لم يتوقف انتشار أخبار جرائم قتل النساء والفتيات في سوريا عبر منصات وسائل الإعلام البديل السورية أثناء عملنا على إعداد هذا البحث وحتى آخر لحظة من كتابته. هذه الجرائم التي تعتبر آخر حلقة لسلسلة سابقة ومستمرة من العنف الأسري المتجذّر عميقاً في المجتمعات السورية منذ عقود.
وفّر الإعلام السوري البديل مساحةً أوسع تطفُ بقضية العنف الأسري على السطح، والتي بلا شك، تعدّ خطوة أساسية نحو المساهمة بإنهائها، وهي مسؤولية لا تتحملها وسائل الإعلام البديل السورية وحدها، خاصة في ظل عملها ضمن بيئة الصراع المستمرة وتضاف إليها الهيكليات الاجتماعية والقانونية التمييزية الأقدم. ومع ذلك فهي نجحت للمرة الأولى في إنتاج خطاب مغاير عن المعهود في مختلف المجالات ومنها العدالة الاجتماعية. ومع ذلك، ما زال من الأهمية التوقف عند الممارسات الإعلامية وملاحظة تأثيراتها على ظاهرة العنف الأسري.
بناء عليه، وإيماناً بدور تلك المؤسسات في التأثير وإحداث التغيير، وكمؤسسة تطوير إعلامي من منظور نسوي، تقوم مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات برصد نقدي للخطاب الإعلامي منذ عام 2016، حيث نشرت حينها أول تقرير لرصد تصوير النساء في وسائل الإعلام الناشئة “النساء في وسائل الإعلام السورية الناشئة؛ تحليل نقدي للخطاب”، ومنذ ذلك الحين يتركز عمل المؤسسة على تطوير أدوات رصد للخطاب الإعلامي تتناسب مع التطورات السياسية ووضعها ضمن سياقاتها المحلية.
يهدف هذا التقرير إلى دراسة وملاحظة الأنماط والأساليب الإعلامية التي يتم فيها تناول مواضيع العنف الأسري ضد النساء والفتيات من قبل عينة من المؤسسات الإعلامية السورية الناشئة/ البديلة والمنظمات النسوية والنسائية، وإبراز دورها في الحدّ من هذه المشكلة الاجتماعية أو تعزيزها، وتأثيراتها على كل من الضحايا/الناجيات من العنف، والجناة. وبالتالي مدى المساهمة في السعي نحو العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين. ويعتمد على أداة تحليل للخطاب من وجهة نظر نسوية تجمع بين نظرية التحليل النقدي للخطاب الإعلامي ونظريات إعلامية، وتم تصميمها لتتماشى مع أهداف البحث، وخصوصية الموضوع، والسياق السوري وسياق عمل المؤسسات المشمولة في عينة البحث.
توصلت نتائج التحليل إلى العديد من الممارسات الإيجابية ذات الأهمية في تناول مواضيع العنف الأسري، تمثلت في الاهتمام بتغطية الموضوع أولاً، والتعمق بسياقاته وجذوره وآثاره وأنواعه المرئية والأقل مرئية في المجتمع والمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية وسدّ الفجوة بين الجنسين، بالإضافة إلى مراعاة الحساسيّة تجاه الضحايا/ الناجيات من العنف.
في المقابل، وبمواقع أخرى، لم تسلم الضحايا/ الناجيات من اللوم أو التنميط أو التسليع أو الإسكات. ولم يخلُ الخطاب من بعض المغالطات المنطقية التي شوّهت وأغفلت حقيقة العنف الأسري وصورته كشأن خاص وعائلي، أو حتى كفعل رومانسيّ. وبالتأكيد أثرت التوجهات السياسية للمؤسسات على تشكيل تغطياتها وصياغة رسائلها على حساب القضية عينها. أفضى التقرير الحالي لمجموعة نتائج وأمثلة دقيقة يمكن أن تساهم وتساعد في التوقف عندها وإعادة التفكير بها، وفتح باب النقاش لتطويرها جماعياً في سبيل تبادل الخبرات وإنتاج خطاب إعلامي أكثر حساسية للضحايا والناجيات من العنف، وأكثر فاعلية في المساهمة بالحدّ من وإنهاء ظاهرة العنف الأسري وتحقيق العدالة.
لحضور الحدث بتاريخ 25 شباط، عبر الرابط التالي :
Add Comment