إنشاء سجل Sign In

سورية الاغتراب والعنف – تقرير يرصد آثار الأزمة السورية خلال العام 2014

  • عدد المشاهدات: 0

الوصف

الملخّص التنفيذي
يُعتبر هذا التقرير جزءاً من سلسلة من تقارير تهدف إلى متابعة وتقييم آثار النزاع المسلّح على الحالة الاجتماعية والاقتصادية للسوريين وعلى حياتهم خلال الأزمة الحالية (١). وهذا هو التقرير الرابع في السلسلة ويغطّي الأرباع الأربعة للعام 2014. ويخلص التقرير إلى ما يلي:
الآثار الاقتصادية:
ازدهر اقتصاد العنف خلال العام 2014 مع اشتداد وتيرة المعارك، وإعادة تخصيص الموارد ورأس المال في خدمة آلة الحرب. وقد ترافق ذلك مع توسّع في الأسواق السوداء، وتراجع في السيادة وحكم القانون، وتزايد في الاعتماد على الدعم الخارجي، وتعمّق الانكشاف الاقتصادي، وخسارة الأمن الاقتصادي. ففي خضمّ النزاع، يعاني الاقتصاد السوري من هيمنة قوى التسلّط التي تعمل على مأسسة سيطرتها من خلال العنف. وفضلاً عن ذلك، ومع الضعف الذي أصاب السيادة، فإن الشبكات العابرة للحدود والعصابات المجرمة المرتبطة بالنزاع ظهرت إلى حيّز الوجود وراحت تنخرط في الإتجار بالبشر والإساءة إليهم، وفي أعمال السلب والنهب، والخطف والابتزاز، وتجنيد المقاتلين، والإتجار بالآثار التاريخية.
بات النمو المستقبلي للاقتصاد السوري معرّضاً للخطر جرّاء الانهيار والتدمير المُمنهجين لمقوماته الاقتصادية، وبنيته التحتية ومؤسساته، ورأسماله البشري والمادي، إضافة إلى تبديد ثروة الوطن.
أنتج التدمير الاقتصادي مستويات عميقة من عدم المساواة وعدم الإنصاف مع تفتّت الاقتصاد المحلي في أرجاء البلاد؛ فقد فرضت أطراف النزاع المسلّح حالة استثنائية من السيطرة على المؤسسات والموارد والتحكّم بها. ولكي تحافظ الأطراف المختلفة على هيمنتها، لجأت إلى تحويل الموارد لتستفيد منها كحوافز تقدّمها إلى اتباعها ضماناً لولائهم.
قُدِّرَ حجم الخسائر الاقتصادية من بداية النزاع حتى نهاية العام 2014 بمبلغ 202,6 مليار دولار أمريكي، في حين شكّلت خسائر مخزون رأس المال المتضرّر 35,5% من هذه الخسارة. وتعادل الخسائر الاقتصادية الإجمالية 383% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2010 بالأسعار الثابتة. وقد قادت هذه الخسائر الفادحة إلى زيادة هائلة في حجم الاعتماد على الدعم الخارجي.
قُدِّرَ الحجم الإجمالي للخسائر في الناتج المحلي الإجمالي بمبلغ 119,7 مليار دولار أمريكي، علماً أن 46,1 مليار دولار أمريكي منها قد تكبّدها الاقتصاد خلال 2014 وحده. فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9,9% في 2014 مقارنة بالسنة السابقة، في حين بلغ معدّل الإنكماش 15,1% في الربع الأول، و8,1% في الربع الثاني، و7,3% في الربع الثالث، و9,5% في الربع الرابع مقارنة بالأرباع المقابلة لها من العام 2013.
أدّت الأزمة إلى تغيّر كبير في هيكلية الناتج المحلي الإجمالي ، إذ شكّل قطاعا الزراعة والخدمات الحكومية حوالى 45,7% من الناتج خلال العام 2014، وذلك بسبب تراجع بقية القطاعات نسبياً بمعدلات أسرع من تراجع هذين القطاعين.
سُجِّلَ تحسّن بسيط في الاستثمار الخاص ، الذي ارتفع في 2014 ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 1.4% مقارنة بالعام 2013. ويُعزى هذا الارتفاع إلى الاستثمار في الصناعات التحويلية في المناطق المستقرّة نسبياً. لكن ذلك لا يشير إلى التعافي و/أو الاستدامة، وإنما يدلّ على أن قطاع الأعمال يحاول التكيّف جزئياً مع ظروف النزاع المسلّح.
