العملية الدستورية في سوريا: كيف يمكن الاستفادة من التجربة العراقية؟
جهة النشر: Syrians for Truth and Justice سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
الطريق نحو دستور سوري جديد: كيفية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى (1)
1. مقدمة:
نفذت “منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وبدعم من الصندوق الوطني لدعم الديمقراطية NED، عدداً من الجلسات الحوارية، تحت عنوان (الطريق نحو دستور سوري جديد: كيفية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى). وذلك بهدف إطلاع مجموعة متنوعة من السوريين والسوريات على تجارب أربع دول مختلفة؛ منها بلدان يبدو أنّها نجحت إلى حدّ ما في التعامل مع قضيّة التنوع والتضمين/الشمولية وعدم التمييز أثناء عملية وضع الدستور، ودول يمكن اعتبار تجربتها كانت ناجحة جزئياً، ودول أخرى تمّ تقييم تجربتها على أنها تضمنت خطوات تمييزية وإقصائية ضدّ فئات معينة من مواطنيها.
جاءت فكرة هذه الحوارات، كاستكمال لفكرة لقاءات أخرى بدأت في أعوام 2020 و 2021، تحت اسم “أصوات سورية لدستور يشمل الجميع“، والتي هدفت إلى تعزيز عملية صياغة دستور سوري أكثر شمولاً، بما يضمن تمثيل المجتمعات المهمشة والأقليات جنباً إلى جنب مع باقي السوريين/ات. وصدرت مجموعة من الأوراق تمحورت حول:
- آلية تشكيل وعمل اللجنة الدستورية السورية؛
- قضية الشمولية/التضمين والتعددية؛
- العدالة الانتقالية والعملية الدستورية في سوريا؛
- الحوكمة والنظم القضائية؛
- العدالة الاجتماعية – الإيكولوجية والتجارب الشخصية.
لقد توزعت الفئات المستهدفة في جلسات مشروع عام 2021 في مناطق شمال شرق سوريا وغربها بشكل أساسي، مع مراعاة التنوع الجندري والاثني، فقد تم إشراك النساء إلى جانب الرجال، والكرد إلى جانب العرب والايزديين والآشوريين والأرمن والسريان وغيرهم من المجموعات العرقية المختلفة. وتمّ التركيز بشكل خاص على الأفراد الذين لم يشاركوا/ن في أي اجتماعات مماثلة حول العملية الدستورية في سوريا.
وكجزء من المشروع، سوف يتم نشر أربعة أوراق لدراسة وإسقاط التجربة الدستورية لكل من (العراق وتركيا ولبنان والبوسنة والهرسك) على الحالة السورية وتقديم توصيات فيما يتعلق بقضايا المواطنة والتنوع وإدماج الأقليات وإشراك أوسع لهم في العملية الدستورية في سوريا.
تخصص “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، الورقة الأولى هذه، لمناقشة التجربة العراقية. وبعد عدّة جلسات نقاشية في أواخر شهر أيار/مايو 2021، مع المشاركين/ات وعدد من الخبراء العراقيين، بهدف الاستفادة من النقاط الإيجابية لتلك التجربة ومحاولة التعامل مع بعض الجوانب الإشكالية لها والتي نتجت عنها آثار سلبية، وذلك بغية العمل على تجنبها في السياق السوري.
2. الدستور كعقد اجتماعي:
بالنظر الى الواقع السياسي في الكثير من الدول وأهم الأحداث فيها، كالحروب والنزاعات الداخلية والثورات، التي تلت نشوء العديد من البلدان بعد سقوط ممالك وامبراطوريات أو استقلالها من الدول المستعمرة، بدا من الواضح أن الهويات الوطنية المصطنعة حديثاً في هذه الدول بحدودها السياسية الحالية لم تمثل كل فئات المجتمع بسبب تنوعها الشديد، ولم تتسق مع رغبات جميع شعوب المنطقة، بل عكست في معظم الأحيان الهوية القومية للغالبية الأقوى التي فرضت على باقي فئات المجتمع. وتزامن ذلك مع محاولة محو هوية باقي الأقليات والفئات الضعيفة الأخرى، وصهرهم في هوية قومية غير هويتهم الأصلية. وهو ما أدى إلى خلق صراعات لم تخمد بعد أو مازلنا نشهد تبعاتها في معظم هذه الدول. فخلال العقد الماضي، شهدنا عدد من الاستفتاءات التي دعت للتصويت على استقلال أقاليم ومناطق متعددة حول العالم للمطالبة بحقها في تقرير المصير كما في كتالونيا واسكوتلندا وإقليم كوردستان العراق، وتلا ذلك تبعات سياسية واقتصادية قاسية تجاه الشعوب التي نادت بتقرير مصيرها.
مواضيع عديدة أخرى كاحتكار الهوية الوطنية من قبل فئة معينة دون غيرها وفرض شكل محدد من الهوية على الآخر المختلف أو الاستحواذ والانفراد بالسلطة وغيرها من جذور المشاكل العالقة في معظم الدول التي ظهرت (بشكلها الحالي) في النصف الأول من القرن الماضي (من بينها سوريا والعراق وتركيا وإيران) كلها قضايا ذات أبعاد دستورية لا بد من فهمها قبل البحث عن أي حلول لها، وأي حلول مقترحة لتلك القضايا لابد لها أن تتضمن معالجة دستورية عميقة قبل كل شيء.
كيف استطاعت الديكتاتوريات في كل من سوريا والعراق وغيرها من البلدان من الحكم لعقود دون منافس حقيقي؟ هل هكذا سلطة تعتبر شرعية وكيف يمكننا قياس ذلك؟ أين تكمن شرعية السلطة، من أين تستمد ومتى تفقد؟ ما المقصود به من مفهوم “سيادة القانون” وكيف يمكن تحقيقه؟ ما المؤسسات المطلوبة؟ وما القوى والسلطات التي يمكن أن يتمتعوا بها؟ وما دور المواطن ومفهوم المواطنة في كل ذلك؟ |
تم طرح الأسئلة أعلاه، لتكون محوراً للنقاش والذي من خلاله كان السعي إلى خلق فهم أعمق لمفهومي “الدستور” و”شرعية السلطة”، وذلك قبل الخوض في رحاب التجربة الدستورية العراقية لاستخلاص ما يمكن الاستفادة منه أو تلافيه في أي تجربة مستقبلية لصياغة دستور سوري يتناسب مع قيم القرن الواحد والعشرين ويحترم مبدأ سيادة القانون كأساس لشرعيتها.
قبل البدء بمقارنة التجارب الدستورية للدول والخوض في ما تتضمنها تلك الدساتير من مفاهيم ومعايير وحقوق أو حريات، كان من المفيد جداً العودة إلى النظريات والتيارات الفكرية التي تعتبر أصول الدساتير الحديثة. ولعل القرن السابع عشر للميلاد هي نقطة البداية الأنسب لخدمة الغاية المرجوة من هذا المشروع.
