العوامل التفسيرية لإرهاب الدولة والجماعات والأفراد
إعداد: آندي فليمستروم
جهة النشر: ميسلون للثقافة والترجمة والنشر
طوال تاريخ البشرية، كانت هناك دائمًا موجات من الهجمات الإرهابية العنيفة، بدءًا من اليهود المتعصبين بعد ولادة المسيح، إلى هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001. هذا العنف الإرهابي، وضع العالم أمام مواجهة العديد من الأسئلة التي لا توجد لها إجابات سهلة. ما الدافع الذي يجعل الإنسان مستعدًا للتخلي عن حياته لقتل الآخرين وإحداث الدمار في المجتمع؟ بمعنى آخر: ما الذي يجعل المرء إرهابيًا؟ ما الذي يجعل الناس يتبنون وجهات نظر متطرفة ويلجؤون إلى الإرهاب؟ ما العوامل التي تؤدي إلى تبني هذه الآراء المتطرفة؟
هناك أسباب عديدة جعلتني مهتمة بتقديم دراسة حول موضوع الإرهاب، ويأتي في مقدّمها أنني أنتمي إلى منطقة الشرق الأوسط الموسومة بالإرهاب عمومًا أو لكونها مولدة للظواهر والجماعات الإرهابية، وثانيها لأن الإرهاب غدا من أهم المشكلات التي تعترض سبل تطور العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، نحو الديمقراطية والسلام واحترام حقوق الإنسان، وثالثها هو مستوى الخلط والخلافات الكبيرة التي تنشأ في أي نقاش حول الإرهاب، ومن هي الأطراف التي يمكن وسمها بالإرهابية.
كل ذلك دفعني نحو الاهتمام بهذا الموضوع. وقد وجدت أنه من الضروري في دراستي أن أتعرض لعدد من النقاط الأساسية التي تشغل بالنا جميعًا، ومنها:
1- ينبغي إيجاد تمييز واضح وصريح بين الإرهاب وحركات التحرر الوطني على مستوى العالم، خاصة بالنسبة إلى الدول أو الجماعات التي تنادي بحق تقرير المصير.
2- هناك محاولة لاستكشاف العلاقة بين الإرهاب والدين، فهل الإسلام مثلًا هو دين مولِّد للإرهاب؟ وماذا عن بقية الأديان في التاريخ وعلاقتها بالإرهاب؟ بل ماذا أيضًا عن الحركات اليسارية في العالم وعلاقتها بالإرهاب؟
3- أيضًا لا بدّ من الحديث حول أنواع الإرهاب استنادًا إلى معايير واضحة ومحددة، فهناك الإرهاب الفردي والإرهاب الجماعي والإرهاب الذي تقوم به بعض الدول في العالم.
4- لهذا الإرهاب أسباب عديدة، إذ لا نستطيع إنكار أن العالم منذ القدم قد عانى أخطارًا كثيرة، مثل الحروب والاستعمار والتفرقة العنصرية التي تركت أثرها في حاضرنا اليوم. وهناك أيضًا أسباب اقتصادية منتجة للفقر ولاختلال موازين العدالة الاجتماعية سواء داخل المجتمع الواحد أو على مستوى الدول، وأسباب سياسية تؤدي إلى غياب الحريات وانتهاك حقوق الإنسان ما يدفع بعض المجموعات لانتهاج سبيل التغيير بالعنف، وهناك أسباب ثقافية اجتماعية تؤدي دورًا بارزًا في بعض المجتمعات بحكم ما ورثته من أنماط حياة متخلفة، كما لا ننكر أهمية الأسباب النفسية في خلق حالات محبطة ويائسة من واقعها بما يؤدي إلى ارتفاع نسبة العدوانية في شخصياتها والتوجه نحو العنف كشكل من أشكال تفريغ الطاقة السلبية.
5- وأخيرًا لا بدّ من وضع بعض المقترحات والتوصيات العامة التي تهدف إلى تحديد الكيفية الأمثل لمعالجة ظواهر الإرهاب، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات أو الدول.
هذه هي أهم الأفكار التي سأتطرق لها في هذه الدراسة، مع العلم أنني سأستفيض في الشرح في ما يتعلق باستكشاف هذه الظاهرة في منطقة الشرق الأوسط بوصفها المنطقة الأقل استقرارًا على مستوى العالم، وبحكم أنها اليوم في صدارة المناطق الموسومة بإنتاج الإرهاب.
تمهيد
هناك أصوات غير موضوعية في مقاربة ظاهرة الإرهاب، خصوصًا الأميركية، تركز على المجتمعات العربية والإسلامية فحسب، بحكم أن أوضاعها السياسية والاقتصادية والثقافية تشكل بيئة مواتية فعلًا لنمو الإرهاب. لكن هذه الأصوات لا تجيب عن تساؤلات بديهية ذات علاقة بموضوع الإرهاب؛ لماذا هناك إرهاب أوروبي كما شهدنا في العقود الماضية، مثل نشاط منظمة “بادر ماينهوف” الألمانية أو “الألوية الحمراء” الإيطالية؟ وهكذا يثار السؤال المهم: قياسًا على المجتمعات العربية والإسلامية المنتجة بحكم أوضاعها للإرهاب، هل المجتمعات الأميركية والأوروبية الديمقراطية حيث دول الرفاهية التي أشبعت الحاجات الأساسية لمواطنيها، يمكن أن تنتج الإرهاب أيضًا؟
هذه التساؤلات تدفعنا إلى التأكيد أن الإرهاب ظاهرة بالغة التعقيد، ولا يمكن اختزالها في سبب واحد، فهناك أسباب ثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية تتضافر جميعها لكي تنتج لنا أخيرًا الإرهاب بصوره المتعددة.
لذلك، من أجل فهم سبب اختيار بعض الأشخاص للانخراط في النشاط الإرهابي والانضمام الى المجموعات الإرهابية، أجريت في بحثي تحليلًا باستخدام الأسباب والعوامل التفسيرية السابقة الذكر كأساس للتحليل.
ستتمثل نقطة البداية في هذه الدراسة بتقديم تعريف للإرهاب يمكن أن يفسِّر مجموعة متنوعة من الأسباب الكامنة وراءه. فكلمة “الإرهاب” كلمة مشحونة عاطفيًا وسياسيًا ما يجعل المعنى الذي تشير إليه مثيرًا للجدل، ومن الصعب العثور على تعريف شامل لماهية الإرهاب. تنبع هذه الصعوبة من عدة أسباب، لكن معظمها يأتي من طبيعة العمل الإرهابي نفسه، والآراء والممارسات المختلفة للدول المعنية حول مفهوم مواجهة الإرهاب، حيث إن ما يراه البعض إرهابًا قد يراه البعض الآخر مشروعًا (Yahya al-Faqih, 1993: 4). إضافة إلى أن بعض هذه الصعوبات ترجع إلى تعقيد وتعدّد أشكال الإرهاب وأهدافه، واختلاف الدوافع لارتكابه.
على الرغم من وجود تعريف خاص بالأمم المتحدة للإرهاب إلا أن هناك تعاريف أخرى على المستوى الإقليمي والدولي، وغالبًا ما تحكمها المعايير والمصالح السياسية، فقد صرح الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في خريف 2011 أن ما يمكن أن يكون فعلًا إرهابيًا بالنسبة إلى إنسان ما يمكن أن يكون قتالًا من أجل الحرية بالنسبة إلى إنسان آخر (Kumm, 1997: 24).
بعد مراجعة مجموعة واسعة من تعريفات الإرهاب، وجدت تعريفًا واحدًا يشكل الإطار المرجعي أو القاعدة المرجعية لهذا البحث الخاص حول أسباب ودوافع الإرهاب. هذا التعريف قدمه الاختصاصي السويدي في الإرهاب، ماغنوس نوريل، حيث يعرِّف الإرهاب على النحو التالي:
الاستخدام المنهجي للعنف غير المشروع من قبل جهة فاعلة غير تابعة للدولة أو تابعة للدولة أو من قبل الدولة من خلال استخدام “العملاء” […] من أجل تحقيق أهداف محددة، حيث يتم اختيار الضحايا عمدًا، ممن يسمّون “غير المقاتلين” و/ أو المدنيين. يمكن أن تكون هذه الأهداف سياسية أو اجتماعية أو دينية بحسب المجموعة المعنية. ينتقل الإرهاب أو يصبح دوليًا عندما يتم تنفيذ الفعل خارج الحدود الخاصة بمجموعة معينة/ فرد معين، أو عندما يكون مواطنو البلد نفسه أهدافًا للإرهاب والقتل الذي يتم تنفيذه في دولة ثالثة (Norell, 2002:5).
نرى هنا أن نوريل يتبنى تعريفًا عمليًا واسعًا للإرهاب، حيث إنه ينظر إلى الفرد والدولة على أنهما مرتكبان محتملان للإرهاب، ويذكر الدوافع السياسية والاجتماعية والدينية الكامنة وراءه. لكن يجب ملاحظة أنه يتجاهل تعبير “التهديد بالعنف” في تعريفه، بينما يراه الآخرون جزءًا من تعريف الإرهاب، وبدلًا من ذلك يذهب مباشرة إلى تعبير “استخدام العنف”. تكمن قوة تعريف نوريل في اتساع نطاقه، ولهذا السبب أعتقد أنه يتوافق بشكل جيد مع البحث المقدّم هنا.
هناك جانب آخر مهم لمفهوم الإرهاب، وهو التمييز بين فئات مختلفة من الإرهاب. أحد الفروق الرئيسة هو ما إذا كنا نتحدث عن إرهاب الدولة أو إرهاب الأفراد والجماعات. من وجهة نظري أرى أن الاثنين مرتبطان ببعضهما بعضًا، بل إنهما وجهان لعملة واحدة.
1- إرهاب الدولة
من المعروف تاريخيًا أن الديكتاتوريات تستخدم الإرهاب أداة للقمع والسيطرة. تعرض آلاف الأشخاص للتعذيب وفقدوا حياتهم على يد إرهاب الدولة، ما يعني أن إرهاب الدولة هو الشكل الرئيس للإرهاب (Yahya al-Faqih, 1993: 21). على سبيل المثال، ممارسات إسرائيل في الأراضي العربية في فلسطين ولبنان، والممارسات اليومية للولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان، ودول أخرى في العالم، تشهد على إرهاب الدولة في الزمن المعاصر (Ibid).
إرهاب الدولة يمكن أن ترتكبه الدولة نفسها أو من خلال دعمها للأفراد أو الجماعات الإرهابية، وهذا ما أسماه باركر بالإرهاب الذي ترعاه الدولة، وهو حرب بالوكالة. تختار الدولة متى تستخدم الإرهاب أداةً لمصالح سياستها الخارجية، فهي تدعم الإرهابيين الحاليين أو الذين أُنشئوا حديثًا كطريقة فعالة من حيث التكلفة تهدف إلى تقويض الدول المعادية لها من دون التعرض لخطر الحروب والمواجهة العسكرية المباشرة (Parker, 2006: 360).
للحصول على أمثلة عن الإرهاب الذي ترعاه الدولة، يمكن للمرء أن ينظر إلى الولايات المتحدة، المتهمة حاليًا بدعم الحركات الانفصالية في العديد من دول العالم ضد حكوماتها، مثل كوبا وإيران وليبيا وكوريا الشمالية وسورية. فضلًا عن الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفياتي السابق في أفغانستان في الثمانينيات والتسعينيات. ومن الأمثلة الأخرى للجماعات الإرهابية التي ترعاها الدولة حزب الله المدعوم من إيران ومنظمة أبو نضال المدعومة من سورية وليبيا والعراق. وتورط الجيش الأحمر الياباني في ليبيا (Ibid).
ومع ذلك، هناك اتجاه خاص في الفكر الغربي يرفض الاعتراف بإرهاب الدولة. وحتى لو اعترفوا بوجودها، فهم يقصدون عمومًا الإرهاب الذي ترتكبه دول العالم الثالث فحسب. وهم يرون أن زيادة خطر الإرهاب يأتي من الأفراد لا من الدول (Leventhal, Alexander, 1987:7, 8).
