بقلم: حمزة همكي
الناشر: Rozana – روزنة
في منتصف أبريل /نيسان2017 تلقى “جميل حسن”، المغترب السوري الذي يعيش في إسبانيا منذ 52 عاما، خبرا يفيد باستيلاء تاجر كبير يعرف محليا بلقب “أبو دلو” على محله التجاري في مركز مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة شمالي شرقي سوريا.
لم يكن حسن يدرك أنه يواجه ما واجهه مغتربون آخرون في المدينة، حيث انتشرت -كما في مختلف المناطق السورية- ظاهرة تزوير ملكية العقارات. تم تعديل القرارات المرتبطة بتوكيلات البيع والشراء خلال السنوات التسع الماضية بناءً على حالات عديدة وقضايا كثيرة، لكن هذه التعديلات لم تشمل مناطق شمالي شرقي سوريا.
على مدى 10 شهور من العمل على هذا التحقيق، حصلنا على معطيات تشير إلى أنه بين عامي 2015 و2022 تم تزوير عشرات عقود البيع والاستيلاء تبعا لذلك على ممتلكات تبلغ قيمتها ملايين الدولارات في القامشلي، في حين قدّر مجلس الكنائس المسيحية في الجزيرة والفرات في وثيقة رسمية أنه تم الاستيلاء بطرق التزوير على 70 عقارا تعود ملكيتها لمسيحيين مغتربين.
وقعت بين أيدينا نحو 100 وثيقة قضائية لقضايا تزوير واستيلاء غير مشروع على عقارات بالمدينة. وبعد مطابقة الوثائق وسؤال الشهود وأصحاب العلاقة ومحامين، تمكنا من حصر وتتبع 3 قضايا رئيسية، يظهر في اثنتين منها اسم التاجر “أبو دلو” نفسه، الذي يملك مئات العقارات في القامشلي، بينها عشرات يقول أصحابها إنه استولى عليها بطرق ملتوية.
في جميع القضايا التي تتبعناها ويتم تداولها في محاكم الحكومة السورية، يرد أيضا اسم المحامي (م. س)، ويتضح أنه يتعاون مع “أبو دلو” في مثل هذه المسائل. كما يعمل كثيرون غيرهما كأفراد ومجموعات في هذا السياق.
وحسب النتائج التي خلص إليها التحقيق، فإن هؤلاء الأشخاص يتحكمون في مصير عقارات المغتربين والفارين من الحرب، مستفيدين من النظام القضائي المزدوج المعمول به في هذه المنطقة منذ عام 2014.
تحايل ومتاهة قضائية
كان صادما لجميل حسن أن يسكت شقيقه عن بيع محله بعقد مزور بتاريخ الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2011، وبعد تيقّنه من الاستيلاء على المحل، سارع بالسفر إلى المدينة لاسترجاعه. وبحسب وثيقة السجل العقاري، يقع المحل في المنطقة العقارية “رابعة القامشلي”، وتبلغ مساحته 22 مترا مربعا.
تشير الوثائق إلى أن التاجر “أبو دلو” دفع للأخ 200 ألف دولار مقابل عدم تدخله وعدم الاعتراض على التزوير، وفق ما يؤكده أخوه حسن، في وقت قدّر فيه سعر العقار حينها بنحو 300 ألف دولار أميركي، كما يفيد تقاطع شهادات مكاتب عقارية تواصل معها معدّ التحقيق.
لم يتسن التواصل مع الأخ للرد على الادعاءات الموجهة له بسبب وجوده في السجن في دولة أوروبية منذ نحو 5 سنوات على خلفية مشاكل عائلية. لجأ حسن إلى القضاء بعد انسداد طرق التوصل إلى حل مع المشتري، وتقدم بطلب طعن في صحة توقيعه على العقد، وطالب محاميه بإثبات تزوير العقد من خلال مقارنة الخطوط.
