إنشاء سجل Sign In

سوريا: العدالة الانتقالية المراعية لاعتبارات النوع الاجتماعي كمطلب أساسي لدعم المسار الانتقالي

Syrians for Truth and Justice سوريون من أجل الحقيقة والعدالة

سوريا: العدالة الانتقالية المراعية لاعتبارات النوع الاجتماعي كمطلب أساسي لدعم المسار الانتقالي

جهة النشر: Syrians for Truth and Justice سوريون من أجل الحقيقة والعدالة

يجب النص في الدستور السوري الجديد بشكل صريح على المساواة بين الرجل والمرأة في جميع مناحي الحياة، واستخدام صياغة شاملة جنسانياً لا تنطوي على تمييز ضد جنس أو نوع اجتماعي أو هوية جنسانية معينة ولا تكرس القوالب النمطية الجنسانية

1.    ملخص تنفيذي:

بعد أكثر من عقد من الصراع في سوريا، وفي ظل النقاشات الحاصلة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية حول الانتقال السياسي وقضايا الإصلاح الدستوري، وعن وجود آليات تضمن تحقيق السلام المستدام، يبرز مفهوم العدالة الانتقالية المراعية لاعتبارات النوع الاجتماعي[1] (الجندر) كواحد من الآليات الأساسية لدعم المسار الانتقالي في سوريا.

وسعياً لدعم وتعزيز العدالة الاجتماعية والحق في مشاركة النساء في النقاشات حول النزاع والسلام وآليات العدالة الانتقالية في سوريا، ووأيماناً بأهمية تحقيق عدالة انتقالية تراعي اعتبارات النوع الاجتماعي وحقوق النساء والمجموعات من مختلف هويات النوع الاجتماعي، دعت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مع ناشطات وشخصيات نسائية سورية إلى ورشة لمناقشة التمييز القائم على النوع الاجتماعي مع التركيز على مناطق شمالي وشمالي شرق سوريا كمثال، وذلك عبر تحديد وتحليل واقع النساء هناك، ومناقشة استراتيجيات المساءلة والعدالة من منظور النوع الاجتماعي، واقتراح ومناقشة ما يتطلبه هذا الأمر من إصلاحات وخطوات تنفيذية.

هذه الورقة هي ملخص لمخرجات ورشة العمل، وتتكون من مجموعة محاور أساسية؛ حيث تتناول أولاً العدالة الانتقالية والمرأة والسلام، ثم تناقش العدالة الاجتماعية والعدالة القائمة على النوع  الاجتماعي، وتنتقل بعدها إلى التحدث عن دور المرأة ومشاركتها السياسية، ثم تعرض التمييز ضد المرأة في الدستور والقوانين المعمول بها في سوريا، وتتناول بعد ذلك واقع المرأة في مناطق شمالي وشمالي شرق سوريا، وتقدم في الختام جملة من التوصيات.

أخيراً لا بد من الإشارة إلى أنه عادة ما تركز آليات العدالة الانتقالية على انتهاكات حقوق المرأة في الماضي، وغالباً ما تعطي الأولوية لقضية العنف الجنسي المرتبط بالنزاع والعنف المبني على النوع الاجتماعي الموجه عمداً ضد النساء من قبل الأنظمة القمعية. في حين يشكل العنف الجنسي جانب مهم من جوانب الصراع إلا أنه ليس الشكل الوحيد للعنف الذي تعاني منه النساء خلال النزاعات، حيث تعاني النساء أيضاً من انتهاكات الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، مثل النزوح أو عدم الحصول على الغذاء أو السكن أو الرعاية الصحية.[2] إن التركيز على العنف الجنسي دون إبراز الأدوار النشطة للمرأة كمواطنات وصانعات سلام ومقاتلات يساهم في النظر إلى النساء كضحايا ويبعدهن عن مختلف جوانب العدالة وبناء السلام. لذلك، تتناول هذه الورقة بشكل خاص واقع المرأة في التشريع السوري المعمول به، وضرورة مشاركة المرأة السورية في مسار العدالة الانتقالية، مع مراعاة منظور النوع الاجتماعي، وتشرح أوجه التمييز التي لا بد من تجنبها والعمل على تغييرها حتى تشمل عملية العدالة النساء في جميع مراحل ومستويات صنع القرار، وتضمن التصدي بشكل شامل لمجموعة كاملة من انتهاكات حقوق الإنسان.

2.    المقدمة:

بعد تحول الاحتجاجات السلمية في سوريا إلى نزاع مسلح مع نهاية عام 2011، بدأ تورط العديد من القوى الإقليمية والمحلية في النزاع الذي تسبب بأزمة إنسانية شديدة كان لها الأثر الأكبر على الأطفال والنساء بشكل خاص.[3]

أثبتت المرأة السورية فاعلية مشاركتها في الحراك الشعبي، إلا أنها بقيت تعاني من معوقات سياسية وقانونية ودينية واجتماعية موروثة، أعاقت قدرتها على المشاركة في الحياة العامة في سوريا. ولطالما كان للأعراف والهياكل الأبوية الأثر الكبير على الخطط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في سوريا، مما أعاق خلال السنوات الماضية وصول النساء إلى الحقوق والموارد، فضلاً عن أدوات صنع القرار. مما أدى إلى خلق فجوة عميقة في المجتمع السوري، لصالح استحواذ الرجل على حيز كبير من المهام القيادية والإدارية على مستوى السلطات والهياكل التنظيمية.[4]

كذلك فإن لبنية الدولة السورية تأثير سلبي على قدرة النساء على المشاركة الفاعلة في الدولة والمجتمع حيث تغيب مقومات بناء الدولة المدنية التي تضمن حقوق جميع مكوناتها والفئات الاجتماعية المختلفة فيها. لقد استمر الدستور السوري، على سبيل المثال، ومنذ الدستور الأول عند التأسيس إلى الدستور الحالي في تغييب بعض فئات ومكونات الشعب بتكريس سياسة الإقصاء والتهميش في نصوصه (لم تقتصر حدود التهميش على تمثيل المرأة في الحياة العامة، بل طالت المواطنين في سوريا من مختلف المكونات الإثنية والدينية والاجتماعية). أضف إلى ذلك بقاء العديد من النصوص القانونية الأخرى مجرد كلام نظري مكتوب لم يدخل في حيّز التطبيق العملي، خاصة المواد التي تتحدث عن قيم المواطنة وإطلاق الحريات.

