تسبب سوء الوضع الاقتصادي في دفع السوريين إلى البحث عن فرص بديلة، فمن لم تتح له الهجرة أو لا يرغب فيها صار يفضل العمل الحر، أو ذاك الذي يكون من بعد لصالح جهات خارج البلد، ليصير ذلك مصدراً رئيسياً للدخل وحتى خياراً محبذاً.
سيكون صادماً استعراض المؤشرات الاقتصادية في سوريا عشية عيد العمال، إذ يعاني 12,4 مليوناً انعدام الأمن الغذائي، وتعيش نسبة 90% في فقر مدقع، فيما تتفاوت تقديرات نسبة البطالة ما بين 50 و70 في المئة خلال العام 2020 بمعدل ارتفاع قارب الضعف عما كان عليه في 2016. أما قيمة العملة المحلية، فانخفضت بنسبة تتجاوز 8000% بين العامين 2011-2022 وفق سعر الصرف غير الرسمي.
إذاً؛ يشكل الاضطراب في سعر صرف العملات أوّل المنغصات على العاملين للسوق الخارجية، خاصة مع صعوبة تغيير الأجور المتفق عليها بسبب قلة الفرص ووجود عشرات المتعطلين المستعدين لتأدية العمل بأجور أقل. هنا تقول سلمى (26 عاماً) التي تعمل مصممة غرافيك: «مع أن مردود العمل للخارج أعلى من العمل داخل سوريا، لكنه أقل مما يدفعه العميل في حال إنجازه العمل في دولته الأصلية… انخفاض أجور السوريين سببه ضعف قيمة عملتهم وكثرة الطلب على العمل».
ثمة سبب إضافي تشير إليه سلمى هو أن التشغيل يجري غالباً عبر وسطاء سوريين في الخارج (الدول المشغِّلة)، وهؤلاء يحصلون على نسب مرتفعة من الأجر قد تصل إلى 50% في بعض الأحيان، مضيفة: «الوسيط لا يأخذ بالاعتبار التكاليف التي تترتب على أداء العمل جراء الانقطاع الطويل للكهرباء، واضطرارنا إلى العمل من الأماكن العامة ما يفرض تكاليف إضافية».
يعود ذلك إلى أن العلاقات التي يملكها الوسيط تشكّل أبرز طرق تأمينه المشروعات، الأمر الذي يمكّنه من الحصول على نسبة غالباً ما تكون مقتطعة من حصة الموظف/ـة السوري/ـة، لكن لا يحدث هذا بالتوافق مع الجميع دائماً.
التشغيل يجري غالباً عبر وسطاء سوريين في الخارج يحصلون على نسب مرتفعة من الأجر قد تصل إلى 50%
ثمة مشكلات أخرى منها ما يذكره فراس (28 عاماً) الذي يعمل مترجماً وكاتباً من بُعد. يقول إنه فوجئ في إحدى المرات عند استلام أجره الشهري أن هناك نقصاً عن الأجر المتفق عليه، وعند مراسلة الإدارة جاءه الجواب بأن جزئية التدوينات لم تعد مدفوعة بسبب نقص الميزانية، من دون إخطاره بذلك مسبقاً.
عجز فراس عن المطالبة بحقه لعدم وجود عقد عمل بينه وبين الوكالة، كما أنه يخاف من تصدير القضية علناً بسبب موقف الوكالة التي يعمل معها من الحكومة السورية، واحتمال تعرضه لمشكلات أمنية في حال كشف عمله.
من جهة ثانية، تقول رغد (35 عاماً) التي تعمل مترجمة للمسلسلات لصالح شركة إنتاج إن الشركة عمدت في مطلع العام الحالي إلى تخفيض العمالة، ما تسبب في ضغط إضافي على من بقي مثلها، فيما لم يتغير الأجر بما يتناسب مع زيادة حجم العمل.
كذلك، تضيء رغد على مشكلة أخرى تتعلق باستلام البدلات النقدية وصعوبة وصول التحويلات. بدأ ذلك مع التدقيق الحكومي على الحوالات لحصر التحويل عبر القنوات الرسمية بالسعر الذي تحدده الدولة، وهذا ما دفع رغد إلى الطلب من الوسيط الكف عن إرسال الحوالات، واعتماد التسليم باليد عن طريق شركات غير رسمية، برغم المخاطر التي قد تترتب على ذلك، خاصة إذا كان الاستلام بشكل دوري، إذ إن الاعتماد على القنوات الرسمية يسبب خسارة قد تقارب ثلث الأجر بسبب سعر الصرف المتدني الذي تعتمده الحكومة.
رغم ذلك، ترى رغد أن العمل للخارج «قدّم فرصة لا تعوض لتطوير المهارات مع أسواق مختلفة، وأمّن اكتفاءً لكثير من الشباب والعائلات التي وجدت في هذا العمل ملجأً وحيداً».
أضف تعليق