ما الذي قدمته الجامعات الجديدة في الشمال السوري؟
بقلم: منصور حسين
جهة النشر: الجمهورية
تاريخ النشر: 26-حزيران-2023
مثّل وجود الجامعات ومعاهد التعليم العالي في مناطق شمال غربي سوريا، الخارجة عن سيطرة النظام، ضرورةً ملحةً لسدّ الفجوة في القطاع التعليمي، خصوصاً مع انقطاع عدد كبير من الطلاب عن دراستهم الجامعية لأسباب أمنية ومالية، وصعوبات التنقّل بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، ووجود آلاف الطلاب الواصلين مسبقاً إلى مرحلة التعليم الجامعي في المنطقة، الأمر الذي دفع عدداً من المستثمرين والأكاديميين لإنشاء جامعات ومعاهد تعليمية خاصة، مقابل توجُّه الحكومة التركية إلى افتتاح فروع للجامعات التركية في أرياف حلب الشمالية والشرقية. ولكن مع ذلك، ظلّت جودة التعليم العالي تواجه الكثير من المعوقات والعقبات التي أثّرت على نوعيته وكفاءته وقدرته على مواكبة تزايد أعداد الطلبة في سن المرحلة الجامعية.
شهدت مناطق شمال غربي سوريا خلال السنوات الخمس الماضية طفرةً ملحوظةً في أعداد الجامعات والكليات التعليمية، والتي لم تقتصر على الجامعات المحلية، بل شملت أيضاً تسابُقَ الجامعات التركية لافتتاح فروع وأقسام تابعة لها في المنطقة، الأمر الذي خلّف تقييماً متفاوتاً عن الإضافات التي منحتها هذه الجامعات.
الكليات والمعاهد التركية في ريف حلب
بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش في ريف حلب الشرقي، وأيضاً السيطرة على مدينة عفرين عام 2018، ومن ثمّ تزايد الحاجة لوجود جامعات في مدينتي رأس العين وتل أبيض بسبب عدم اتصالهما ببقية مناطق المعارضة، واقتصار منافذهما على الأراضي التركية فقط. شهدت المنطقة افتتاح أكثر من عشر جامعات محلية بالتزامن مع توجُّه العديد من الجامعات التركية لافتتاح كليات وفروع تابعة لها، بالاتفاق مع المجالس المحلية التي تدير المنطقة.
يوجد اليوم في أرياف حلب الشمالية والشرقية بالإضافة إلى تل أبيض بريف الرقة ورأس العين بريف الحسكة، التي تسيطر عليها المعارضة السورية بدعم تركي، فروعٌ لأربع جامعات تركية؛ هي جامعة حران وجامعة العلوم الصحية ومقرّها الرئيسي في اسطنبول وجامعة غازي عنتاب وجامعة باشاك شاهير، إضافة إلى أكاديمية الأناضولي للدراسات الجامعية والتعليم الجامعي التركي التي تم افتتاحها بالشراكة مع جامعة أنقرة ميديبول التركية في مدينة أعزاز عام 2021.
وتعتبر أكاديمية باشاك شاهير أول جامعة تركية تفتح فروعاً لها في الداخل السوري، وتحديداً مدينة الباب عام 2017، كما أنها تتبنّى اللغة العربية لغةً رسمية للدراسة على عكس بقية الجامعات، وتضُم أقسام اللغة العربية والاقتصاد والمصارف الإسلامية والدراسات الإسلامية وفروعها والفقه وأصوله وأصول الدين، والإعلام والهندسة والرياضيات وعلم النفس والدراسات الأسرية.
بينما تضُم الكليات التابعة لجامعة غازي عنتاب فروع وأقسام الشريعة وإدارة الأعمال والتجارة الدولية والاقتصاد في مدينة الباب، وكلية الآداب والعلوم والتربية في مدينة عفرين، إضافة إلى معاهد مدينة جرابلس التي تضُم أقسام الأمن والحماية والشريعة والإدارة والحاسوب والشريعة، إلى جانب التمريض والإسعافات الأولية والقَبالة.