في النصف الثاني من القرن السابع عشر، ظهرت عدة نظريات اجتماعية وسياسية، عرفت فيما بعد بـ”نظريات العقد الاجتماعي”، والتي مهّدت لنشوء تيارات فكرية ذات تأثير عميق على مفاهيم السلطة والمواطنة والشرعية كما نعرفها اليوم. ومن أهم تلك النظريات، هي نظريات الفلاسفة البريطانيين: أمثال توماس هوبز – Thomas Hobbes [1] وجون لوك – John Locke[2] ، إضافة إلى آخرين منهم الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو – Jean Jacques Rousseau[3]، والذين استندوا إلى فرضيات مختلفة عن الطبيعة البشرية والنموذج الأمثل لمجتمع يتم فيه تحديد العلاقة بين الأفراد والسلطة بما يعرف بـ”عقد اجتماعي”، تستمد السلطة شرعيتها من خلاله، وتحديداً من هؤلاء الأفراد، وذلك بما يصون مصالحهم كأفراد أو جماعات بأفضل شكل ممكن.
بعض تلك النظريات أسست لتيارات فكرية ألهمت وساهمت في صياغة مبادئ الثورة الفرنسية عام 1789 وكذلك الثورة الامريكية عام 1765.
3. المفهوم الحديث للدستور:
الغالبية العظمى، إن لم يكن الكل، من دول العالم لديها ما يسمى بـ”الدستور”، والذي يعتبر القانون الأسمى في تلك البلدان، وعلى الرغم من التقارب الشديد بين هذه الدول من حيث فكرة وماهية الدستور بشكل عام، لكنها قد تختلف في شكلها وما تتضمنها من دولة لأخرى.
تتشكل الدساتير بعد الأحداث الكبيرة ذات التأثير على الهوية الوطنية (واعتبار مجموعة ما شعبًا)، وغالبًا ما تصاغ الدساتير في لحظات حاسمة في تاريخ المجموعات البشرية معتبرةً بداية جديدة تُعرف باللحظة الدستورية. وأفضل الأمثلة ع لى هذه الأحداث الكبرى قد تكون الحروب، كالحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، أو الثورات وحركات الحرية والاستقلال، كالثورة الفرنسية التي ألهمت فيما بعد تشكيل الدساتير في جميع أنحاء أوروبا، والثورة الأمريكية التي أدت إلى الاستقلال عن القوة الاستعمارية والتي كانت حينها المملكة المتحدة. ومن اقرب الأمثلة للسياق السوري قد يكون ما سمّي لاحقاً بـ”الربيع العربي”.
وبعكس ما هو شائع، فإنه ليس بالضرورة أن يكون الدستور مكتوبًا أو مجمّعًا في مستند واحد، إذ قد يستند إلى ما تتضمنه اتفاقيات دولية أو إقليمية ملزمة وكذلك أعراف أو عادات غير مكتوبة بالضرورة. فعلى سبيل المثال المملكة المتحدة لم يتمّ جمع قوانينها الدستورية في وثيقة واحدة بعد.
أما غالبية الدول فهي بالفعل تمتلك دستوراً جمع كتابةً في مستند أو وثيقة واحدة. عموماً هكذا مستند يكون جامداً ويصعب تعديله، ويتصف بطبيعة عليا إلى حد ما، كما ويقوم بتحديد شكل الدولة ونظام الحكم فيها. يتضمن ذلك على مجموعة من القواعد التي تحكم صياغة القوانين، وهيكلية الحكومة ومؤسساتها وفصل السلطات وتعيينها داخل الدولة. بالإضافة إلى ما سبق، فإن إحدى أهم وظائف الدستور هي تحديد الحريات والحقوق الأساسية للأفراد وحمايتهم. ولكنه من الضروري الإشارة هنا إلى انه حتى في تلك الدول التي تمتلك وثيقة واحدة تسمى بالدستور فإن ما تنص عليه تلك الدساتير قد تختلف تماماً عن مثيلاتها في دول أخرى من حيث توزيع السلطات والفصل فيما بينها وتعيين الحقوق والواجبات المترتبة على الأفراد والمؤسسات، بالإضافة إلى تحديد شكل الدولة ونظام الحكم فيها.
4. الدستور وشكل الدولة ونظام الحكم:
لمعرفة شكل الدولة أو نظام الحكم الذي تبنته أي دولة، من البديهي للمرء أن يشير إلى دستور ذلك البلد وينظر ببساطة إلى كيفية توزيع السلطات داخل هيكلية الدولة. إذ يتكون هذا التقييم من خطوتين أساسيتين، ألا وهما: أولاً: توزيع القوى والسلطات بشكل عمودي أو رأسي بين المركز والأطراف، محددة بذلك شكل الدولة سواء أكانت مركزية أو لا مركزية على اختلاف درجاتها، كسوريا التي تعتبر دولة شديدة المركزية، حيث نرى كافة القوى والسلطات متمركزة في العاصمة، على عكس جمهورية العراق التي تبنت النموذج الفدرالي/الاتحادي. ثانياً: التوزيع والفصل الأفقي بين المؤسسات الأساسية في هيكلية القوى في الدولة، كالسلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية، وتحديد حجم القوى الممنوحة لها على حساب الأخرى من تلك المؤسسات، الأمر الذي يميز نظام الحكم فيما إذا كان على سبيل المثال، رئاسياً كما في الولايات المتحدة الأمريكية، أو برلمانياً كما هو الحال في هولندا وكندا وبريطانية.
بعض هذه الدساتير تولي أهمية أكبر لمفهوم الهوية الوطنية من غيرها، وعادة ما تظهر على شكل قصة سردية في ديباجتها، كالدستور الصيني،[4] وفي معظم الأحيان تكون هذه القصة تجسيداً لفكر فئة معينة في موقع السلطة دون غيرها من باقي فئات المجتمع الواحد. أما البعض الآخر فقد لا يحتوي حتى على ديباجة بل ويدخل مباشرة وبشكل عملي في صلب المواد التي تنص على الحقوق الأساسية، كالدستور الهولندي.[5]
حرصت بعض الدساتير على إدراج مواد وفقرات غير قابلة للتعديل لحمايتها من التغيير أثناء التقلبات السياسية كرد فعل طبيعي على تجاربها التاريخية، كما في الدستور الألماني.[6] حيث ينصّ في البند الثالث من المادة 79 على عدم السماح لطرح أو قبول أي تعديل على بنود الدستور المتعلقة بفدرالية الدولة الألمانية كاتحاد أو حق مشاركة كافة الولايات في العملية التشريعية.[7]
وعليه فقد يكون من الضروري في بعض الأحيان لهذه الدساتير من التحلي بالصلابة أو الجمود كشكل من أشكال الحماية لبعض المفاهيم والمبادئ الأساسية من التغيير بسهولة، ولكنها قد تستعمل أيضاً في تكريس سلطة شخص أو فئة معينة أو مفاهيم عنصرية أو تمييزية ضد أقليات أو فئات وأفراد آخرين ضمن تلك المجتمعات، مما قد تكون حتى سبباً في نشوء النزاعات في المستقبل بسبب التغييرات الاجتماعية والفكرية والسياسية. وهنا تكمن أهمية إدراكنا لمدى حساسية وصعوبة صياغة أو تعديل وثيقة كدستور بلدٍ ما بحيث تضمن مفهوماً أشمل وأعدل للمواطنة المبنية على المساواة واحترام الآخر وتكون صالحة في الحاضر والمستقبل في ظل مبدأ سيادة القانون.
