يظن بعضُ المعارضين أن المواطن السوري لا رأي له، وأنه منقاد للقطيع دون تفكير… وللحق فإنّ هذا الأمر ينطبق على فئة من السوريين، ولكنهم _عكس ما تتوقعون_ قلّة.
نعم كما قرأتم؛ إنّ الذين لا حول ولا قوة لهم ويٌقادون كالقطيع هم قلّة، وهم في الحقيقة كارثة على هذه البلاد، أمّا البقيّة فلهم رأيهم الخاص الذي قد لا يعجبكم، ولا أعلم لماذا تتعجبون من أن يكون للدولة أنصار ومؤيدون!
وهناك من لهم رأي مخالف للسلطة ولا يعلنون عنه لأنهم _ببساطة_ يخافون من العواقب التي قد تتراوح بين الإزعاج والتكدير من قبل الآخرن (زملاء وأقارب)، أو التدخل من قبل الجهات الرسمية.. وفي هذه الحالة قد يصل الأمر إلى التوقيف أو السجن.
وللعلم فإن عدداً كبيراً ممن تم توقيفهم كانوا ضحية استخدام بعض المتنفذين لمناصبهم ممن طالهم النقد أو الاتهام بالفساد، فاستثمروا مواقعهم وقانون الجرائم الإلكتروني، ومارسوا فسادهم هذه المرة عن طريق القانون، فنالوا ممن اتّهمهم أو أشار إليهم، وتمّ سجن هؤلاء أو توقيفهم بتهمة القذف والسب… إلخ.
وهناك فعلاً من دفع ثمن موقفه السياسي وزجّ به في السجن، وأنا ضد ذلك بالتأكيد وأعتبر هذا جريمة بحق الإنسان، وأحمّل السلطة مسؤولية ذلك.. وأرى أنه يجب وضع حدّ لهذه الإجراءات إن كنا حقاً نريد لبلدنا أن يخرج من هذا المستنقع.
وأعلم أن لا حياة لمن تنادي وأن رأيي لا قيمة له.
وهناك أيضاً من فقد عمله بسبب موقفه السياسي وأعتبرُ أن هذا عارٌ على الجهة التي قامت بتسريحه وجريمة حقيقية، إذ يجب إعادة الاعتبار إلى هؤلاء اجتماعياً ووظيفياً، حيث لا يحقّ لأحد أو لجهة مهما كانت أن تُحارب إنساناً بلقمة عيشه بسبب موقفه السياسي.
لقد فقدت شخصياً عملي في إحدى الصحف السورية لأنني لم أقبل بممارسة الدور الذي طُلب مني، فكان الأمر وطردتُ شرّ طردة، وعشت أياماً سوداء بعد ذلك.
ثم طردتُ ولسبب معاكس هذه المرة من جريدة أخرى غير سوريّة لأنني لم أقبل بلعب الدور المعاكس ورفضتُ الإغراء المادي الكبير الذي كان غيري ممّن يدّعي الوطنية سيقبل به وبسهولة… لاحقاً قدمت استقالتي عن “التقاعد المبكر” كي أكون حراً غير ملتزم بأي جهة مهما كانت، واكتفيت براتبي التقاعدي الذي تقلص وصار مخجلاً (ولو كان باستطاعتي لاستغنيت عنه حتى ولو كان حقي الطبيعي).
لست متأكداً إن كان هناك بلد في العالم فيه حرية سياسية مطلقة بمفهومها العميق، لكنني متأكد أن حرية العمل السياسي شبه معدومة في بلدان العرب جميعاً وبنسب متفاوتة، وسورية من هذه الدول التي تفتقر للحرية السياسية وهذا ليس سراً.
الطريفُ أن أحد المرشحين للرئاسة في الانتخابات الأخيرة كان في حملته الدعائية الانتخابية بندٌ يطالب بإطلاق سراح سجناء الرأي، وقد قرأ كل من يعرف القراءة في سورية هذا الإعلان الذي تم توزيعه وبحجوم كبيرة جداً في شوارع المدن السورية، وهو اعتراف من قبل الدولة السورية بأن هناك سجناء رأي.
قد يبدو أنني أناقض نفسي؛ فأنا أقول لا يوجد حرية في العمل السياسي، وفي نفس الوقت هناك من يرفع مثل هذا المطلب علناً وينافس (علينا وضع عدة خطوط تحت كلمة ينافس) على منصب رئيس الجمهورية، أراه مجرد شعار لا يوجد له أي مرتسم على الأرض، وأي أغنية لعلي الديك ستجد فيها مصداقية أكثر من هذا الشعار الدعائي.
في الواقع الظروف اقتضت بالسماح بذلك، وهذا ذكاء من قبل السلطة، وهو فعل سياسي (السياسة ضد الجمود).
