المواطنة التعليميّة-التعلّميّة الرقميّة
بقلم: حلمي رؤوف حمدان
جهة النشر: منهجيات
في ظلّ تطوّر أساليب التعليم والتعلّم وطرقها المعتمِدة على التكنولوجيا تطوّرًا سريعًا، والحاجة إلى تعزيز قطاع التعليم، وتطوير الموارد البشريّة، وصولًا إلى اقتصاد المعرفة، تُعدّ الموارد التعليميّة المفتوحة من الوسائل المهمّة التي تسهّل الوصول إلى المعرفة والإفادة منها. تساعد هذه الموارد على خلق فرص التعلّم والتعليم خلقًا ذاتيًّا، يقوم على التعاون والتشارك مع العالم. الأمر الذي جعل المجال مفتوحًا للإسهام الحقيقيّ في ذلك التطوير، وفق ما يُعرَف بالمواطنة الرقميّة في التعليم والتعلّم.
نسلّط في هذا المقال الضوء على مفهوم المواطنة الرقميّة، وما تقتضيه من أساليب تعليميّة وتعلّميّة إلكترونيّة وموارد تعليميّة مفتوحة، مشيرين إلى ما توصّلت إليه دراسات سابقة من نتائج حول القضيّة المطروحة.
حول المواطنة الرقميّة ومواردها التعليميّة-التعلّمية
تُعرّف المواطنة التعليميّة – التعلّميّة الرقميّة بأنّها ظاهرة تركِّز على استخدام تكنولوجيا المعلومات استخدامًا إيجابيًّا، وفق معايير ضابطة، ومبنية على قيم وأخلاقيّات سامية، من أجل الانخراط بفعّاليّة والمشاركة في المجتمع الرقميّ بشؤونه كافّة. فضلًا عن الإسهام في حلّ مشكلاته وتقديم الخبرات التربويّة، لتكون متاحة أمام الجميع، ولا سيّما في موضوع التقييم من أجل التعلّم، والذي يعني استخدام التقييم أداةً تعلّميّة وتعليميّة (المعهد الوطني للتدريب التربويّ، 2022). الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه للإبداع والابتكار، فالإنترنت اليوم مليء بالمواقع والتطبيقات التي توفِّر أنموذج أدوات تقييميّة وتعلّميّة متاحة الوصول، ويمكن إعادة استخدامها والإفادة منها على نطاق واسع. يقودنا ذلك إلى التعامل مع مصادر وموارد الوصول المفتوح (Open Access)، والوصول الحر (Free Access)، والذي يخطئ الكثيرون في التمييز بينهما.
الوصول المفتوح هو وصول حرّ، بينما الوصول الحرّ ليس وصولًا مفتوحًا، والفرق الأساسيّ بينهما أنّ في الوصول المفتوح يمكن الاحتفاظ بنسخ من المحتوى للاستخدام الشخصيّ. تعدّ الموارد التعليميّة المفتوحة بذلك من أشكال التعليم المفتوح، والتي تهدف إلى تحسين نوعيّة التعليم ورفع جودته. تشجِّع كذلك على الإبداع والابتكار وتعزيز مهارات البحث والتعلّم. وبالتالي، تعدّ من مصادر التعلّم والتعليم المتاحة للمستخدمين وفق شروط النشر المفتوح، ممّا يتيح إعادة استخدامها مع إمكانيّة التعديل عليها، بما يضمن الملكيّة الفكريّة. من أمثلتها الفيديوهات المنشورة وفق ترخيص النشر المفتوح، والألعاب التعليميّة القابلة للتعديل، ومواقع صناعة الفيديوهات التعليميّة على الإنترنت وغيرها (حمدان، 2022). يسعى التربويّون اليوم إلى توظيف التكنولوجيا في التعليم والإفادة منها بأقصى الدرجات، بتوفير تجارب تعليميّة وتفاعليّة يُتبادَل بها الخبرات والتجارب. يتطلّب ذلك توفير الموارد التعليميّة المفتوحة المصادر، والتي أصبحت مطلوبة كثيرًا اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى.
