من أكبر التحديات التي تواجهها النساء في مجتمعاتنا الشرقية هو الفجوة الكبيرة بين الحقوق المنصوصة لهن في القانون وهي غالبا حقوق منقوصة، وبين قدرتهن على الحصول عليها أو المطالبة بها، وذلك نتيجة التناقضات الموجودة في الدساتير الوطنية في الدول العربية والتي تنص على المساواة بشكل عام ولكن التطبيق الفعلي للقوانين قائم على التمييز.
وتستند معظم القوانين في سوريا وغيرها من الدول العربية على العرف والدين، وبالتالي تقع المرأة ضحية ثقافة التمييز السائدة والنصوص الدينية التمييزية التي وضعتها في مرتبة أقل من الرجل، وأتاحت ممارسة العنف ضدها بمباركة مجتمعية وفتاوى شرعية.
العرف وثقافة المجتمع.. يعززان العنف ضد النساء
في المجتمعات الأبوية لا يتم الاعتراف بإنسانية المرأة، ولا أعتقد أن هذه النظرة نابعة من العامل البيولوجي “الحجة المعتادة”، وإنما من الثقافة الذكورية المسيطرة ،والتي طالما حاصرت وهمشت وأقصت النساء.
ربما جميع النساء السوريات اختبرن شكلا من أشكال العنف خلال حياتهن فقط بسبب جنسهن، فمنهن من حرمت من التعليم لأن الثقافة السائدة تقول أن “الفتاة آخرتها لبيت زوجها” لذلك تفضل العائلة أن تعلم أخاها بدلاً عنها.
ومنهن من أجبرت على الزواج طفلة لأن العرف والدين يسمحان “لولي أمرها” أن يتحكم في حياتها وخياراتها، فتجد نفسها زوجة وخادمة وأم لأطفال، وأيضا نجد عشرات القصص لنساء يتعرضن للتعنيف المستمر من قبل الزوج لأن أهاليهن يرفضون أن يصبحن مطلقات.
ريما معلمة مدرسة تزوجت زميلها في الجامعة وأنجبت منه 3 أطفال، بعد أن توظفت سيطر زوجها على راتبها وكان يعطيها منه مبلغا بسيطا لا يسد احتياجاتها الشخصية بحجة أنه أقدر منها على حفظ هذا المال، وأن راتبها من حقه لأنها “ملكه” وبالتالي الوقت الذي تعمل به ضاع من حقوقه وعليها تعويضه.
وأنا أكتب هذه المقال وصلتني رسالة من صديقتي على الواتساب، تتضمن لقطة شاشة لمنشور يقول “وفاة سيدة سورية متأثرة بجراحها أصيبت بها نتيجة الضرب المبرح من قبل الزوج”، وعندما فتحت على الصفحة التي نشرت الخبر وبحثت قليلاً في التعليقات وجدت أن غالبيتها تتمحور حول هذه الأمثلة “أبصر شو عملت، حلال عليه، إذا ضربها كفين صارت جريمة، خلص عمرها”.
ومن أجل القضاء على العنف يجب أن يتم العمل على الأجيال القادمة ثقافياً، وذلك من خلال تنشئتهم على الحريات والحقوق والمواطنة والمساواة، وزرع القيم الإنسانية ونشر ثقافة اللاعنف.
هل تثق النساء بالقوانين؟
بما أنني من سوريا ومعظم النساء اللواتي أتواصل معهن سوريات ونتناقش حول قضايانا سواء داخل سوريا أوخارجها، يمكنني أن أقول أننا لا نثق بالقوانين الموجودة في سوريا لأنها قائمة بحد ذاتها على التمييز ومنحازة للرجل، ولدى بعضنا قلق في بعض الأحيان من تطبيق القوانين المدنية في تركيا وأوروبا.
لانا، سيدة سورية تعيش في تركيا تحاول حاليا الحصول على الطلاق من زوجها الذي ضربها مرارا وحاول خنقها، قالت لي، أنها تأخرت باللجوء للشرطة والمحاكم لأنها كانت تخاف من عدم الاستجابة، وكانت تعتقد أن القوانين في تركيا تشبه قوانين بلدها وهي لا تحمل إلا الذكريات السيئة عن تعامل الجهات الحكومية مع النساء.
ومثال على ذلك قانون الأحوال الشخصية السوري الذي يقوم على التمييز ضد المرأة، ينتهك حقوق المواطنة وحقوق الإنسان، التي تشمل حق الحياة والاحترام والعدالة والحرية وحق المرأة في العمل وحقها في الخصوصية وحقها في حياة كريمة، إضافة إلى أن قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها، يتم تعديلها بشكل منفصل كل طائفة على حدة، هذا يولد تفاوتاً على أرض الواقع، ليس على أساس إمكانيات وتطور الفئات الاجتماعية المختلفة، بل على أساس الانتماء إلى مذهب ما.
يرجع خوف لانا وغيرها من النساء إلى قلة معرفتهن بالقوانين الموجودة في البلدان التي لجأن إليها، وأحيانا يتم الاحتيال عليهن من قبل محيطهن وتخويفهن وتهديدهن بأن القوانين هنا مشابهة لسوريا وأنها الخاسرة الوحيدة في حال لجأت إلى الشرطة أو المحاكم في حال تعرضت للعنف.
وهنا تقع المسؤولية على المؤسسات المناصرة لقضايا المرأة في تعريف النساء بحقوقهن القانونية في مختلف البلدان، وخاصة تلك المتعلقة بحمايتهن من التعنيف، كما تتحمل المرأة بعض المسؤولية للبحث والتعرف على البلدان الجديدة وقوانينها حتى يستطعن امتلاك أدوات كافية لحماية أنفسهن.
وتمكن أهمية الوعي بالحقوق بأنها الدافع لرفض الإيذاء والعنف واتخاذ موقف حازم بالرغبة الشديدة بالدفاع عن النفس.
Add Comment