كما تضُم جامعة حرّان أقساماً وفروعاً أدبية وعلمية مثل الهندسة والعلوم (فيزياء وكيمياء ورياضيات)، وهي تتواجد في مدن الباب وجرابلس ورأس العين بعد توقيع المجالس المحلية اتفاقيات مع رئاسة الجامعة عام 2018.
وفي عام 2021، افتتحت تركيا جامعة العلوم الصحية في ناحية الراعي، بعد إصدار قرار حمل توقيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتضُم كلية طب ومعهداً عالياً للعلوم الصحية. ويبلغ متوسط الأقساط السنوية في الجامعة نحو 1000 دولار أميركي بحسب اتحاد طلبة سوريا الأحرار.
ويُشير عبد الله مرندي رئيس المكتب التنفيذي لاتحاد طلبة سوريا الأحرار في حديثه للجمهورية.نت، إلى أن الجامعات التركية لا ترتبط بأيٍّ من سلطات المعارضة في الداخل السوري، وعلاقتها مباشرة بالولايات التركية فقط. ويقول: «توفِّر الجامعات التركية مختلف الأقسام التعليمية التي توسّعت بافتتاح فروع خاصة بجامعة العلوم الصحية، والتي قدّمت التخصصات الطبية، بعد أن كان نشاط الكليات مقتصراً على العلوم الإنسانية والاجتماعية والعلوم النظرية».
تعتمد الجامعات التركية في وجودها داخل الشمال السوري على اتفاقياتٍ وتفاهماتٍ موقّعة مع المجالس المحلية، وهو ما بدا واضحاً من خلال الاتفاقيات الموقعة بين جامعة غازي عنتاب ومجالس مدينتي الباب وجرابلس. وترى مصادر محلية مطلعة (رفضت التصريح عن هويتها) لموقع الجمهورية.نت، أن الاتفاقيات مع المجالس هي «مجرد ضرورة إعلامية ومحاولة تثبيت نفوذ المجالس التي تعتبر في حدّ ذاتها تابعاً وامتداداً لسلطة الولايات التركية على ريف حلب، على أنها توفّر ما يلزم لاستمرار الجامعات التركية من مقرات وخدمات دون مقابل».
وتضيف المصادر: «يمكن ملاحظة غياب سلطة المجالس على الكليات التركية من خلال مشكلة المبنى الذي تتخذه جامعة حرّان مقراً لها، والذي يُعتبر وقفاً للثانوية الشرعية في مدينة الباب، وكانت مديرية الأوقاف في المدينة قد طالبت باستعادة المبنى أكثر من مرة، إلا أنها لم تتمكن من ذلك». وتعتبِر المصادر أن وجود الجامعات التركية حمل بعض الإيجابيات، خاصةً بالنسبة للاعتراف بالشهادات والوثائق الصادرة عنها، على عكس بقية الجامعات المحلية التي لا تزال تعاني من هذه المشكلة، وذلك رغم ارتفاع الرسوم والأقساط السنوية في الكليات التركية التي تتراوح بين 200 إلى 1000 دولار أميركي بحسب الاختصاص والجامعة. لكن بالمقابل، عمّقت هذه الجامعات الشرخَ الحاصل في قطاع التعليم العالي، وتحولت إلى «أداة لتقوية نفوذ المجالس المحلية وهيمنتها على ملف التعليم وتقويض صلاحيات الحكومة المؤقتة أو أي من مشاريع دعم استقلالية التعليم».
تفرض جميع الكليات والمعاهد التركية المتواجدة في الداخل السوري على الطلبة المتقدّمين للدراسة فيها امتحان يوز، وهو امتحان القبول للطلبة الأجانب في الجامعات التركية، ويختصُّ «بعلوم الرياضيات والإعداد»، قبل أن يقتصر في الداخل السوري على اللغة التركية بدرجة رئيسية.