5. تمهيد حول سياق تجربة كتابة الدستور العراقي عام 2005:
قسّم الباحثون/المؤرخون مراحل عمر الدولة العراقية منذ نشوئها إلى ثلاثة مراحل مختلفة ومفصلية:
- المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل استحواذ حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة (أي الفترة الممتدة ما بين عام 1921 حتى العام 1968):
بعد انتهاء الاحتلال العثماني، وبتاريخ 25 أبريل/نيسان 1920، وضع العراق تحت الانتداب البريطاني، وأصبحت دولة مستقلة في العام 1932، ولكّنها بقيت دولة ملكية من سنة 1921 حتى العام 1958، حين أعلنت الجمهورية آنذاك. شهدت تلك الحقبة، وتحديداً في عام 1925، كتابة أول دستور، عُرف آنذاك باسم “القانون الأساسي العراقي لعام 1925”. وهي الوثيقة التي اعترفت بشكل صريح بتنوع العراق حيث قالت في مادتها السادسة: “لا فرق بين العراقيين في الحقوق أمام القانون، وإن اختلفوا في القومية، والدين واللغة.”[8] وكان من اللافت أيضاً، أنّ دستور عام 1925 ضمن حرّية الاعتقاد التامة لجميع سكان العراق حيث قال في مادته الثالثة عشرة ما يلي: “الإسلام دين الدولة الرئيسي، وحرية القيام بشعائره المألوفة في العراق على اختلاف مذاهبه محترمة لا تمس، وتضمن لجميع ساكني البلاد حريّة الاعتقاد التامّة، وحرية القيام بشعائر العبادة وفقاً لعاداتهم..”. وبالرغم من أنّ المادة السابقة لم تذكر صراحة الديانات الأخرى مثل المسيحية والأيزيدية والصابئة، إلا أنّ القانون الأساسي ضمن حريتهم في ممارسة شعائرهم، وفقاً لتلك المادة (على الأقل نظرياً).
ورغم اعتراف “القانون الأساسي/الدستور” بالاختلاف والتنوع، بل وضمان حرية الاعتقاد للجميع، شهدت هذه الحقبة مذابح وعمليات تهجير مختلفة ضدّ طوائف وأديان ومجموعات دينية محددة، في عمليات وصفّت بالمنظمة. ففي عام 1933، قامت الحكومة العراقية في عهد “رشيد عالي الكيلاني” بالمذبحة التي عرفت باسم “مذبحة سميل”، بحق الأقلية الآشورية في لواء الموصل سابقاً، ونتج عنها مقتل ما لا يقل عن 3000 آشوري/ة في أكثر من 60 قرية. في تلك الحقبة أيضاً، وتحديداً في العام 1950، بدأت عمليات التهجير المنظمة بحقّ اليهود العراقيين، وكانوا يشكلون نخبة المجتمع وعماد الطبقة الوسطى في جنوب العراق ووسطه، حيث تمّ تهجير حوالي 130 يهودي من تلك المناطق، و20 ألف فلاح يهودي من يهود كردستان العراق.[9]
- المرحلة الثانية: وهي مرحلة حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، والممتدة من عام 1968 حتى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003:
حكم حزب البعث و”صدام حسين”، من خلال نظام عنيف وفاسد لأكثر من 35 عاماً، شاع فيه التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري. ولا يزال هناك حوالي 300 ألف عراقي في عداد المفقودين منذ تلك الفترة. عدا عن ذلك، تميز حكم “صدام” تحديداً، بحملات عنيفة ضد المجموعات العرقية والدينية المهمشة في العراق. وكان من بينها حملة “الأنفال” للإبادة الجماعية في مرتفعات كردستان العراقية. والتي امتّدت من شهر شباط/فبراير إلى أيلول/سبتمبر 1988، حين اعتقل وأعدم النظام العراقي أكثر من 100 ألف مواطن كردي آنذاك. أما في الجنوب العراقي، فقد قمع النظام بشكل ممنهج السكان المسلمين الشيعة. وقام بطرد ما يقدر بنحو نصف مليون شخص إلى إيران. فيما سجن أو أخفي قسرياً بين 50 و 70 ألف مدني؛ وقمع بقسوة انتفاضة 1991 التي تم خلالها اعتقال وإخفاء وإعدام الآلاف بإجراءات موجزة.[10]
- المرحلة الثالثة: مرحلة الغزو الأمريكي، ابتداءً من العام 2003، وهي المرحلة التي كُتب فيها دستور العراق عام 2005:
وهي المرحلة التي كُتب فيها الدستور العراقي الحالي، أو ما يُعرف باسم “دستور عام 2005″، حيث جاءت كتابة مسودّته في ظروف سياسية وأمنية أقل ما توصف به هو أنها غير طبيعية، الأمر الذي كان له آثار واضحة على بنود هذه المسودة. ولغرض كتابة الدستور آنذاك، شكّلت لجنة أعقبت حدوث انتخابات قاطعها العرب السنّة، وهو ما أثر على نسبة تمثيلهم فيها، وارتفعت آنذاك أصوات ومناشدات لزيادة التمثيل العربي/السنّي في تلك اللجنة، وعدم اقتصارها على العربي/الشيعي والكردي، وهو ما تمّ نسبياً بعد ذلك.
وأثناء النقاشات التي أفضت إلى كتابة مسودة الدستور، سيطرت على أعضاء لجنة الصياغة رؤيتان متباعدتان تتعلقان بالنظرة إلى فلسفة نظام الحكم في عراق ما بعد صدام حسين، النظرة الأولى: كان يتبناها الأكراد والشيعة وتتأسس على مبدأ توزيع السلطات والثروات بين الأقاليم في شكل فيدرالي وعدم تمركزها بيد حكومة مركزية واحدة خوفا من تكرار تجربة الحكم الشمولي المستبد على حد وصفهم. في حين كان للعرب السنة رؤية مغايرة (النظرة الثانية) تقوم على إيجاد حكومة واحدة تتبع أسلوب اللامركزية وذلك خشية من أن يؤدي توزيع السلطة والثروة كما يريدها الشيعة والأكراد إلى تقسيم العراق ونشوب حروب أهلية بين الأقاليم والمحافظات.[11]
وقد مهّدت “تعديلات اللحظة الأخيرة” على مسودة الدستور للتصويت بنعم عليه، وإقراره، والتي تضمنّت: تأكيد ضمان وحدة العراق واعتباره بلد متعدد القوميات. كما أكدت على أنه جزء من العالم الإسلامي وعلى دوره المؤسس والفاعل في الجامعة العربية. وأكدت كذلك على استخدام اللغة العربية الى جانب الكردية في إقليم كردستان. وتطرقت التعديلات الجديدة إلى الجنسية والمواطنة …ألخ.