بعد بحث طويل، حصلنا على نسخة من عقد البيع المدعى بتزويره، كما حصلنا على برقية صادرة من إدارة الهجرة والجوازات بدمشق تحمل الرقم 1394918/ ق- م.
تتبعنا تواقيت دخول جميل حسن إلى البلاد ومغادرته، وعملنا على مقارنتها مع تاريخ إبرام العقد الذي قدّم إلى المحكمة، ليتبيّن أن حسن دخل سوريا يوم 28 ديسمبر/كانون الأول 2011، أي بعد التاريخ الموثق في عقد البيع بنحو 24 يوما.
بموجب البروتوكول القانوني المعتمد في سوريا، يتوجب إرسال تبليغات الدعاوى عبر إخطارات بريدية إلى عناوين الأطراف المعنية في القضية، وهو ما لم يحصل في قضية جميل حسن.
حوّل بريد المحكمة الإخطارات إلى عنوان شقيقه بدلا من عنوانه الحقيقي في قرية “حلوة الشيخ” أو مكتب محاميه، حتى لا يتمكن حسن ومحاميه من الحصول على إخطارات الجلسات.
تابعنا سير القضية، وحصلنا على نتائج تقارير كشف الخبرة الصادرة عن محكمة البداية، لكنها لم تحسم مسألة تزوير عقود البيع من عدمه، وأفادت بأن التطابق بين التوقيعين شكلي فقط.
في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 2021 حصل جميل حسن على قرار من محكمة الجزاء في القامشلي، يؤكد تزوير عقد البيع الذي قدمه المشتري.
كما تلاه بعد ذلك قرار محكمة البداية المدنية رقم 1285 والذي صدر يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول 2022 لصالح حسن المالك الأصلي، ليبطل القرار عقد البيع وإثبات تزويره بما لا يدع مجالا للشك، لكن الطريق بقي مفتوحا أمام الخصوم للاستئناف.
يسهّل النظام القضائي المزدوج في محافظة الحسكة انتشار عمليات التزوير، ويعطّل بالتالي مكافحتها بصورة فعالة، وهو ينقسم بين محاكم الحكومة السورية ومحاكم العدالة الاجتماعية التابعة للإدارة الذاتية، التي تسيطر على المنطقة بحكم الأمر الواقع منذ صيف 2012. وتحتفظ المؤسسات الحكومية بالسجلات العقارية إلى الآن، لكن فعليا تدير الإدارة الذاتية المنطقة.
عمليا لا يستفيد جميل حسن من قرارات المحاكم الحكومية حتى لو أغلقت القضية لصالحه إلا من ناحية السجلات الرسمية، لأن العقار يقع في منطقة تسيطر عليها الإدارة الذاتية.
ولا تعترف محاكم الإدارة الذاتية بالأحكام القضائية الصادرة عن محاكم الحكومة السورية، لكن لا بد من التعامل مع إجراءات الحكومة السورية لحفظ الحقوق لديها. ومن أجل ذلك رفع دعوى لدى محاكم الإدارة الذاتية، وحصل معد التحقيق على ملف القضية في هذه المحاكم أيضا.
وتظهر وثيقة صادرة عن هيئة التمييز في القامشلي برقم 1191 بتاريخ 17 مارس/آذار 2019 وجوب تسليم المحل للمالك الأصلي، لكن دورية الشرطة العدلية المكلفة باستلامه وجدته شاغلا من قبل مستأجر أمهلته المحكمة 25 يوما لتسليم العقار.
لم ييأس “أبو دلو” من الحصول على المحل، إذ طعن في القرار بناء على قرار سابق أصدرته المحكمة في أغسطس/آب 2018 بخصوص آلية توكيل المحامين.
ونصّ القرار الصادر آنذاك على عدم قبول محاكم الإدارة انتقال التوكيل من محام إلى آخر دون توثيقه في نقابة المحامين التابعة للحكومة السورية أو محاكم الإدارة الذاتية.