لا ينكر الدكتور جهاد حجازي، رئيس مجلس التعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة، أن المجلس لا يمتلك أي إشراف على الكليات والجامعات التركية في المناطق الخاضعة لنفوذ الحكومة السورية المؤقتة. ويقول في حديثه للجمهورية.نت: «يقتصر دورنا على تبادل الآراء والمشاورة وتزويد الجامعة بالكوادر». إذن يقتصر نشاط مجلس التعليم العالي والحكومة المؤقتة على توقيع اتفاقيات وتفاهمات مع بعض الجامعات في تركيا، ومنها جامعة ماردين، والتي تمثّلت حتى الآن بإقامة ثلاثة امتحانات يوز في الداخل السوري، ومساعدة الطلاب الحاصلين على القبول الجامعي في جامعة ماردين في الدخول إلى تركيا لمتابعة الدراسة. إضافة إلى متابعة دراسة الطلاب السوريين في بعض الجامعات وتوفير المنح والأقساط السنوية، أو من خلال تقديم امتيازات للطلاب المتواجدين في الداخل السوري ويدرسون في تركيا، وتكون بتسهيل دخولهم إلى تركيا عبر المعابر الحدودية.
جامعات محلية أو تتبع لمنظمات إغاثية
أما بالنسبة إلى الجامعات السورية، فقد وصل عددها في مناطق شمال غرب سوريا إلى أربع عشرة جامعة، تنقسم إلى جامعات ترتبط أو تتبع بشكل مباشر لهيئات ومنظمات إغاثية، مثل جامعة شام الخاصة التي تأسست في مدينة أعزاز عام 2015 من قبل هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات التركية (ihh)، أكاديمية العلوم الصحية التي تتبع لمنظمة سيّما من ناحية الدعم اللوجستي.
يوجد أيضاً جامعات تعود مُلكيتها إلى أكاديميين ومستثمرين سوريين، مثل جامعة آرام وجامعة المعالي وجامعة الزيتونة وجامعة الحياة للعلوم الصحية وجامعة طرابلس وجامعة ماري وجامعة الشمال وجامعة الزهراء وجامعة حلب الشهباء، وأيضاً الجامعة الدولية للعلوم والنهضة.
بينما تتبع جامعة إدلب لوزارة التعليم العالي في حكومة الإنقاذ، وتشرف الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف على جامعة حلب الحرة، وتمثلان أكبر الجامعات في مناطق شمال غربي سوريا. وتأسست جامعة حلب الحرّة، التي تُعتبر أكبر جامعات ريف حلب، بقرار من الحكومة السورية المؤقتة عام 2015، بدعم من قبل مؤسسة مداد، ومقرّها مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، وكانت تنتشر حين بدأت أعمالها في مناطق عديدة خارجة عن سيطرة النظام (حلب وإدلب وريف حمص وريف دمشق ودرعا)، قبل أن تنحسر إلى الشمال الغربي من البلاد، وتضم أكثر من 16 كلية وستة معاهد تقانية.
ويبلغ عدد الطلبة الكلي في جامعة حلب في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام 9895، بينهم نحو 520 من طلبة الدراسات العليا بفروعها المختلفة. وقد خرّجت الجامعة 4020 طالباً وطالبة و84 من طلبة الدراسات العليا، إضافةً إلى وجود 144 شهادة ماجستير مسجلة و44 شهادة دكتوراه، بحسب إحصائياتٍ قدّمها رئيس جامعة حلب الحرة عبد العزيز الدغيم للجمهورية.نت. وعن الكليات ومناطق وجودها، يشرح الدغيم: «بالنسبة إلى قسم الكليات الطبية الذي يضم كلية الطب البشري والصيدلية والعلوم الصحية، إضافةً إلى المعهد التقاني الطبي، فهي تتواجد في مدينة مارع. أما بالنسبة إلى طب الأسنان وباقي الكليات من كلية الهندسة المعلوماتية والهندسة الميكاترونيك والهندسة الزراعية والهندسة المدنية، مع المعهد التقاني الهندسي ومعهد التجهيزات الطبية وكليّتي الشريعة والحقوق والإعلام وكلية العلوم السياسية والمعهد التقاني للحاسوب والمعهد التقاني للإعلام، فهي تتركز في مدينة أعزاز شمال حلب».
