حزب الله وحرب تحرير جديدة على الحريات
بقلم: شربل خوري
جهة النشر: الجمهورية.نت AlJumhuriya.net
شكّلَت حفلة مشروع ليلى، التي مُنِعَت في مدينة جبيل عام 2019، نقطة واضحة في مسار تَصاعُد الخطاب الهوموفوبي ضد المثليين-ات في لبنان. لا يعني ذلك أن الخطاب لم يكن موجوداً من قبل، ولكنّ الحادثة كانت مفصلية في تشكيل خطاب موحد للأحزاب اللبنانية معادٍ للمثليين، حتى أن القوات والعونيين اجتمعوا حينها، في فترة شهدت أقصى حدود نزاعهم السياسي، ليتفقوا على أن إيقاف حفلة مشروع ليلى هو أمرٌ يتعدَّى خلافاتهم التاريخية، فاجتمع نواب جبيل الثلاثة (قوات، عوني، وشيعي تابع لحركة أمل) والكنيسة متمثلةً بمطران جبيل، وغادة عون، قاضية العهد حينها وأيضاً مدعي عام جبل لبنان، مع جهاز أمن الدولة الذي حقَّقَ مع عضوين من الفرقة، ما أسفر عن إصدار الفرقة لبيان اعتذار لاحقاً وحذف أغنيتين من حساب الفرقة على يوتيوب، واللتين كانتا موضوع الإشكال مع المسيحيين حينها.
كانت حجة التيارات المسيحية أن الفرقة أهانت الدين المسيحي عبر أغنيتي الجن وأصنام، ولكن الحملة بعمقها كانت على هوية الفرقة والفن الذي تقدمه ودعمها لقضية الحريات الجندرية. فكيف تكاتفت وتكاملت عناصر التحريض على اختلاف الجبهات السياسية في لبنان، لتُشكِّلَ خطاباً وسياقاً يُهدّد الحريات الشخصية لأفراد مجتمع الميم، ضمن مشهد عالمي أوسع تتصاعد فيه النزعات المعادية للحقوق والحريات الشخصية لكافة الفئات اللامعيارية جنسياً؟
خطاب حسن نصرالله الهوموفوبي في عاشوراء 2023
ذكرَ نصرالله موضوع المثلية الجنسية في خطاباته عبر السنوات الماضية مرات عدة، مكرراً اتهام الولايات المتحدة الأميركية بالوقوف خلف تلك الظاهرة. غالباً ما كان ذكرهم في هذه الخطابات يأتي على خلفية رفع السفارات الغربية والأميركية لعلم المثليين على مباني سفاراتها في الدول العربية، خاصةً في لبنان والعراق، ولكن لم يصل يوماً خطابه إلى المدى الذي وصل إليه مؤخراً، أو إلى التعبئة والجهوزية التي وصل إليها جمهوره بعد خطابه في ذكرى عاشوراء 2023، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال تَصدُّر هاشتاغ #الشذوذ موقع تويتر، ومن خلال الاهتمام الواسع لوسائل إعلام الحزب بالحملة والتحريض على المثليين.
أثار خطاب حسن نصرالله في عاشوراء مخاوف على سلامة أفراد الميم عين، ممن يقطنون في الضاحية الجنوبية خصوصاً، حيال الحملة التي أطلقها نصرالله لـ«مكافحة ظاهرة المثلية الجنسية»، وكان نصرالله قد أعلن خلال خطابه أنه يريد التصدي لمشروع الولايات المتحدة الأميركية، وأن المشروع ليس مرتبطاً بالعراق أو اليمن أو فلسطين أو سوريا هذه المرة، بل المشروع الذي ادعى نصرالله أن أميركا تُصدِّره هو مشروع نشر المثلية – الشذوذ الجنسي واللواط والمساحقة حسب تعبيره – في العالم.
خصَّصَ نصرالله جزءاً كبيراً من خطابه للحديث عن خطر المثلية، وربطها بالمؤامرة الغربية والأميركية، وأعطى أمثلةً عن المدارس الأوروبية والغربية، بخلطٍ معتاد في هذه السياقات بين الترويج للمثلية في المدارس وبين تعليم الجنسانية. وأشاد بالمسيحيين في لبنان الذين واجهوا المثليين، وليس مُستغرَباً أن يتحالف في هذه القضية حتى مع جهات مثل القوات التي يتهمها بالعمالة لإسرائيل.
كانت هذه المرة الأولى التي يعلن فيها نصرالله بوضوح حرباً على المثلية الجنسية، واعتبر أن المثلي يُعاقب بالموت، ولكن لماذا انضم نصرالله مؤخراً إلى أفرقاء لبنانيين، هم خصومه في السياسة، للتحريض على المثليين، هل الأمر مجرد شعبوية إسلامية-يمينية، أم هنالك «مشكلة» حقيقية يعاني منها نصرالله داخل بيئته بخصوص المثلية الجنسية؟
المادة 534 من الدستور اللبناني، ووزير الثقافة، مدخل آخر للتحريض!
أثار اقتراح قانون لإلغاء المادة 534 من الدستور اللبناني النفير العام في البلد، فقد نشر الوزير محمد المرتضى، التابع لحزب الله وحركة أمل، مسودة القانون المقترح، والتي كان قد وقع عليها 9 نواب من توجهات وتيارات مختلفة لإلغاء هذه المادة التي تعتبر ضبابية أصلاً، فهي لا تجرِّم المثلية بشكل مباشر، بل تقول «كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة»، لكنها كانت لسنواتٍ عدة مدخلاً لمحاكمة المثليين من خلالها.