على الصعيد المحلي، يشير إرهاب الدولة إلى الدولة التي ترتكب أعمال العنف المنظمة من أجل إثارة الإرهاب، ومن ثمّ تحقيق أهداف سياسية، كوسيلة للحفاظ على السلطة أو قمع المعارضة، وهذا النوع من الإرهاب يسمى مؤسساتيًا لأنه يحافظ على السلطة والشرعية والمؤسسات (Yahya al-Faqih, 1993)، وهذا النوع من إرهاب الدولة متأصل بشكل واضح في الأنظمة العربية التي أدّت دورًا حاسمًا في ظهور ونمو بذور الإرهاب الحديث نتيجة ممارساتهم غير العادلة وممارستهم أقصى قدر من العنف والإرهاب للحفاظ على سلطتهم وأنظمتهم ضد شعوبهم.
2- إرهاب الأفراد والجماعات
يشير هذا النوع من الإرهاب إلى الإرهاب الذي ينشأ كردّة فعل على الإرهاب الذي ترتكبه الدولة ضد شعبها، سواء أكان مصدره أفرادًا أم جماعات، داخل أراضي الدولة. بعبارة أخرى، هو مناهض للعنف ضد إرهاب الدولة. يمكن القول إن هذا النوع من مناهضة العنف، كردّة فعل لسلطة الدولة، هو أول تجربة إرهابية في التاريخ الحديث، ويمكن وصفها بالإرهاب غير الاستبدادي (Aziz Shukri, 1991: 105).
بعد أن قدمت تعريفًا يمكن أن يفسر على أفضل وجه ماهية الإرهاب وفئاته المختلفة، سأقدم الآن تحليلي لأسباب حدوث الإرهاب والعوامل الدافعة له.
العوامل التفسيرية وراء الإرهاب
يحدث الإرهاب في مجموعة متنوعة من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومن أجل إنشاء رؤية شاملة لهذه الظاهرة، يجب دراستها وتحليلها ضمن السياقات التاريخية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدينية والسياسية.
1- العوامل السياسية
لتحليل الدوافع السياسية وراء انضمام بعض الناس إلى المنظمات الإرهابية، يجب على المرء أن يفهم البيئة السياسية المعنية. إذا ركز المرء على الإرهاب الموجه ضد الحكومات لأغراض التغيير السياسي، فسوف يتعامل مع الإرهاب بوصفه شكلًا من أشكال العمل السياسي الناتج عن الاختيار المتعمد للتغيير (Crenshaw, 1981: 379-390). يجادل كرينشو بأن الأفراد ينضمون إلى المنظمات الإرهابية كتحدٍ للسلطة القائمة على المظالم، والتي ترتبط بوجهة نظر كروجر بأن الإرهابيين يهدفون الى التأثير في النتائج السياسية (Krueger, 2007: 24). يمتلك الإرهابيون وجهات نظر سياسية متطرفة، ويحاولون فرض رؤية متطرفة بوسائل عنيفة من خلال الانضمام إلى المنظمات الإرهابية. يلاحظ كروجر أن معظم الإرهابيين لا يعانون الفقر أو الحرمان الاقتصادي، وليسوا ممن يعتقدون أنه ليس لديهم ما يعيشون من أجله، بل على العكس من ذلك، فهم أناس يعتنقون بشدة قضية ما، وهم على استعداد للموت من أجلها (Ibid).
1.1 المظالم والقمع
وفقًا لبحث كروجر (2007)، فإن الأشخاص المستعدين للتضحية بأنفسهم من أجل قضية لديهم دوافع مختلفة. بعضهم مدفوع بالمظالم التاريخية، والبعض الآخر بدوافع قومية، وغيره بدافع الاضطهاد العرقي، وما إلى ذلك.
ولا شك في أن النظم السياسية المعاصرة على تباينها والاختلافات الجسيمة بينها لها صلة بظاهرة الإرهاب. ولعل من التفسيرات الشائعة أن النظم السياسية المستبدة، شمولية كانت أو سلطوية، وكذلك الأنظمة الدينية الاستبدادية، تُعدُّ بممارساتها القمعية سببًا من أسباب الإرهاب. ويصدق ذلك على وجه الخصوص في البلاد العربية والإسلامية والتي هي استبدادية في الغالب الأعم. حيث تقوم هذه الأنظمة بقمع شعوبها، ولا تسمح بالتعددية السياسية، وتصادر الحريات المدنية. تثير هذه الممارسات القمعية التطرف وتشكل أرضًا خصبة للإرهاب (Ysine, 2005).
غير أن ذلك لا يعني بالضرورة أن المجتمعات الغربية والآسيوية التي تسودها نظم ديمقراطية لا يمكن أن يكون لها صلة بالإرهاب. وذلك لأن التحليل النقدي للعديد من هذه المجتمعات، وفي مقدّمها المجتمع الأميركي، يشير إلى أن وراء الواجهات الديمقراطية البراقة تعيش أحيانًا نظم تمارس السلطوية المقنّعة في مناسبات ومحطات عديدة. وقد يكون من بين الأدلة على ذلك شهادة مفكرين أميركيين، من بينهم عالم السياسة بيرترام غروس الذي أصدر منذ سنوات كتابا نقديا مثيرا بعنوان “الفاشية الودودة” (1990) وهو يقصد بها الممارسة الديمقراطية الأميركية التي تمارس، في رأيه، الفاشية عمليًا ولكن بصورة غير فجة، لأنها تراقب المعارضين للنظام، وتضيِّق بصور شتى حرية التعبير والتنظيم أمامهم. ولعل المحاكمات التي قادها السيناتور مكارثي في الخمسينيات ضد المفكرين اليساريين الأميركيين صورة بارزة لهذه الفاشية الودودة التي أسفرت في ظروف معينة عن وجهها القبيح.
والمفكر الأميركي الثاني هو الفيلسوف الشهير الألماني الأصل هربرت ماركوزه صاحب الكتاب المعروف “الإنسان ذو البعد الواحد” (1964) والذي أشار في مجال تحليله للحريات السياسية في المجتمع الأميركي إلى أنه يسوده نوع من التسامح القمعي! ويعني على وجه التحديد أنه تسامح محدود في مجال حرية التفكير وحرية التعبير وحرية التنظيم تحوطه خطوط حمراء متعددة.
على سبيل المثال، تظهر الحركات الطلابية في أوروبا وأميركا في نهاية الستينيات أن الأفراد يمكن أن يتحولوا إلى إرهابيين بعد فشلهم في الاحتجاج السلمي. وهذا ما يشير إليه يحيى الفقيه عندما يقول إن الإجراءات الحكومية المبنية على العنف والقمع لها دور مؤثر في إثارة الشعور بالاستياء والكراهية، والتي بدورها تعمل محفزًا لتغذية الإرهاب، خاصة عندما تلجأ الحكومات إلى العنف، ردًا على الاحتجاج السلمي (Yahya al-Faqih, 1993). هذا الرأي مدعوم بملاحظة كرينشو بأن العديد من الإرهابيين في الماضي واليوم هم طلاب شبان: متعلمون جيدًا، ينتمون الى الطبقة المتوسطة، مهنيون، ولديهم خبرة سياسية سابقة، لكن هم محبطون من آفاق التغيير في المجتمع ولا يرون سوى فرصة ضئيلة للوصول إلى أهدافهم وحاجاتهم في النظام القائم على الرغم من وضعهم المتميز.
وتشير أيضًا إلى أن الكثير من الإرهاب قد نما بسبب انسداد الآفاق أمام الاضطرابات الطلابية السلمية. كان هذا هو الحال في القرن التاسع عشر في حركة نارودنايا فوليا في روسيا، والتي نشأت بسبب قسوة القيصر الروسي في التعامل مع الحركة الشعبوية، وكذلك الوضع بعد الحرب العالمية الثانية في ألمانيا الغربية والولايات المتحدة وأوروغواي واليابان (Crenshaw, 1981).
إن قمع الحريات المدنية والحقوق السياسية في بلد ما، بما في ذلك حرية التعبير والصحافة، يمكن أن يدفع الأفراد نحو الإرهاب. وفقًا لبيانات مؤشر بيت الحرية، وجد كروجر أن معظم الأفراد الذين يتبنون الإرهاب وينضمون إلى المنظمات الإرهابية ينتمون إلى دول لديها القليل جدًا من الحريات المدنية، إن وجدت. تم دعم هذه النتيجة من البحث الذي أجراه حول جنسيات المتمردين الأجانب الذين تم أسرهم في العراق: كل هؤلاء المتمردين الأجانب، إلى جانب العراقيين الأصليين، كانوا مدفوعين بالقضايا المحلية، وجاؤوا من دول ناقصة الحريات المدنية والحقوق السياسية، مثل المملكة العربية السعودية (Krueger, 2007: 23-24).
نخلص من ذلك كله إلى أن النظم السياسية المعاصرة مهما كانت أنماطها إن ضيّقت من مجال الحركة أمام أجيال الشباب، وضيّقت أيضًا النطاق السياسي للأجيال الشابة وحرمتها من المشاركة السياسية فإنها بلا شك تدفع بجماعات منهم إلى اعتناق أفكار مضادة للدولة، أو أفكار دينية متطرفة قد تصل بهم إلى ممارسة الإرهاب.
2.1 الاضطرابات السياسية
غالبًا ما يرتبط السخط السياسي والاغتراب والتهميش واليأس بالإرهاب، وكذلك التعصب الديني، لكنها تبقى عوامل غير كافية لإلقاء الضوء على صعود الإرهاب في أي زمان ومكان محدّدين (Pilat, 2009:173). يقصد بيلات أن هذه العوامل هي دوافع للأفراد للجوء إلى الإرهاب كأداة للتعبير عن مظالمهم ورغبتهم في الانتقام من الأنظمة الاستبدادية. ويجادل بيلات كذلك بأن “الدول التي تعاني من الحكم السيء؛ التوترات العرقية أو الثقافية أو الدينية، الاقتصاد الضعيف، سهولة اختراق حدودها، ستكون أرضًا خصبة للإرهاب” (Ibid: 174). هذا ما أشارت إليه روس عندما قالت إن أشكال الاضطرابات السياسية والاقتصادية داخل البلاد قد تكون حافزًا للإرهاب من خلال التأثير على الأفراد لتبني آراء متطرفة عنيفة، ودفعهم إلى التنظيم الإرهابي كوسيلة للتغلب على مظالمهم (Ross, 2006:82-85). وبحسب البيانات التي تم جمعها حول الإرهابيين في تركيا، فإن الإرهابيين يزعمون أنهم لجأوا إلى العنف والإرهاب لأنهم لم يتمكنوا من إيجاد حلٍّ آخر للتغلب على مظالمهم، ولو كانت لديهم حلول أخرى لما اختاروا حياة الإرهاب (Schmid, 2007: 11-12).
وهذا يقود الكثيرين إلى اعتبار إرهاب الدولة أحد الدوافع الرئيسة لإرهاب الأفراد والجماعات على حد سواء، لأن هذا الأخير هو ردّة فعل ضد الأول. من هذا المنظور، يسير إرهاب الدولة وإرهاب الأفراد والجماعات جنبًا إلى جنب: تصعيد الإرهاب من أي جانب سيؤدي إلى مزيد من الإرهاب على الجانب الآخر، وبالتالي لن تجد حلقة الإرهاب طريقها إلى السلام (Bashir, 1992). خلال الفترة من 1969 إلى 1970، يمكن اعتبار ردّات الفعل الحكومية على الحركات اليسارية والاحتجاجات الطلابية فاشية، وتؤدي إلى خلق أدوات إرهابية، خاصة الوحشية المستخدمة ضد تظاهرات الشباب ضد حرب فيتنام، على سبيل المثال. أدت ردّات الفعل هذه إلى ظهور بادر ماينهوفBaader-Meinhof ومنظمات مماثلة، مثل ويثرمين The Weathermen في الولايات المتحدة الأميركية، التي قامت بأعمال إرهابية ضد الدولة (Kumm, 2003: 177-180).