وفيما يخصُّ الكليات الاقتصادية، يضيف: «في كلية الاقتصاد هناك ثلاث فروع، وهي إدارة الأعمال والمحاسبة والاقتصاد، ويبدأ التخصص فيها بعد السنة الدراسية الثالثة، إضافة إلى المعهد التقاني العالي للرقابة والإدارة والرقابة المالية، وهذا يشمل كل التخصصات لخريجي الجامعات فقط، ولدينا المعهد التقاني لإدارة الأعمال، ومدة الدراسة فيه سنتان فقط، ويمكن للطالب التقدم بطلب «التجسير»، والذي يعني دمج السنتين بسنة جامعية واحدة للدخول إلى كلية الاقتصاد وإكمال الدراسة بعد الحصول على المعدل المطلوب».
بينما تشمل كليات التربية، بحسب الدغيم، ثلاث تخصصات، وهي معلم صف والإرشاد النفسي والتربية الخاصة، إضافة إلى كلية الآداب التي تضم أقسام اللغة العربية والانكليزية والتركية والجغرافيا والتاريخ، كما تم مؤخراً افتتاح قسم علم الاجتماع في العام الدراسي الحالي 2022-2023.
أما بالنسبة إلى جامعة إدلب التي تعتبر أكبر جامعات الشمال السوري، فقد تم استحداث عدد من الكليات من قبل النظام السوري قبل اندلاع الثورة لتخفيف الضغط عن جامعة حلب، حيث أُنشئ عدد من الكليات والمعاهد المتوسطة. ومع بداية العام الدراسي لسنة 2015-2016، أصدرت الإدارة المدنية لمدينة إدلب بعد سيطرة المعارضة عليها قراراً بافتتاح الجامعة. ويبلغ عدد الطلاب في جامعة إدلب خلال الموسم الدراسي لعام 2022 نحو 20092 طالب وطالبة موزعين على أربع عشرة كلية، بحسب إحصائيات وزارة التعليم العالي في حكومة الإنقاذ.
وكانت الجامعة قد تمكنت في شهر أيلول (سبتمبر) عام 2021 من الانضمام إلى اتحاد جامعات حوض البحر المتوسط، وهو اتحادٌ يُعنى بضمِّ الجامعات على مستوى الدول المطلّة على حوض البحر الأبيض المتوسط. وتقول رئاسة الجامعة إن لهذا الانضمام «أهمية كبيرة، إذ ستشارك الجامعة في وضع استراتيجية التعليم على مستوى منطقة شرق آسيا والمنطقة الأوروبية، وهو ما تم تثبيته حالياً مع إدارة جامعات الحوض من خلال عقد لقاءات، وستكون جامعة إدلب ممثلّة بها»، وذلك بحسب ما نقل موقع فوكس حلب عن رئيس الجامعة الدكتور أحمد أبو حجر.
جامعات كثيرة وانتقادات
أدّت كثرة الجامعات إلى انتقاداتٍ من عددٍ كبير من الأشخاص الذين يرَون في ذلك تحويلاً لقطاع التعليم إلى مصدر لجني الأموال على حساب الطلاب وذويهم دون المساهمة في تطويره، فضلاً عن استغلال شخصيات مقربة من مؤسسات المعارضة نفوذها للسيطرة على قطاع. ويعتَبِر محمد دوبك، عضو نقابة المعلمين في ريف حلب، أن «اعتماد معظم الجامعات على مبدأ الربحية جعل من التوسّع في استقبال أكبر عدد من الطلاب خلال السنوات الأولى من افتتاحها أمراً طبيعياً، لجهة تحصيل الأقساط والرسوم التي تساعد في تغطية التكاليف والمصاريف التشغيلية، وأيضاً لتحقيق الأرباح، إلا أن هذه الخطوة ساهمت في خلق أزمات جديدة ظهرت نتائجها خلال امتحانات الشهادة الثانوية الأخيرة».