استمرّ الاستثمار العام في التراجع، فانكمش بمعدّل 17% في 2014. وقد مثّل هذان النوعان من الاستثمار، أي العام والخاص، معاً ما نسبته 10,8% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، ممّا أنتج نسبة سالبة في صافي الاستثمارات في 2014 بما أن مستوى الاستثمار كان أقل من قيمة الاهتلاك الطبيعي السنوي لمخزون رأس المال.
ازداد نصيب الاستهلاك العام من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأزمة، إذ قفز من 17,6% في 2010 إلى 28,1% في 2014. ويمثّل الاستهلاك العام أداة مالية رئيسية لخلق نوع من الاستقرار وذلك من خلال المحافظة على الخدمات العامّة. وإضافة إلى ذلك، وبما أن العاملين في القطاع العام أصبحوا الجزء الأكبر من المشتغلين، فإن هذا القطاع شكّل المصدر الرئيسي للدخل لغالبية العمال في 2014. ولكن على الرغم من أهميته، إلا أنه انكمش بنسبة 9% في 2014، في حين تسبّبت السياسة الحكومية في تخفيض الدعم على السلع الأساسية في تراجع الاستهلاك العام خلال الربع الأخير من العام 2014.
انكمش الاستهلاك الخاص، الذي يُعتبر المكوّن الرئيسي للطلب الاقتصادي ومقياساً مباشراً لمعيشة الأسر، بنسبة 41,7% في 2014 مقارنة بعام 2010، وإن كان قد انكمش بنسبة 11% في 2014 مقارنة بالسنة السابقة. ويعكس ذلك سنة أخرى من المصاعب المتنامية التي تواجهها الأسر السورية التي عانت أصلاً من النواحي المالية جرّاء فقدان الوظائف والقفزات الهائلة في تكاليف المعيشة. وبالتالي، ترافق تراجع دخل الأسر، مع مراصلة مؤشر أسعار المستهلكين ارتفاعه في 2014، علماً أنه قد تراجع بنسبة 4,3% خلال الربع الأول من العام ليعاود الارتفاع بنسبة 5% في الربع الثاني. وقد تعزّز هذا التوجّه في المؤشر في النصف الثاني من العام إذ ارتفع بنسبة 10,3% في الربع الثالث، بينما قفز 22% في الربع الأخير. وشمل هذا الأمر تزايد أسعار السلع الأساسية مثل الخبز، والسكّر، والمشتقات النفطية بعد أن قلصت الحكومة الدعم المقدّم لهذه السلع في النصف الثاني من العام.
سجّلت تغطية الصادرات للمستوردات تدهوراً حادّاً من 82,7% في 2010 إلى 29,7% في 2014؛ وقد تجلّى ذلك في العجز التجاري الهائل الذي وصل إلى 42,7% في 2014؛ ممّا يعكس انكشاف الاقتصاد على الاقتصادات الخارجية واعتماده إلى حدّ كبير على المستوردات المُموّلة بصورة رئيسية من خلال القروض الخارجية والتسهيلات المالية. ومع هذا التزايد الهائل في الاعتماد الاقتصادي على المصادر الخارجية، فإن رصيد ميزان المدفوعات سجّل عجزاً ضخماً استهلك الاحتياطيات الأجنبية وبدأ يراكم الديون الملقاة على كاهل الأجيال القادمة.
ازداد عجز الموازنة العامة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 35,7% في 2013 إلى 40,5% في 2014. وقد ألقى هذا العجز عبئاً إضافياً على الدين العام الذي استمر في الارتفاع إلى مستويات قياسية؛ فقد ازدادت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي الجاري ازدياداً هائلاً من 104% في 2013، إلى 147% بحلول الربع الرابع من العام 2014.
تبنّت الحكومة المزيد من سياسات التحرير الاقتصادي للتقليل من عمليات الدعم عبر رفع أسعار العديد من السلع والخدمات الأساسية. ومن المتوقّع أن تزيد هذه القرارات من الإيرادات الحكومية، ولكنها مع ذلك ستترك تبعات اجتماعية واقتصادية كبيرة على معيشة الأسر، وتحديداً الفقيرة منها، وعلى تكلفة الإنتاج المحلي، بما أن الزيادة في الأسعار تشمل السلع الأساسية مثل الخبز والطاقة.