3.1 الاستقلال وتقرير المصير
تؤدي المظالم السياسية الناتجة عن الاحتلال والقمع العرقي دورًا حاسمًا في دوافع الأفراد للانضمام إلى المنظمات الإرهابية واعتناق ثقافة الإرهاب. إن الفشل في تحقيق تقرير المصير أو إنشاء دولة مستقلة لمجموعتهم العرقية أو القومية يدفع الأفراد إلى اعتبار المنظمات الإرهابية والأعمال الإرهابية السبيل الوحيد لجذب الانتباه الدولي إلى كفاحهم وقضيتهم.
إنهم يرون أنفسهم مقاتلين من أجل الحرية ضد سلطة قمعية (Parker, 2006: 360-361). تشمل الأمثلة المعاصرة للجماعات الإرهابية القومية العرقية: الجيش الجمهوري الأيرلندي، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وإيتا (حركة الباسك الانفصالية)، وحزب العمال الكردستاني (PKK)، وجبهة التحرير الوطني (FNL) في الجزائر، وإيغرون وليحي (Igrun وLehi)، (ميليشيا يهودية نشطة في الأربعينيات).
يؤدي الفشل الدراماتيكي للوسائل البديلة لتحقيق أهداف سياسية إلى أعمال إرهابية. خاصة عندما يجد الأفراد أنفسهم في وضع أضعف كثيرًا من خصومهم: ونتيجة لليأس، غالبًا ما يلجؤون إلى الإرهاب والعنف على أمل الحصول على السلطة من خلال المنظمات الإرهابية. أدت الهزيمة العربية في حرب 1967 مع إسرائيل إلى تحول الفلسطينيين والقوميين المتشددين إلى الأعمال الإرهابية في كفاحهم ضد إسرائيل، على أمل الحصول على اعتراف دولي وتدخل من أجل تقرير المصير (Hoffman, 2006:74; Crenshaw, 1981: 389).
في بعض الأحيان، أدى الفشل في جذب الاهتمام الدولي لقضية وطنية إلى لجوء الأفراد إلى التنظيم الإرهابي. كمثال على ذلك نذكر حزب العمال الكردستاني ومنظمة التحرير الفلسطينية (Ibid). “صرخنا من خيامنا عامًا بعد عام، لم يستمع إلينا أحد” كانت هذه كلمات خاطف الطائرة الفلسطينية ليلى خالد، التي مثلت جيلًا جديدًا من مقاتلي المقاومة. بعد سلسلة من الأعمال الرائعة في أوائل السبعينيات، نجح هؤلاء المقاتلون في وضع وطنهم فلسطين على الخريطة السياسية (Kumm, 2003:90).
هذه إجابة عن سؤال كوم: من هم الذين يريدون الوصول إلى السلطة من خلال التخويف؟ هم أفراد أو مجموعات أو أجيال يائسة ويعانون الشعور بالعجز لأن مركزهم أضعف من خصومهم (Kumm, 2003:24). لذلك، فإن عدم قدرة بعض الدول على الحصول على الاستقلال وحقها في تقرير المصير، على الرغم من المصادقة عليه بقرارات دولية، دفع الأفراد وجماعات التحرر الوطني إلى طريق الإرهاب للفت انتباه المجتمع الدولي إلى قضيتهم. من الأمور ذات الصلة هنا ملاحظة غرانت واردلاو أن الأفراد والجماعات الذين ليس لديهم سلطة سياسية مباشرة قد استخدموا دائمًا الإرهاب المباشر لتحقيق تأثيرات في المجتمع المستهدف الذي يتمتع بسلطة سياسية وعسكرية أكبر. تجذب مثل هذه التكتيكات دعاية عالمية وتخلق حالة من الذعر على نطاق واسع بطريقة تجعل الآخرين يستمعون إلى أصواتهم وتمكينهم من تحقيق أهدافهم السياسية (Wardlaw, 1989: 3-17).
4.1 الصراعات العرقية
عندما يغض المجتمع الدولي، الذي يؤكد على الديمقراطية والحريات السياسية وحقوق الإنسان، الطرف عن الممارسات الوحشية المتعلقة بالعرق والصراعات العرقية وحتى الإبادة الجماعية، فإن هذا يمكن أن يدفع الأفراد والجماعات للجوء إلى الإرهاب كوسيلة للبقاء والدفاع عن النفس ضد الاضطهاد. ومن الأمثلة على هذا العمى، الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 بين شعوب الهوتو والتوتسي، وأعمال العنف الرهيبة التي ارتكبها كو كلوكس كلان (KKK) في الولايات المتحدة ضد السود.
يمكن اعتبار عدم قدرة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على اتخاذ إجراءات قانونية جادة ضد انتهاكات بعض الأفراد والجماعات العرقية في جميع أنحاء العالم تفسيرًا للجوء الأفراد والجماعات إلى الإرهاب للدفاع عن أنفسهم ضد حملات الإبادة الجماعية (Yahya al-Faqih, 1993). تؤيد روس ذلك عندما تقول إن الصراع العرقي المتزايد في مناطق مختلفة من الدول الشيوعية السابقة قد ساهم في انضمام الأفراد إلى الجماعات الإرهابية وتبني التكتيكات الإرهابية المسلحة كوسيلة للبقاء (Ross, 2006). أحد الأمثلة على هذه الصراعات العرقية هو ما حدث في جمهورية البوسنة والهرسك، بعد تفكك يوغوسلافيا بين 1992-1995. من هذا المنطلق، هناك مخاوف من أن تصاعد التعصب في أوروبا، كما يتضح من زيادة التطرف اليميني وجرائم الكراهية ضد المهاجرين، ولا سيّما المهاجرين العرب، قد يؤدي إلى ظهور حركات إرهابية جديدة في المجتمع الغربي (Hertog, 2009:257-258; Krueger, 2007).
2- العوامل الاقتصادية
تؤدي العوامل الاقتصادية دورًا مهمًا في توجيه سلوك الأفراد والمجتمعات. يمكن أن يؤدي الفقر والأزمات الاقتصادية إلى انهيار أسس بنية اجتماعية معينة، ما سيكون له آثاره على أفراد المجتمع. بمعنى آخر، يتسبب البناء الاقتصادي في نمو أنماط مختلفة من العلاقات الاجتماعية؛ إذا كان هذا البناء مشبعًا اقتصاديًا، أي قائمًا على أسس قوية، فسيجلب التماسك والصلابة الاجتماعية، وإذا كان العكس، سيولِّد السلوك العدواني والعنف (Benhammedi, 2009).
وبناءً على ذلك، يمكن حصر بعض العوامل الاقتصادية التي تجعل الأفراد والجماعات يحتضنون الإرهاب على مستويين: داخلي وخارجي. العوامل الداخلية التي تكمن في بعض المشكلات الرئيسة التي ينتجها المجتمع، بينما تتجلى العوامل الخارجية في العولمة.
1.2 الفقر
بينما يجادل بعض الخبراء في مجال الإرهاب إن الفقر ليس سببًا للإرهاب، كما أنه ليس سببًا ليتخذه الإرهابيون ذريعة كما يحصل في كثير من الأحيان، فإنهم يزعمون أن العديد من أفراد الطبقة الوسطى المتعلمين جيدًا ينخرطون في الإرهاب لأسباب سياسية، بغض النظر عن وضعهم الاقتصادي. يدعي خبراء آخرون أن إفقار وتهميش شرائح كبيرة من المجتمع من العوامل المحفزة الحاسمة، خاصة بين الشباب، لاتباع طريق الإرهاب واللجوء إلى التنظيمات الإرهابية، حيث إنهم مستعدون للتضحية بحياتهم من أجل الوصول إلى مكانة أو التخلص من الواقع الصعب في حياتهم (Benhammedi, 2009). واذا أضفنا الى ذلك اتساع الأحياء الفقيرة والمناطق العشوائية التي يعيش فيها ملايين البشر الذين يفتقرون الى الحدود الدنيا من نوعية الحياة الكريمة، لأدركنا ان هذ العشوائيات تربة خصبة صالحة لتفريخ الجماعات الناقمة والساخطة والتي قد تتحول في ظروف معينة إلى جماعات إرهابية.
هذا ما عبر عنه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بعد تفجيرات 2005 لنظام ترانزيت لندن؛ إن الحرمان ونقص التعليم يدفع الناس إلى تبني وجهات نظر متطرفة والتحول إلى الإرهاب. “في نهاية المطاف، ما نعرفه الآن هو أنه حيثما يوجد تطرف أو تعصب أو أشكال حادة ومروعة من الفقر في مكان ما، فإن العواقب لم تعد ثابتة في ذلك المكان” (Krueger, 2007:16). حتى الرئيس جورج دبليو بوش، بعد 11 سبتمبر، ربط الإرهاب بالفقر، قال: “نحن نحارب الفقر لأن الأمل هو رد على الإرهاب”، وأضافت لورا بوش، “إن النصر الدائم في الحرب ضد الإرهاب يعتمد على تثقيف أطفال العالم” (Ibid: 12). وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى استنتاج مفاده أن التعليم المشوه ينتج جيلًا ضعيفًا قادرًا ومستعدًا لاحتضان الأيديولوجيات والثقافات التي تقف وراء الإرهاب.
من خلال جمع بيانات شاملة حول الخلفية الاقتصادية للإرهابيين، تبين أن الأغلبية العظمى ينتمون إلى الطبقات الدنيا ويفتقرون إلى التعليم الجيد؛ تثبت مثل هذه البيانات أن العديد من الإرهابيين اليمينيين في الولايات المتحدة فقراء وعاطلون من العمل، على سبيل المثال. الأمر نفسه ينطبق على المتطرفين المسلمين الذين نشأوا في الدول الغربية وانخرطوا في العنف والإرهاب، فهم ينحدرون من الطبقة الدنيا (Hertog, 2009: 254-256). صرح وزير الخارجية السريلانكي لاكشمان كاديرغامار أنه “لا يمكننا في العالم النامي ولا في العالم المتقدم أن نسمح للفقر المدقع واليائس، من دون أي أمل في مستقبل أفضل، بأن يصبح حقلًا خصبًا لأولئك الذين يرغبون في تعزيز لهيب الفتنة والكراهية والسماح لهم بأن ينشروا الموت والدمار والإرهاب والفوضى” (Pilat, 2009:176). إنه يعني أن الفقر المدقع، من دون أمل في المستقبل، سيكون تربة خصبة للإرهاب.
يمكن لآثار الفقر على الأفراد أن تجعلهم ضحايا للمتطرفين الراديكاليين، ويمكن رؤية أدلة جيدة على هذه العملية في الشرق الأوسط خلال التسعينيات، حيث أدى اليأس والفقر الذي نشأ من مخيمات اللاجئين إلى تدفق مستمر للمجندين المستعدين للتضحية بأنفسهم مقابل المال لأسرهم التي تعيش في فقر مدقع في هذه المخيمات. ثم بدأ الإسلاميون باستخدام الانتحار سلاحًا، وقاموا بتجنيد العديد من الرجال اليائسين والفقراء من مخيمات اللاجئين في غزة ولبنان، على سبيل المثال، حيث دمر الفقر حياة السكان وأحلامهم المستقبلية. إن موت الشباب لا يجعلهم فحسب شهداء في عيون الآخرين، بل يجلب أيضًا الدعم المالي لعائلاتهم المتبقية من السلطة الفلسطينية والعراق الذي يدعم القضية الفلسطينية (Norell, 2002: 15-16).
2.2 البطالة
لا شك في أن استفحال ظاهرة البطالة، والتي ضربت ملايين الشباب، وقضت على آمالهم في ممارسة حياة طبيعية كغيرهم من المواطنين العاملين، يمكن أن تكون لها صلة ما بظاهرة الإرهاب.