علّق أحد الخبراء العراقيين خلال الجلسات التي نفّذتها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، على التجربة العراقية في كتابة دستور عام 2005 بالقول أنّه وبرغم الإيجابيات الموجودة في الدستور العراقي الذي تمّ تبنّيه في تلك الفترة، إلاّ أنّه يُعتبر من الدساتير الجامدة (غير المرنة)، وكتب “بعقلية المعارضة”، واستشهد الخبير بالمادة 142 التي اشترطت موافقة موافقة “أغلبية المصوتين وإذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر”، بعد عرض التعديلات على مجلس النواب وتمريرها بالأغلبية المطلقة. وبالتالي فإن قيمة ثلثي ثلاث محافظات في هذا السياق، تعادل قيمة 18 محافظة عراقية! وهذه المادة كتبت حسب مخاوف السياسيين الكرد من أي عملية تعديل دستورية وبالتالي ضمان ثقلهم السياسي من خلال حصر بطلان التعديل الدستوري برفض ثلثين ثلاث محافظات ( إقليم كردستان هو الأقرب لهذا الوصف الجغرافي).
وفيما يتعلق بمادة اجتثاث البعث في مسودة الدستور الأولى، فقد تم صياغة فقرة تميز بين البعثيين السابقين والتفريق بين من ارتكب منهم جرائم ومن لم يقم بها بحق الشعب.[12]
وبتاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر 2005، تمّ التصويت على النسخة النهائية المعدّلة من الدستور بنعم. والذي أكّد في مادته الأولى أن العراق “دولة اتحادية” رافضاً سنّ أي قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية وثوابت أحكام الإسلام، معترفاً بأنّ العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب.
6. لمحة عن سياق محاولة كتابة دستوري سوري جديد:
يبدو إنّ السياق الذي مرّت فيه الدساتير السورية المتعاقبة تاريخياً، لا يختلف كلّياً عن السياق الذي تمّ تبنّي الدساتير العراقية فيه، رغم اختلاف مضامين تلك الدساتير عن بعضها البعض. ففي عام 1946، استقلت سوريا من الانتداب الفرنسي، ومرّت في فترة عُرفت بمرحلة الانقلابات العسكرية والتغيرات الدستورية التي رافقتها، تخلل ذلك قيام الوحدة بينها وبين جمهورية مصر عام 1958، والانفصال عام 1961. وكذلك وصول البعث للحكم في سوريا بانقلاب عسكري في عام 1963.
في عام 1971 وصل الرئيس السوري السابق “حافظ الأسد” إلى سدة الحكم بانقلاب عسكري آخر تحت مسمّى “الحركة التصحيحية”، فرض من خلال دستور عام 1973، السيطرة التامّة لشخصه وحزب البعث العربي الاشتراكي على البلاد. وقد استمر العمل بدستور عام 1973، حتى عام 2012، أي بعد انطلاقة الانتفاضة السوريّة، والتي مثّلت جزءاً مما اصطلح على تسميته باسم “الربيع العربي”.
7. الدستور السوري وانتفاضة عام 2011:
بدأت فكرة العمل على الدستور السوري الحالي أي دستور عام 2012 [13] في النصف الثاني من عام 2011، استجابة للانتفاضة السورية التي اندلعت في آذار/مارس 2011، والتي خرجت إثرها احتجاجات في معظم أنحاء البلاد. تزامن ذلك مع وعود من الرئيس السوري بشار الأسد بإجراء مجموعة من “الإصلاحات”، وألمح إلى إجراء إعادة صياغة للدستور، أو على الأقل إدخال تعديلات مهمة على أحكامه.
وبالفعل، وفي تاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر عام 2011، أصدر الرئيس السوري، بشار الأسد، المرسوم الجمهوري رقم 33 القاضي بتأليف لجنة إعادة كتابة الدستور، المكونة من 29 عضواً. وفي 27 شباط/فبراير 2012، صدر المرسوم التشريعي رقم 94 الذي أقرَّ بالمصادقة على دستور “الجمهورية العربية السورية” الجديد لعام 2012، بعد إجراء استفتاء بتاريخ 15 شباط/فبراير 2012. لكن ذلك لم يستطع أن يهدئ ثورة الجماهير الغاضبة بل على العكس فقد قوبل بانتقادات لاذعة، وذلك لأنه حافظ على غالبية أحكام ومواد الدستور السابق ما دفع النقاد للقول بأنه مجرد دستور معدَّل وليس بجديد. وتفاوتت ردود الأفعال الدولية تجاه الدستور بين راضٍ كروسيا وممتعض كفرنسا التي وصفت، إلى جانب دول غربية أخرى، عملية الاستفتاء على الدستور بـ”المهزلة” في ظل استمرار العمليات العسكرية في البلاد.
وعلى الرغم من أن هذا الدستور قد تمت صياغته نتيجة الضغط الذي أفرزته الاحتجاجات الشعبية التي ملأت الشوارع في ربيع 2011، إلا أنه لم يكن قادراً على تجاوز إرث وتركة الماضي من التهميش والإقصاء للسوريين عموماً، ولمكونات وقوميات معينة خصوصاً، إذ نجد أنه جاء نسخة مستنسخة من دستور 1973، الذي جثم على صدور السوريين وحبس أنفاسهم لعقود من الزمن،[14] فإجراء مقارنة بسيطة بين الدستورين نجد أنه لا تباين يستحق الذكر، فنصوص المواد في الدستورين تتشابه كثيراً إلى حد التطابق في غالبية العبارات والجمل، وأحياناً في أرقام المواد أيضاً، فكلا الدستورين أطلقا اسم “الجمهورية العربية السورية” على الدولة، وهي جزء من الوطن العربي وشعبها جزء من الأمة العربية، ونظام الحكم جمهوري ودين رئيس الدولة هو الإسلام، واللغة العربية هي اللغة الرسمية في البلاد،[15] وكذلك الحال بالنسبة للمبادئ الاقتصادية والاجتماعية والمبادئ التعليمية والثقافية والمبادئ المتعلقة بالحقوق والحريات وحق التقاضي وسيادة القانون، وتنظيم صلاحيات سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، حتى أن التعداد الكلي لأرقام المواد في الدستورين تكاد تكون متوافقة.[16]
ولم تكن التعديلات على دستور عام 2012، التي ألغت قيادة “حزب البعث العربي الاشتراكي” للدولة والمجتمع، وتلك المتعلقة بعدم جواز تولي الرئاسة لأكثر من دورتين متتاليتين، وتحديد مدة كل دورة رئاسية بسبع سنوات، دون حساب السنوات التي قضاها الرئيس السوري بشار الأسد في الرئاسة منذ عام 2000، سوى محاولة يائسة من السلطات الحاكمة لذرّ الرماد في العيون.
لاحقاً وبعد مرور عدّة سنوات، وبموجب القرار الأممي رقم (2254) أُنشئت “اللجنة الدستورية السورية”، وتمَّ الإعلان عنها رسمياً بعد “مؤتمر الحوار الوطني” الذي انعقد في سوتشي/روسيا عام 2018، (بعد توافق روسي/تركي/إيراني).
