أعلنت رابطة الطلاب الجامعيّين في لبنان (AUSl)، في شباط (فبراير) من العام الجاري، عن حملة مناصرة للدفاع عن حقّ الطلاب السوريين في الوصول للتعليم الجامعي، وذلك عقب استصدار الجامعة اللبنانية قراراً تمنع بموجبه تسجيل أي طالب سوري لا يحمل إقامةً سارية المفعول في كلّياتها. لم تكن تلك المرة الأولى التي يُعرقل فيها الطلبة من متابعة تعليمهم الجامعي، لكن الحملة أتت لتضيء على زوايا عديدة من العراقيل التعليمية ومناشِدةً للتخفيف من شدّة التضييق والقيود التي حالت بين آلاف من الطلاب السوريين وحقهم في استكمال تعليمهم العالي على طول أعوام من اللجوء في لبنان. وعلى الرغم من العنوان العريض الذي أطلقته الحملة: «إقامتي تفقدني تعليمي»، إلّا إن شرط الإقامة لم يكن العائق الوحيد أمام الطلبة، بل هناك أيضاً عقبات اقتصادية وسلسلة من التعقيدات القانونيّة. إذاً كيف يمكننا فهم الوضع التعليمي الجامعي للطلاب السوريين بشكل أدقّ؟
بلغ عدد الطلبة السوريين المسجلين في الجامعات اللبنانية الحكومية للعام الأكاديمي 2015 نحو 2013 طالب-ة، ويقابله 5059 في الجامعات الخاصة. فيما سجل العام الأكاديمي 2016 انخفاضاً لتكون الأعداد 1490 في الجامعات الحكومية و4370 في الجامعات الخاصة.
وفي عام 2018، وفي الوقت الذي كانت فيه أعداد السوريين الذين أعمارهم بين 18 و24 -أي يفترض أنهم في مرحلة التعليم العالي- نحو 117420، تسجّل 7315 منهم فقط في الجامعات. وبالوصول إلى عام 2021 خلص التقرير التقييمي لأوضاع اللاجئين السوريين في لبنان، والذي تعده المفوضية السامية لشؤون اللاجئين سنوياً، إلى أن 65 بالمئة من اللاجئين الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و24 عاماً لا يتلقون تعليماً، 87 بالمئة منهم إناثاً.
بيروقراطية معادية للتعليم
تقول غنى، التي تحاول الانضمام للجامعة، إنها ذهبت عشرات المرات إلى وزارة التربية اللبنانية منتقلةً من طابقٍ إلى آخر لمعادلة شهادة الثانوية العامة السورية لتستطيع بعدها التسجيل في الجامعة، وعلى الرغم من تأمين جميع الأوراق «التعجيزيّة» المطلوبة، إلا إنّهم رفضوا تعديل الشهادة، وأعادوا لها الأوراق التي عانت بشدة لتأمينها ودفع تكاليفها. تضيف: «ترافق هذا مع معاملة ليست الأفضل مع طالبةٍ انقطعت عن الدراسة لسنوات كثيرة ومن ثم تلاشى حلم الدراسة أمام عينيها».
يُعدّ اجتياز المرحلة الثانوية بمعدل جيّد، بالنسبة للطلاب وأهاليهم، حدثًا مفصليًا في حياتهم، غير أنّه الأمر ليس كذلك بالنسبة للطالب السوري في لبنان؛ لأنّ عوائق كثيرة تستيقظ بعد تلك المرحلة، وتتلاشى كثيرٌ من آمال الطلاب ببداية موعد تعليميّ ومهنيّ مشرق، وتبقى حبيسة جدران وزارة التربيّة اللبنانيّة، فيما سنوات من الجدّ والكدّ والمكابدة تتبدّد ويُجبر الطلاب على نسيانها، ليبحثوا بعدها عن بدائل لم يرغبوا بتجربتها في حياتهم قط.