يمكن للبطالة، خاصة بين الشباب، أن تولِّد الشعور بالعجز واليأس من جهة، والغضب والإحباط من جهة أخرى. علاوة على ذلك، فإن الافتقار إلى الإحساس بشيء يعيش من أجله الإنسان، يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في جعل هؤلاء الشباب هدفًا سهلًا لمجموعات مختلفة، متطرفة دينيًا أو سياسيًا (Benhammedi, 2009:4-5). هؤلاء الشباب الذين يعيشون مع شبح الفقر واليأس من دون أي أمل في المستقبل يصبحون ضحايا الجماعات الإرهابية الانتهازية، وهدفًا سهلًا للتجنيد من خلال منحهم حوافز مادية وأحيانًا دفع رواتب شهرية. وبالتالي، فإن الفقر والبطالة، مع الشعور باليأس، من الدوافع الرئيسة لأولئك الشباب الذين يبحثون عن المعنى في حياتهم ومستعدون لفعل أي شيء يجعلهم يشعرون بقيمة أنفسهم، حتى لو كانت الأعمال التي يشاركون فيها أعمال عنفٍ أو دموية.
ويمكن القول إن بعض الشباب ممن ينضمون إلى الجماعات الإرهابية يكون دافعهم إحساس الفرد بقيمته، وأنه يمكن أن يشغل وضعا اجتماعيا متميزا داخل التنظيم الإرهابي الذي عادة ما يقوم على أساس تراتبي تتدرج فيه مكانات أعضاء التنظيم، فهناك في الجماعات الإسلامية الإرهابية أمراء التنظيم الذين يحظون في العادة بمكانة عليا وينالون احترامًا عميقًا بل وتوقيرًا من قبل أعضاء التنظيم العاديين. غير أنه بين الأمير والأتباع العاديين هناك مراتب وسطى مهمة مثل المسؤول عن تخطيط العمليات، والخبير العسكري، والقادة الفرعيين. شغل هذه المناصب وتبوّء المكانات المتنوعة في التنظيم من شأنه أن يشبع لدى العديد من شباب الإرهاب الحاجة إلى الاعتراف بقيمته، وتقدير مواهبه، حتى ولو كانت تصب في الحوادث الإرهابية.
ويشير شميد إلى أن التعليم من دون فرص للعمل هو مزيج انفجاري يمكن أن يؤدي إلى الإحباط والاكتئاب لدى الشباب، خاصة في المجتمعات العربية حيث يظهر هذا المزيج المتفجر في توسع التربية الإسلامية التقليدية التي توفر مهارات قليلة للمشاركة في المجتمعات العصرية. ولكنها تسمح بنمو الفكر الأصولي الديني المناهض للحداثة والعلمنة. يؤدي غياب فرص العمل للشباب إلى التوسع في مجالات التعليم الديني الذي ينتج بدوره جيلًا دينيًا متطرفًا غير قادر على الظهور والاندماج في عصر الحداثة (Schmid, 2007:26).
يُظهر بحث بيداهزور أن حزب الله وحزب العمال الكردستاني والجماعات الشيشانية والفلسطينية تجند الشباب العاطلين عن العمل الذين لم يجدوا مكانهم في المجتمع، بدلًا من القوميين المتحمسين الملتزمين بالتغيير السياسي. وبالمثل، جندت الجماعات الإرهابية الماركسية تاريخيًا شبانًا عاطلين من العمل بحياة شخصية غير متحققة، ويفتقرون إلى التوجيه السياسي (Abraham, 2008:100). وبالمثل، يقترح جريجوري جونسون أن القاعدة، على الأقل في اليمن، لا تركز في تجنيدها على الجهاديين الملتزمين، بل على الشباب المسلمين المهمشين اجتماعيًا إلى حدٍّ كبير (Jonson, 2007). كما أشير إلى أن معظم التنظيمات الإرهابية تتكون من رجال غير متزوجين أو أرامل لم يعملن بأجر قبل التحاقهن بها (Schmid, 2007:26).
3.2 الاضطرابات الاقتصادية
وفقًا لروس، فإن الاضطرابات الاقتصادية تعمل كمحفز بين الأفراد والسكان على نطاق أوسع للجوء إلى الإرهاب والانضمام إلى الجماعات الإرهابية. على سبيل المثال، تعرضت كولومبيا وأيرلندا الشمالية لجميع أنواع صعوبات العمل والعنف الإجرامي؛ يؤثر عدم الوصول إلى التعليم والوظائف الجيدة على قدرة الفرد على المضي قدمًا، اجتماعيًا واقتصاديًا. الاضطرابات العمالية هي أيضًا موضع خلاف بالنسبة إلى الفلسطينيين، الذين غالبًا ما يتقاضون القليل من المال، وينظر إليهم على أنهم مصدر للعمالة الرخيصة من قبل الشركات الإسرائيلية التي تهتم بتوظيفهم (Ross, 2006: 131-136). Labor unrest
لقد أثر ظهور الأيديولوجيات الثورية التي تمثلها المنظمات اليسارية الشيوعية ردًّا على النظام الرأسمالي وعواقبه، مثل الاحتكار والظلم وعدم المساواة، في الأشخاص الذين لديهم الأيديولوجيات نفسها وردّات الفعل ذاتها ضد هذا النظام الجديد، وعملوا معًا للنضال ضده والقضاء عليه. وقد تم تبني هذه الأيديولوجيات من قبل الحركات الطلابية في مختلف دول أوروبا وأميركا في ستينيات القرن الماضي. لجأت هذه الحركات إلى الأعمال الإرهابية بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها في تغيير البنية السياسية والاقتصادية الجديدة (Yahya al-Faqih, 1993: 32, 34).
إضافة إلى ذلك، أثارت عملية التحول الاشتراكي في نهاية الستينيات، خاصة في العالم الثالث، إحساسًا بالمخاوف الفردية والتشتت الاجتماعي؛ ظهور نماذج اجتماعية جديدة أنشأها المجتمع الصناعي لا يمكن أن يقلل من التعقيد المتزايد للمعيشة. أنتجت هذه النماذج أزمات اقتصادية قد تساعد في ظهور بعض الحركات التي تمارس العنف والإرهاب (Ibid).
إلى جانب كل هذا، فإن أزمة الاقتصاد الداخلي الذي يفتقر إلى العدالة الاجتماعية ويحفز الصراع الطبقي تؤدي دورًا حاسمًا في خلق شعور بالغضب والاستياء لدى طبقة معينة يمكن أن يتجلى في ردة فعل متطرفة مصحوبة بأعمال إرهابية. إن غياب العدالة والتوزيع العادل للثروة والموارد من أجل التنمية يخلق ويوسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ما يؤدي بدوره إلى نظام اجتماعي مختل يتميز بالحرمان الاجتماعي الجماعي الذي قد يحرض الأفراد على اعتناق الإرهاب كردة فعل على مظالمهم (Benhammedi, 2009:5). بعبارة أخرى، أدت الفجوة المتزايدة بين الطبقات وتزايد عدم المساواة إلى انضمام الأفراد إلى المنظمات الإرهابية التي ترتكب أعمالًا إرهابية باسم توزيع أكثر إنصافًا للثروة والعدالة (Schmid, 2007: 25-26).
إن الفقر والبطالة والقمع والإقصاء والتهميش وغياب العدالة الاجتماعية كلها عوامل تؤدي إلى انحراف الأفراد والجماعات إلى داخل طريق الإرهاب والانضمام إلى التنظيمات الإرهابية. إلى جانب هذه المعادلة، هناك عدد من العوامل الخارجية التي يجب أخذها في الحسبان. أحد هذه العوامل هو العولمة ونتائجها على المستويين الوطني والدولي.
4.2 العولمة
إذا كنا نضع النظم السياسية المعاصرة في بؤرة الضوء في ما يتعلق بعملية إنتاج الإرهاب، فإن الأسباب الاقتصادية لا يمكن عزلها عن سببية الظاهرة. والأسباب الاقتصادية لا تكمن فقط في الفقر المتقع الذي اتسعت دوائره بشكل سرطاني نتيجة سياسات العولمة التي أطلقت العنان للرأسمالية المتوحشة، ولكن أيضًا لازدياد الفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء في عديد من البلاد المتقدمة والنامية على السواء.
كان لظهور العولمة كنظام عالمي جديد العديد من النتائج السلبية: فقد أطلق العنان للرأسمالية في أعلى مستوياتها، ما أدى إلى زيادة التقسيم الطبقي بين الشمال العالمي الغني والجنوب العالمي الفقير، الأمر الذي أدى بدوره إلى تأجيج السخط والكراهية بين البلدان الغنية التي أصبحت أكثر ثراءً، والبلدان الفقيرة التي أصبحت أكثر فقرًا (Benhammedi, 2009:5). لقد أدى الظلم وعدم المساواة على المستوى الدولي إلى زيادة الفقر والتخلف في الدول الفقيرة نتيجة لنظام جديد يقوم على مصالح الدول الغنية. تصبح الدول الفقيرة غير مؤهلة وغير قادرة على الإبحار في هذا النظام غير المتكافئ. وبعبارة أخرى، فإن التفاوت المتزايد نتيجة للعولمة الاقتصادية وسياستها غير العادلة يعمل كمحفز للفرد للانضمام إلى المنظمات الإرهابية التي تتبنى ثقافة الإرهاب باسم توزيع أكثر إنصافًا للثروة على المستويين الوطني والدولي (Schmid, 2007: 21). واستنادًا إلى المنطق نفسه، جادل مروان بشارة بأنه “عندما يشعر الناس بالدونية عسكريًا واقتصاديًا، فإنهم يتبنون وسائل غير متكافئة – وليس الوسائل المعتادة – للحصول على ما يريدون” (Johnston, 2001).
يقول يحيى الفقيه إن العالم الحديث أكثر زعزعة للاستقرار وأكثر عرضة لخلق ردودٍ متطرفة، مثل الإرهاب. حيث الإرهاب هو مقاومة للتغيير الجذري الناتج عن العولمة، إذ يشعر الناس أنها خارجة على سيطرتهم، ولا تجلب سوى المزيد من الظلم والفقر إلى بلدانهم. هذا هو السبب في أن الجهاديين يهاجمون الاستيلاء المتصور على مجتمعاتهم من قبل الشركات العالمية، كردّة فعل عنيفة ضدّ العولمة (Yahya al-Faqih, 1993: 33-34; Schmid, 2007: 181). وبكلمات أخرى؛ إن نجاح الرأسمالية في معظم أنحاء العالم، بقوة الشركات العالمية، قد أثر في حياة مليارات الأشخاص الذين يتناثرون على هوامش التغيير الاقتصادي الجذري، أولئك الذين عانوا من هذه التغييرات على أنها تهديد لهوياتهم الذاتية، هم الذين ينجذبون إلى المنظمات الإرهابية، مثل القاعدة.
بعد دراسة الحجج القائلة إن الانخراط في الإرهاب ينبع من الاضطرابات الاقتصادية والفقر والبطالة والآثار السلبية للعولمة، أود أن أذكر وجهة نظر معارضة يمثلها الخبير الاقتصادي آلان كروجر الذي طبق تحليلًا إحصائيًا صارمًا للإرهاب والعوامل التي تحفِّز الأفراد على المشاركة في الإرهاب، واستخلاص النتائج من خلفيات الإرهابيين والظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمعات التي أتوا منها. فهو يذكر أن الحرمان الاقتصادي والافتقار إلى التعليم لا يدفعان الناس إلى تبني وجهات نظر متطرفة والتحول إلى الإرهاب. وذكر أن نصف سكان العالم يعيشون على 2.00 دولار في اليوم أو أقل، وأن أكثر من مليار شخص في جميع أنحاء العالم حاصلون على تعليم ابتدائي أو أقل، وأن نحو 785 مليون بالغ أميون (Krueger, 2006: 3). لذلك إذا كان الفقر وعدم كفاية التعليم سببين للإرهاب، فستكون النتيجة أن العالم سيكون مكتظًا بالإرهابيين. ويجادل بأن الإرهابيين تحركهم أهداف سياسية قوية، وأنهم يحاولون فرض رؤيتهم المتطرفة بوسائل عنيفة.