لكن لاحقا تم تعديل هذا القرار في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وأصبحت محاكم الإدارة الذاتية تقبل أي توكيل حتى لو كان من محام.
وعاد محامي جميل حسن وطعن في قرار المحكمة الأخير، بعد أن أصيب بخيبة أمل جراء تسليم القضاء محله لـ”أبو دلو”، ومنذ ذلك الحين لا تزال القضية منظورة أمام القضاء.
لعبة التزوير
خلال تتبع أنشطة التاجر “أبو دلو” ومحاميه، حصلنا على ملف قضية أخرى، وهذه المرة الضحية هي عائلة “أفرام” من أصول سريانية. ففي عام 2016 استأجر “أبو دلو” محلا تجاريا على الشارع العام في القامشلي، يحمل الرقم (12)، من عائلة الأخوين جاك وجوزيف إسحاق أفرام، اللذين يعيشان مع والديهما في دولة السويد منذ نحو 30 عاما.
ويعد المحل المستأجر واحدا من 5 محلات تجارية اسمها الآن “الفاضل” تشغل الطابق الأول من بناء يقع على تقاطع شارع “السيد الرئيس” مع شارع “أبي تمام” في مركز مدينة القامشلي. ويتألف المبنى في الأساس من 3 طوابق سكنية، تبلغ مساحة كل طابق 240 مترا مربعا، كما يتضمن البناء قبوا يشمل كامل المساحة.
تمدد التاجر “أبو دلو” في إشغال المحلات التجارية العائدة لعائلة “أفرام”، حيث استأجر 4 محلات أخرى ملاصقة للمحل الأول المستأجر.
بعد 3 سنوات، زار جاك ووالده المدينة، وفوجئا بإجراء “أبو دلو” تعديلات في شكل المحلات، مما يعدّ مخالفة واضحة للعقد المبرم بين الطرفين، كما تخالف عقود الاستئجار في القانون السوري. وبحسب المادة 581 من القانون المدني السوري، لا يجوز للمستأجر القيام بأي تعديلات على العقار دون إخطار صاحبه.
تدعي عائلة أفرام أن المستأجر قد هدّد كل من يرغب في شراء العقار منهم، وحسب ما تقول العائلة: “لقد أخبرنا أبو دلو صراحة بنيته الاستيلاء على القبو، ثم تطور الأمر بالتهديد للاستيلاء على كامل المبنى”.
وفي خطوة غير متوقعة، تم تغيير ملكية العقار والمحلات التجارية في السجل العقاري بموجب عقود بيع بدل عقود الإيجار القديمة لصالح “أبو دلو”، وتقول العائلة إنه زوّرها، لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع.
تقول عائلة أفرام “قدم أبو دلو عقدين، أحدهما يحمل توقيعا يدعي أنه توقيع جاك بتاريخ 6 أبريل/نيسان 2022، والآخر يحمل توقيعا يدعي أنه توقيع جوزيف بتاريخ 20 أبريل/نيسان 2021، حيث استغل فترة وجود جاك في المدينة لتقديم عقد باسمه كبائع، كما قدم عقد بيع باسم جوزيف في تاريخ سابق عندما كان في زيارة إلى سوريا”.
تدعي عائلة أفرام أن المستأجر حصل على نسخة من وكالة سابقة لجاك ولأخيه جوزيف من اتحاد المحامين تحمل توقيعهما الحقيقيين، والتدرب على طريقة رسم التوقيعين ووضعهما في عقدي البيع.
بعد ذلك، اضطر الأخوان إلى رفع دعويين منفصلتين حول تزوير عقود البيع ضد “أبو دلو”، ومنذ ذلك الحين لا تزال القضية عالقة في المحكمة الجنائية التابعة للحكومة السورية.
كما رفضت محاكم الإدارة الذاتية من جهتها النظر بالدعوى لعدم حسمها في المحاكم الحكومية، بناء على التعميم رقم 11 المعمول به في هذه المحاكم.