لقد ظهرت سوريا، وفي العديد من المؤشرات، في المراتب الأخيرة بالنسبة لقضية المساواة بين الجنسين، مثل مؤشر الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2020، حيث جاءت سوريا في آخر القائمة.[5] كما أنّها جاءت في المرتبة 153 من أصل 156 دولة لمؤشر أفضل الدول بالنسبة للنساء.[6]

إن العنف ضد النساء، في الفضاءين الأسري والعام، ليس أمراً طارئاً على المجتمع السوري، بل هو ظاهرة شائعة في كافة الأوساط الاجتماعية، ويكمن التباين بين الفئات الاجتماعية المختلفة في مستويات هذا التمييز وأشكاله فقط. ومع اندلاع النزاع المسلح واشتداده، اتّسعت واشتدّت كل مظاهر وأشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، تلك التي خبرتها النساء قبل النزاع المسلح، إضافة إلى ظهور أشكال جديدة من العنف، بسبب النزاع نفسه.[7]

من أشكال العنف التي تجلت خلال النزاع اشتدادُ العنف لأسباب سياسية، والاعتداء الجنسي والاغتصاب والقتل بذريعة الشرف،[8] والتعرّض للحرمان والفقر الشديدين، والنزوح واللجوء والاتجار بالبشر، والتخلي عن الأبناء المولودين خارج إطار الزواج،[9] والإجبار على ممارسة الدعارة، مع ازدياد أشكال العنف الأخرى مثل الإجبار على ارتداء الحجاب، وانتشار تعدّد الزوجات، والتزويج القسري وتزويج الأطفال[10] وتجنيد القاصرات[11] وغيرها من أشكال العنف.

إن تحقيق المساواة في سوريا، ومكافحة أشكال العنف ضد النساء بعد النزاع، يحتاج إلى تغييرات قانونية وإجرائية واسعة تشمل مختلف المجالات. يجب أن تتبع سوريا نهجاً شاملاً لتحقيق العدالة الانتقالية يعطي الأولوية للنساء الناجيات من الانتهاكات الواقعة خلال النزاع، ويتضمن الملاحقات القضائية ومعاقبة الجناة، والوصول إلى الحقيقة، وحصول الضحايا على التعويضات وعلى ضمانات عدم التكرار، ووضع حد للإفلات من العقاب واستبعاد جرائم العنف الجنسي من قوانين العفو.

3.    العدالة الانتقالية والمرأة والسلام:

بالنظر إلى الدور الهام الذي تؤديه عمليات العدالة الانتقالية في كفالة المساءلة وسبل الانتصاف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في الماضي مع دعم عدم تكرارها، فإن ترسيخ مراعاة اعتبارات النوع الاجتماعي يمثل أولوية قانونية وسياسية لتحقيق المساواة بين الجنسين.[12] وتنعكس ضرورة إدراج نهج شامل للعدالة الانتقالية يراعي اعتبارات النوع الاجتماعي في عملية العدالة الانتقالية في الأطر المعيارية والقانونية الدولية. مثل منهاج عمل بيجين،[13] والتوصية العامة رقم 30 للجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة،[14] وقرارات مجلس الأمن التسعة بشأن المرأة والسلام والأمن التي تربط السلام والأمن الدوليين بالمساواة بين الجنسين.[15] ونذكر منها هنا بعض القرارات على سبيل المثال:

  • القرار رقم 1325 لعام 2000 والقرارات اللاحقة له، والتي نصت على ضرورة زيادة تمثيل المرأة على جميع مستويات صنع القرار وإنشاء آليات تراعي اعتبارات النوع الاجتماعي لمنع نشوب الصراعات وحلها، ومن أجل التعمير بعد انتهاء الصراع.
  • كذلك يدعو القرار 1820 لعام 2008 إلى التسليم بأن العنف الجنسي المرتبط بالنزاع هو تكتيك للحرب، ويشدد على ضرورة استبعاد الجرائم الدولية المتعلقة به من أحكام العفو، ويؤكد على أهمية تمتع جميع ضحايا هذه الجرائم، ولا سيّما النساء والفتيات، بقدرٍ متساوٍ من الحماية بموجب القانون وفرصٍ متساوية للجوء إلى العدالة.
  • كما ينص القرار 2106 لعام 2013، على ضرورة اتباع نهج شامل إزاء العدالة الانتقالية ويدعو إلى وضع حد لإفلات مرتكبي العنف الجنسي في النزاع من العقاب.
  • يدعو القرار 2467 لعام 2019 إلى ضمان فرصة المشاركة الكاملة والمجدية للناجيات من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في جميع مراحل عمليات العدالة الانتقالية، بما في ذلك في أدوار صنع القرار كي تفضي هذه العمليات إلى نتائج تحقق سبل انتصاف فعالة.

في حين يُعترف بالعدالة الانتقالية كأداة أساسية للتغلب على العنف والتقدم نحو الحفاظ على السلام، غالباً ما تركت عمليات العدالة الانتقالية وراءها النساء والناجيات من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. تم إسكات أصواتهن بسبب الآليات التي لا تتصدى للحواجز القانونية أو العرفية لمشاركة المرأة، ونقص الخبرة حول كيفية دمج وجهات نظر النساء المتنوعة بشكل هادف في عمليات العدالة الانتقالية ونتائجها.[16]

ولذلك، لا بد من التركيز في مسار العدالة الانتقالية في سوريا على مراعاة اعتبارات النوع الاجتماعي وإعطائها أولوية قانونية وسياساتية للوصول إلى السلام المستدام المنصف المراعي للنوع الاجتماعي، ولتحقيق العدالة من منظور النوع الاجتماعي.