توصل مارك ساغمان إلى النتيجة نفسها من خلال دراسة عن إرهابيي القاعدة في أفغانستان، كشفت عن أن نحو 35 في المئة من أعضائها كانوا من المتعلمين، ومن الطبقة المتوسطة (ساغمان، 2004). لكن هذا يطرح السؤال: ماذا عن الـ 65 في المئة؟ أليس هذا دليلًا على أن الحرمان الاقتصادي ونقص التعليم يمكن أن يدفعا الأفراد للانضمام إلى هذه المنظمات الإرهابية؟ أليس هناك احتمالية لأن يتم استغلال هؤلاء الأشخاص المحرومين اقتصاديًا من قبل فئة الـ 35 في المئة، واستخدامهم أداةً لتحقيق أهدافهم ذات الدوافع السياسية أو الدينية؟ أليس من الواضح أن كل هذه الآراء المتضاربة حول الأسباب والدوافع وراء انحراف الفرد تعزِّز فكرة تعقّد ظاهرة الإرهاب على المستويين الوطني والدولي؟
3- العوامل الاجتماعية والثقافية
وهكذا يتضح من العرض السابق تضافر عوامل عدة في إنتاج ظاهرة الإرهاب، حيث تختلط العوامل السياسية بالاقتصادية، غير أنه ينبغي ألا ننسى العوامل الثقافية والاجتماعية.
1.3 الروابط الاجتماعية
يتحدى ماكس أبراهام النموذج الاستراتيجي – النموذج السائد في دراسة الإرهاب – الذي يفترض أن الإرهابيين هم فاعلون عقلانيون يهاجمون المدنيين لأغراض سياسية، وأن الأشخاص العقلانيين يشاركون في المنظمات الإرهابية لتحقيق أهدافهم السياسية المعلنة (Abraham, 2008:78, 84). باستخدام الأدلة التجريبية، قدم إبراهيم نظرية منافسة خلاصتها أن الغايات الاجتماعية هي التي تحفز الإرهاب حقًا: يجادل بأن الدافع للأشخاص الذين يشاركون في المنظمات الإرهابية ليس ارتباطًا شخصيًا بأجندتهم السياسية أو الأيديولوجية، بل هو نوع من البحث الفردي عن الهوية والرغبة في أن تكون جزءًا من المجتمع. بعبارة أخرى؛ الشعور بالتضامن من خلال المشاركة في جماعة اجتماعية تسمى “condition of communion” (ibid: 95).
تظهر العديد من الدراسات في مجال الإرهاب أن هذه التنظيمات الإرهابية تجتذب الأشخاص المنفصلين والمعزولين اجتماعيًا، الذين يعانون الشعور بالوحدة والرفض والاستبعاد من مجتمعاتهم. نتيجة لذلك، يسعى الأفراد للحفاظ على الروابط الاجتماعية أو تطويرها مع زملائهم الإرهابيين، وفي الوقت نفسه تقليل إحساسهم بالغربة عن المجتمع. وتؤكد هذه الحجة أن “الروابط الاجتماعية سبقت الالتزام الإيديولوجي الذي كان نتيجة وليس سببًا للانضمام إلى عضوية إرهابية” (Ibid: 98)، وقد ثبت ذلك أيضًا من خلال دراسة جونسون حول تنظيم القاعدة في اليمن، والتي تبين أن مجموعة من القادة ذوي الخبرة تركز تجنيدها على الشباب المسلمين المهمشين اجتماعيًا بلا توجه (Johnsen, 2007).
أجرى أبراهام دراسات على أعضاء من منظمات إرهابية مختلفة، مثل الجيش الجمهوري الأيرلندي، وإيتا، والحزب الشيوعي الايطالي، وفصيل الجيش الأحمر، والكتائب الحمراء، إضافة إلى Weather Underground، وأخيرًا حزب العمال الكردستاني، وأظهر أن معظم أعضاء هذه الجماعات قد انضموا إلى هذه المنظمات ليس بسبب ارتباطها بأجندات سياسية أو أيديولوجية، ولكن للتواصل وتطوير العلاقات الاجتماعية مع أعضاء إرهابيين من مجموعات أخرى. وفقًا لدراسة جديدة حول تنظيم القاعدة وحماس والجهاد الإسلامي، فإن الإرهابيين ينضمون أيضًا إلى هذه المنظمات لأنه يوجد مسبقًا أصدقاء وأفراد من العائلة في داخلها (Abraham, 2008:97). وقد دعمت ذلك أيضًا دراسة تستند إلى مقابلات مع منظمات إرهابية تركية، حيث ينضم الإرهابيون إلى المنظمات لأن أفراد العائلة أو الأصدقاء موجودون بالفعل هناك (Schmid, 2004:11). وقد أسفرت دراسة سيجمان عن 114 مجاهدًا سلفيًا عن نتيجة مماثلة، حيث تعدّ روابط الألفة والصداقة مهمة جدًا في تجنيد الإرهابيين (Sageman, 2004:79). وهذا يؤكد أن الانتماء الاجتماعي يؤدي دورًا مهمًا في ضم الأفراد إلى الجماعات الإرهابية.
تبرز أهمية الانتماء الاجتماعي أيضًا من خلال ظاهرة الإرهاب الدولي، حيث توافد الإرهابيون إلى الأماكن التي يتجمع فيها الإرهابيون الآخرون، على الرغم من أن وجودهم معًا لا علاقة له بتوجهاتهم السياسية. في عام 1970، التحق آلاف الإرهابيين من العديد من المنظمات من دول مختلفة بمعسكرات تدريب تديرها منظمة التحرير الفلسطينية، وحدث الشيء نفسه خلال الحرب في أفغانستان في عام 1980 ومنتصف 1990: تحول نشاط الإرهابيين أولًا إلى أفغانستان للتدريب مع الأفغان المجاهدين ثم إلى معسكرات القاعدة (Abraham, 2008:100). وما نلاحظه الآن دوليًا بعد صعود الربيع العربي هو دليل على أن الإرهابيين قد حولوا تركيزهم إلى حيث بدأت الحرب. يمكن رؤية مثال على ذلك هو تنظيم الدولة الإسلامية (IS) في العراق وسورية. وقد توافد عدة آلاف من الإرهابيين من أنحاء كثيرة من العالم إلى معسكرات التدريب.
التضامن والجماعة الاجتماعية وشغف التحدي وحب المغامرة كلها تجارب جذابة للشباب الذين يبحثون عن الصداقة والإثارة من دون الأخذ في الحسبان الخلفيات السياسية للإرهابيين الآخرين (Stern, 2003:4-7). وبناءً على ذلك، يوصي أبراهام بأن تركز عمليات مكافحة الإرهاب جهدها على تقليص الفوائد الاجتماعية للمنظمات الإرهابية، وهي أكثر ما يقدّره هؤلاء الأفراد. (ibid: 105).
2.3 الاغتراب الثقافي
يعدّ الاغتراب الثقافي من أهم المشكلات التي تشكل سببًا حاسمًا في انحراف الشباب نحو العنف. يمكن لأولئك الذين يعيشون على هامش المجتمع أن ينظروا إلى المنظمات الإرهابية على أنها ملجأ للعثور على هوية الانتماء. هذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة إلى المهاجرين غير المندمجين في أوروبا، خاصة المهاجرين المسلمين الشباب في الدول الغربية الذين تركوا وطنهم الأصلي وانفصلوا عن عائلاتهم وأصدقائهم، يشعرون أيضًا بأنهم منفصلون عن المجتمع المضيف الذي يعيشون فيه (Sageman, 2004:92). يشعر عدد كبير من المسلمين الأوروبيين بأنهم محرومون وأن المجتمع المضيف لا يقبلهم. ونتيجة لذلك، أصبح العديد من الشباب متطرفين على يد رجال الدين المسلمين الذين حذروهم من الاندماج، وقدموا لهم بدلًا من ذلك رؤية سلفية أو جهادية للإسلام.
وفقًا لـ ساغمان، فإن معظم الإرهابيين الذين يشاركون في حركة الجهاد الإسلامي السلفية العالمية هم مهاجرون من شمال إفريقيا (المغرب والجزائر وتونس) وغيرها من دول الشرق الأوسط، نشأوا في المجتمعات الغربية بمشاعر العزلة والاغتراب. لم يكونوا متدينين بشكل عام، لكن إحساسهم الشخصي بالظلم والإذلال زاد من خلال عدد من التجارب: الشعور بالوحدة وما يترتب على ذلك من اغتراب عاطفي في هذه المجتمعات الفردية الجديدة؛ الافتقار إلى الروحانية في الثقافة النفعية؛ وكذلك العمالة الناقصة والتمييز داخل المجتمع المحلي. وبسبب الوحدة، سعوا إلى المساجد المحلية التي تمنحهم الصداقات المجتمعية والراحة العاطفية (Sageman, 2004:73-80). وأدّت هذه المساجد دورًا حاسمًا في تحول هؤلاء الشباب المسلمين المنعزلين أو المستبعدين من المجتمع والذين يعيشون على هامش المجتمع في الضواحي ذات الأغلبية من المهاجرين إلى مجاهدين سلفيين عالميين، وتحويلهم إلى متعصبين يتوقون إلى القتل والاستشهاد. هذا ما وجده شميد في بحثه: إن العديد من المهاجرين المسلمين في أوروبا الغربية يبحثون عن هوية ودور في الحياة والمجتمع نتيجة لوجودهم بين ثقافتين. هؤلاء الشباب المسلمون المهمشون الذين يشعرون بالعجز والإهانة في الغرب، تتم توعيتهم بمعاناة ومظالم المسلمين الآخرين في أجزاء أخرى من العالم، مثل العراق وكشمير والشيشان، من خلال الأئمة وأشرطة الفيديو ومواقع الإنترنت، ويوجهون غضبهم باتجاه مصدر الظلم، حيث قد يقودهم هذا الغضب إلى تنظيم إرهابي جهادي (Schmid 2007, 15).
3.3 العقول المغلقة
لا شك أن العوامل الثقافية تؤدي أحيانًا دورًا حاسمًا في إنتاج الإرهاب، خاصة عندما تتبنى هذه العوامل الثقافية رؤية للعالم تتسم بالانغلاق الفكري والركود النفسي (Ysine, 2005). وغالبًا ما يتم تكوين هذه الرؤية المنغلقة للعالم في إطار الجماعات الإرهابية الإسلامية كحصيلة لعملية نقد عنيفة للدولة والمجتمع والثقافة.
أما الدولة فقد شاع في أدبيات هذه الجماعات، نعتها بالكفر لأنها دولة علمانية تطبق القوانين الوضعية ولا تطبق شرع الله. أما المجتمع فهو لديهم، انسياقًا وراء طروحات سيد قطب، مجتمع جاهلي غارق في الخطيئة ويحتاج الى استخدام العنف لتقويمه. ويبقى أخيرًا نقد الثقافة السائدة والتي هي في عرفهم ثقافة مخترقة بالأفكار الغربية الفاسدة، ولا بدّ من خلال استخدام فئات الحرام والحلال تعديل مسارها ولو باستخدام القوة المسلحة.
إن السمة الأساسية للعقول التي يتم غزوها بهذا الفكر المسموم هي أنها تصبح عقولًا مغلقة، لا يمكنها قبول الآخر، ولا تتسامح مع تنوع الآراء، وترفض الحوار مع الآخر بشكل مطلق. يسعى أصحاب تلك العقول لتغيير الواقع بالقوة المسلحة، حتى لو أهدرت دماء المسلمين، سعيًا وراء المثل الأعلى الذي صاغته أفكار أمراء الجماعات الإرهابية. يريدون إقامة دولة دينية تقوم على الشريعة. هؤلاء الأفراد ذوو العقول المغلقة هم ضحايا هذه الرؤية التي ترفض الثقافة “الحديثة” وتحاول محاربتها بالوسائل كافة، بما فيها الصراع المسلح، لأنهم يرون أنها ثقافة غزتها الثقافة الغربية الفاسدة.