وذلك كجزء من استراتيجية دولية لحل النزاع السوري صيغت على شكل أربع سلال (أربع ملفات) وهي: إنشاء حكومة انتقالية غير طائفية ذات مصداقية، ووضع جدول زمني لمسودة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد وضع دستور، وذلك خلال 18 شهراً، تحت إشراف الأمم المتحدة، وخوض حرب موحدة ضد الإرهاب. وعلى الرغم من أنَّ السلال الأربع هي على ذات القدر من الأهمية ترى اللجنة أنَّ عملية كتابة الدستور أوتنقيحه لا بدَّ منها لتحديد الخطوات اللازمة لتنفيذ السلال الأخرى. وبينما وصف الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” المساعي الدستورية بأنها جزء من عملية سلام “يملكها ويقودها السوريون“، كان هناك جدل كبير دائر، ومازال، حول فئات الشعب السورية الممثلة في اللجنة الدستورية، والدور الذي لعبته القوى الأجنبية في اختيارهم. فقد حدث أن تدخلت كل من تركيا وروسيا في عملية اختيار الأعضاء المشاركة في اللجنة الدستورية، الأمر الذي يجعل من الواضح أنَّ تأثير القوى الأجنبية لم يتوقف عند الصراع السوري فحسب بل امتد إلى عملية بناء السلام في سوريا. إنّ تدخل القوى الأجنبية وخاصة (روسيا وتركيا)، لم يكن متناسباً مع ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة، حيث يجد العديد من السوريين/ات أنفسهم مستبعدين من هذه العملية. فعلى سبيل المثال، وليس الحصر، وبحسب معهد الشرق الأوسط،[17] فإنَّ اللجنة الدستورية متحيزة وبشدة ضدَّ الكرد الذين يمثلون 4 % فقط من مجموع أعضائها، وهذه النسبة تمثل أقل من نصف عددهم بالنسبة للتعداد السكاني في سوريا ككل.
8. الخوض قليلاً في التجربة العراقية الدستورية:
- هيكلية الدولة – انتقال من نظام مركزي صارم إلى نظام فيدرالي:
الفدرالية لغة؛ تعني الاتحادية ويرجع أصلها الى الكلمة اللاتينية فيها Feuds، ومن الناحية السياسية تفترض الفدرالية قيام نوع من الاتحاد الطوعي بين كيانات سياسية “منفصلة” أو قوميات أو أعراق متباينة قررت العيش في كيان سياسي. أمّا في الحالة العراقية فتعني إعادة تكوين نظام سياسي يسمح لممثلي مكونات المجتمع العرقية والدينية والمذهبية بالمشاركة والحوار والتباحث بشأن مصالحهم ومطامحهم والاقتسام الدستوري للصلاحيات وتوزيع الثروات الوطنية على أسس عادلة.[18]
تم طرح النظام الفيدرالي في العراق لأول مرة عام 1991، من قبل معارضي “صدام حسين” بعد حرب الخليج الثانية، حيث رأوا في اللامركزية حلاً لعدم تكرار تجربة مجازر نظام البعث بحقهم. وتصاعدت مطالب التحول إلى نظام فيدرالي بشكل أكبر بعد هذا التاريخ وبعد مطلب الكرد بالحصول على “الحكم الذاتي” الذي حدث بالفعل، وأيضاً بدأت ملامح الحاجة في إرساء نظام حكم يتناسب مع الإدارات والمكونات واحتياجاتها المختلفة بالظهور أكثر فأكثر بعد ذلك التاريخ.[19]
سبق ذلك تفاهمات ما بين المركز وإقليم كردستان بقيادة “الملا مصطفى البارزاني”، قائد الحركة الثورية الكردية، ففي عام 1970، تمّ توقيع اتفاقية سلام بين ما سمّي وقتها “مجلس قيادة الثورة” و”الملا مصطفى البارزاني”. وفي 1974 العراق مُنح الأكراد بموجب اتفاقية 1970 حكماً ذاتياً محدوداً.[20]
لقد كان الهدف الأساسي من اعتماد “النظام الفيدرالي” في دستور عام 2005، هو بناء نظام لامركزي يتبع لبغداد، مع الأخذ في الاعتبار أن احتياجات كل محافظة تختلف عن الأخرى، ولكن الحقيقة السياسية والدوافع الاجتماعية، والسياق التاريخي وموازين القوى، حددت العلاقة ما بين “إقليم كردستان” والحكومة الفدرالية وجعلته واقع فرض نفسه وبالتالي دفعت إلى وجود نظام فيدرالي.
تمّ التأكيد على اتحادية/فدرالية العرق في المادة الأولى من دستورها الدائم عام 2005، وفصّلت المادة 116 في شكل تلك الفدرالية حيث قسّمت البلاد إلى عاصمة وأقاليم ومحافظات لامركزية وإدارات محلية، معلناً في المادة 117 إقليم كردستان العراق مع سلطاته القائمة إقليماً اتحادياً، ومعترفاً بالأقاليم التي قد تؤسس في المستقبل وفقاً لأحكام الدستور.[21]
يؤيد عدد غير قليل من الخبراء نظرية ملائمة النظام الفدرالي لبلد متنوع مثل العراق، من حيث إعطائه حرية للمجتمعات في تحديد كيفية التصرف في بعض المجالات والقضايا المحلية ضمن نطاق استراتيجي واسع، فقد ألزمت المادة (109) السلطات الاتحادية (المركز) على المحافظة على وحدة العراق وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي، وحددت دور تلك السلطة ووضعت في يديها حصرية التعاطي مع قضايا، منها أن تكون السلطة الاتحادية مرجع الأقاليم في السيادة والأمن القومي ومسؤولة عن الدفاع والسياسة الخارجية وتكون ممثلة عنه على الساحة الدولية، وأيضا السياسة المالية ووضع الميزانية العامة للدولة. (المادة 110).
كما ذكر الدستور بعض الاختصاصات المشتركة بين السلطة الاتحادية والأقاليم، مثل إدارة الجمارك، وتنظيم مصادر الطاقة الكهربائية والمائية ورسم السياسات الصحية والتعليمية، إضافة إلى السياسيات التنموية والتخطيط العام. (المادة 114). وكل ما لم يتم نصه في الدستور غير ذلك فهو من اختصاصات الأقاليم.
ومنح دستور عام 2005، الأقاليم حق كتابة وإنشاء دساتير يحدد هيكل سلطات الإقليم، وصلاحياته، وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، على أن لا يتعارض مع الدستور نفسه. (المادة 120). ثمّ أعطى الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لأحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية. (المادة 121)، وأيضاً الحق في إنشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي للإقليم كالشرطة والأمن وحرس الإقليم. [22]
من الناحية التطبيقية، أي بعد إقرار الدستور، استمرت مؤسسات الدولة بالعمل دون وجود رؤية موحدة لكيفية عمل نظام الحكم، أي افتقدت الدولة إلى فترة انتقالية، تتيح التمايز ما بين سلطات المركز والإقليم، حيث عملت مؤسسات “المركز” بحسب تفسيرهم الخاص للدستور ومواده، محاولة التحكم بإقليم كردستان، واعتبار أنّ بعض تصرفات الإقليم ترتقي إلى مستوى “الحكم الذاتي”، وأنّهم سعوا للانفراد بعدد كبير من القضايا مثل المجال الجوي والموارد الطبيعية.