وكانت نتائج امتحانات الشهادة الثانوية في مناطق شمال غربي سوريا قد أثارت احتجاجات واسعة للطلاب أيّدتها نقابة المعلمين في أرياف حلب، بعد تجاوز نسبة الرسوب فيها 70 بالمئة، بحسب موقع المدن اللبناني ومواقع سورية أخرى. ويقول دوبك: «يمكن ملاحظة توجه الجامعات عبر سياساتها التي اعتمدت في السنوات الفائتة على ملء مدرجاتها بالطلاب غير المؤهلين، وإتاحة المجال لكثيرين للدراسة في اختصاصات حساسة مثل الطب والهندسة رغم عدم كفاءتهم، ومحاباة الفصائل والقوى العسكرية إن كان في ريف حلب أو إدلب من خلال استقبال عناصر وقادة للدراسة فيها».
على عكس ذلك، يرى بعض الأساتذة الجامعيين، ومنهم علاء العبد الله الذي يدرّس في كلية الإعلام والصحافة بريف حلب، أن وفرة الجامعات «ظاهرة إيجابية تعزز روح التنافسية وتساعد في نهضة قطاع التعليم العالي عموماً، فضلاً عن مساهمتها في إدخال نظام تعليمي جديد بديل أو منافس للنظام الذي اعتاد عليه السوريين طيلة العقود السابقة».
الجامعات تعاني ضائقةً مادية
يشير عبد العزيز الدغيم إلى أن جامعة حلب تعاني من ضيق المباني ومشاكل الاستيعاب، والذي يُعتبر من أكبر التحديات التي تواجه عمل الجامعة اليوم. ويقول إن الجامعة تعتبر جزءاً من الثانوية الصناعية، التي كانت في مدينة أعزاز، تم اقتطاعه والعمل على تطويره بما يُلبي الحاجة الأساسية للتعليم الجامعي ذلك الوقت، لكن ومع وزيادة أعداد الطلبة خلال السنوات القليلة الماضية، صارت الأماكن ضيقة للمختبرات والساحات والأنشطة الرياضية والترفيهية.
إضافة إلى ذلك، يوضح الدغيم أن الجامعة ورغم اعتبارها مؤسسة حكومية، لا تمتلك الحكومة المؤقتة القدرة على تغطية تكاليفها ونفقاتها: «رغم خطط التقشف وعدم تجاوز الإنفاق السنوي للجامعة مليوني دولار أمريكي، فإن الحكومة المؤقتة غير قادرة على تغطية المبلغ، بل تقوم بدعم الجامعة ضمن الإمكانيات المتوفرة لديها، وبالتالي فإن الاعتماد يكون على الرسوم المفروضة على الطلاب بنسبة 90 بالمئة، فضلاً عما قد تقدمه بعض الجهات المانحة من دعم عيني سنوياً».
ويضيف: «هناك بعض المنظمات المهتمة بدعم قطاع التعليم العالي، وتدعم جامعة حلب بحدود تتراوح بين 10 إلى 30 في المئة من الإنفاق، ومنها منظمة التعليم بلا حدود المعروفة اختصاراً باسم مداد لكن حجم هذا الدعم قد تناقص خلال السنوات الماضية بعد توسّع دائرة دعم هذه المنظمات لتشمل المدارس وجامعات أخرى، ويتم الاعتماد على الدعم الحالي في مجال تطوير المخابر والتجهيزات اللوجستية».