ما نراه من الأعمال الإرهابية العنيفة في المنطقة العربية في العقود الماضية هو حصيلة انقسامات أيديولوجية وثقافية حادة بين تيارين فكريين مختلفين في العالم الإسلامي. أحدها يدعو إلى بناء حياة قائمة على الشرعية العلمانية، ويرفض التقاليد والعادات الاجتماعية والدين، معتبرًا إياها عقبات في طريق التقدم الحضاري. والآخر تيار ديني متطرف معارض للحضارة الحديثة، وكل ما يتعلق بأفكار التقدم الحضاري: فهم يرون أن الحضارة الحديثة مفسدة للأخلاق وسببٌ لتفكك الأسرة (Al-Hussein, 2011). وهذا الانقسام في التفكير ناتج عن وجود خطأ فكري وديني لدى بعض الجماعات الدينية التي تؤمن بالدفاع عن الإسلام والجهاد باسم الدين نتيجة شعورهم بالدونية والتهميش من قبل الدولة.
يمكن لهذه المجموعات تجنيد الأفراد الضعفاء الذين يكونون ضحايا نظام تعليمي يفتقر إلى الحوار الفكري مع الآخر ومحدود في أساليب التعلم. تدور هذه الأساليب حول الحفظ والتعلم عن ظهر قلب للمواد الدراسية، حيث يغيب التفكير النقدي والحوار البناء من قبل المربي والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام. كل هذا له دور في شلّ فكر الأفراد وجعلهم عرضة لثقافة الإرهاب والتوجهات الفكرية الراديكالية التي تتبنى العنف (Ibid). وهذا يدعم ويقوي دور العوامل الفكرية في تكوين السلوك والفكر الإرهابي، حيث يرفض الأفراد الواقع ويسعون لمحاربة المبادئ والمعتقدات الحديثة من خلال قتل وتدمير الآخرين، ما يعكس عدم قدرتهم على التفكير الفردي.
4- عوامل نفسية
يؤدي علم النفس دورًا حاسمًا في سلوك الإرهابيين، فالأفراد ينجذبون إلى طريق الإرهاب بهدف ارتكاب أعمال عنف، وهذا يصبح منطقهم الخاص الذي يرتكز على سيكولوجيتهم وينعكس في خطابهم، ويقدِّم لهما المبرِّرات لأفعالهم العنيفة (Reich, 1998: 25). يقوم خطاب الإرهابيين على الاستقطاب والاستبداد. إنه خطاب (نحن ضد الـ هم)، حيث لا توجد ظلال رمادية. إنهم يرون أن الآخر (الـ هم)، أصل الشر، وينظرون إلى أنفسهم، (الـ نحن) بوصفهم مناضلين من أجل الحرية، فالآخر هو مصدر مشكلاتهم وفقًا لمنطقهم النفسي الخاص، ولهذا السبب يجب تدميره (Ibid: 26). هذا الخطاب مدفوع ببحث الإرهابيين عن الهوية، ما يساعد في تفسير انضمامهم إلى حياة الإرهاب.
1.4 فرضية العدوان النرجسي
فرضية النرجسية العدوانية هي نهج يأخذ في الحسبان الرفاهية العقلية للإرهابيين منذ التطور المبكر لسلوكهم. في الأساس، “إذا لم يتم تحييد النرجسية الأولية في شكل (الذات العظيمة) عن طريق التجربة الواقعية، فإن هذا ينتج أفرادًا معتلّين اجتماعيًا ومتعجرفين ويفتقرون إلى سمة احترام الآخرين”. ينتج عن هذا حالة من الهزيمة النرجسية التي يمكن أن تؤدي إلى ردة فعل من الغضب، والرغبة في تدمير مصدر الأذى النرجسي(Hudson, 1999: 20) ، وكمظهر من مظاهر الغضب النرجسي، يحدث الإرهاب في سياق الأذى النرجسي، حيث يكون الإرهاب محاولة للحصول على السلطة أو الحفاظ عليها عن طريق التهديد (Ibid).
هناك سمة شخصية للأشخاص الذين ينجذبون إلى الإرهاب وهي “الاعتماد على الآليات النفسية لـ “التخارج” و”الانقسام” (Ibid: 21)، وهذه الآليات النفسية موجودة في الأفراد الذين يعانون النرجسية أو اضطرابات الشخصية الحديّة، والتي تساهم، بشكل كبير، في توحيد الأسلوب الخطابي للإرهابيين ومنطقهم النفسي الخاص (Ibid).
يوضح بوست Post أن “الانقسام” آلية مميزة للأفراد الذين يتشكل نمو شخصيتهم من خلال نوع معين من الضرر النفسي (الإصابة النرجسية) أثناء الطفولة. هؤلاء الأفراد الذين يعانون فهمًا متأذّيًا للذات قد فشلوا في تحمّل الجوانب السيئة لأنفسهم وبيئتهم ودمجها مع الأشياء الجيدة في كلٍّ واقعي. بمعنى آخر، فشلوا في دمج الأجزاء الجيدة والسيئة من الذات، وبدلًا من ذلك قاموا بتقسيم الخير والشر إلى “أنا” و “لست أنا” (Post, 1986:678).
الفرد الذي يتمتع بهذه الشخصية يجعل “ذاته العظيمة” مثالية، وينسب كل الضعف المكروه إلى الآخرين. إنهم يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على آليات الانقسام والتخارج، ويتطلعون إلى الخارج بحثًا عن مصدر الصعوبات، وبالتالي فهم في حاجة إلى عدو خارجي يلومونه، وهذا يعكس الآلية المهيمنة للكاريزما المدمرة التي لا تستطيع مواجهة العيوب الذاتية. هؤلاء الأفراد، مثل هتلر، يحتاجون إلى عدو خارجي يلومونه ويهاجمونه بسبب عيوبه وضعفه (Ibid: 681). هذا البيان: ليس نحن – بل هم؛ هم سبب مشكلاتنا، يقدم تفسيرًا نفسيًا لما حدث من خطأ في حياتهم.
تشير البيانات التي تم اختبارها من قبل بوست (Post, 1986)، بما في ذلك البيانات الخاصة بإرهابيي ألمانيا الغربية، إلى أنهم يتميزون بجروح نرجسية واعتماد مسيطر على الآلية النفسية للانقسام والتخارج (Reich, 1998:29). إنهم إرهابيون لديهم صراع حاد خاصة مع الآباء، وفي الوقت نفسه يظهر أنهم فشلوا على الصعيدين التعليمي والمهني في حياتهم. وبالتالي، فهم ينجذبون إلى الجماعات الإرهابية التي لديها وجهات نظر على أساس “نحن” في مقابل “هم”. لكن يبدو أن هذه الدراسة تتناقض مع العدد المتزايد للإرهابيين المهنيين المتعلمين جيدًا، مثل المهندسين والفيزيائيين والكيميائيين، كما كان الحال مع أوم شينريكيوAum Shinrikyo، حيث كان جميع الأعضاء تقريبًا محترفين متعلمين (Hudson, 1999:21).
طور شاو Shaw (1986:365) ما أسماه “نموذج المسار الشخصي”، معتبرًا أن السلوك الإرهابي هو نتيجة لإصابات نرجسية لم يتم حلها ونكسات شخصية مؤلمة، ما يتسبب في إصابة الأفراد بجروح نفسية عميقة تفسر سبب انخراطهم في أعمال إرهابية، يمكن عزوها إلى المعاناة من الأضرار المبكرة التي لحقت بتقدير الذات والهوية المضطربة وعدم القدرة على التعامل مع الإحباطات الكبيرة في الحياة (Arena & Arrigo, 2005:486). في هذا الصدد، أشار Post (1984) إلى أن الحاجة الأساسية للفرد إلى الانتماء إلى جماعة إرهابية هي نتيجة لهوية نفسية اجتماعية غير مكتملة أو مجزأة.
2.4 فرضية العدوان والإحباط
هناك أسباب كامنة وراء أشكال الإرهاب وأعمال العنف، وهي البؤس والإحباط والشعور بالظلم واليأس، ما يدفع بعض الأفراد للجوء إلى الإرهاب لإحداث تغييرات جذرية (Yahya al-Faqi, 1993). تتبنى روس حجة بعض العلماء بأن الإرهاب يمكن أن يكون سببه الإحباط. يجادلون بأن بعض الإحباط يمكن أن يظهر أو يعبر عن نفسه بصيغة العدوان، وسيعتمد الإحباط على عدم الرضا المتراكم والمظالم. يتسبب العدوان والإحباط في قيام الأفراد بالهجوم على أهداف إحباطهم بأنفسهم. يعاني العديد من الإرهابيين الإحباط والحاجة إلى تعويض نقص المعنى في حياتهم المهنية السابقة أو الرغبة في تعديل أو معالجة المظالم التي يحملها الآخرون (Ross, 2006: 83-89). قد تكون فكرة العدالة أو الإنصاف أكثر ارتباطًا بالمواقف تجاه العنف والإرهاب من الشعور بالحرمان الاقتصادي (Crenshaw, 1981:383). كرينشو تعني أن الظلم الملحوظ الكامن وراء الحرمان هو الذي يسبب الغضب والإحباط للإرهابيين، ويجب أن يُلقى حدوث الإرهاب على عاتق الحكومات التي تتحمل المسؤولية عن مظالم ومعاناة الناس.
يمكن ملاحظة ذلك في عهد روسيا القيصرية عام 1870، حيث لم يجد الطلاب الشباب والمتحمسون طريقة أخرى سوى إلقاء القنابل لتغيير الوضع السياسي. وفي ألمانيا ما بعد الحرب، قامت الحكومة الوحشية التي لم ترغب في الاستماع بضرب احتجاجات جيل الشباب المحبط. من هذا الإحباط، وُلد فصيل الجيش الأحمر، بالتوازي مع المنظمات الإرهابية الألمانية الغربية التي كانت مأوى للأفراد المحبطين الذين رفضوا الاستسلام (Kumm, 2003:25).
3.4 الهوية السلبية
وفقًا لنظرية إريكسون في تكوين الهوية، ولا سيّما مفهومه عن “الهوية السلبية”، يرى كنوتسون (1981) أنه في حال حدوث أزمات متفاقمة، قد ييأس الفرد من القدرة على احتواء هذه العناصر السلبية في هوية إيجابية. يقترح أن الإرهابي السياسي يتخذ بوعي هوية سلبية. يعطي مثالًا لإرهابي كرواتي ينتمي إلى أقلية عرقية مضطهدة أصيب بخيبة أمل بسبب فشل طموحه في الحصول على تعليم جامعي، ونتيجة لذلك اتخذ هوية سلبية من خلال تحوله إلى إرهابي (Hudson, 1999:20). يعتقد كنوتسون أن الإرهابيين ينخرطون في الإرهاب نتيجة مشاعر الغضب والعجز بسبب عدم وجود بدائل، والتي يبدو أنها تتزامن مع فرضية الإحباط والعدوان. أبو نضال، على سبيل المثال، كان قادرًا على تجنيد الشباب المغتربين والفقراء وغير المتعلمين الذين يسعدهم أن يكونوا قادرين على التعريف عن أنفسهم بكونهم ضمن مجموعة يقودها شخصية معروفة، لكن غامضة (Hudson, 1999:25).
وتدفع الهوية السلبية هؤلاء الأفراد إلى التحول باتجاه الحصول على الهوية الجماعية للجماعات الإرهابية والمتطرفة من أجل اختبار الهدف والمعنى في حياتهم. أثبتت دراسة مبنية على فحص الإرهابيين المسجونين أن الأفراد يتبنون الهوية السلبية عندما يدركون أنهم يعيشون في مجتمع مهمش، فهم يعيشون على هامش المجتمع من دون أي دعم، وفي الوقت نفسه يشعرون أنهم محرومون من أن يكونوا أعضاء في مجتمعهم (Arena and Arrigo, 2005:486). يقدم كرينشو Crenshaw (1986) استنتاجًا مشابهًا، مشيرًا إلى أن الأفراد ينجذبون إلى المنظمات الإرهابية أو الحركات المتطرفة لأنهم يفتقرون إلى إحساس قوي بالهوية، ويجدون الراحة في العقيدة الاستبدادية للمنظمة. الأمر نفسه ينطبق على بوست Post الذي وجد أن هؤلاء الإرهابيين يعانون تشظي الهوية النفسية والاجتماعية، وأن العنف السياسي مدفوع ببحث الفرد عن الهوية (المرجع نفسه: 488).