4.    العدالة الاجتماعية والعدالة القائمة على النوع الاجتماعي:

ترتبط العدالة الاجتماعية ارتباطاً وثيقاً بالعدالة القائمة على النوع الاجتماعي (العدالة الجندرية)، إذ لا يمكن تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة دون مراعاة المنظور الجندري. المساواة بين الجنسين هي أول خطوة لتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث تتيح المساواة في الوصول إلى الحقوق والموارد والفرص، وهي شرط من شروط التنمية وترتبط بالسلام والأمن المستدامين.

ولا يقتصر تعريف النوع الاجتماعي على ثنائية “النساء” و”الرجال” فقط، فالاستجابة للنوع الاجتماعي في قطاع العدالة تقتضي الاستجابة لمختلف الاحتياجات والآراء والتجارب عند الرجال والنساء والفتيات والفتيان وكل الأشخاص بمختلف هوياتهم وتعبيراتهم الجنسانية.

تحكم الرجال في المجتمعات الاستبدادية بالسلطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية حيث تحتل النساء والفتيات مواقع أقل قوة مقارنة بالرجال والفتيان، وتواجهن أشكالاً عديدة من التمييز سواء اقتصادياً، أو سياسياً، أو اجتماعياً، أو قانونياً.

يعد دمج المنظور الجنساني في قطاع العدالة أمراً ضرورياً لتحقيق المساواة في الوصول إلى العدالة، ولمكافحة الإفلات من العقاب ولا سيما على جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي، ولضمان حماية القوانين لحقوق الجميع، ولتكون مؤسسات العدالة شاملة وفعالة وعادلة.[17]

يتطلب تحقيق العدالة القائمة على النوع الاجتماعي (العدالة الجندرية) وضع آليات فاعلة للمحاسبة والانتصاف إزاء أوجه عدم المساواة، وتفعيل هذه الآليات والحفاظ عليها، وأيضاً ضرورة الوصول إلى الموارد والتحكم بها والقدرة على اتخاذ الخيارات.[18] فالعدالة الجندرية هي “حرية اختيار طرق مختلفة للوجود والعيش على أساس التوزيع المتساوي للموارد، وإمكانيات متساوية لممارسة التأثير، والاحترام المتساوي بغض النظر عن الهوية الجندرية”.[19]

ويصبّ هذا التعريف للعدالة القائمة على النوع الاجتماعي على نحو مباشر في التزام الدولة ببذل العناية وتوفير استجابة شاملة للتصدي لأوجه عدم المساواة بين الأفراد وما يترتب عليها من أضرار.

5.    القيادة النسائية والمشاركة السياسية

لقد تم استبعاد المرأة عن الحياة السياسيّة المؤثّرة، خاصة وقد عززت الحكومات المتعاقبة -منذ تولي حزب البعث العربي السوري الحكم- من تشكيل الاتحادات العامة التي فرضت سيطرتها الكاملة عليها، مثل الاتحاد العام النسائي والاتحاد الوطني لطلبة سوريا. أعطت القوانين والمراسيم التي نصت على إنشاء هذه الاتحادات حق احتكار مجال العمل الخاص بكل منها.[20] فالقانون رقم 33 لعام 1975 الذي نص على إنشاء الاتحاد العام النسائي (والذي تم إلغاءه بالمرسوم التشريعي رقم 16 لعام 2017) منع في المادة رقم 66 منه تشكيل أي جمعيات أخرى للمرأة. فلم يبقَ للنساء من تنظيم خاص بهنّ إلا هذا الاتحاد الذي لم تكن مناصرة قضايا المرأة، أو توعيتها، أو الحدّ من الانتهاكات الممارسة بحقها من أولوياته. على العكس من ذلك كان يسعى إلى ترسيخ عجزها أمام سلطة الدين والتقاليد، مدعوماً بسلطة القوانين والتشريعات.[21]

لا توجد أحكام تشريعية تحظّر على المرأة تولي المناصب العامة والسياسية، ولكن في المقابل ليس هناك تأكيد إيجابي على هذا الحق، فمثلاً بينما تكفل المادة رقم 26 الفقرة (2) والمادة رقم 34 من الدستور السوري لعام 2012[22] مساهمة (المواطنين والمواطنات) في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، نجد أن المادة رقم 84 التي تتناول منصب (رئاسة الجمهورية) تستثني المرأة من هذا الحق بشكل واضح في الفقرة (4) التي تنص على شرط ألا يكون الرئيس متزوجاً من غير سورية.

وعلى الرغم من ورود مواد تفصل العملية الانتخابية في البرلمان، ليس هناك أحكام قانونية بشأن حصص النساء في مقاعده. كما نجد أن التقييم الذي قامت به هيئة الأمم المتحدة للمرأة حول العدالة والمساواة بين الجنسين أمام القانون في منطقة الدولة العربية يشير إلى أن القانون في سوريا لا يحوي نصاً يجرّم أي نوع من أنواع العنف الممارس ضد المرأة في السياسة أو أثناء الانتخابات.[23]

6.    المرأة في الدستور والقوانين السورية:

رغم تأكيد الدستور السوري لعام 2012 في جوهره على التساوي في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين والمواطنات، وادعائه بعدم وجود تمييز بينهم على أساس الجنس، أو اللون، أو العرق، أو الدين، ونصه على أن حقوق وفرص الرجل والمرأة متساوية،[24]  إلا أن الرجل يتمتع بحقوق أكثر من المرأة في القوانين السورية، ومنها قانون الأحوال الشخصية على سبيل المثال وقانون العقوبات وقانون الجنسية. ومن الجدير بالملاحظة أنه وفي حين تواجه كل النساء التمييز، فغالباً ما تكنّ عرضة لانتهاكات مضاعفة عندما تكنّ من الأقليات العرقية والدينية، مما يضعهن في موقع أكثر تبعية في المجتمع.[25]