وتعد عائلة أفرام من العوائل السورية السريانية التي تقيم في القامشلي، غادر الأخوان جاك وجوزيف سوريا إلى الدول الإسكندنافية في ثمانينيات القرن الماضي بعد إهمال الجزيرة السورية تنمويا، والتحق بهما باقي أفراد العائلة مع دخول المنطقة في مرحلة الصراع العسكري بعد عام 2011.
في عام 2020، أصدرت الإدارة الذاتية قانونا شكّلت بموجبه “لجنة أملاك الغائبين”، وهي لجنة خاصة بأملاك المسيحيين في المنطقة، حاولنا خلال إعداد التحقيق التواصل معهم للاستفسار عن دورهم في متابعة قضية عائلة أفرام وغيرها، إلا أن المسؤولين لم يردوا على أسئلتنا.
وفقا للقانون “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن 5 ملايين ليرة سورية، كل من “تستر” أو تصرف أو أجر أملاك الغائب خلافا له”.
وفي مطلع يوليو/تموز 2022 أصدرت المنظمة الآشورية الديمقراطية بيانا دانت فيه عمليات الاستيلاء على أملاك الغائبين في شمالي شرقي سوريا.
وأعربت المنظمة التي تنضوي تحت مظلة الائتلاف السوري المعارض، عن تفاجئها ببيع الكثير من ممتلكات مواطنين سريان آشوريين من مسيحيي منطقة الجزيرة عموما، حسب بيانها.
ووفق البيان، فإن معظم هذه الممتلكات تقع في مناطق مهمة في مراكز مدن القامشلي والحسكة وديريك وتل تمر، ويتم الاستيلاء عليها عن “طريق تزوير بيانات وتواقيع أصحابها الأصليين، بتغطية ودعم واضحين من بعض المتنفذين في أجهزة النظام ومؤسساته القضائية، وبعض أجهزة سلطة الأمر الواقع في الإدارة الذاتية”.
حصلنا أيضا على وثيقة تعود لمجلس الكنائس المسيحية في الجزيرة والفرات، وتتعلق بقضية الأخوين جاك وجوزيف أفرام. وتتحدث عن وجود أكثر من 70 عقارا تعود ملكيتها لمسيحيين مغتربين وبيعت بطرق التزوير.
دعوى ضد ميت
الدعوى الثالثة التي لاحقها معد التحقيق هي قضية منزل السيد “هاكوب أصلانيان”، والذي تم بيعه دون علم أو موافقة صاحبه، ويظهر أيضا المحامي (م. س) ذاته الذي استعان به التاجر “أبو دلو” في القضايا السابقة، لكن هذه المرة مع شخص آخر هو (ع. هـ).
بدأت القصة تتكشف يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 حين صدر قرار من محكمة الصلح التابعة للحكومة السورية، الذي منحت بموجبه (ع. هـ) حق ملكية العقار الخاص بعائلة أصلانيان، ويقع العقار في المنطقة العقارية رابعة القامشلي في تقاطع شارعي دجلة والفرات بجانب مستشفى السلام باتجاه الشرق.
ولكن المفاجأة أن القرار صدر عن المحكمة، في وقت لم يحضر فيه صاحب العقار الحقيقي الجلسات، ذلك بأن هاكوب أصلانيان كان قد توفي في حلب عام 1999، بحسب أوراق القضية.
سارعت الابنة “سوسي”، التي تعيش في الولايات المتحدة، بالعودة إلى القامشلي، وأعيدت الملكية إلى الورثة بعد إلغاء قرار بيع البيت من ميت بتاريخ 25 مارس/آذار 2014، لكن المحامي أعاد رفع دعوى جديدة على ورثة هاكوب أصلانيان.
ولكن المفاجأة أن القرار صدر عن المحكمة، في وقت لم يحضر فيه صاحب العقار الحقيقي الجلسات، ذلك بأن هاكوب أصلانيان كان قد توفي في حلب عام 1999، بحسب أوراق القضية.