4.4 أزمة الهوية واكتساب القوة
تؤدي أزمة الهوية، أي الفشل في تحقيق هوية الأنا خلال فترة المراهقة، دورًا حاسمًا عند الأفراد في إيجاد طريقهم إلى مجموعة إرهابية. إن فقدان الهوية وضرورة الانتماء يدفعان معظم الأفراد للانضمام إلى الجماعات المتطرفة والإرهابية. تمنحهم هذه المجموعات لأول مرة الشعور بالانتماء والشعور بالأهمية (Hudson,1999:35; Reich,1998:31). غالبًا ما توفر العضوية في جماعة إرهابية إحساسًا بالهوية والمعنى والانتماء والموافقة الاجتماعية للأفراد الذين يعانون فقدانًا أو اضطرابًا في الهوية. إنهم على وجه الخصوص شباب معزولون ومنفصلون يعيشون على هامش المجتمع. لذلك، فإن هذه الجماعات الإرهابية توفر لهم الهوية والأهمية الذاتية، وتحقق دورًا تقليديًا في المجتمع، وإن كان دورًا سلبيًا تعويضيًا عن خسائرهم الماضية كأفراد. وبالتالي، فإن الهوية الإرهابية هي حلٌّ لجميع حاجاتهم الشخصية الملحة التي يعانونها (Hudson,1999:13; Shaw,1986:366; Borum, 2004:25). هذا هو السبب في أن الإرهابيين الذين يأتي إحساسهم الوحيد بأهميتهم من كونهم إرهابيين لا يمكنهم التخلي عن الجماعات الإرهابية أو الانسحاب منها، لأنهم بذلك سيفقدون سبب وجودهم (Reich, 1998:38).
لذا، في ما يتعلق بالأصولية الدينية، خاصة الأصولية الإسلامية، فهي أكثر من تمرد للشباب المحاصرين بين الماضي التقليدي والتعليم الغربي العلماني (Hudson, 1999:42). غالبًا ما يؤدي الوقوع بين ثقافة إسلامية توفر القيم الأخلاقية والرضا الروحي وثقافة غربية حديثة توفر الوصول إلى التحسين المادي، إلى القلق والعزلة والارتباك، وقد تؤدي هذه بأصحابها إلى الوصول إلى طريق الجماعات الإرهابية.
الدوافع الاجتماعية-النفسية للمنظرين الفوضويين والانفصاليين العرقيين مختلفة تمامًا: الأول مصمم على تدمير مجتمعه، عالم آبائه الذين يمثلون النظام والمؤسسة؛ والثاني يحمل رسالة آبائه. لكن فعل الانضمام إلى جماعة إرهابية يمثل محاولة لترسيخ هوية نفسية مضطربة ومشتتة لحل الانقسام والتوحد مع الذات، ومع المجتمع، والأهم تحقيق الانتماء. والأمر ذاته ينطبق على الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، حيث ينحدر أعضاؤها من هوامش المجتمع، ويساهم الانتماء إلى هذه الجماعات الإرهابية في ترسيخ الهوية النفسية في زمن عدم الاستقرار المجتمعي (Reich, 1998:30-31; Hudson, 1999:28).
5.4 الخصائص الشخصية
لماذا يقرِّر بعض الأفراد الانفصال عن المجتمع والبدء بالسير في طريق الإرهاب؟ هل يشترك الإرهابيون في سمات أو خصائص مشتركة؟ هل هناك شخصية إرهابية؟
وفقًا لـ روس، فقد بذلت محاولات لمعرفة خصائص الناس التي يمكن أن تفسر سبب تحولهم إلى إرهابيين. الافتراض الأساسي هنا هو أن بعض السمات تجعل الفرد ميالًا للقيام بأعمال إرهابية أو الانضمام إلى منظمة إرهابية. فيما يلي مجموعة مختارة من الخصائص الأكثر بروزًا، من الأكثر أهمية إلى الأقل أهمية: الاغتراب، والرغبة الجامحة في المخاطرة، والانبساط الشديد (التحفّز الشديد)، والتركيز على الذات، والافتقار الملحوظ للرجولة، ومناهضة الاستبداد، والشعور بالذنب، والاكتئاب، والعداء، والخوف (Ross, 2006: 87).
6.4 الحاجات والمكافآت النفسية
يمكن لحياة الإرهاب أن تلبي حاجات مثل الدعم والموافقة من الأعضاء الآخرين في الجماعات الإرهابية، وفرص العنف، ويمكن للفرد الحصول على الثروة والسلطة والهيبة والامتياز. كل هذه الأشياء يمكن أن تكون جذابة للشباب الذين يأتون من خلفيات فقيرة للانضمام إلى الجماعات الإرهابية. ويمكن أن توفر مكافآت الانضمام فرصة للشهرة العالمية وتجميع الثروة، وطريقة لإظهار شجاعة الفرد وحتى وسيلة لتحسين الحياة، وفرصة للتألق (Reich, 1998:271).
7.4 الانتقام
إن الكراهية والرغبة في الانتقام من أعمال القمع من سمات مشاعر ودوافع العديد من الإرهابيين (Schmid 2007, 26). والنتيجة الخطرة لذلك هي أن المستويات العالية من العنف في المجتمع قد تكون دائمة. وهذا يعني أنه إذا تمت تربية الأطفال اجتماعيًا على الكراهية وأنماط العنف، كما هو الحال في أيرلندا الشمالية والتاميل، فإن السلوكيات المدمرة تصبح جزءًا من النسيج الاجتماعي، وتنتقل من جيل إلى جيل من خلال العائلة والمدرسة والدين. وبالتالي، قد تصبح الهجمات الإرهابية على المدنيين روتينية ومألوفة بدافع الانتقام والكراهية (Reich, 1998: 256; Hudson, 199: 28, 33). إضافة إلى ذلك، فإن تجربة التعذيب التي يتعرض لها الأفراد من قبل الأنظمة الديكتاتورية المحلية والممارسات اللاإنسانية في السجون السياسية يمكن أن تخلق مشاعر انتقامية شديدة (Schmid, 207: 16).
5- العوامل الدينية
خلال التسعينيات، يمكن للمرء أن يلاحظ ظهور اتجاه جديد: الأصوليون الدينيون والجماعات الدينية الجديدة التي تتبنى خطاب إرهاب الدمار الشامل. هذا الإرهاب الديني له أهداف سياسية، لكنه مصمم لخدمة أهداف دينية بالدرجة الأولى. إنه يستخدم آلية الإرهاب سعيًا للدعاية لقضيتهم، وللحصول على الاعتراف بهذه القضية على أنها عادلة، وبالتالي إحداث أو إقامة نظام ديني واجتماعي جديد، مطهَّر ومتجدد (Reich, 1998: 264). وهذا يبدو أنه عودة بمقدار دائرة كاملة إلى بدايات تاريخ الإرهاب، في تلك الزاوية المضطربة من العالم عندما بدأ المتطرفون Zealots منذ ألفي عام. يرى الإرهاب الديني العنف واجبًا إلهيًا، ويرى الإرهابيون الدينيون أن استخدامهم للعنف مبرر من قبل قوة أعلى تفرض عقوبات غير محدودة تقريبًا من العنف ضد أهداف مفتوحة (Parker, 2006: 361).
ومن الأمثلة على هذا الإرهاب شبكة القاعدة التي يتزعمها أسامة بن لادن، ومنظمة حماس الإسلامية السنية الفلسطينية، وجماعة حزب الله الشيعية اللبنانية، والجماعات اليهودية المتطرفة المنتمية إلى الحاخام الراحل مئير كاهانا، والجماعات العنصرية الأميركية البيضاء، طائفة أوم شنريكيوAum Shinrikyo في اليابان (المرجع نفسه). أخطر أنواع هذا الإرهاب هو الأصولية الإسلامية، أي الإحياء الإسلامي الراديكالي الذي يؤدي إلى ظهور أيديولوجية سلفية عالمية مدفوعة بالضرورات الدينية، وتقسم العالم بشكل مبسط إلى “هم” و”نحن” (Hudson, 1999: 1,6).
1.5 المظالم التي تؤدي إلى الجهاد
المظالم السياسية والاقتصادية هي الأسباب الأساسية أو المحفزات للأفراد للانضمام إلى الإرهاب، ويصبح الدين وسيلة أو أداة لتعبئة الأفراد. يلجأ الأفراد إلى الدين خاصة في الأوقات والأماكن التي تعاني فيها المجتمعات من عدم اليقين، وتتعرض لصدمات نفسية من جراء العنف، وبالتالي يبحثون عن الراحة والسلام والأمان من خلال الدين (Schmid, 2007:21, 27). بينما يسعى البعض إلى السلام والشراكة في الدين؛ يقوم الآخرون بإساءة استخدام الدين لتجنيد الأفراد الضعفاء وتلقينهم أفكارهم المتطرفة لتنفيذ مشاريع عنيفة وتحقيق مصالح معينة. هذا ما يعنيه فريدريك جيمسون (2002:301) عندما صرح بأن دور الدين في المجتمع اليوم مبالغ فيه، ويقترح أن “الدين اليوم هو حقًا سياسة تحت اسم مختلف […] في الواقع، ربما كان الدين دائمًا كذلك”. تنكر هذه الحجة الوجود الجوهري السامي للدين وهدفه الإنساني، وهو البحث عن جذور ومعاني البشرية، وأن جميع الأديان تقريبًا تحتوي عنصر عنف شديد أيضًا، وأنه لا يمكن فصل الدين عن المجالات الأخرى للحياة البشرية مثل السياسة والثقافة (Coetzee, 2010: 2).
غالبًا ما ترتبط مظالم الاغتراب والإذلال والتهميش بالتعصب الديني لأنها تجعل الموت والجنة أكثر جاذبية: هناك دائمًا متطوعون للاستشهاد بسبب الاعتقاد بأنه من الأفضل الموت في القتال بدلًا من العيش من دون أمل (Stern, 2003: 38).
تظهر دراسة إحصائية أن المتطرفين الدينيين في جميع أنحاء العالم لديهم هذه المظالم المشتركة. إن شكوى القاعدة من النظام العالمي الجديد تشبه تلك الجماعات الدينية في الولايات المتحدة التي تقاتل هذا العالم الجديد القائم على الإنسانية والمادية. يعتقد التطرف الديني في الولايات المتحدة أن استئصال وتطهير العالم من اليهود والسود والمخطئين سيسهلان نهاية العالم وعودة المسيح، بينما تنظر القاعدة إلى هذا النظام العالمي الجديد بقواته الغربية التي توظف مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة. والشركات متعددة الجنسيات كأسلحة في “حملتها الصليبية الجديدة” للسيطرة على العالم الإسلامي. إنهم يعتبرون هذا النظام العالمي الجديد مهينًا للمسلمين كما عبر أيمن الظواهري (Ibid: introduction).
يرى المتدينون المتطرفون أنفسهم تحت هجوم القيم الغربية، مثل العلمانية والتركيز على الحريات الفردية. ويتهمون “الصليبيين الجدد” بنشر “الفجور” تحت شعارات التقدم والإصلاح والتحرير. إضافة إلى ذلك، يرون أن طريقة الحياة الأميركية، بماديتها وفردانيتها وعلمانيتها، مدفوعة من الشيطان والشر كتهديد للبشر. بمعنى آخر، التطرف الديني، مثل شبكة القاعدة، يتحدى العلمنة بوصفها تمايزًا.