غياب الاعتراف
يمثّل غياب الاعتراف بالشهادات الصادرة عن هذه الجامعات أبرز المشاكل والعراقيل التي تواجه عملها، وتنعكس سلباً على الطلبة الذين تتزايد مخاوفهم من ضياع سنوات من التعليم للحصول على الشهادة الجامعية. ويرى الدكتور عبد الحميد حايك، أمين الجامعة الدولية للعلوم والنهضة، أن العراقيل سياسية بالدرجة الأولى، خاصةً أن ملف الجامعات ملف سيادي ويمثل الدولة بشكل مباشر: «منطقة الشمال السوري وعموم المناطق الخارجة عن سلطة النظام يصفها المجتمع الدولي بأنها ‘منطقة صراع خارجة عن سيطرة الحكومة السورية’ ما يعني أنها جزء من الدولة السورية، وعليه لا يمكن لأي دولة في العالم أن تعترف بأي مؤسسة موجودة في الشمال السوري ومنها الجامعات، على الرغم من أن جامعاتنا تطبّق معايير التعليم المعترف بها عالمياً وتتفوق على الجامعات الموجودة في مناطق سيطرة النظام وبعض الجامعات التركية»، على حد وصفه.
وعن مسببات غياب الاعتراف، يُشير الحايك إلى وجود اعترافين؛ داخلي من قبل مجلس التعليم العالي وخارجي بطبيعة الحال: «لدينا اعتراف داخلي من قبل مجلس التعليم في المناطق المحررة، أما بالنسبة للاعتراف الخارجي فهو مرتبط باتفاقيات بين الدول، وباعتبار مناطقنا لا تخضع لشكل الدولة المستقلة، فنحن غير قادرين على توقيع اتفاقيات مع مؤسسات التعليم العالي في الدول الأخرى، ما يجعل أساس هذه المشكلة هو تصنيف المجتمع الدولي لمناطق وجود الجامعات على أنها مناطق صراع، دون أن يقدّم لنا حلولاً مساعدة». ويُشير الحايك إلى أن تركيا أيضاً لا تعترف بالشهادات الصادرة عن الجامعات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، إلا أن بوسع الطلبة التقدم إلى منح للدراسة في الجامعات التركية، ولكن قد يُرفض قبول الطلبة بسبب غياب الاعتراف.
تشابه الفروع ومحاولات لتطوير الجامعات
أدّى غياب التنسيق وعدم وجود سياسات عامة وأسس لضبط عمل الجامعات إلى تشابه الاختصاصات التي توفرها، وبالتالي زيادة الضغط على الكوادر التدريسية وتخريج دفعات من الطلاب باختصاصات محددة، وندرة الخريجين في مجالات أخرى. وقد أدى الضغط على الكوادر التدريسية إلى غياب البحث العلمي، إذ يقول أحد الأساتذة الجامعيين للجمهورية.نت: «أدى الضغط التدريسي على المدرّس الجامعي نتيجة ارتباطه بأكثر من جامعة ومعهد في الشمال السوري إلى حرمانه من القدرة على البحث والتطوّر العلمي بما يتناسب مع حالة المنطقة، إذ نادراً ما نجد مدرّساً جامعياً قد نشر بحثاً أكاديمياً هذه الأيام».
أما فيما يخص المشكلة الرئيسية الناجمة عن تشابه التخصصات العلمية، فيعتقد الأستاذ الجامعي أنها تتمثل في قبول الطلاب خارج القدرة الاستيعابية للجامعات، وغياب الإحصائيات الحقيقية والجهات التي تقوم بدراسات عن حاجة سوق العمل، وهو ما يؤدي إلى أزمة خريجين وخريجات متشابهي التخصص.