سارعت الابنة “سوسي”، التي تعيش في الولايات المتحدة، بالعودة إلى القامشلي، وأعيدت الملكية إلى الورثة بعد إلغاء قرار بيع البيت من ميت بتاريخ 25 مارس/آذار 2014، لكن المحامي أعاد رفع دعوى جديدة على ورثة هاكوب أصلانيان.
في هذه الأثناء أسكنت الابنة الوريثة “سوسي” أحد الأشخاص في المنزل بموجب عقد إعارة بهدف الحفاظ عليه حتى الانتهاء من إجراءات القضية في المحاكم لإثبات تزوير العقد.
السيناريو ذاته المستخدم في قضية جميل حسن الأولى في هذا التحقيق، تم استخدامه هنا مرة أخرى والمتعلق بالتبليغات واللوحات الإعلانية والجرائد الرسمية. ولم يصل إخطار جلسة المحكمة إلى الورثة.
تقول سوسي “اعتذر مني الشخص المسؤول عن تبليغات المحكمة بصورة شخصية، واعترف لي بأنه أرسل تبليغات الجلسات الخاصة بالمحكمة إلى عنوان خاطئ. كان اعتذاره بداعي المسامحة وشعوره بالذنب”.
يشير عقد المنزل والذي حاول به (ع. هـ) تثبيت ملكيته عام 2012، إلى أن تاريخ شراء العقار يعود لعام 1998، أي قبل وفاة الأب بعام واحد. والسؤال الذي طرحته العائلة أثناء مقابلتنا لها “ما الذي يدفع المشتري إلى السكوت لأكثر من 20 عاما دون محاولة تثبيت ملكية العقار؟”.
كانت الخطوة الوحيدة التي يمكن أن تتصرف بها عائلة أصلانيان هنا بعد صدور القرار لمصلحتها، هو بيع العقار مباشرة لشخص آخر يقيم الآن في العقار بشكل رسمي.
ورغم حصول الابنة، وهي الوريثة من عائلة أصلانيان، على إلغاء القرار الذي يمنح ملكية العقار لـ(ع. هـ) في عام 2014 من محاكم الإدارة الذاتية، فإن العقار بقي مسجلا باسمه. خلال هذه المدة وأثناء فترة الإجراءات، استخدم (ع. هـ) ومن معه حيلة جديدة، وباع العقار لأربعة أشخاص بشكل متسلسل بهدف عرقلة وتعسير مهمة عائلة أصلانيان في تحصيله.
ورغم أن محاكم الإدارة الذاتية قررت منح العقار لعائلة أصلانيان، فإن القضية ما زالت منظورة في محاكم الحكومة السورية، وهي صاحبة القرار الفصل من جهة السجلات العقارية الرسمية.
خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أُلقي القبض على المشتري (ع. هـ) بناء على قرار غيابي صدر بحقه العام الماضي بسبب إدانته بالافتراء والتزوير في قضية عائلة أصلانيان طبقا لوثائق قضائية، وأُفرج عنه لاحقا بكفالة مالية بلغت 3 ملايين ليرة سورية، طبقا لمعلومات حصلنا عليها من محامين قابلناهم خلال متابعة القضايا.
تواصلنا مع التاجر “أبو دلو” والمحامي بهدف الحصول على رد في مجمل الادعاءات ضدهما، إذ تواصل معد التحقيق بداية مع المحامي (م . س) وأرسل له عدة رسائل لتوضيح موقفه حول الادعاءات السابقة ضد موكله، وخلال المكالمة تهرّب من الإجابة رافضا التعليق، وحوّل الاتصال إلى المتهم في أول قضيتين “أبو دلو” الذي كان معه.