تعاني سورية من فقدان فرص العمل والبطالة التي ارتفع معدّلها من 14,9% في 2011 إلى 57,7% مع نهاية 2014، أي إن 3,72 مليون شخص هم عاطلون عن العمل، منهم 2,96 مليون فقدوا عملهم خلال الأزمة، الأمر الذي أدى إلى فقدان المصدر الرئيسي لدخل 12,22 مليون شخص. لكن المؤسف في الأمر أن توسّع اقتصاد العنف أنتج أنشطة ضمن الاقتصاد، انعكست في تنامي نسبة الشباب السوريين المنخرطين في شبكات وفعاليات ذات صلة مباشرة بالنزاع المسلح وغيرها من الأنشطة غير المشروعة.
وفي نهاية العام 2014، تآكلت الركائز الأساسية للاقتصاد، بما في ذلك خسارة جوانب حيوية من الأمن الاقتصادي، وتشمل تراجع السيادة على الموارد والأراضي، ومستويات غير مسبوقة من العجز في ميزان المدفوعات والميزان التجاري والدين العام والعجز في الموازنة، وتضخّماً مرتفعاً للغاية مصحوباً بأسعار صرف غير مستقّرة، ومستويات سالبة من المدّخرات وصافي الاستثمارات، وبطالة هائلة. وقد أسهمت هذه العوامل كلّها مجتمعة في تحقيق نمو سلبي كبير وانكماش اقتصادي هائل واضعاً السكّان في حالة من العوز والحرمان الشديدين.
الآثار الاجتماعية:
أسفر النزاع المسلّح والتدهور الاقتصادي والتفكك الاجتماعي عن حصول تحوّل في الجغرافيا البشرية في سورية. وقد نجم عن ذلك تناقص في عدد السوريين المقيمين في البلاد من 20,87 مليون نسمة في 2010 إلى حوالي 17,67 مليون نسمة مع نهاية العام 2014. وقد اضطر أكثر من نصف السكّان (52,4% منهم) إلى مغادرة أماكن سكنهم المعتادة طلباً للأمان وظروف معيشة أفضل في أماكن أخرى. ومن المغادرين بلغ عدد النازحين داخلياً ما يُقارب 6,8 مليون نسمة، ويشكلون 57% من إجمالي المغادرين، علماً بأن العديد منهم اضطر إلى النزوح مراراً. كما يقدر عدد السوريين الذين هاجروا إلى دول أخرى نتيجة الأزمة دون التسجيل كلاجئين بحوالى 1,55 مليون سوري.
يشكّل اللاجئون من سورية الآن أكبر مجموعة لاجئة في العالم، إذ يُقدّرُ عدد اللاجئين الذين غادروا سورية مع نهاية 2014 بـحوالى 3,33 مليون نسمة. وخلال العام الماضي، حلّت تركيا مكان لبنان لتصبح البلد المضيف الرئيسي للاجئين السوريين بنسبة 35,1% من إجمالي اللاجئين، مقارنة مع 34,5% في لبنان. أمّا الأردن، فقد استضاف 18,7% من اللاجئين السوريين، في حين وفّر العراق اللجوء لحوالى 6,9% منهم.
استمرت معدلات الفقر بالتفاقم المدمّر خلال العام 2014، إذ أصبح أربعة أشخاص من كل خمسة فقراء. وعلى الرغم من التفاوت في درجة الفقر بين مختلف المناطق، إلا أن أكثر المحافظات معاناة من الفقر كانت تلك التي شهدت قتالاً كثيفاً، وسجّلت معدّلات تاريخية عالية من الفقر. وإضافة إلى ذلك، فإن ثلثي السكّان تقريباً (64,7%) يعيشون في حالة الفقر الشديد، إذ لا يستطيعون تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية، الغذائية وغير الغذائية. ومع تنامي انتشار الفقر، بات 30% من السكّان يعيشون في حالة من الفقر المدقع أي إنهم لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية، ويزداد الوضع سوءاً في مناطق النزاع حيث ينتشر الجوع وسوء التغذية، وحتى المجاعة في بعض الحالات.