يستعرض الجدول أدناه أهم المواد الدستورية التي تتناول المرأة في سوريا، سواء بشكل صريح أو ضمني:

المادة رقم 17حق الإرث مصون وفقاً للقانون
المادة رقم 19يقوم المجتمع في الجمهورية العربية السورية على أساس التضامن والتكافل واحترام مبادئ العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة وصيانة الكرامة الإنسانية لكل فرد.
المادة رقم 201- الأسرة هي نواة المجتمع ويحافظ القانون على كيانها ويقوي أواصرها.2- تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه، وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه، وتحمي الأمومة والطفولة، وترعى النشء والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم.
المادة رقم 23توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع.
المادة رقم 26 الفقرة 22- المواطنون متساوون في تولي وظائف الخدمة العامة ويحدد القانون شروط توليها وحقوق وواجبات المكلف به.
المادة رقم 33 الفقرتان 3 و43- المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين، أو العقيدة.4- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.
المادة رقم 34لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك.
المادة رقم 401- العمل حق لكل مواطن وواجب عليه، وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين، ويتولى القانون تنظيم العمل وشروطه وحقوق العمال.2- لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على ألا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيُرها.3- تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعمال.
المادة رقم 45حرية تكوين الجمعيات والنقابات، على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية، مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون.
المادة رقم 48ينظم القانون الجنسية العربية السورية.
المادة رقم 84يشترط في المرشح إلى منصب رئيس الجمهورية ما يأتي:1- أن يكون متماً الأربعين عاماً من عمره.2- أن يكون متمتعاً بالجنسية العربية السورية بالولادة، من أبوين متمتعين بالجنسية العربية السورية بالولادة.3- أن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وغير محكوم بجرم شائن ولو رد إليه اعتباره.4- ألا يكون متزوجاً من غير سورية.5- أن يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح.

على الرغم من إشارة الدستور في العديد من المواد صراحة إلى المساواة بين الجنسين ولعدم التمييز ضد المرأة، إلا أنّه افتقد إلى وجود أحكام ونصوص واضحة تعزز المساواة وعدم التمييز، كما افتقد إلى آليات واضحة لتنفيذ مواده، وترك أمر تنظيمها للقوانين والتشريعات التي تتجاوز فعلياً النصوص الدستورية وتقيد تلك الحقوق لأسباب دينية أو اجتماعية.[26] إضافة إلى غياب خطة عمل أو سياسة وطنية أو ميزانية مخصصة لإنفاذ التشريعات ذات الصلة بمناهضة العنف ضد النساء والفتيات.

لقد صادقت سوريا على الاتفاقية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)،[27] لكنّها تحفّظت على بعض موادها،[28] ومنها مثلاً المادة رقم 2 التي تنص على إلغاء أي تمييز دستوري أو قانوني أو تشريعي قد يكرس أي ممارسة تمييزية ضد المرأة. (صدر المرسوم التشريعي رقم 230 لعام 2017 ليلغي هذا التحفظ “بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية”). تتطابق هذه التحفظات مع كل ما يحمل تمييزاً ضد المرأة في القوانين السورية كمواد قوانين الأحوال الشخصية والجنسية والعقوبات والعمل، ومع الأمر الدائم لوزير الداخلية رقم 876 لعام 1979 والذي يحدد انتقال وسفر الزوجة،[29] وهو ما يتعارض أصلاً مع المادة رقم 33 من الدستور التي تساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات.

كما لا توجد في الدستور السوري مادة تمنع التمييز ضد المرأة، رغم أن هذا يخالف معاهدة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي وقعت عليها سوريا. تنص المادة رقم 5 الفقرة (أ) على أن الدول الأطراف ملزمة باتخاذ جميع التدابير المناسبة لتحقيق “تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة”.[30]

6.1 التمييز ضد النساء السوريات في قانون الجنسية

تذكر المادة رقم 9 من اتفاقية سيداو أنه على الدول الأطراف أن تلتزم بمنح المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل في اكتساب جنسيتها أو الاحتفاظ بها أو تغييرها، وأن تضمن بوجه خاص ألا يترتب على الزواج من أجنبي تغيير جنسية الزوجة أو فقدانها أو فرض جنسية زوجها عليها. كما أن للمرأة الحق كالرجل بمنح جنسيتها لأطفالها. تحفظت سوريا على هذه المادة في جملتها الأخيرة المتعلقة بإعطاء جنسية الأم لأبنائها والحجة أنها تتعارض مع قانون الجنسية الذي يمنع المرأة السورية من هذا الحق.

وتجدر الإشارة إلى أن المادة رقم 48 من الدستور السوري تركت أمر تنظيم الجنسية السورية للقانون، حيث نصت بشكل واضح على ما يلي: “ينظم القانون الجنسية العربية السورية”. وبناءاً على قانون الجنسية رقم 276 لعام 1969،[31] لا تعطي الأم السورية جنسيتها لأولادها إذا كان الأب غير سوري، بينما يمكن للرجل السوري في حال أنجب أولاداً من امرأة غير سورية أن يعطيهم جنسيته. يشكل هذا التمييز انتهاك لحقوق المرأة، كما أنه يرتب آثاراً كارثية على الأطفال، خاصة في حال وجود عائق يحول دون حصولهم على جنسية والدهم غير السوري، فهذا يعني بأنهم سيصبحون عديمي/ات الجنسية، وسيُحرمون من كافة الحقوق المتعلقة بالجنسية، هذا بالاضافة إلى إمكانية حرمان هؤلاء الأولاد من تركة والدتهم السورية، وفقاً لما نصت عليه المادة رقم 836 من القانون المدني السوري.