تتضح شدّة تعقيد عملية الوصول إلى التعليم العالي عبر تتبع آلية سيرها، ففي البدء يتحتم على الطالب السوري الحاصل على شهادة الثانوية العامّة (البكالوريا) أن يمتلك أوراقاً ثبوتيّة كجواز السفر أو بطاقة الهوية، وإقامة صالحة، بالإضافة إلى معادلة شهادة البكالوريا في حال كانت سورية. وتعتبر معادلة الشهادة الثانوية وشهادة الصف التاسع الأساسي، التي تتم في وزارة التربيّة اللبنانيّة، من أكثر المعاملات تعقيداً، مُشكلةً حاجزاً حقيقيّاً أمام آلاف الطلاب السوريّين. إذ تتطلّب المُعادَلة تصديق شهادات الثانوية العامة والتاسع من الجانبين السوري واللبناني، وحركة مرور من دائرة الهجرة والجوازات السورية؛ أي دخول وخروج نظامي عبر المعابر الحدوديّة للتأكّد من شرعيّة دخول لبنان، ويُستثنى من ذلك بعض الطلاب الذين أجبرتهم الظروف على مغادرة سوريا ودخول لبنان بشكل غير شرعي. وتتطلّب المعادلة أيضاً تسلسلاً دراسياً عن الصفوف الإعدادية والثانوية، وهنا تكمن العقبة الكُبرى بسبب عجز الطلاب عن تأمين التسلسل الدراسي لأسباب عديدة؛ منها عدم تمكن الطلاب وذويهم من الذهاب إلى سورية لأسباب أمنيّة، أو بسبب تلف تلك الوثائق الموجودة في مدارس دُمرت خلال السنوات الأخيرة، أو في مناطق يستحيل الوصول إليها بسبب النزاع المسلح. إذاً تتطلّب عملية الوصول للتعليم العالي في لبنان أوضاعاً أمنيّة جيّدة مع النظام السوري، ويُحرم منها أولئك الذين دخلوا لبنان خلسةً، أو الذين وصلوا لبنان دون أوراق ثبوتيّة، أو الملاحقين من قبل النظام السوري.
لا تتوقف العقبات البيروقراطية عند هذا الحد، إذ تقول قمر: «تخرجتُ من إحدى الجامعات اللبنانيّة الخاصّة معلمةَ صف بعد مُعاناة وإنفاق ماديّ كبير، إلّا أنّ شهادتي بقيت معلّقة في خزانة الجامعة بسبب عدم قدرتي على تعديل شهادتي الثانويّة». ثم تضيف: «سلكتُ وعائلتي طريقاً غير نظامي للوصول إلى لبنان بعد فرارنا من حمص عام 2013، وكان هذا سبباً في منعي من الحصول على المعادلة كوني لا أستطيع الحصول على ‘حركة مرور’». تدور قمر إلى اليوم في حلقةٍ مفرغةٍ من المحاولات اليائسة، فلا هي قادرة على العمل ولا هي قادرة على متابعة دراساتها العليا.
منذ بداية اللجوء السوري إلى لبنان، ظلّ التعليم العالي مقيّداً بالأطر السياسيّة والأمور القانونيّة المترتبة عليها وتغيراتهما المستمرة، وكانت المبادرات لفتح أبواب التعليم الموصدة في وجه الطلبة السوريين قليلة جداً، ولم يجدوا تعاوناً من وزارة التربيّة والتعليم لتذليل عقبات وصولهم إلى الجامعات، كتقديم شروط مخففة أو تخصيص سياسات إداريّة واضحة تُراعى فيها خصوصيّة اللجوء. ومن جهةٍ ثانية، كان عمل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين خجولًا جداً في هذا الإطار، واقتصر على تقديم بعض المنح التي سنذكرها لاحقاً، ومن دون الالتفات إلى المعوقات الأساسية المتصلة بالشؤون القانونية ومحاولة التدخل لحلّها أو اقتراح حلول بديلة. عزّز هذا عدم مصادقة لبنان على اتفاقية اللجوء الدولية، والتي ربّما كانت ستحتّم على الحكومات اللبنانية اتخاذ سياساتٍ أكثر جدية لتوفير التعليم الجامعي للاجئين السوريين.