ضمن هذه الظروف والشروط، تسجّل التنمية الإنسانية حالة من التقهقر، إذ يسلّط دليل التنمية البشرية الضوء على مدى التدهور الحاصل في مستوى التنمية البشرية في سورية، التي انتقلت من مجموعة الدول ذات التنمية البشرية المتوسطة قبل الأزمة إلى مجموعة الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة، ما يعكس التدهور الحاد في أداء التعليم والصحة والدخل. وعليه فإن تقديرات التقرير تشير إلى أن دليل التنمية البشرية قد خسر 32,6% من قيمته المسجّلة قبل الأزمة، في حين تراجع ترتيب سورية العالمي على الدليل من المركز 113 إلى المركز 173 من بين 187 دولة.
يعتبر التعليم في حالة انهيار شامل مع وصول نسبة الأطفال غير الملتحقين بالتعليم الأساسي من إجمالي عدد الأطفال في هذه الفئة العمرية إلى 50,8% خلال العام الدراسي 2014-2015، في حين أن نصف الأطفال تقريباً خسروا ثلاث سنوات من التمدرس. وثمّة تفاوت واسع في معدّلات التمدرس في أنحاء البلاد، إذ يخلق النزاع حالة من عدم المساواة في الفرص التعليمية. وقد أسهم النزاع أيضاً في تنامي حالة عدم المساواة في التعليم بين المناطق المختلفة، في حين أن جودة التعليم تدهورت. وتقدر الخسارة من سنوات التمدرس بحلول نهاية العام 2014 بنحو 7,4 مليون سنة دراسية مما يمثل تراجعاً حاداً في رأس المال البشري، وتقدر هذه الخسارة بقيمة 5,1 مليار دولار أمريكي.
ما زالت الخسائر الفادحة في الأرواح البشرية من بين أكثر الجوانب ترويعاً وفظاعة في النزاع المسلّح، إذ ازدادت الخسائر البشرية خلال العام الماضي لتصل إلى 210000 إنسان فقدوا أرواحهم، كما يقدر عدد الجرحى بنحو 840000 إنسان. أي أن ما يُعادل 6% من السكّان المقيمين تعرضوا للقتل أو الإصابة أو التشوّه. وثمّة أمرٌ آخر لا يقل فظاعة يتمثّل في الكارثة الصامتة التي أسفرت عن تراجع العمر المتوقع عند الولادة من 75,9 سنة في 2010 إلى ما يُقدّر بـ 55,7 سنة بحلول نهاية العام 2014، أي إن مؤشر توقع الحياة تراجع بنسبة 27%.
لقد أصبح الشعب السوري مُجبراً الآن على العيش ضمن حالة مريعة من الاغتراب والاستلاب والاستثنائية، مع تعاظم الشرخ الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي بين الكثير منهم والمنخرطين في المؤسسات العنفية. وما زالت غالبية الناس تعيش في حالة من الاغتراب عن قوى التسلّط التي تمكّنت من تطويع بعض الناس في آلة الحرب والاضطهاد والترهيب، التي أدّت أصلاً إلى هدر القيم الإنسانية للسوريين، وأرواحهم البشرية، وحياتهم. ورغم أن حالة الاغتراب والاستلاب تنجم في الغالب من الإقصاء، والخوف، والخضوع، واللامبالاة، وفقدان الأمل، واليأس، ما زال هناك أناس ومؤسسات يرفضون العنف وحالة الاغتراب. وهؤلاء لا يزالون يكافحون سلمياً ضد قوى الإخضاع والتغريب، الداخلية منها والخارجية.

إضافة تعليق

Your email is safe with us.
Rating
3.0 Your Score

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

بطاقة التعريف

  • العنوان:
    سورية الاغتراب والعنف – تقرير يرصد آثار الأزمة السورية خلال العام 2014
  • نوع المنشور:
    Report
  • Author:
    مجموعة من الباحثين
  • الناشر:
    المركز السوري لبحوث السياسات
  • تاريخ النشر:
    2015
  • القطاعات:
    الإغاثة الإنسانيّة
  • رابط القراءة:

    القراءة الآن

إضافة تعليق

Your email is safe with us.
Rating
3.0 Your Score

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Rawabet طلب التسجيل في منصة

X