6.2 تعصب قانون الأحوال الشخصية السوري ضد المرأة:

يرسخ قانون الأحوال الشخصية السورية دور المرأة التقليدي ويعزز صورتها النمطية ولا يساوي بينها وبين الرجل في مواده بل يعطيه دائماً الفوقية عليها، فلا يعاقب زوجها على “تأديبها” أو اغتصابها، ويسمح لـ”ولي أمرها” بتزويجها قسراً، وغيرها الكثير من صور التمييز والعنف الموجه ضدها. ساهم كل ذلك بتكريس قيم النظام الأبوي وأحكامه بوصفها قيماً مقدسة في المجتمع.

تنص المادة رقم 16 من اتفاقية سيداو على وجوب اتخاذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، وعلى ضمان (على أساس المساواة بين الرجل والمرأة): نفس الحق في عقد الزواج، وفي حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا بالرضا الحر الكامل، وتمنح نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه. وتتضمن أحكاماً تتعلق بالمسؤوليات والحقوق فيما يخص الأطفال، وتعطي نفس الحقوق الشخصية للرجل والمرأة كالحق في اختيار اسم الأسرة، والمهنة، والوظيفة، وفي الحقوق الخاصة بالملكية والإشراف عليها والتمتع بها والتصرف فيها. كما تنص هذه المادة على وجوب تحديد سن أدنى للزواج وتسجيله رسمياً وبشكل إلزامي التطبيق. لكن سوريا تحفظت على معظم بنود هذه المادة، لأنها تتعارض مع قانون الأحوال الشخصية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1953 وتعديلاته لعام 1975 ولعام 2003 ولعام 2019.[32] ينظم هذا القانون قضايا الأسرة من الزواج والطلاق والولادة والقواعد المتعلقة بالأهلية والوصية والنسب والمواريث، وهو أكثر القوانين السورية تمييزاً ضد المرأة، كالمواد التي تعرف الزواج (1، 8، 12ن 14 و67) وتعديلاتها، والمواد الخاصة بسن الزواج، المحددة في المادة رقم 16، والتي تميز بين السن القانوني لزواج الرجل [18 سنة] والمرأة [17 سنة] (علماً أن الزواج دون السن القانونية ليس باطلاً أو قابلاً للإبطال). كذلك المادة رقم 37 (والتي تخص المسلمين/ات) التي تتعلق بتعدد الزوجات، والتي يشكل بقاءها عبر تعديلات القانون المتعددة إهانة للمرأة وتمييز ضدها وانتقاص لحقوقها. [33]

يمكن ملاحظة إجحاف قانون الأحوال الشخصية بحق المرأة ايضاً في مواد قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 59 لعام 1953 الناظم لمسائل الميراث للمسلمين وغير المسلمين (المواد رقم 257، 277، 297)، وهذا القانون مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية التي تؤكد على أن للذكور ضعف نصيب الإناث في الإرث. استمر تطبيق هذا القانون على جميع المواطنين/ات السوريين/ات حتى عام 2006، حيث صدر قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية رقم 31 لعام 2006، الذي نص في الفقرة (و) من المادة رقم 180 على أنه “يعتبر الذكور والإناث من الأولاد والأحفاد متساوين في حصصهم بالميراث”.[34]

وبقيت الأمور على هذا الشكل بخصوص أبناء الديانتين المسيحية واليهودية حتى عام 2011، حيث تم تعديل المادة رقم 308 من قانون الأحوال الشخصية بموجب المرسوم التشريعي رقم 76، لينص على أنه تطبق الأحكام الخاصة الموجودة لدى كل طائفة (المسيحية واليهودية) فيما يتعلق بالإرث والوصية بالإضافة إلى مسائل الأحوال الشخصية الأخرى، المنصوص عليها أصلاً في المادة المذكورة.[35]

بالإضافة إلى الإجحاف الذي حمله القانون ضد المرأة، نجد الكثير من العادات المحلية ترسخ حرمان المرأة من حقها في الميراث، حيث تحرم النساء من الحصول على حصصهن بالميراث خشية الوصمة الاجتماعية.[36] وبحسب دراسة تحمل عنوان “توريث المرأة في سوريا، ما بين القانون والتقاليد والواقع” فإن تمسك المجتمع السوري على تنوعه الديني الطائفي بالعادات والتقاليد المتوارثة ومنحها قوة تعلو القانون في التطبيق، يحرم المرأة من حقوقها الارثية.[37]

إضافة إلى ما سبق ذكره، هناك العديد من الأمور الحياتية الحساسة الأخرى التي ميز فيها قانون الأحوال الشخصية رقم 59 لعام 1953 الرجال على النساء. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أعطى للذكور في الأسرة حق الولاية، كما منح الزوج حق إيقاع الطلاق بإرادة منفردة وبدون سبب مشروع، دون الحاجة لرفع دعوى ولا رأي للزوجة فيه ولا تملك منعه، هذا وقد أسقط حق المرأة في النفقة الزوجية إذا عملت خارج البيت دون إذن زوجها.

6.3 تمييز الرجل على المرأة في قانون العقوبات العام السوري:

يتضمن قانون العقوبات العام رقم 148 لعام 1949[38] قواعد ناظمة تنتقص من حقوق المرأة في سوريا وتعرضها للتمييز مقارنة بالرجل وتسهل ارتكاب العنف ضدها. بموجب القانون، يمكن ارتكاب بعض أشكال العنف ضد المرأة دون عقاب.