لكن بالرغم من المعوقات والعراقيل الكثيرة التي تواجه عمل الجامعات واستمراريتها، وما تواجهه من اتهامات في قدرتها على توفير بدائل حقيقة عن جامعات النظام السوري المعترف بها عالمياً، إلا أن جهودها في الاستمرار ومحاولة ملء الفراغ افتراضياً أو بشكلٍ فيزيائي يجب الوقوف عندها. ويعتبر الدكتور عبد الحكيم الحايك أمين الجامعة الدولية للعلوم والنهضة، أن الجامعات المحلية تُعتبر الخيار الأول بالنسبة للطلبة السوريين رغم المشاكل التي تعاني منها: «يعود ذلك إلى المعايير المرتفعة والشروط التي تتطلبها كليات الجامعات التركية في الشمال السوري، مثل شهادة اليوز، إضافة إلى رسوم التسجيل المرتفعة وعدم قدرة الكثير من الطلاب على الدراسة في تركيا».
البحث عن حلول لتحصيل الاعتراف
بدأت العديد من جامعات الشمال السوري، خلال السنوات القليلة الماضية، بالبحث عن أشكال أخرى من الاعتراف، من خلال ربطها بعلاقات رسمية مع المؤسسات الأممية والانضمام لتشكيلات أو شبكات عالمية تضم جامعات دولية، كما هو الحال مع جامعة إدلب وانضمامها إلى جامعات حوض البحر المتوسط، وانضمام كلية الصيدلة في الجامعة للاتحاد الدولي للصيدلة، وذلك بعد نحو شهر تقريباً من انضمام الكلية للجمعية الأوروبية للصيدلة (EAFP) عام 2022 الماضي. وكان موقع عنب بلدي قد نقل عن عميد كلية الصيدلة في جامعة إدلب الدكتور حسين العمر قوله «إن العديد من خريجي الجامعة استطاعوا متابعة الدراسات العليا في الجامعات التركية، إثر انضمام الجامعة لاتحاد جامعات حوض البحر الأبيض المتوسط، مؤكدًا أن العضوية في الاتحاد الدولي يمكن أن تمنح الطلاب المزيد من الفرص».
بالمقابل، يرى عبد الرحمن، وهو طالب في جامعة المعالي بريف حلب أن غالبية الجامعة الموجودة بريف حلب «تهدف إلى استقطاب الطلاب وتحصيل الرسوم دون تحقيق أي تقدم ملموس على مستوى تطوير البنية التحتية أو على مستوى التواصل مع العالم الخارجي، ما جعلها تتذيل قوائم الجامعات في الداخل السوري. نعاني في جامعتنا حتى اليوم من ضعف توافر أساسيات التعليم العالي، إن كان على مستوى البنية التحتية أو حتى على المستوى العلمي، كما نعاني من ضعف المناهج وارتفاع أسعار الكتب بشكل مبالغ فيه، مقابل تركيز الجامعات على تحصيل الرسوم فقط، فضلاً عن غياب السياسات العامة التي يُفترض أن تعمل على أساسها كل الجامعات، واستقلال كل جامعة بقراراتها عن الأخرى، وهذا الأمر يعيق عملية التقدم وتحقيق ما أنجزته جامعة إدلب على صعيد أي اعتراف ولو لم يكن دولياً وإنما من خلال تكتلات مستقلة».
رغم المحاولات التي تبديها مؤسسات التعليم العالي للتغلب على الواقع الذي تعيشه المنطقة والمشاكل التي تواجه عملها، ظلّت الأزمات والمنغصات التي تواجه جامعات الشمال السوري في ظل غياب مظلة حكومية شاملة لقطاع التربية والتعليم، وهو ما يقدم إجابة أولية عن أسباب غياب الاعتراف الدولي وحتى على المستوى الإقليمي بالشهادات الصادرة عن جامعات شمال غربي سوريا، إلى جانب الأزمات والمشاكل التي خلقتها أمام الطلاب وقدرتهم على الاستمرار، فضلاً عن تبعيتها لأطراف عسكرية لا تؤمن بضرورة فصل مشروعها العسكري والإيديولوجي على عملية التعليم.
Add Comment