وأخيراً فتحت الأبواب أمام النساء
لجأت ريم إلى هذا العمل نتيجة ظروف صعبة، فهي زوجة معتقل، وأولادها الكبار تركوا المدينة وهربوا منذ سنوات نحو المناطق الخارجة عن سيطرة النظام خوفاً من مصير يشبه مصير والدهم، بينما بقيت هي مسؤولة عن ثلاثة أطفال.
منذ سنوات قليلة لم يكن بإمكان ريم أو أية امرأة أخرى العمل في العتالة بسوريا، فقد كان أمراً مستهجناً وغير محبذ، لكن الغياب الواضح للشباب أتاح الكثير من الشواغر، فهم باتوا إما مهجرين أو قتلى أو جرحى أو معتقلين، وتقول “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن عدد المختفين/ات قسرياً الموثقين/ات في سوريا تخطى عتبة الـ 100 ألف ومعظمهم/ن من الذكور، كما تشير تقديرات “المرصد السوري” إلى مقتل أكثر من 160 ألفاً من مقاتلي النظام سواء كجيش أو مسلحين موالين.
أما بالنسبة إلى الهجرة فقد احتل السوريون/ات المرتبة الأولى عالمياً بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، برقم تجاوز 6 ملايين و700 ألف لاجئ/ة، وكانت صحيفة الفايننشال تايمز قد نشرت تقريراً أوائل عام 2019 تحت عنوان “خسائر سوريا الفادحة في الرجال دفعت النساء إلى العمل”، قالت فيه أن النساء السوريات بتن يشكلن المصدر الأساسي للدخل لعائلاتهن، وتحدثت الأرقام عن مقتل نصف مليون إنسان في سوريا 80% منهم من الرجال.
وعليه ومع كثرة الشواغر المتروكة من قبل شباب سوريا، اخترقت النساء السوريات مجالات عمل كانت محظورة من قبل، ومن المهن التي باتت متاحة للنساء بعد عقود من الاحتكار الذكوري، العمل كسائقات لسيارات الأجرة، أو حتى صيد الأسماك أو العمل ضمن مقالع الحجر أو في منطقة المرفأ بتحميل وتنزيل البضائع القادمة من البحر، إضافة إلى أعمال البناء والنقل في أسواق الخضار والمناطق الصناعية، كما انخرطن في العمل العسكري والجيش.
غبرة وعفرة وغياب للحقوق
ليس لدى ريم أي مشكلة مع عملها في حال لو كانت قد اختارته بإرادتها أو كان جهدها المبذول في هذا العمل يتناسب مع الدخل الذي تحصل عليه.
حال ريم يشبه حال النساء العاملات في المهن الشاقة في مناطق سيطرة نظام الأسد، وتحديداً في مدينتي اللاذقية وطرطوس، حيث يخرجن للعمل ما يقارب 9 ساعات في البرد والحر الشديدين، يرافق ذلك أزمة مواصلات خانقة جراء غياب المحروقات وارتفاع أسعارها بشكل كبير إن وجدت، أما عن تأمين احتياجات المنزل ففي مدن الساحل السوري يحتاج الفرد إلى الانتظار قرابة 4 ساعات أمام الفرن للحصول على ربطة خبز، أما تأمين جرة الغاز فهو بالنسبة إلى الكثيرين/ات حلم ليس سهل المنال، وبعد كل ذلك تأتي العناية بالمنزل والأطفال في ظل غياب الشريك.
كل الضغوطات والأعباء السابقة تأتي مع غياب كامل للحقوق من ضمان صحي أو تأمين لإصابات العمل في حال تعرضت النساء لأي حادث خلال العمل، إضافة إلى الاستغلال المادي وعدم تناسب المدخول مع الحاجات أو مع العمل المقدم، كذلك لا يوجد أي ضمان اجتماعي كالتقاعد أو الاستمرار في الحصول على الراتب في حال حصول أي حادث أو طارئ، وأغلب الأعمال تتم وفق عقود مؤقتة لا استمرارية ولا ضمانة فيها للرواتب.
ربما لا يحصل الرجال هناك على رواتب أفضل بكثير من النساء، وتبدو الفروقات بسيطة في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه الدولة وانتشار الفساد والاستغلال، بحيث احتلت سوريا عام 2019 المركز قبل الأخير في قائمة التقرير السنوي لمؤشرات “مدركات الفساد” الذي تصدره “منظمة الشفافية الدولية”.
لكن المشكلة في وضع النساء السوريات تكمن في غياب الشريك، أو حتى أفراد الأسرة الذين من شأنهم/ن تقديم الدعم على مختلف الأصعدة. ريم مثلاً تعمل براتب يومي لا يزيد عن ثلاثة آلاف ليرة سورية أي ما يعادل دولاراً واحداً، وتوضح أن دخلها لا يكفي لسد بعض الاحتياجات البسيطة لها ولأسرتها، لكنها مجبرة أن ترضى فلا خيار آخر أمامها، إذ تحتاج الأسرة المؤلفة من خمسة أفراد إلى عشرين ألف ليرة سورية يومياً كحد وسطي للعيش بكرامة، أي ما يعادل 600 ألف ليرة شهرياً، وذلك بشرط أن يكون المنزل ملكاً لها دون الحاجة لدفع أجار شهري، لأن المبلغ هنا يزداد.
وتحصل النساء بأفضل الأحوال على راتب 60 ألف ليرة سورية من العمل الشهري، أي ما يعادل 20 دولاراً أمريكياً.
لقراءة المزيد حول المقال يرجى زيارة الرابط التالي :
Add Comment