نحن في سوريا تربينا على الخوف وعلى “السير الحيط الحيط” وعلى عدم التكلم في أمور ثلاثة (الجنس – السياسة – الدين) والتي أطلق عليها بوعلي ياسين في سبعينيات القرن الماضي اسم “الثالوث المحرّم”، حيث أصدر بهذا العنوان كتاباً خلق هزّة في الجسم الثقافي السوري في ذلك الوقت.
إذاً لا جديد تحت الشمس، فنحن نرزح تحت عبء هذا الثالوث المرعب منذ ذلك الوقت. وقد تأثرت شخصية المواطن السوري جيلاً وراء جيل بهذه المحرّمات التي صارت كابوساً حقيقياً لكل من تسول له نفسه تشغيل عقله أو مجرد التفكير بطريقة مغايرة لما هو مطلوب منه، وتم تكريس كل ذلك عن طريق وسائل الإعلام والمدرسة والجامعة والجامع والأنشطة الاجتماعية.
خطابي الآن موجه لبعض المعارضين في الخارج الذين يظنون أنهم يعملون في السياسة. وهم في الواقع مثلي: يجهلون السياسة. والفرق بيننا أنني أعترف بذلك ولا أدّعي الفهم… من يعمل في السياسة يجب أن يملك مصدر معلومات موثوق، ومعظم من أتكلم عنهم يستقون معلوماتهم من وسائل الإعلام التي آخر همها الحقيقة (لا يمكن الوثوق بوسائل الإعلام في هذه الأمور، فالجميع يكذب).
من يعمل في السياسة عليه فهم تركيبة البلد الاجتماعية ومشاكله التاريخية وخلفيات مواقف السلطة التي تحكمه، لا أن ينساق وراء مصالح الدول الأخرى التي يظن أنها تخدم مصالحه ومصالح قضيته.
لو كان قوياً وله تأثير حقيقي على الأرض إقليمياً أو محلياً على الأقل لكان هذا السلوك مفهوماً (وهذا ما يدعى بتقاطع المصالح)، ولكن الضعيف لا مصالح له مع الأقوى منه، ويخطئ من يظن بعكس ذلك… إذ أنه في الواقع يبقى الضعيف أداة وورقة في يد القوي يستخدمها أو يرميها متى شاء، والتاريخ شاهد على ذلك.
من يعمل في السياسة عليه احترام الناس الذين من المفترض به الدفاع عنهم (كما يدعي على الأقل) لا أن يسخر من ضعفهم أو خوفهم أو قلة حيلتهم، عليه أن يحترمهم مهما بدر منهم، وخاصة أنه (شمّع الخيط وهرب).
وبالمناسبة ذكرت سابقاً وأعود هنا لأذكر أنني لست ضد من هرب من هذه البلاد، فهذا حقه ومن قلبي أقول له: ألف مبروك حياته الجديدة، وهنيئاً له نجاته من هذا الكابوس، ولكنني ضد من يتهجّم على الناس ويطالبهم بمواقف وأمور هو شخصياً خاف وهرب بسببها.
نحن العالقون هنا (أنا شخصياً عالق بخياري الشخصي، ولم أندم، وكنت أستطيع السفر بطريقة محترمة وبشروط يحلم بها الكثيرون) نحن هنا لا نتمتع مثلكم بالحرية كي نقول ما نريد. على خلاف ما أنتم فيه من حرية وأمان.. لذلك كلامكم يؤخذ عليكم، كل حرف تتفوهون به فيه إساءة، أنتم مسؤولون عنه..
أنتم أحرار و(سياسيون) وعندكم قضية، لذلك أنتم مسؤولون بموجب الحرية التي تتمتعون بها ولا عذر لكم، بينما (العبيد) كما تصفون الناس هنا غير مسؤولين عن كلامهم مهما كان، لأنهم يعيشون تحت البسطار (كلمتكم الأثيرة)، فكيف تطالبونهم بما لم تستطيعوا أنتم فعله؟! وكيف تريدون من بعضهم ألا يكون له رأي وموقف وقرار (ربما لا يعجبكم)، يا أخي هم مع الدولة؛ يحبونها، يعشقونها، مغرمون بها، مستعدون للموت في سبيلها…. هم كذلك، هذه حقيقتهم، هذه قناعتهم مهما كانت أسبابها ومسبباتها، ألستم مع حرية الرأي؟
هناك حلّان:
– إمّا تكونوا على قدر المسؤلية التاريخية التي تدّعونها، وتتفضلوا إلى سورية وتعيشوا معنا وتعارضوا من هنا، فنقوى بكم وتقووا بنا، وتقوى البلد بالجميع، فسورية بحاجة لمعارضة حقيقية.
– أو …..
* اخترت أن أكون مهذباً. واكتفيت ب أو …
دوّنه: عصام حسن
المصدر باللغة العربية: https://www.facebook.com/tawleh.tawleh/photos/a.120463672849395/346974183531675/?type=3&source=54
أضف تعليق