في دراسة تحمل عنوان “الاجتهادات القضائية المتعلقة بالنساء في قانون العقوبات السوري”[39] تم تناول المواد القانونية المعمول بها في سوريا في قانون العقوبات السوري بالتفصيل، وتعارضها مع اتفاقية سيداو والإعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة. حيث تجد الدراسة أنه وبالرغم من احتواء قانون العقوبات على مواد توفر الحماية للمرأة، مثل المواد رقم (490، 500، 501، 504، 505، 509، 529 و263)، إلا أن هناك غياب للمواد التي تجرم العنف الممارس ضدها. كذلك تصنف الدراسة الجرائم أو العنف الممارس ضد المرأة وفق قانون العقوبات السوري إلى نوعين؛ أولهما، الجرائم التي تمس الدين والاسرة وهي المواد رقم (473، 474، 476)، وثانيهما، الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة وهي المواد رقم (504، 505، 506).

يحوي قانون العقوبات العديد من المواد القانونية التي تكرس ثقافة تفوق الرجال وتمارس التمييز ضد النساء، حيث لا تساوي المرأة بالرجل في توصيف الجرم أو وسائل إثباته أو شدة العقوبة عليه، وبالتالي فإنها لا تقدم الحماية للمرأة من العنف والتمييز وعدم المساواة.

فمثلاً، تبدأ المادة رقم 473 من القانون بجملة “تعاقَب المرأة الزانية…” بدلاً من “يعاقب كل من ارتكب جرم الزنا”، حيث يعاقب القانون المرأة عن هذا “الجرم” بعقوبة أشد من عقوبة الرجل( إلا إذا كان متزوجاً). كما تميز المادة ذاتها بين وسائل إثبات فعل “الزنا”، حيث لا توجد مساواة عند تقديم القرائن المقبولة قانوناً، بحيث لا يقبل من أدلة الثبوت على الرجل “إلا ما نشأ منها عن الرسائل والوثائق الخطية التي كتبها”، فيما لا تحدد نوعية القرائن لصالح المرأة. وفي مثال آخر، تبيح المادة رقم 474 فعل “الزنا” المرتكب من قبل الزوج إذا ارتكب خارج منزل الزوجية، بينما تجرم المرأة في جميع الحالات.[40]

كذلك لا يعترف المشرع السوري بجرم الاغتصاب في إطار العلاقة الزوجية، وينص على ذلك صراحة في المادة رقم 489 التي تنص على أن من أكره غير زوجه بالعنف أو بالتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل، وأيضاً المادة رقم 508 التي تنص على أن الملاحقة القضائية تتوقف بحق من يرتكب المغتصب إذا قام بالزواج من الضحية. تم إلغاء هذه المادة عام 2020 بعد أن شكّلت انتهاكاً على مدار عقود بحق المرأة بأن قدمتها -بمعونة المجتمع- كهدية أو كمكافأة للمغتصب على جريمته وقوضت حقها بنيله عقاباً يتناسب مع فداحة فعله.

إضافة إلى ما سبق، نصت سابقاً المادة رقم 548 من قانون العقوبات العام على إعفاء الرجل من العقوبة إذا قام بقتل زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة الزنا المشهود أو صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، وهذا ما كان يسمى بالعذر المحل وفي عام 2009 صدر المرسوم التشريعي رقم 37 واستبدال العذر المخفف بالعذر المحل، حيث صار الحد الأدنى للعقوبة هو الحبس لمدة سنتين. ثم وفي العام 2020 صدر المرسوم التشريعي رقم 2 القاضي بإلغاء المادة رقم 548 بشكل تام، وبالتالي يفترض أن يتم التعامل مع جريمة القتل الواقعة وفق الظروف المذكورة، كأي جريمة قتل أخرى. لكن، ومع ذلك يمكن للمحكمة أن تمنح القاتل الأسباب المخففة التقديرية، إذا اعتبرت أن الجرم قد تم ارتكابه “بدافع شريف”[41] أو نتيجة “ثورة الغضب الشديد”.[42]

6.4 قانون العمل بين النص والتطبيق:

ينظم قانون العمل رقم 17 لعام 2010[43] حق المرأة في العمل في سوريا، وقد تضمن القانون فصلاً خاصاً (الفصل الثالث) ينص على المواد المتعلقة بتشغيل النساء. نص القانون في المادة رقم 2 الفقرة (أ) منه على أنه “يمتنع في معرض تطبيق أحكام هذا القانون مخالفة أو تجاوز مبدأ تكافؤ الفرص أو المساواة في المعاملة أياً كان السبب ولا سيما التمييز بين العمال من حيث العرق أو اللون أو الجنس أو الحالة الزوجية أو العقيدة أو الرأي السياسي…“.

ورغم وجود النص الذي يفترض أن يدعم المرأة، إلا أن عدم تفعيل هذه المواد عملياً وغياب آليات تنفيذ وتطبيق هذه المواد وبخاصة في أماكن العمل التي تضم عدداً كبيراً من العاملات، يؤدي إلى منعهن من الحصول على حقوقهن ويحد قدرتهن على ممارسة العمل على حد سواء مع الرجال،[44] حيث تظهر معدلات مشاركة الإناث في القوى العاملة في سوريا معدلات منخفضة.[45] وتقوم المرأة بأداء أعمال منزلية وأعمال الرعاية من دون مقابل، مثل الطبخ والتنظيف ورعاية الأطفال وكبار السن. ونتيجة لذلك، يكون لديهن وقت أقل للانخراط في عمل مدفوع الأجر، أو العمل لساعات أطول، أو الجمع بين العمل المأجور والغير مأجور. إن عمل المرأة غير مدفوع الأجر يدعم تكلفة المعيشة التي تحتاجها الأسرة، ويساهم في تحسين وضعها الاقتصادي، ومع ذلك، نادراً ما يُعترف به على أنه “عمل”.

أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن سوريا لم تصادق على العديد من الاتفاقيات الصادرة من منظمة العمل الدولية مثل الاتفاقية رقم 150، اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن إدارة العمل رقم 150 لعام 1978، واتفاقية العمال ذوي المسؤوليات الأسرية رقم (156) لعام 1981، واتفاقية حماية الأمومة رقم (183) لعام 2000.[46]

7.    المرأة في مناطق شمالي وشمالي شرق سوريا:

ركزت الورشة التي نظمتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” على واقع المرأة في شمالي وشمالي شرق سوريا من الناحية السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية.

تتصف منطقة شمالي وشمالي شرق سوريا بالتنوع من حيث التركيب السكاني (الاثني والديني والمذهبي)، كذلك تتنوع فيها العادات والتقاليد الاجتماعية المسيطرة وتضم تنوعاً في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

7.1 لمحة عن سلطات الأمر الواقع في شمال وشمال شرق سوريا (2011-2023):

شهدت المنطقة بعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011، تبدلاَ في القوى المسيطرة عليها، فبعد خروجها من تحت سيطرة الحكومة السورية آلت سيطرة المنطقة إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في عام 2014. وبعد إعلان التحالف الدولي[47] الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وبروز قوات سوريا الديمقراطية (قسد)[48] كقوى برية للتحالف الدولي، سيطر مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)[49] والجناح العسكري لها قسد بداية على بعض المناطق بعد انسحاب القوات السورية النظامية من المنطقة، وبعد معارك مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)،[50] وذلك بالتنسيق مع التحالف الدولي، وقد أعلنت هذه القوات عن قيام الإدارة الذاتية لشمالي وشمالي شرق سوريا،[51] التي تدير مناطق واسعة في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور وحلب.

7.2 وضع المرأة في شمالي وشمالي شرق سوريا قبل عام 2011:

عانى سكان مناطق شمالي وشمالي شرق سوريا، وبشكل خاص الأكراد منهم، من عقود من التهميش في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وانعكس هذا التهميش بشكل كبير على المرأة الكردية حيث كانت القيود عليها مضاعفة. برز ذلك خصوصاً في حالة الإحصاء الاستثنائي عام 1962 والذي شمل الكرد في محافظة الحسكة بالتحديد، فرضت حالة الكرد الذين جردوا من الجنسية المزيد من التعقيد على النساء الكرديات من حيث الوضع الإداري والاجتماعي والاقتصادي، حيث حرمن من العديد من الحقوق التي يتمتع بها سواهن من السوريات والسوريين، مثل الحق في التصويت، والحق في التملك، والحق في الزواج وتسجيل الولادات، كما حرمن من حقهن بالحصول على جوازات سفر وبالتالي لم يتمكنّ من ممارسة الحق المكفول دولياً في حرية التنقل والمغادرة والعودة بشكل قانوني إلى بلدهن سوريا.[52]

كان للتشديد على الهوية القومية الكردية والانعتاق السياسي آثاراً كبيرة على المرأة الكردية، حيث كرّست مفهوم غلبة الحرية السياسية على الحرية الاجتماعية، مما أدى إلى تهميش قضايا المرأة ومشكلاتها على حساب مفاهيم الهوية القومية والتحرر من أشكال السيطرة والقمع التي خضع لها المجتمع الكردي. أضف إلى ذلك تجسد القيم الاجتماعية للمجتمع الكردي في شخصية المرأة، في سلوكها وتصرفاتها والذي تنقله من جيل إلى جيل آخر، هذه القيم التي تعتبر كمؤشر لقياس الانتماء القومي، ما كبّل المرأة بالقيود في ممارسة حريتها وشعورها بذاتها.[53]

ضمن هذا السياق كان للمرأة في شمالي وشمالي شرق سوريا مشاركة في الحياة العامة لكنها محكومة بضوابط اجتماعية تفرض هيمنة الرجل، وتعززها الثقافة الاجتماعية التقليدية.

7.3 المرأة والإدارة الذاتية لشمالي وشمالي شرق سوريا:

عانت النساء في زمن سيطرة داعش من أنماط متشددة في تقييدها،[54] ومع إعلان الإدارة الذاتية في شمالي وشمالي شرق سوريا، طرحت ميثاق العقد الاجتماعي،[55] والذي يعتبر بمثابة دستور، تضمن العديد من المواد التي تتناول حقوق وحريات المرأة. مثلاً، تنص المادة رقم 11 منه على عدم السماح باستغلال واحتكار وتشييء المرأة، وتنص المادة رقم 12 على اعتماد نظام الرئاسة المشتركة في كافة مجالات الحياة السياسية والاجتماعية، والتأكيد على أهمية المساواة بينها وبين الرجل في المجتمع، وتكريس النظام الديمقراطي الكونفدرالي للمرأة ككيان خاص بها. كذلك تنص المادة رقم 13 على ضمان حرية المرأة في المجتمع والمساواة بينها وبين الرجل. هذا وتنص المادة رقم 25 على أن ممارسة العنف ضد المرأة أو استغلالها أو فرض تمييز سلبي عليها يعتبر جرماً يعاقب عليه القانون.

كذلك تم تأسيس عدة هيئات ومؤسسات لتعنى بأمر النساء. نذكر منها “هيئة المرأة” وهي إحدى هيئات المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية،[56] و”مؤتمر ستار” ويتبع لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا،[57] و”مجلس المرأة في شمال وشرق سوريا”.[58]

تعدّ مشاركة المرأة في مناطق الإدارة الذاتية من حيث التمثيل الكمّي في المؤسسات تجربة مخالفة للأنماط التقليدية والموروثات، كما لها شكل من الحصانة القانونية. حيث هناك انخراط للمرأة في مؤسسات الإدارة الذاتية المدنية، والاجتماعية، والإعلامية، والعسكرية. وقد كرست الإدارة بعض القوانين لحماية المرأة مثل قانون حماية المرأة والذي ينص على المساواة المطلقة بين النساء والرجال وحظر الزواج القسري وتعدد الزوجات، وسمح بالزواج المدني.[59]

