للاقتصاد نتيجة 12 سنة من النزاع.
أدت هذه الخسائر إلى تدهور جديد في الدخل الحقيقي للأسر، مما يهدد بانكماشٍ اقتصادي إضافي. وتشير النتائج أيضاً إلى ارتفاع معدل الفقر المدقع، نتيجة الزلزال، بحوالي 10.5 و3.8 و0.4 و0.1 نقطة مئوية في كل من إدلب وحلب وحماة واللاذقية، كما اتسعت فجوة الفقر العام بين متوسط إنفاق الأسر الفقيرة وخط الفقر العام؛ إذ ازدادت من 52% إلى 59% في إدلب، ومن 45% إلى 47% في حلب.لقد فشلت القوى السياسية المحلية في الاستجابة الفاعلة للكارثة؛ وقامت باستغلالها، لتحقيق مصالح سياسية ضيقة، فقد اتسمت استجابة الحكومة السورية بالتمييز والتسييس والتهرب من المسؤولية وضعف الفاعلية. ولم تتمكن الحكومة المؤقتة أو حكومة الإنقاذ من القيام بوظائفها، بصفتها سلطات حاكمة، في الاستجابة للزلزال؛ فلم تتبنَّ استراتيجية واضحة لمواجهة الكارثة، وأظهرت ضعف القدرة على التنسيق أو حشد الجهود، بما فيها الجهود العسكرية، لمساعدة المتضررين. كما قامت بتحميل الأعباء للمجتمع المدني والمنظمات الدولية. واستخدمت الكارثة لتعميق الانقسام، ورفضت فتح المساحات اللازمة للتضامن العابر للمناطق.
وترافق ذلك مع استجابة الدولية محبطة؛ إذ تمايز التدخل من قبل الأمم المتحدة والدول المانحة بصورة فاضحة بين تركيا وسوريا من جهة، وبين مناطق السيطرة داخل سوريا من جهة أخرى. فلم تقم الأمم المتحدة بالاستجابة المباشرة للزلزال في المناطق المنكوبة، ولم ترسل معدات وفرق إنقاذ، بحجة إغلاق المعابر، كما أنها لم تسع إلى فتح المعابر المعنية. في المقابل كانت استجابة المجتمع المدني هي الأكثر فعالية وحيوية؛ فقد أسهمت المنظمات والمبادرات المدنية خاصة في شمالي غربي سوريا في حشد المتطوعين وإنقاذ آلاف الأرواح، على الرغم من النقص الحاد في الموارد والتجهيزات. وعكس دور المجتمع المدني حالة التضامن الاجتماعي التي عبرت عن ثقافة التكافل الاجتماعي في مواجهة الأزمات، وقدمت نموذجاً لتجاوز الاستقطاب السياسي والجغرافي والثقافي.
لقراءة التقرير كاملاً:
باللغة العربية
باللغة الإنكليزية
Add Comment