هذه القضايا لم تكن محصورة بين أربيل وبغداد، فقد رفضـت بعـض المحافظات سيطرة بغداد المطلقة، وسعت إلى الحصول على استقلالية أكبر في ممارسة أعمالها. أثّر كل ذلك بالتأكيد على سيادة القانون، مع رفض انصياع مؤسسات الدولة للدستور الذي يحكم عملها، فإدريا، أصاب الشلل عدة مجالات، وانهار مستوى الخدمات للمواطن وتعطلت المصالح الحكومية. [23]
- الحقوق و الحريات – كيف تعامل الدستور العراقي بعد العام 2003 مع هذه القضية:
ينظم الدستور الحالي (دستور عام 2005)، في الباب الثاني حقوق وحريات المواطن العراقي، حيث تقر المادة (14) بأن “العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي”، [24] وتسرد 32 مادة أخرى كافة الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والمدنية والسياسية التي سيتمتع بها العراقيون والتي احتوت على أغلب الحقوق والحريات التي وردت في المعاهدات والاتفاقيات الدولية. ولكن افتقر الدستور العراقي لأي مادة تقول بسمو الاتفاقيات والمعاهدات الدولية على القوانين المحلية.
وبالرغم من إيراد الدستور العراقي العديد من المواد التي تُعتبر ضمانات أساسية لحفظ الحقوق والحريات، إلاّ أنّه وضع في عدد من تلك المواد، كلمات وجمل تقيد تلك الحقوق وتجعلها عرضة لتفاسير مختلفة، منها على سبيل المثال ما ورد في المادة (38) التي كفلت حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر، حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون. ولكن “بما لا يخلّ بالنظام العام والآداب”، ويعتمد تفسير جملة “النظام العام والآداب”، لاجتهاد السلطة القضائية ومزاجية القضاة التي قد تختلف من قاضي/ة إلى آخر ومن محكمة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى. وتصبح تلك المواد مجرد إعلان مفرّغ من مضمونه.
وفي ظل غياب سلطة قضائية قوية (القضاء الدستوري)، قد يكون من السهل أن تستغل الحكومة تلك البنود لسلب ذلك الحق من المواطنين عن طريق التشريع، ولن تواجه الحكومة أي عقبات للحد من الحقوق الأساسية التي نص عليها الدستور.[25] نجد ذلك أيضا في نص المادة (46) التي تسمح بتقييد الحقوق التي وردت في الباب الثاني عن طريق القانون ونصت على أن: “لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها الا بقانون أو بناء عليه، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية”.[26]
إنّ التأكيد على على عدم مساس التقييد لجوهر الحق أو الحرية في المادة السابقة أمرٌ إيجابي، ولكنّه أيضاً يبقى عرضة للتفسير والاجتهاد وقد تختلف من جهة إلى أخرى.
أمّا بالنسبة للمساواة بين الجنسين، ذكرت ديباجة دستور العراق المرأة مرة واحدة فقط، وذلك في سياق الاهتمام بها وبحقوقها، دون مساواتها مع الرجل بشكل صريح واعتبارها كياناً مستقلاً. إلاّ أنّه، وفي الوقت نفسه، حظر أي نوع من أنواع التمييز بحقها (دون تخصيصها)، فقد أكّدت المادة (14) على أنّ: “العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي”.
لقد أعطت المادة (20) النساء العراقيات حقوق متساوية في المشاركة في الشؤون العامّة، إضافة إلى “التمتع بنفس الحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح. وفرض “كوتا/نسبة تمثيل نسائي” لا تقل عن الربع في مجلس النواب العراقي.
وخلافاً للحالة السوريّة، فقد اعتبر الدستور العراقي: (العراقي: كل من ولد لأب عراقي أو لأمٍ عراقية)، أي أنّه ساوى ما بين الرجل والمرأة في حق إعطائهما الجنسية لأولادهم. وهي المادة التي يجب تداركها في أي صيغة دستورية مستقبلية في سوريا، أي منح الجنسية السورية بشكل متساوي لأطفال السوري والسورية.
- التنوع و الشمول والتعامل مع الأقليات – كيف تعامل الدستور العراقي بعد العام 2003 مع هذه القضية؟
اعترف دستور 2005، بأن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب حيث تم ذكر ذلك في المادة الثالثة قائلاً: “العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب ..إلخ”. حيث جادل من المشاركين/ات في الجلسات التي عقدتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بإنّ القول في تلك المادة على أنّ العراق “عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها و جزء من العالم الإسلامي”، يعطي ذلك الإحساس بسمو عرق أو دين معين على باقي الأعراق والديانات الأخرى.
رغم تأكيد المادة (3) على تعدد العراق كبلد فيما يتعلّق بالقوميات والأديان، وهو ما يضفي نوعاً من المساواة للوهلة الأولى ما بين تلك القوميات والأديان، إلاّ أنّه سبق ذلك بإعلان “الإسلام” كدين رسمي للدولة ومصدر أساس للتشريع (المادة 2) مع التأكيد على عدم جواز سنّ أي تشريع يتعارض مع ثوابت “أحكام الإسلام”، التي قد تختلف من مذهب إلى آخر أو من مجموعة دينية مسلمة إلى أخرى، وترك المشرع “أحكام الإسلام” مطلقة بدون تفسير أو تقييد، مما سبب جدلاً بين عدّة أوساط عراقية.
من المفارقات العجيبة في المادة الثانية من الدستور العراقي هو حظر سنّ أي قانون يتعارض مع ثوابت “أحكام الإسلام” ومع “مبادئ الديمقراطية”. فيما يبدو أنّها محاولة لإرضاء أكبر شريحة واسعة من العراقيين/ات.
جادل عدد من المشاركين/ات في الجلسات التي عقدتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” حول هذه المادة، ورأت بعض الآراء في عدم جواز فرض أحكام دين محدد على اتباع الديانات الأخرى، فيما رأى البعض الآخر أنّ أحد الحلول قد تكمن في إعلان الإسلام كأحد مصادر التشريع إلى جانب الديانات الأخرى، وليس المصدر الأساس للتشريع، وذلك رغبة في عكس التنوع العراقي والتعددية الدينية والمذهبية الموجودة في ذلك البلد.
منحت المادة (41) العراقيين الحرّية في “الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم”، وهي نقطة تحسب للدستور العراقي، مؤكّداً في المادة (42) حرية الفكر والضمير والعقيدة لكل فرد.