أنشأ مجموعة من الطلاب والطالبات السوريين-ات في لبنان، عام 2016، شبكة دعم باسم رابطة الطلاب الجامعيين، في محاولة لسد الفراغات الناجمة عن التقصير الحكومي وغير الحكومي في سياق التعليم العالي من جهة، والضعف الأكاديمي من جهة ثانية، فحاولت الرابطة من خلال متطوعيها مساعدة الشباب والشابات في توفير المعلومات اللازمة للدراسة، كما ساعدتهم بملء طلبات تقديمهم للمنح أو للدورات المهنية على حدٍّ سواء. علاوةً على ذلك، جرّبت الرابطة التأثير في القرارات التي تصدر عن الجامعات والتي تعيق التسجيل الجامعي للاجئين السوريين، وذلك من خلال إطلاق العديد من حملات المناصرة، إلا أن تأثيرها في هذا الإطار بقي ضئيلاً. تقول مزنة الزهوري، وهي ناشطة سورية في المجتمع المدني وعضوة متطوعة ضمن الرابطة: «نعمل منذ سنوات على إيصال صوت طلاب الإجازة والدراسات العليا للجهات المعنيّة، لكن دون تحقيق أثرٍ يُذكر، إذ غالباً ما يتم تجاهل مطالبنا».
منظومة تعليمية متآكلة
في أعقاب الاحتجاجات اللبنانية ضد الفساد الحكومي عام 2019، وانهيار الليرة اللبنانية ومن ثم انفجار مرفأ بيروت وتبعات انتشار وباء كورونا، تدهور القطاع التعليمي اللبناني بشكلٍ لم يسبق له مثيل، ممّا انعكس سلباً على رواتب الكوادر التدريسية التي قضم سعر الصرف قيمتها، كما تأثرت البنى التحتيّة للجامعة اللبنانيّة الحكوميّة وباتت عاجزةً عن تأمين المستلزمات الأساسيّة، مثل حبر الطباعة وأوراق الامتحانات والمحروقات اللازمة للإضاءة وتشغيل المعدات، فلجأت إلى سياسة الإضرابات المفتوحة المتلاحقة في سبيل الضغط على الحكومة لتعديل الموازنة والإنفاق عليها. في قلب هذا ظلت هذه الجامعة وجهة الطالب السوري غير القادر على تأمين التكاليف الكبيرة للجامعات الخاصة، وبشكلٍ أساسي بعد دولرة الأقساط، إذ يبلغ الآن أدنى قسط في إحدى الجامعات الخاصة التي تعتبر خياراً ثانياً بعد الجامعة اللبنانية حوالي 6000 دولار للتخصّص في مرحلة الإجازة.
ورغم الوضع السيء للتعليم الإلزامي للطلاب السوريين والشروط المتعلّقة بالإقامة أيضاً، إلّا أنّ المفوضيّة عملت على إبرام معاهدات وتخصيص ميزانية له. قال مركز الدراسات اللبنانية وهيومن رايتس ووتش إنه «من عام 2017 وحتى 2021، قدم المانحون أكثر من 1.12 مليار دولار لبرامج التعليم المدرجة في خطة لبنان للاستجابة للأزمة، التي توجّه الاستجابة الإنسانية الدوليّة لـ1.5 مليون لاجئ سوري فرّوا إلى لبنان بعد 2011. تم توجيه أكثر من نصف هذه الأموال إلى وزارة التربية والتعليم اللبنانية». إذ يقدّم المانحون 600 دولارسنوياً عن كل طالب سوري يدرس في الفترة المسائية، و300 دولار عن كل طالب يدرس خلال الفترة الصباحية.