هدَفَ الوزير من ذلك إلى التحريض على النواب الموقعين على اقتراح القانون، وبالفعل نجح عندما تراجع أحدهم عن ذلك، وهو النائب أديب عبد المسيح، فيما تعرض الآخرون لحملات تشهير وتحريض حتى من قبل مناصريهم، ما أجبرهم على توضيح موقفهم مثل النائب جورج عقيص، فالهوموفوبيا اللبنانية عابرة للتيارات والمذاهب، والمناطق، ولا تستثني حتى تيارات معارضة أو أفراداً محسوبين على ثورة 17 تشرين. تجلّى الجنون الرسمي اللبناني بأشكال عدة مؤخراً، فطلب وزير الثقافة من الجهات المعنية منع عرض فيلم باربي، فيما طلب وزير التربية سحب لعب «سلم وحيّة» من نشاطات المدارس الرسمية الصيفية لأنها تحتوي على علم قوس القزح.
قبل كل ذلك، كانت الحكومة قد اجتمعت في الديمان، المقر الصيفي للبطرك الماروني، ونتج عن الاجتماع تصريح لميقاتي جاء فيه أن «هناك إجماعاً عند الجميع للتمسك بالقيم اللبنانية الروحية الأخلاقية والأسرة».
بين المؤامرة الأميركية وتفكيك الأسرة
يستعين حسن نصرالله بنظرية المؤامرة في خطابه، وبالقول إن المثلية مؤامرة أميركية لتفكيك المجتمعات العربية والإسلامية والمُمانِعة، واتهام الجمعيات بالعمل مع «الشيطان الأكبر» للترويج لظاهرة المثلية. هنا يجمع نصرالله بين العمالة والمؤامرة والانحراف، ليكتمل النموذج الاتهامي لأمين عام محور الممانعة في المنطقة، متشاركاً بذلك قيم وتوجهات اليمين الأميركي المحافظ بما يتضمن توافقاً مع موقف الرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية دونالد ترمب، باعتبار المثليين «مرضى» وأنهم يشكلون خطراً على العائلة والمجتمع، مع تفوُّق لترمب في مضمار هذه الحملات التحريضية في موضوع رُهاب العبور الجنسي، الترانسفوبيا، التي لم تظهر بعد في خطابات نصر الله، ربما لأنها غير ممنوعة في إيران.
وكان شهر الفخر هذا العام، مناسبة لترمب لمهاجمة المثليين والعاملين بالقطاع الصحي والتعليمي، معتبراً التوعية الجنسية استغلالاً جنسياً للأطفال، وخطراً على الثقافة والمجتمع.
التحريض على المثليين يجد أرضيته الواسعة
لم يكن الهجوم الذي مارسته مجموعة جنود الرب المسيحية المتطرفة على حانة (Madamme OM) في مار مخايل، في آب (أغسطس) الماضي، مفاجئاً، بل أتى بعد سياق طويل عريض من التحريض على المثليين، بتغطية وتأييد من الدولة اللبنانية، والدليل، أن أحداً من عناصر جنود الرب الذين اعتدوا على أشخاص في الحانة، وقاموا بتكسيرها، لم يُعتقل.
ولم يقتصر الموضوع على جنود الرب، بل اجتمعت الوحدة الوطنية اللبنانية جمعاء على كراهية المثليين، وقاد الشيخ حسن مرعب، المفتش العام المساعد لدار الفتوى في الجمهورية اللبنانية ؛ وإمام وخطيب جامع الإمام علي بن أبي طالب في بيروت، هجمة إعلامية شرسة في وجه أي شخص يدعم أو يناصر حقوق مجتمع الميم عين في لبنان، فهاجم الإعلامية ديما صادق، وحرَّمَ مشاهدة قناة الـMTV التي نشرت إعلاناً داعماً للمثليين ودعت لإلغاء تجريم المثلية الجنسية، ودعا لوضع اليد بيد جنود الرب لمكافحة المثليين.
لم ينته الجنون هنا، بل انتقل إلى طرابلس أيضاً، مع اقتحام مقر لمؤسسة مرسى التي تُعنى بالصحة الجنسية والإنجابية، والتي تعمل بالتعاون مع وزارة الصحة اللبنانية، من قبل بعض الشبان الذين اتهموا الجمعية بالترويج للمثلية، وبدأوا بفتح تحقيق مباشر وعلى الهواء مع إحدى الطبيبات التي كانت متواجدة في المبنى، في ظل غياب تام لأي من عناصر قوى الأمن الداخلي.
يتعرَّض مجتمع الميم عين في لبنان مؤخراً لحملة تحريض وتشويه، ويتم تحميل المثليين سبب انهيار «القيم والأخلاق والعائلة»، وانهيار «مفهوم الأسرة» بحسب رؤية التيارات اليمينية العالمة. قد تكون هذه الهجمة عليهم في لبنان جزءاً من موجة عالمية، مع فارق أن القانون لا يحميهم في لبنان في ظرف تكتفي فيه القوى الأمنية بالفرجة على المعتدين دون توقيفهم. لو اقتحم 3 شبان في طرابلس مصرفاً لما كان الأمر قد مضى دون عقوبة جنائية رادعة، لكنهم يقتحمون عيادة طبية ويظهرون مباشرةً على الهواء، لأنهم على علم مسبق أنهم لن يُحاسبوا، وأن كلاً من رئيس الحكومة ووزير الداخلية ووزير الثقافة في صفهم، وأن حسن نصرالله يُشرِّع قتل المثليين، والبطرك الراعي يحذر من خطر المثليين على العائلة، وجنود الرب يقتحمون ويراقبون أي ملهى ليلي في الأشرفية، وما إذا كان يقدم عروض دراغ كوين أم لا. فعلياً، اجتمعت الوحدة الوطنية اللبنانية الركيكة على ميول اللبنانيين الجنسية، وفَوَّضَ وكلاؤها أنفسهم رقيباً عليها.