وبخلاف النصوص القانونية النظرية، تعاني النساء في شمالي وشمالي شرق سوريا عملياً من نتيجة السياق الأيديولوجي الصارم الذي يفرض تصور مسبق للمرأة وأدوارها، ويعرضها للاستغلال الاجتماعي والسياسي والعسكري. علماً أنّ العوائق التي حالت سابقاً دون لعب المرأة دورها المؤثر في المجتمع، ما زالت قائمة بشكل ملحوظ، حتى أن الإدارة الذاتية نفسها تتغاضى عن القوانين التي تسنّها تبعاً للمناطق التي تديرها أو تصل سلطتها إليها.[60] ما زالت المرأة تواجه مختلف أنواع العنف الجنساني، بالإضافة إلى حرمان الفتيات من التعليم، وتستمر حالات تجنيد الفتيات في سن التعليم، وتنتشر ظاهرة الزواج المبكر وعدم إنصاف النساء في الأحوال الشخصية ولاسيما في مواضيع الطلاق والحضانة وتعدد الزوجات، وجميعها مرتبطة بعادات وتقاليد المجتمع.[61]

ومن المعوقات الإدارية التي مازالت تعاني منها المرأة في مناطق الإدارة الذاتية، تداخل سلطات الإدارة الذاتية مع سلطات الحكومة السورية الموجودة هناك من محاكم ودوائر السجل والنفوس. ذلك أن الفئات التي ترفض نموذج الإدارة الذاتية غالباً ما تلجأ إلى مؤسسات الحكومة السورية في المنطقة، وخصوصاً في الحالات المرتبطة بالمرأة من زواج وطلاق وجنسية وإرث، حيث أن قانون الإدارة الذاتية يحمل نزعة مدنية لا تعتمد الدين كمبدأ للتشريع.[62] وأيضاً ما تزال عملياً الأعراف والتقاليد المجتمعية تتجاوز قوانين الأحوال المدنية أو تلك القوانين المتعلقة بالميراث أو الحضانة أو قوانين العقوبات.

8.    التوصيات:

استناداً إلى النقاشات التي رافقت الورشة التي عقدتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” حول التمييز القائم على النوع الاجتماعي وأهمية مشاركة المرأة في مسار العدالة الانتقالية في سوريا وضرورة بناء استراتيجيات المساءلة والعدالة من منظور النوع الاجتماعي، يمكننا استخلاص التوصيات التالية:

  1. إصدار قانون خاص بالقضاء على العنف ضدّ المرأة في سوريا، بحيث يشمل مختلف أنواع العنف القائم على نوع الجنس/النوع الاجتماعي، سواء كان عنفا جسدياً، أو نفسياً، أو جنسياً.
  2. التأكيد على مسؤولية الدولة في وضع حد للإفلات من العقاب ومحاكمة المسؤولين عن الجرائم المتعلقة بالعنف الجنسي وغيره من أشكال العنف ضد النساء والفتيات، واستبعاد هذه الجرائم من أحكام العفو.
  3. النص في الدستور السوري بشكل صريح وواضح على مبدأ المساواة التامة بين الرجل والمرأة في جميع مناحي الحياة، وعلى التدابير والآليات لتنفيذ نصوصه لكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال التشريع أو غيره من الوسائل المناسبة.
  4. دراسة ومراجعة القوانين السورية، وإلغاء أو تعديل نصوص المواد التي تكرس التمييز على أساس العرق أو النوع الاجتماعي أو الدين.
  5. استخدام صياغة شاملة جنسانياً لا تنطوي على تمييز ضد جنس أو نوع اجتماعي معين أو هوية جنسانية معينة ولا تكرس القوالب النمطية الجنسانية.
  6. إلغاء كافة تحفظات الدولة السورية على اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة (سيداو)، ولا سيما التحفظ على منح المرأة حق نقل جنسيتها لأولادها.
  7. احترام الحقوق المكفولة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والاتفاقيات الدولية الرئيسية السبعة، وغيرها المصادق عليها من قبل الدولة السورية، والقانون الدولي العرفي، وقوانين منظمة العمل الدولية، والتي تنص على أن القوانين الدولية لها الأولوية على القوانين الوطنية.
  8. إنشاء هيئة خاصة بالمرأة تعمل على تعزيز المساواة بين الجنسين في جميع الخطط والبرامج الحكومية، وتهدف إلى تمكين المرأة، وتقوم بدور أساسي في تعزيز حقوقها، وتوثيق واقع حياتها. يجب أن تتمتع هذه الهيئة بالسلطة اللازمة لأداء وظائفها والقيام بالرصد والتحقيق والبحث والتثقيف وحشد التأييد وإسداء النصح واتخاذ القرارات.
  9. كفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين، وضمان ممارستها لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والتمتع بها على أساس المساواة مع الرجل ولا سيما في الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وفرض حد أدنى من نسبة مشاركة المرأة في مؤسسات الدولة على مختلف مستوياتها ومشاركتها في أية منظمات وجمعيات غير حكومية تهتم بالحياة العامة والسياسية.
  10. تعزيز ثقافة المساواة بين الجنسين، والعمل على تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، والعمل على القضاء على التحيزات والعادات وكل الممارسات القائمة على الاعتقاد بتميز الرجال، أو على الأدوار النمطية للرجل والمرأة.
  11. التأكد من حصول النساء والفتيات على شروط متساوية في التوجيه الوظيفي والمهني، وفي التمتع بنفس فرص العمالة، والمساواة بالأجر، وفرص التعليم، والحرص على خفض معدلات ترك الطالبات الدراسة، ومنع تزويج القاصرات.

المصدر.

المقالة السابقة
منحة الحكومة الكندية 2023 (Vanier)
المقالة التالية
المجتمعات العربية تركيبة هجينة تتحكم فيها أبوية جديدة

أضف تعليق

Your email is safe with us.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Rawabet طلب التسجيل في منصة

X