أكدت المادة (2) على الحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب العراقي وأنه يضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والآيزديين والصابئة المندائيين .عدم ذكر باقي الأديان المختلفة واختزالها فقط في عبارة الحقوق الدينية لجميع الأفراد هو اعتراف خجول، وكان من الأفضل الإقرار بمختلف الأديان الذي يدين بها الشعب العراقي والاعتراف الدستوري الواضح بها. [27] كما أن التأكيد على الحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب العراقي بعد ذكر أن الإسلام هو دين الدولة في المادة رقم 2 قد يراه البعض أنه يعطي انطباع بتفضيل دين معين على اديان باقي المكونات العراقية.
امتدادا للحق في الاعتقاد والحريات الدينية، نص الدستور العراقي في المادة رقم 43 أن أتباع كل دين أو مذهب أحرار في ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية. انفراد المشرع بتلك الشعائر بالذكر كأنها مختلفة أو مميزة فسر ذلك بعض المحللين هو أن كاتبو الدستور (المشرع) أراد حمايتها بنص دستوري ملزم.
اعترف الدستور العراقي بحقوق التحدث باللغة الأم لمكوناته المختلفة، فتم الاعتراف باللغة الكردية إلى جانب اللغة العربية معتبرةً إياهم كلغتين رسميتين للعراق، بالإضافة إلى ضمان حق العراقيين بتعليم ابنائهم بلغاتهم الأم، كالتركمانية والسريانية والأرمنية في المؤسسات التعليمية الحكومية وفقا للضوابط التربوية، أو بأية لغة أخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة .[28] كما أنه تم الاعتراف باللغة التركمانية واللغة السريانية لغتان رسميتان آخرين في الوحدات الادارية التي يشكلون فيها كثافة سكانية.
- العراق والعدالة الانتقالية:
تعرّف العدالة الانتقالية على أنّها مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي تقوم بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر، تقصي الحقائق وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات، أو مزيج من ذلك. وأي مزيج يتم اختياره يجب أن يكون متوافقاً مع المعايير والالتزامات القانونية الدولية.[29]
لم يتمّ تبنّي برنامج خاص بالعدالة الانتقالية في العراق، أي أنّه لم يتم تشريع قانون واحد جامع وخاص بها، بل يبدو أنّ مجموعة من الخطوات المتناثرة حدثت بعد عملية غزو العراق وتغيير نظام صدّام حسين، وهي تشبه إلى حد كبير عناصر برامج العدالة الانتقالية المتعارف عليها. وقد تعددت القرارات والقوانين والمؤسسات المختلفة التي تمّ إصدارها خاصة من قبل “هيئة مجلس الحكم المؤقتة”، وكان من بين تلك القرار “تطهير المجتمع من حزب البعث لإخراج جميع البعثيين من القيادات العليا والتحقيق معهم، وحظر عملهم مستقبلاً في القطاع العام”. تمّ أيضاً بموجب تلك القرارات، حل كيانات حزب البعث ومؤسساته، إدارة ممتلكاته وأصوله، والتحقيق مع البعثيين المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان.[30]
أيضاً في ذات السياق، تمّ إنشاء هيئة المساءلة الوطنية والعدالة (هيئة الاجتثاث من 2003 حتى 2008)، والتي يمكن اعتبارها أولى مؤسسات “العدالة الانتقالية” في العراق، إلى جانب “المحكمة الجنائية العليا”، والتي اختصّت بمحاكمة رموز النظام العراقي السابق، كما تم إنشاء هيئة “دعاوى الملكية العقارية”، والتي نظمت حقوق الملكية للعراقيين اللذين تم مصادرة أملاكهم أو الاستيلاء عليها أو انتهاكات أخرى أو نزاعات لحقوق الملكية بسبب أسباب سياسية أو عرقية أو دينية تختص تلك الهيئة في البت فيها.[31]
أيضاً، صدر قانون بتنظيم أوضاع الجهاز القضائي، وتمّ استحداث أطر قانونية جديدة مثل “مجلس القضاء الأعلى المستقل” ليشرف على القضاء العراقي، وفي تلك السنة، تم اعتماد القانـون رقـم 1 لسنة 2003، والذي عُرف باسم “قانـون المحكمـة الجنائيـة العراقيـة العليا”، وقد تم التصديق على ذلك القانون بموجب قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وتختص تلك المحكمة بجرائم الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية. تم تأسيس أيضا محكمة أخرى بموجب ذلك القرار، وهي “المحكمة الجنائية المركزية”، والتي تكونت من “محكمة الجنايات” و”محكمة التحقيق” المختصة بالنظر في قضايا مثل الإرهاب، الجريمة المنظمة والفساد الحكومي، كذلك أعمال العنف العرقي والديني والقومي.[32]
قامت أيضاً، السلطة الانتقالية بإصدار قوانين خاصة بالسيطرة على السلاح ودمج الميليشيات الخارجة عن إطار القانون وتجريم الانضمام للمليشيات، وإنهاء سياسة عسكرة أماكن الاحتجاز.[33]
أيضاً، تم تعديل قانون الأحزاب والهيئات السياسية، فأنهى مرحلة الحزب الواحد، وأقر على مبدأ التعددية السياسية، كما استحداث أطر قانونية تنظم الحق في تأسيس وعمل منظمات المجتمع المدني وتنظيم تسجيل وعمل المنظمات الدولية وتنظيم أوضاع النقابات والاتحادات المهنية والتعاونية.[34]
لم تغفل تلك القرارات عن ملف التعويضات، حيث تم تأسيس “مؤسسة الشهداء” والتي قامت بتعويض وتقديم الدعم المادي والمعنوي لعائلات الضحايا، وتقديم تسهيلات في المجالات الطبية، والتعليمية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتوظيف. بالإضافة إلى تمجيد وإحياء ذكراهم عن طريق الفعاليات، والنصب التذكارية. شبيهه لها، تم تأسيس مؤسسة السجناء السياسيين، لمحاولة تصحيح أوضاع السجناء والمعتقلين السياسيين وتعويضهم ماديا ومعنويا بما يتناسب مع حجم المعاناة التي مروا بها.[35]
9. كيف يمكن للسوريين الاستفادة من التجربة العراقية ؟
رأى معظم المشاركين والمشاركات في الجلسات الحوارية المنعقدة في العام 2021، حول التجربة العراقية ضمن إطار مشروع “الطريق نحو دستور سوري جديد: كيفية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى”، أنّ الدستور العراقي لعام 2005 في المجمل هو “دستور إيجابي”، وهو يتمتع بسقف حقوق وحريات عالي. علاوة على توافر ضمانات قويّة فيها لتلك الحقوق والحريات والحفاظ عليها والدفاع عنها.
بالمقابل، لوحظ أنّ المشاركين/ات رأوا أنّ الدستور كتب على عجالة، حيث تمّت عمليات النقاش والكتابة حوله خمسة أشهر فقط، قبل أنّ يتم عرضه على الاستفتاء العام. ورأوا أنّ ذلك خلق العديد من المواد المتناقضة وأحياناً غير المفهومة. (برر الخبراء/ات العراقيون ذلك بسبب ضغط الحكومة الأمريكية، وتحديداً الحاكم المدني “بول بريمر” للخروج بدستور في وقت قياسي).
