واقع الحق في الحماية الاجتماعية بين دور الدولة وتحولات العصر
إعداد: عزة الحاج سليمان
جهة النشر: Arab Reform Initiative – مبادرة الإصلاح العربي
مقدمة
تعيش معظم الدول العربية مرحلة مفصلية من تاريخها، ليس على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي فحسب، وإنما القانوني أيضاً. تتميز هذه الحقبة بالتغيّر في عاملين أساسيين في هذه المجتمعات العربية، عن غيرها من العديد من دول العالم: فإضافةً إلى الثورة الرقمية والعولمة الاقتصادية وانعكاساتهما الاجتماعية، تشهد الدول العربية مرحلة تحول سياسي جذري، بما في ذلك انهياراً تاماً على مستوى الدولة ومؤسساتها في دول مثل لبنان وتونس والعراق والسودان واليمن وغيرها. وذلك، ناهيك عن الأزمات الأمنية في بعض الدول العربية والاقتصادية والمالية في بعضها الآخر، وطبيعة الحكم وعلاقته بالمجتمع في بعضها الثالث. إلا أن ما يجمعها كلها، ويشكل تحدياً أساسياً في هذه المرحلة الانتقالية من تاريخها، يكمن في دور القانون وقدرته على حماية المجتمع. هذا التحدي يراكم على أزماتها أو دقة مرحلتها محوراً لا بد أن يُطرَح على المستوى الفكري والعلمي والمجتمعي من بابه الواسع، إذ عندما نتناول الأنظمة السياسية لا يمكننا تغييب أدوات الحكم الأساسية المتمثلة في القواعد القانونية.
لا تقتصر دراسة القوانين على مضمون النصوص الصادرة عن السلطات التشريعية وكيفية تفسيرها وتطبيقها والحقوق التي تسعى إلى حمايتها فقط، على أهميتها، وإنما تتجه بشكل أعمق نحو مصادر القاعدة القانونية وطبيعتها وآلية تفعيلها. تكتسب هذه الحيثية أهمية كبرى نظراً لكون “مُصدر القاعدة هو حاكم المجتمع” كما عبر عنه العلامة برنار تييسيه في مؤتمر قانوني عقد في مجلس الشيوخ الفرنسي في العام 2004،1 ولارتباط تطبيق القاعدة بقوة السلطة وجدارتها. وإن كان هذان الدوران المتعلقان بإصدار القاعدة القانونية وتطبيقها قد ارتبطا بالدولة ومؤسساتها الدستورية حصراً،2 في الدولة الحديثة، فإن العامل الأبرز المعاصر يرتكز على خروجهما عن صلاحياتها الحصرية على أثر النيوليبرالية.
وإن كانت مواضيع مصادر القوانين وفاعليتها غالباً ما ارتبطت بعلوم الاجتماع والسياسة والفلسفة، إلى أن حددتها مدرسة القانون الوضعي3 بأطر رسمية دستورية باستثناء العرف، إلا أن التحولات المعاصرة مع مجتمعات ما بعد الحداثة والنيوليبرالية القائمة والفردية الاجتماعية، تجعل من هذه الإشكالية محطّ بحث وعمل وتفكير على مستوى الفاعلين المختلفين في المجتمع، نظراً للتغيير الطارئ على أدوارهم من جهة وتأثير هذه التحولات على وجودهم من جهة ثانية.
وعندما نتحدث عن الفاعلين في المجتمع، فإننا نعني المواطنين والمقيمين، أفراداً وجماعاتٍ، كما هيئات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والفاعلين الاقتصاديين ـ من شركات ومشاريع اقتصادية ـ بطبيعتها الوطنية أو متعددة الجنسيات، صغيرة وكبيرة الحجم، إضافة إلى مؤسسات الدولة كافة.
أضف تعليق