أعدنا توجيه الأسئلة إليه فكان رده بأن كل إجراءاته كانت قانونية، وعندما واجهناه بتكذيب أصحاب العقارات ومسار القضايا التي أقر القضاء بطلان العقود فيها، تهرّب من الإجابة وتلفظ بكلمات نابية وهدّد معد التحقيق. عاود المحامي من جهته التواصل مع معد التحقيق، وبدلا من تقديم إجابات واضحة، حاول جاهدا إقناعه بالعدول عن نشر التحقيق، وفي نهاية الاتصال أرسل تهديدات مبطنة.
كيف تتم عمليات التزوير؟
خلال عمليات طويلة من البحث أفاد تقاطع الشهادات التي عمل عليها معد التحقيق بأنه بين عامي 2015 و2022 بأنه تم تزوير نحو 100 عقد بيع، والاستيلاء على ممتلكات تقدر بـ25 مليون دولار أميركي على الأقل، لكن اقتصرنا على القضايا الثلاث السابقة.
وتقع معظم هذه العقارات المستولى عليها في قلب مدينة القامشلي، في حين يقع بعضها بأماكن تجارية وإستراتيجية هامة مثل محيط المطار الدولي في المدينة، ومنها “قصر كربيت” للمختار كريكور بجانب المطار.
كما تم الاستيلاء على أرض بجانب هذا القصر تعود ملكيتها لراهبة أرمينية وتم تحويلها إلى مطعم، وكذلك الاستيلاء على أراضي “إسكندر عشو” من الطائفة السريانية خلف محطة القطار، بالإضافة إلى نحو 20 عقارا تشمل بيوتا في المربع الأمني وحي الوسطى والسوق.
أخبرنا قاض اشترط عدم نشر اسمه (نظرا لنفوذ أصحاب القضايا) ويعمل في محكمة تابعة للحكومة السورية، أن أكثر من 10 قضايا حول تزوير العقارات منظورة أمام القضاء في الوقت الحالي.
كان علينا أن نعرف أكثر كيف تجري عمليات الاستيلاء، وقابلنا موظفا في بلدية القامشلي التابعة للحكومة السورية ليفسر لنا كيفية تزوير العقود، كما قابلنا أصحاب مكاتب عقارية ليشرحوا لنا كيف يتم اختيار العقارات.
تفيد الشهادتان، بالإضافة إلى شهادات مطلعين على سوق العقارات، بأن العملية تبدأ أولا عبر مكاتب عقارية تمتلك معلومات مفصلة عن العقارات، وتعمل على انتقاء العقار المراد الاستيلاء عليه.
ثم تبدأ المرحلة الثانية، إذ تتم الاستعانة بموظفين في بلدية الحكومة السورية في القامشلي، وموظفين في دائرة السجل العقاري بالحسكة، لتحديد رقم ومنطقة العقار واسم مالكه، وتأتي مرحلة تزوير عقود البيع، حيث تتم الاستعانة بخبير يتقن تقليد التواقيع ومحاكاتها.
بحسب تقاطع الشهادات، فإن المشتري الوهمي ينال نصيبه المالي عن انتحال الشخصية، وكذلك الشهود، في وقت تنظم فيه العقود بشكل قانوني وتختم بأختام رسمية يجلبها موظفون من دوائر الحكومة السورية.
وتكون محطة القضاء هي الأخيرة في هذه السلسلة، خصوصا عندما يعرف الملّاك الأصليون أن عقاراتهم باتت ملكيتها لأشخاص آخرين، وسط مشكلات وتهديدات بهدف انتزاعها بأي ثمن.
ويبدو أن عمل هيئات قضائية وعناصر قانونية في إدارة سلطات سياسية مختلفة متصارعة في مدينة القامشلي لا يعني تحقيق إعادة الحقوق لأصحابها في حالة القضايا التي تابعناها، فهي أشبه بمتاهة تضيع فيها حقوق المدنيين، وبيئة خصبة لعمل شبكات الاحتيال وسرقة الممتلكات، في دولة تسجل المرتبة الـ13 على مقياس الفساد في العالم.
المصدر: الجزيرة – إشراف: لجين حاج يوسف
Add Comment