نجد في الجهة المقابلة، أنّ السلطات في لبنان فرضت قوانين تقييديّة مجحفة حدّت من قدرة اللاجئين على الوصول إليها وتطبيقها. أكدت هذا الدكتورة مها شعيب، مديرة مركز الدراسات اللبنانية في الجامعة اللبنانية الأميركية في مقابلةٍ أجريناها معها: «يمكننا إرجاع أحد أسباب تدني نسبة طلاب التعليم العالي من السوريين إلى قلة عدد المتأهلين له بشكل أساسي، إذ أن نسبة المتأهلين للدراسة الثانوية لم تتجاوز 4 بالمئة. ينقسم الطلاب إلى فئتين: الأولى هي النسبة الثانوية القليلة من الطلاب الذين يستطيعون التخرج من الثانويات اللبنانية، والفئة الثانية هم حملة الشهادات الثانوية السورية الذين يواجهون صعوبة في التسجيل الجامعي». وتضيف شعيب: «نحاول أن نفهم سبب ضعف المفوضية وشركائها أمام البيروقراطية الناظمة للوصول للتعليم العالي». من جهة ثانية، ترى الدكتورة مها أن إصرار المفوضية على منح مبالغ كبيرة لوزارة التربية والتعليم العالي دون الحرص والتأكد من إزالة العقبات القانونية أمام الطلاب هي فجوة كبيرة، وكثيراً ما قاموا بإرسال برقيات للجهات المانحة لحلها، لكن دون أي تجاوب، وترى أن ذلك يعكس بشكلٍ واضح التفكير الإغاثي المنظماتي لمشاريع تعليمية قصير الأمد.
في هذا الصدد، أخبرتنا لجين طواشي، وهي طالبة سورية مقيمة في لبنان، أنّها في عام 2019 وبسبب عدم قدرتها على الدراسة في الثانويات الرسمية اللبنانية بفعل تعقيدات الإجراءات القانونية، توجهت هي وعشرات الطلاب إلى خيار دراسة البكالوريا الحرة في سورية، وخاصة أنّها تقيم قريباً من المنطقة الحدوديّة، ممّا يُسهل التنقل لإجراء الامتحانات. تضيف: «حين نجحتُ أنا ودفعة الطلاب والطالبات تفاجأنا برفض تعديل الشهادة الثانوية بسبب عدم مطابقة تاريخ الدخول والخروج مع تاريخ الامتحانات، وهذا بسبب عقد اتفاق بين السائق والجانبين السوري واللبناني من حرس الحدود، الذين سمحوا لنا بالدخول والخروج من دون ختم على أوراقنا الثبوتيّة، وحين حاولنا إثبات ذلك لم نستطيع. عشرات الطلاب والطالبات حُرموا من فرصة استكمال تعليمهم الجامعي بسبب أخطاء لا ذنب لنا فيها». نلاحظ أنّ غياب السياسات التعليميّة الواضحة ونقص الإرشاد الأكاديمي والقانوني بشأن استكمال التعليم العالي دفع كثيراً من الطلاب نحو طرق مشكوك في صحتها قانونياً.
صعوبات إضافية
لطالما اعتاد الطلاب السوريون العمل إلى جانب الدراسة، لكن كثيراً ما شكل الأمر ضغوطاً نفسيةً وجسديةً بالغةً لبعضهم، بسبب اضطرارهم للعمل ساعات طويلة في ظروف وبيئة عمل غير صحية، وهذا انعكس أيضاً على تحصيلهم العلمي. علاوةً على ذلك، رافق بعضهم قلقٌ دائمٌ هو معرفة الأمن العام بأنهم يعملون، والذي قد يؤدي إلى سحب الإقامة. تنطبق هذه الشائكة بالتحديد على الطلاب الذين يحملون إقامةً دراسية، والتي من إحدى شروطها تعهدهم بعدم العمل. من جهة ثانية، أدى هذا إلى استغلالهم من بعض أرباب العمل بذريعة التستّر عليهم.
