بقلم: محمد سعيد السعدي
الناشر: Arab NGO Network for Development
تاريخ النشر: 03\07\2023
مقدمة
تميزت الأربعة عقود الأخيرة من تاريخ البشرية بانتشار العولمة النيوليبرالية لتكتسح ارجاء شاسعة من المعمور. وقد تم هذا الانتشار في بعده الاقتصادي على مسلمة مفادها ان التركيز على الاستقرار الماكرو-اقتصادي (خاصة من خلال التحكم في التضخم وخفض عجز الموازنة العامة)، ولبرلة (او تحرير) الاقتصاد من خلال تفعيل اليات السوق، وخصخصة الشركات (او المؤسسات) العمومية والمرافق العامة، وازاحة الحواجز امام تنقل السلع والخدمات والرساميل، من شانه ان يضع حدا للأنشطة الريعية، ويعزز المنافسة، ويحسن الفرص المتاحة للتصدير، ويساعد على تضييق الهوة بين الدخل الفردي في الدول الفقيرة مقارنة مع الدول الغنية. غير ان هذه الوعود لم تتحقق على ارض الواقع، بل صارت أوهاما (السعدي 2022)، خاصة بالنسبة لتحسين معدل النمو وتقليص الفوارق بين (وداخل) البلدان. ويزداد الامر سوءا عندما يتعلق الامر بإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما هي متعارف عليها عالميا، لا سيما توفير الحق في الصحة للجميع.
تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على العلاقة بين العولمة النيوليبرالية وحقوق الانسان، مع التركيز على الحق في الصحة. وقد اعتمدنا في صياغتها على الأبحاث والدراسات الاكاديمية المتوفرة حول الموضوع كما وظفنا معطيات والاحصائيات التي توفرها المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية. توضح الورقة الاثار السلبية للعولمة النيوليبرالية على الحقوق الاقتصادية، خاصة الحق في الصحة,وتبرز الميكانزمات التي تؤدي الى هذه النتائج،
سنعرض في القسم الأول من الدراسة لمفهوم العولمة النيوليبرالية ودور المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالتحديد) في نشرها عالميا، خاصة بدول الجنوب التي تنعت بالنامية، حيث تعتمد هذه المؤسسات المشروطية لفرض برامج التقويم الهيكلي (او ما يسمى ب”الإصلاح الاقتصادي”) المتحورة حول ثلاثية لبرلة الاقتصاد (او التحرير الاقتصادي (الخصخصة- والتقشف). وندلل على التأثير السلبي لهذه البرامج من خلال التركيز على الحق في الصحة. اما الفصلين الثاني والثالث، فنخصصهما لدراسة حالة المنطقة العربية.
Add Comment