أمّا الوصول الحرّ والذي يعني إمكانيّة الوصول إلى المحتوى من دون قيود أو تكلفة مادّيّة، كما تمكن مشاهدة المحتوى وعرضه في مكان نشره فقط، إذ لا يحقّ للمستخدم تنزيل المحتوى أو تعديله أو الاحتفاظ بنسخة شخصيّة منه أو إعادة استخدامه. مثال ذلك، مقاطع الفيديو التي لا تحمل تراخيص النشر المفتوح، والكتب والأبحاث الإلكترونيّة التي لا يُسمَح بتنزيلها والاحتفاظ بنسخ منها. في المقابل، يرتبط الوصول المفتوح بالمحتوى الذي يحمل حقوق ملك عام أو ترخيصًا مفتوحًا، ويوفّر إمكانية الوصول إلى المحتوى من دون قيود أو تكلفة مادّيّة، ويحقّ للمستخدم تنزيل المحتوى وتعديله والاحتفاظ بنسخة شخصيّة منه، فضلًا عن مشاهدته وعرضه في مكان نشره. من أمثلته مقاطع الفيديو على يوتيوب التي تحمل تراخيص النشر المفتوحة والكتب والدراسات الإلكترونيّة متاحة التنزيل، ومواقع الاختبارات والنماذج التعليميّة التفاعليّة التي يمكن تنزيل نسخ منها وتعديلها وإعادة استخدامها (حمدان، 2022).
التعليم الإلكترونيّ والموارد التعليميّة المفتوحة
بات التعليم الإلكترونيّ اليوم خيارًا استراتيجيًّا، ومسهِمًا رئيسًا في تحقيق التعلّم مدى الحياة. يعتمد ذلك على الممارسة الجيّدة لاستخدام الموارد التعليميّة المفتوحة، والتي تسهِم بدورها إسهامًا كبيرًا في انخراط الطلبة وتفاعلهم وإشراكهم في إنتاج هذه الموارد، ومشاركتها على نحو يدعم تعليم من يأتون بعدهم (غوشة وآخرون، 2022).
تعدّ معرفة طرق تركيب المعلومات وتكييفها وتقييمها، وفق هذا التوجّه في التعليم الإلكترونيّ، أهمّ من طريقة عرضها فقط. يتوافق ذلك مع أهداف التعليم والتدريب في البحث عن أدوات تعلّم جديدة، تسهم إسهامًا فاعلًا في تحسين عمليّة التعليم والتعلّم، ورفع فاعليّتها، وتعظيم أثرها الايجابيّ. ساعدت ثورة الحاسوب والإنترنت في فتح المجالات الواسعة لتحسين نتائج هذه العمليّة ومخرجاتها، حيث يتيح هذا التطوّر التقنيّ الهائل فرصًا مهمّة لكلّ من المؤسّسات التربويّة ومعلّميها وطلبتها، لرفع كفاءة الأداء التعليميّ والتعلّميّ. كما أتاح هذا التطوّر توفّر محتوى تعليميّ كثير ومتنوّع على الإنترنت يسهم في تقوية الإنتاج المعرفيّ، ويجعل الطالب دائم التطوّر، وعالي الدافعيّة، ونشيطًا وفاعلًا.
تكمن هنا ضرورة أن يعمل معلّمونا ومعلّماتنا على تكثيف إنتاجهم تلك المصادر المفتوحة، وترخيصها بالشكل الصحيح، لإتاحتها أمام زملائهم، من أجل تعميم الفائدة وتبادل الخبرة والتأثير الإيجابيّ في مخرجات التعليم ونتاجاته. أمثلة على ذلك، إنتاج فيديو وترخيصه ونشره حول استراتيجيّة تعليميّة فعّالة، أو حول محتوى تعليميّ معيّن، كتحرير فيديو يوضِّح طريقة استخدام نموذج حمدان في التعليم الإلكترونيّ وفق مثال تطبيقيّ، أو فيديو حول طريقة ترخيص مصادر التعليم المفتوحة، أو فيديو مرخَّص كمصدر مفتوح حول طريقة فعّالة في شرح طريقة عمل “المكبس الهيدروليكيّ”، أو فيديو حول طريقة فعّالة في شرح استخدام نظريّة ذات الحدّين في الرياضيّات…
نتائج دراسات سابقة
أظهرت نتائج دراسات سابقة في هذا المجال، منها دراسة حمدان (2022)، ودراسة Rebelo و Isaías (2020)، ودراسة Le وChu (2021)، ودراسة Ergün و Adibatmaz (2020)، أنّ أكثر التحدّيات التي تواجه التعليم الإلكترونيّ تكمن في مستوى انخراط الطلبة فيه، واتّفقت على أنّ الأنشطة التي يستخدمها المعلّم تؤدّي دورًا رئيسًا ومركزيًّا في زيادة مستوى الانخراط، وتؤثِّر في الأداء الأكاديميّ. اتّفقت الدراسات كذلك على أنّ الأنشطة التي تأخذ طابع الألعاب والمسابقات، والتي تشمل استخدام التأثيرات الصوتيّة والمرئيّة تسهِم إسهامًا كبيرًا في رفع مستوى الانخراط في التعليم الإلكترونيّ.