يخبرنا خالد كيف بدأ بدراسة الإجازة باللغة العربية في الجامعة اللبنانية عام 2012 وانتهى منها مثقلاً بالهموم الدراسيّة. في ذلك الحين، لم تشغل الأمور الإجرائية حيزاً كبيراً من مشاغل الطالب السوري، لأنّ العائق الأكبر كان الظروف المعيشية الصعبة والعمل الى جانب الدراسة لتأمين الأقساط الجامعيّة، الأمر الذي شكل عبئاً عليه، إذ غالباً ما تطلّبت الجامعة حضوراً إلزامياً. يضيف: «في بداية الدراسة بقيت هناك تسهيلات بالنسبة للتسجيل والإقامة الدراسية، لكن فيما بعد بدأت الصعوبات تأخذ أشكالاً أكثر تعقيداً مع بداية التشديدات القانونيّة في العام 2014، فانقطعتُ مع كثير من الطلاب عن الدراسة». انشغل خالد العام الماضي بالتفكير ملياً بدراسة الدكتوراه، لكن بحسب قوله: «الإقدام على هذه الخطوة ينبغي أن يسبقه التفكير على مستويين؛ الأول أمني بسبب أوراقي العالقة في الأمن العام مع خطر الترحيل إلى سوريا، والآخر متعلّق بتفاوت سعر أقساط الجامعات بين شهرٍ وآخر والتذبذب في سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار».
من جهةٍ أخرى، كثيراً ما يتردّد الطلاب السوريون في اختيار مجال الدراسة المناسب لهم، فهم مقيدون بأنظمة وقوانين سوق العمل اللبناني. إذ يمنع قانون العمل اللبناني الأجانب، بمن فيهم السوريين، من الانضمام إلى عدة نقابات مهنية مثل نقابة الأطباء وغيرها. وقد أصدرت وزارة العمل قراراً يحصر السوريين بمزاولة مهن معينة في القطاعات الزراعية والبيئية والبناء، مما يحدّ من خيارات الطلاب التعليمية والمهنية، وربما يجعلهم يبتعدون عن الخيارات الدراسية التي يطمحون لها. لذا كثيراً ما ترتبط مصائرهم التعليمية بأنظمة العمل تلك، وخاصةً بسبب قلة فرص السفر إلى الخارج أو إمكانية العودة إلى سوريا لأسباب أمنية. يخبرنا أحد الطلاب عن شغفه بدراسة الطب منذ الطفولة، لكنه خشي من هدر سنوات عمره، إذا اضطرته الظروف للبقاء في لبنان، في دراسة هذا التخصص دون أن ُيسمح له بمزاولته بعد التخرج، فتوجه لدراسة تخصصٍ آخر عوضاً عنه.
فرص تعليميّة محدودة
بالتوازي مع جميع الصعوبات التي ذكرناها، تتعلق آمال الطلاب دائماً بقبولهم في إحدى المنح التعليمية المتوافرة للسوريين. عملت العديد من المشاريع على تقديم الدعم للطلاب السوريين من خلال المنح الدراسية والدعم اللغوي؛ مثل برامج Spark وHOPES-LEB وDAFI، والذي عُدًّ الأخير بينها كأحد الركائز الأساسية الخمس لاستراتيجية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الرامية إلى تحقيق نسبة 15 بالمئة من التحاق الشباب واللاجئين بالتعليم الجامعي بحلول عام 2030. لكن في الوقت ذاته، شهدت تلك المنح انحساراً ملحوظاً في نسبة المستفيدين المحتملين من الطلاب، وحتى على صعيد عددها ومدى فعاليتها. ويرجح الدكتور كارستن والبينر، مدير مشروع HOPES-LEB المموّل من الإتحاد الأوروبي عبر الصندوق الائتماني الإقليمي للاتحاد الأوروبي للاستجابة للأزمة السورية (صندوق مدد) الذي تقوم بتنفيذه الھیئة الألمانیّة للتبادل العلمي (DAAD) بالشراكة مع كامبوس فرانس (Campus France) والھیئة الھولندیة للتعاون الدولي في مجال التعلیم العالي (Nuffic) لتوفير فرص تعليميّة للطلاب من خلال منح دراسيّة مموّلة بالكامل، في مقابلةٍ أجريناها معه بعض الأسباب، إلى أنه «من الصعب إعطاء إجابة مختصرة عن أسباب التراجع تلك، إنما هناك عدّة عوامل متشابكة. هناك بالتأكيد إرهاق من المانحين، أو بمعنى آخر تناقص الاهتمام بالأزمة السورية، ويغذيه امتدادها الطويل والاحتمال الضئيل لوجود حلول. لكن هناك أيضًا حقيقة أن العالم بأسره دخل أوقاتاً صعبةً للغاية مع تحديات هائلة يجب مواجهتها، بما في ذلك جائحة كورونا بتداعياته الاقتصادية الهائلة، وضرورة محاربة تغيّر المناخ بإجراءات فورية جذريّة ومكلفة، ناهيكِ عن العديد من الحروب والكوارث المحلية».