رأى بعض الأشخاص خلال النقاشات/الجلسات، أنّ دستور عام 2005، كُتب بـ”عقلية المعارضة” أو “عقلية المظلومين”، وذلك بسبب حجم الاضطهاد الكبير الذي تعرّضت له معظم فئات الشعب العراقي خلال فترة حكم “صدام حسين” وحزب البعث العربي الإشتراكي”، فمثلاّ تمّ كتابة مواد اعتبرها البعض غير منطقية، وذلك خوفاّ أو رغبة في حماية بعض الحقوق دون غيرها. على سبيل المثال فقد أعطت المادة (43) حرية كل دين أو مذهب بممارسة شعائرها الدينية، وخصّت “الشعائر الحسينية” دون غيرها من الشعائر الدينية الأخرى، في تمييز واضح لشعائر طوائف وديانات أخرى.
رأي بعض المشاركين/ات أيضاً، أنّ محاولة الدستور العراقي في إيجاد حلول وسط بين “التعددية” و التأكيد على الهوية العربية والإسلامية للعراق”، نتج عنها بعض المواد المتناقضة، ففي الوقت الذي نصّت فيه المادة (2) على أنّه “لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام” قال في الفقرة التالية مباشرة “لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية” و “لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور.”
ولتدارك تلك المفارقات، رأى عدد من المشاركين/ات أنّه كان من الأفضل أن يتمّ التأكيد على فصل الدين عن الدولة أو عدم تفضيل دين معين على آخر، أو لغة معينة على أخرى في بلد متنوع الأعراق والأديان مثل العراق.
على صعيد آخر، رأي بعض المشاركين/ات، أنّ الدستور انشغل بـ”المحاصصة” على تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب العراقي، حيث تمّ ذكر مكونات دونا عن مكونات أخرى في الدستور، فبالنسبة للمكونات الدينية، ذكر الدستور الإسلام، والمسيحية، والصابئة المندائية والأيزيديين وتمّ تجاهل الزرادشتية، اليهودية، البهائية والكاكائية وغيرهم، وذكر قوميات او أعراق دونا عن غيرهم مثل العربية، والكردية، التركمانية والسريانية والآشورية، وتم تجاهل قوميات أخرى مثل الشبك.
رأى عدد من المشاركين/ات، أنّه كان من الأفضل: أمّا عدم ذكر أو تحديد قومية/عرقية أو دين بذاته، والتحدث بشكل عام عن الحقوق والحريات لكل الأعراق والقوميات والأديان، أو ذكر جميع القوميات والأديان في الدستور. ورأى االخبراء/ات العراقيين من المشاركين في الجلسة الحوارية/ أن استخدام مفردة “المكونات كان اختياراً غير موفقاً، حيث أن ذلك يمنع التمييز الإيجابي للأقليات، ويساوي بينها وبين الفئات الأكبر عدداً، فكان على المشرع استخدام مفردة الأقليات حتى لا يتم ابتلاع حقوق الأقليات أو اختفائها لحساب الكتلة الأكبر وإعاقة الكثير من القوانين لحماية الأقليات لأن أي إجراء يشمل الجميع بالتالي أي فئة مسيطرة هي التي ستهيمن على القرار وتستفيد بالمميزات دونا عن الجماعات الأخرى.
من الأمور التي رأى عدد من المشاركين/ات أيضاً أنّه يجب تجنبها، هو قضية “جمود الدستور”. فالدستور العراقي هو دستور غير قابل للتغيير، وبمعنى آخر، فإنّ عملية تغيير/تعديل الدستور، هي عملية معقدة جداً، فهي تتطلب موافقة ثلثي المحافظات العراقية الـ18، وإقامة استفتاء عام للشعب.
لذا أيدّ عدد من المشاركين/ات، أهمية تحقيق المعادلة ما بين فكرة وجود دستور جامد (قادر على منع أي تغييرات قد تسقط الحقوق عن فئات معينة من الشعب العراقي)، وبين دستور مرن قد يؤدي بسهولة إلى إعادة الظلم ضد أقليات أو فئات معينة من الشعب العراقي.
بالمحصلّة، رأى عدد من المشاركين/ات، أنّ هنالك العديد من المواد ضمن الدستور العراقي، يمكن الاستفادة منها في التجربة السورية، منها المواد التي تساهم في إرساء خلق نظام سياسي سليم، وإن كان ذلك نظرياً، مثل النصّ على التداول السلمي للسلطة، وإقامة نظام لامركزي، وأيضاً الاعتراف بالمكونات المختلفة للشعب العراقي والاعتراف بتنوع العراق، وأيضاً جعل عدّة لغات هي لغات رسمية في العراق، وأيضاً ضمانات للحقوق والحريات الأساسية، والسماح بمنح المرأة العراقية جنسيتها لأبنائها.
10. توصيات:
- ضمان وجود “إرادة سياسية” وتوافق حقيقي على الالتزام بتطبيق أي دستور يتمّ صياغته وقبوله من قبل جميع السوريين/ات. حيث انّه لا قيمة حقيقة لدستور لا يتم الالتزام به وتطبيقه وإصدار القوانين بموجبه دون مخالفة روحية لمواده.
- تجنب الكلمات الغامضة والفضفاضة، وخاصة تلك التي يمكن تفسيرها بشكل مختلف ومتناقض أحياناً، مثل مصطلح “الآداب العامة”، التي يمكن أنّ تستخدم في القوانين التي قد تضع قيود على الحقوق والحريات.
- الإقرار بشكل واضح بالعدالة الانتقالية، والعناصر المشكّلة لها، والنص على ذلك بالدستور، مع عدم تجاهل التحديات التي قد تنتج عن تطبيق عناصر العدالة الانتقالية مثل قضية البعد الفني للتعويضات، والمسائلة عن جميع الانتهاكات المرتكبة.
- ضمان تمثيل فعلي وحقيقي من خلال وجود ممثلين/ات عن كل الفئات في لجنة صياغة وكتابة الدستور، على أنّ يقوم هؤلاء الممثلين/ات بإقامة مشاورات محليّة واسعة أثناء فترة الصياغة، وتثقيف الناس على أهمية المشاركة في الصياغة ولاحقاً عملية الاستفتاء.
- التركيز على كتابة دستور محايد اتجاه جميع الأديان والطوائف والقوميات، على أنّ يعمل ويناضل لبناء هوية وطنية جامعة دون إقصاء أو تمييز.
- كتابة مواد تتوافق مع أفكار ورؤية المجتمعات المختلفة، والأخذ بعين الاعتبار الأقليات الدينية والعرقية، ووضمن ضمانات لحماية تلك الأفكار.
- الحذر من كتابة دستور ينصّ على المحاصصة الطائفية أو القومية أو العرقية، أي يجب التركيز على بناء دولة مواطنة، مع اتخاذ إجراءات وتدابير عاجلة واستثنائية لرفع الظلم عن فئات محددة لحين الوصول لدولة المواطنة الكاملة.