تتوافر الأنشطة بكثرة على شبكة الإنترنت وتعدّ من المصادر التعليميّة المفتوحة. من ضمنها مواقع تقدِّم أنشطة تعليميّة، بمسابقات وألعاب تنافسيّة، مثل مواقع “Quizziz”، “Wordwall”، “liveworksheets”، حيث يمكن استخدامها وتوظيفها للإسهام في زيادة انخراط الطلبة في التعليم الإلكترونيّ. لذلك، وجب العمل على إنتاج العديد من تلك الوسائل والمصادر، على أن تكون مرخَّصة وقابلة للاستخدام المفتوح. من هنا، تنبع أهمّيّة هذه الإضاءة من أهمّيّة تلك المصادر الرقميّة وأثرها وتأثيرها الإيجابيّ في انخراط الطلبة في التعليم الإلكترونيّ، فضلًا عن أهمّيّتها في الإسهام في تحديث المعلومات والمناهج وإثرائها وتبادل الخبرات باستمرار. بالإضافة إلى ما توفّره مصادر التعليم التفاعليّ، باعتبارها مصادر تعليميّة مفتوحة، من تغيير في روتين الحصص الإلكترونيّة، أو حتّى المدمَجة، والتي تُوظَّف التكنولوجيا فيها.
يُضفي ذلك جوًّا من المتعة ويجذب الطلبة، كما يسهِم استخدامها في توفير وقت الطلبة وجهدهم في بيئة التعليم الإلكترونيّ والمدمَج، بإعادة استخدام تلك المصادر المنشورة ومتاحة الاستخدام وتعديلها. وذلك نظرًا إلى ما تتمتّع به الموارد التعليميّة المفتوحة من مميّزات كبيرة، تجعلها قادرة على تطوير التعليم والتعلّم. تكمن قيمة هذه الموارد التعليميّة في سهولة استخدامها عندما تكون إلكترونيّة، ممّا يسهل تكييفها من دون إذن المؤلّف صاحب حقّ الملكيّة.
انطلاقًا من ذلك، ندعو جميع زملائنا المعلّمين وزميلاتنا المعلّمات إلى ضرورة العمل على نشر ما ينتجونه من مصادر تعليميّة رقميّة، والعمل على تطوير ما لديهم، ليكون ممتعًا وجاذبًا، وليُشكِّل “بنكًا” من المصادر التي تثري المناهج، وتقدِّم بدائل واسعة لاستخدامها في التعليم بمختلف أنواعه، الإلكترونيّ والوجاهيّ والمُدمَج. ولتحقيق ذلك، يجب العمل على خطوتين، أولاهما تطوير قدرات التربويّين في تصميم تلك المصادر الرقميّة وإنتاجها، من فيديوهات تعليميّة، وألعاب تعليميّة إلكترونيّة، واختبارات إلكترونيّة تفاعليّة، ومقالات، وأبحاث إجرائيّة مُتاحة إلكترونيًّا، وعروض تقديميّة، وغير ذلك من الإسهامات التي تحتاج الى تبنّي سياسات تربويّة تعقد دورات تدريبيّة متخصِّصة، تسهِم في صقل الكفايات والخبرات. أمّا الخطوة الثانية فتكمن في توضيح طريقة ترخيص تلك الإنتاجات الرقميّة، لتصبح مرخَّصة ومفتوحة المصدر، وهو أمر من السهل تنفيذه (يمكن الاطّلاع على خطوات تحقيق الترخيص بالضغط على الرابط الآتي: https://youtu.be/O0EPs7jnJBY).
Add Comment