ويضيف والبينر: «في ما يتعلق بالمنح الدراسية للسوريين، قد تكون هناك أيضاً مشكلة أخرى ساهمت في تلاشي رغبة المانحين في زيادة التزامهم. إذ يرتبط توفير المنح الدراسية دائمًا بالرغبة في تحسين آفاق سوق العمل للخريجين لمساعدتهم في العثور على وظيفة مناسبة وفقاً للتعليم الذي تلقوه وكسب لقمة العيش لإعالة أنفسهم وأسرهم. لكن في البلدان التي تستضيف غالبية اللاجئين السوريين، لم يصبح ذلك حقيقة واقعة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة السائدة هناك».
ومن جهة ثانية، أكّد والبينر على أنّه لا ينبغي أن يقتصر الدعم في مجال التعليم العالي على الدراسات الأكاديمية في الجامعات فحسب، بل «يجب أن يتناول المسار الأكاديمي بأكمله، من التحضير للجامعة إلى العثور على وظيفة بعد التخرّج». وأشار الدكتور كارستن في معرض حديثه إلى ضرورة «الأخذ بعين الاعتبار أيضاً لمسألة توفير فرص بديلة للشباب والشابات الذين لم تسمح لهم الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية أوحتى عائق العمر في بعض الأحيان من ارتياد الجامعات، لهذا السبب نحاول أن نكون أكثر من مجرد منحة جامعية. مثلاً أطلقنا سنةً تحضيريةً للطلاب والطالبات خريجي المدارس الثانوية لدخول الجامعة، كما نقدّم دورات التدريب المهني لأولئك الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعة ويرغبون في تحسين فرصهم في سوق العمل».
في هذا الإطار أطلق المشروع الذي يديره كارستن والبينر شبكة الاتحاد الأوروبي للخرّيجين والمهنيين الشباب بالتعاون مع برنامجي EDU-SYRIA وDAFI، والتي من شأنها توفير المعلومات عن فرص دراسيّة وفرص عمل، بالإضافة إلى تدريبات عديدة تهدف إلى تحضير الطلّاب والخرّيجين لسوق العمل.
وعن توقعاته المستقبلية المبنية على المعطيات الحالية، ينهي حديثه معنا بالقول: «أصبح كل شيء مشكلة، وغالبًا ما يمثل تهديد بقاء بالنسبة للمؤسسات والموظفين (الأكاديميين والإداريين) والطلاب أيضاً. سينتهي برنامج HOPES-LEB في كانون الثاني (ديسمبر) 2023، لكننا نحاول إيجاد طريقة للتمديد حتى صيف 2024. وآمل بالطبع أن يكون هناك أيضاً مشروعٌ يتبعه».
بدأ التسجيل في الجامعة اللبنانية للسنة الجديدة بداية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، أما مخاوف الطلاب وقلقهم جراء احتمالية ارتفاع رسوم الجامعة اللبنانية فتحققت. لأول مرة منذ سنوات رُفعت الرسوم المتوجبة على الطلاب، ولا تسهيلات قانونية تلوح في الأفق».
«لا يريدوننا أن نتعلم. مستقبلنا الذي نشكّ في ازدهاره أسير الضغوطات السياسية، وإن تراءى للبعض أنّنا المسؤولون الوحيدون عن مستقبلنا وخياراتنا هذا غير صحيح؛ نحن مستعدون لأن نسير مشياً ونقطع مئات الكيلومترات لنصل للجامعات وفي أسوأ الظروف». هذه كلماتٌ سمعتُها من طلاب وطالبات هنا وهناك أثناء حديثي معهم-ن؛ كلمات من ضجيج وغضب.
لقراءة المقال كاملاً:
Add Comment