يأخذ هذا التمايز شكل ثنائية الذات والآخر، وفيه يخلق الإسلام الإحيائي الراديكالي هويته من خلال وصف العالم الغربي بأنه من صور “الجاهلية”؛ حالة البربرية الوثنية التي ترغب في فرض فسادها على الإسلام من خلال قوتها المتفوقة. إن صور الشرور هذه هي أدوات دعائية فعالة لتعبئة الأعضاء الجدد، الذين يدعمون خطاب العنف والحرب المقدسة ضد الجاهلية الحديثة، حيث تحكم الشريعة بشكل غير كاف والدين محصور في المجال الخاص (Philpott, 2002:68- 87). بعبارة أخرى، يريدون إعطاء الديمقراطية الغربية بُعدًا إسلاميًا، واستخدام الشريعة أساسًا للشرعية السياسية.
يستغل الإرهاب الديني مشاعر الاغتراب والإذلال والحرمان وفقدان الهوية التي تنتج عن الظروف الاقتصادية والسياسية، لخلق مقاتلين مقدسين من الأفراد. على سبيل المثال، انتشرت طائفة أوم شنريكيو Aum Shinrikyo الدينية بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي من خلال تجنيد أفراد سعوا وراء معنى في الحياة. معظم أعضاء حماس هم من الشباب المسلمين، الذين يشعرون أنهم تقطعت بهم السبل في عالم تفكك فيه المجتمع القديم، وأبعدهم العالم المعولم الجديد، ولذلك فهم يبحثون عن المعنى من خلال الدين (Kumm, 2003: 212,255).
2.5 الجهاد الإسلامي الموجه الذي يتبنى أيديولوجية دينية متطرفة
أحد الأسباب الحاسمة وراء اعتناق الأفراد للإرهاب والانضمام إلى الجماعات الإرهابية هو أنهم يؤمنون بفكر الجهاد الإسلامي المتجذر في أيديولوجية القاعدة التي تستخدم الدين دافعًا لتحقيق أهداف سياسية. تم التعبير عن أيديولوجية القاعدة في إعلان الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين (World Islamic Front Statement,1998). هذه الأيديولوجية مدفوعة بالوجود الأميركي في الأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية، والعدوان الأميركي على الشعب العراقي، والاحتلال الإسرائيلي للقدس. وتعتبر هذه الجرائم المزعومة إعلانًا أميركيًا للحرب على الله ورسوله وعلى كل المسلمين. يُنظر إلى هذه الدوافع على أنها تتويج لقرون من إذلال المسلمين على أيدي غير المسلمين. لذلك يجب أن يشارك جميع المسلمين في حرب مقدسة ضد التحالف الصليبي الصهيوني، وبالتالي فإنهم مطالبون بقتل الأميركيين وحلفائهم، بمن فيهم المدنيون وغير المقاتلين، بكل الوسائل المتاحة كلما سنحت الفرصة (World Islamic Front Statement, 1998).
إلى جانب ذلك، تريد القاعدة أيضًا مهاجمة وإسقاط الأنظمة في العالم الإسلامي التي لا تحكم وفق الشريعة رسميًا. وهي تعتقد أن معظم الأنظمة الإسلامية، بما فيها المملكة العربية السعودية، فاسدة ومتعاونة مع الغرب، وبالتالي يمكن عدّها أهدافًا مشروعة.
الهدف النهائي لهذه الأيديولوجية هو توسيع الأمة الإسلامية، التي يجب أن تحكمها الشريعة الإسلامية الصارمة، لإعادة الخلافة في النهاية والوصول إلى دولة إسلامية واحدة وموحدة (Mannes, 2004: 17). وانسجامًا مع هذه الأيديولوجية، أصدر أسامة بن لادن إعلان الحرب على الولايات المتحدة لاحتلالها المكانين المقدسين في المملكة العربية السعودية، ما أسفر عن الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001.
وكان هذا الهجوم حربًا على الوجود الأميركي في المملكة العربية السعودية منذ غزو العراق عام 1991 (Osama bin Laden, 1996). وأعرب في تصريحه عن واجب فردي على كل مسلم أن يقتل الأميركيين وحلفاءهم متى وأينما كان ذلك ممكنًا، لتحرير المسجد الأقصى والمسجد الحرام في مكة، وطرد الوجود الغربي من العالم الإسلامي. بالنظر إلى أن الكثير من الناس عانوا، ولا يزالون، من الوجود الأميركي في الشرق الأوسط، إضافة إلى الأنظمة الحالية التي تتآمر معها، فربما لا يكون غريبًا أن تجد هذه الأيديولوجية بعض الصدى.
يمكن أن يساهم الدين في ثقافة العنف، حيث يصبح العنف سمة مميزة لهوية الأفراد والجماعات. على سبيل المثال، ترى القاعدة أن المشاركة في العنف الإرهابي نوعٌ من الضرائب المدفوعة لمعالجة المظالم الجماعية التي عانى منها المسلمون نتيجة الغرب وسياسته (Stern, 2003: 4). وبحسب رمزي بن الشيبة، منسق هجمات سبتمبر على الولايات المتحدة في 11 أيلول/ سبتمبر، فإن العنف هو الضريبة التي يجب على كل مسلم دفعها “لكسب السلطة على الأرض”. ويقول: “لا بدّ من دفع ثمن الجنة، فإن سلعة الله غالية، غالية جدًا. لا تكتسب بالراحة، بل يجب أن يكون الثمن بالدم والأطراف الممزقة” (Ibid). وهذا يعني أن واجب الجهاد الأخلاقي لا يقلّ أهمية عن واجبات الصلاة والصدقة الواقعة على كل مسلم، ويحث جميع المسلمين على الجهاد باسم الله، بدعوى أن الذين تركوا هذا الواجب ينتظرهم عذاب إلهي. بينما الوعد بالمكافآت السماوية لأولئك الذين يشاركون في العنف الإرهابي.
3.5 التلقين
تؤدي المدارس والمساجد دورًا حاسمًا في تلقين أيديولوجية إسلامية متطرفة قائمة على المعتقدات المتعصبة التي ترفض كل ما هو جديد، وتعتز بكل ما هو تقليدي، وبذلك تغلق عقول الناس أمام التحديث والعلمنة. يحدث هذا التلقين من خلال عملية تثقيف يكون فيها الشخص مقتنعًا بأهمية القضية أو الهدف والوسائل اللازمة لتنفيذ هذا الهدف. النوع الثاني من التلقين هو الإقناع الموجه نحو الرسالة وإغراء الأفراد المستهدفين بالانتحار. عادة ما يقود هذه العملية قائد عسكري أو سياسي أو ديني ذو شخصية كاريزمية (Reich, 1998: 199; Kumm 2003: 245).
تحدث عملية التلقين بشكل عام في سن مبكرة، وتغرس في الأفراد أهمية العالم الروحي والحياة بعد الموت: يجتمع هذان الاثنان لإقناع الفرد بالأهمية الروحية للتبرع بحياته للحرب المقدسة من خلال الاستشهاد. يؤدي هذا النوع من التلقين دورًا حاسمًا في تجنيد الأفراد في الجماعات الدينية المتطرفة.
ويعدّ الاستشهاد الفعل النهائي للبطولة والعبادة، وفي الوقت نفسه يوفر الهروب من معضلات الحياة، خاصة لأولئك الذين يشعرون بالغربة واليأس والإذلال (stern, 2003:6). بعبارة أخرى، ينتج الحرمان الاقتصادي والنفسي شخصيات ذات نزعة عدوانية ضد الآخرين. هذا ما يقوله حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، عن الفلسطينيين الذين ولدوا في الأراضي المحتلة ويعانون الإذلال المستمر من جانب الجيش الإسرائيلي والمستوطنين اليهود القادرين على أن يعيشوا حياة كريمة ومحترمة، بينما هم أنفسهم لا يستطيعون ذلك. البيئات القاسية التي نشأ فيها هؤلاء الأفراد تجردهم من أملهم في المستقبل، وبدلًا من ذلك تسبب نوعًا من الافتتان بالموت. وهو يشبِّه وضعهم بالساونا: الجو حار للغاية، لكنك تعلم أنه يوجد في الغرفة المجاورة تكييف هوائي وكرسي مريح وموسيقى كلاسيكية وكوكتيل، ومن ثمّ من السهل الدخول إلى الغرفة المجاورة. بهذه الطريقة يمكن للمرء أن يشرح لغربي كيف يفكر الشهيد (Kumm, 2003: 256).
الخاتمة
كان هدف الاستعراض في الدراسة تقديم رؤية شاملة للعوامل التي يرتكز عليها الإرهاب بعد أن استفحل أمره واتخذ غطاءات دينية ومذهبية في المجتمعات العربية والإسلامية. فالإرهابي حين يمارس أعمال العنف والقتل والتدمير يخضع لعدة مؤثرات داخلية وخارجية تساهم في اتخاذه قرار القتل.
وقد استعرضت في البداية العامل السياسي بوصفه العامل الأساس في تشكيل البيئة المعرفية لمعنى ومفهوم الإرهاب، بعد الانفتاح الكبير ودخول الشعوب في عصر العولمة وتحديات ما بعد الحداثة بما يعرف بـ النيوليبرالية. ثم من حيث الأهمية، كان للعامل الاقتصادي تأثيره الخاص والمهم في تضخيم الدور الإرهابي، فقد ظل الاقتصاد، بوصفه العنصر الأساس في تلبية حاجات الأفراد والمجتمعات، يؤدي دورًا رئيسًا في بزوغ الثورات والاحتجاجات، ومن ثم لديه القدرة على صناعة الإرهاب ضد الأنظمة والأفراد ذوي الغناء الفاحش والرأسمالية المتوحشة، خاصة في ظل شيوع الفقر وعدم العدالة الاجتماعية وتوسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وعودة نظام الاستعباد بشكله الحديث في العمل والصناعة والانتاج.
وتأتي الثقافة المجتمعية في المرتبة الثالثة نظرًا إلى احتوائها، في أحايين كثيرة، على دوافع موروثة وعادات متأصلة في التعليم والمعابد والإعلام، قد تدعم التوجهات الإرهابية، وتعمل أحيانًا على تشريعها دينيًا وأخلاقيًا.
وتؤدي العوامل النفسية دورًا لا يقل أهمية عن بقية العوامل المؤسِّسة للإرهاب، نظرًا إلى ما تشكله من دوافع كامنة في النفس البشرية تجاه المغاير، وتجاه الثقافات والحضارات المختلفة.
وقد انتهت الدراسة إلى أهمية إيلاء الاهتمام بالقضايا الرئيسة التالية:
إعادة دراسة الدين الاسلامي وفق التاريخية الزمكانية.
الحفر الأركيولوجي للنصوص الدينية المؤسِّسة للعنف، بما فيها بعض النصوص الدينية والفقه الإسلامي المتشكل خلال التاريخ الإسلامي.
تشجيع ودعم المبادرات الإصلاحية التي يقوم بها بعض المثقفين العرب لتنقية التراث الاسلامي من العنف والكراهية والتكفير.
دعم المؤسسات التعليمية بمواد الأخلاق وإلغاء تدريس الأديان في المدارس، في مقابل فتح الباب لدراسة مناهج الفلسفة والأديان المقارنة.
ضرورة إنشاء المراكز التنويرية في المجتمعات العربية والاسلامية.
الاهتمام بشكل جدي بالديمقراطية والتحول العلماني ودعم مشاريع الحكم الرشيد وتداول السلطة وبناء مؤسسات مجتمع مدني تعنى بحقوق الإنسان والحريات والمساواة.
تشجيع المرأة ودعم مساواتها بالرجل وإلغاء التشريعات التي تتعارض مع حقوقها وكرامتها وإنسانيتها.
تشجيع الأطفال على التفكير النقدي وإطلاق الأسئلة وحماية حقوقهم الإنسانية.
احترام الحريات الفردية للمواطنين.
على أن يكون لجميع هذه التوصيات برامج عمل ومتابعات سياسية واجتماعية واقتصادية تتخذ طابع المراقبة والتنفيذ بقوة القانون الدولي والدعم المحلي للوصول إلى صيغ تعاونية تكاملية تهدف إلى الحد من الظواهر والممارسات الإرهابية.