إنشاء سجل Sign In

حيتان الحرب والسلم يتحكمون بالضوء

الجهة: SyriaUntold حكاية ما انحكت

في شهر نيسان من عام 2022، صدر قرار عن محافظ مدينة اللاذقية، عامر هلال، يقضي بمنع تركيب المولدات بقصد بيع الكهرباء، والتي يطلق عليها الأهالي اسم “اﻷمبيرات”، الملفت أنّ التعميم ترافق مع رفع أسعار الكهرباء وزيادة عدد ساعات التقنين، ليتبين بعد مدة، اختفاء العديد من مولدات الكهرباء مقابل ظهور أخرى جديدة، تحمل اسم “ستاركو”، وعليها رقم هاتف للاتصال. وعند سؤال مستفيدين منها، تبيّن أنها تتبع لحافظ منذر اﻷسد، المعروف “باستثماراته” في العديد من المجالات المرتبطة باﻷزمة السورية الحالية، مثل المخدرات والآثار والفحم.

في شهر نيسان من العام 2022، ضجّت محافظة اللاذقية بقرار صدر عن محافظها، عامر هلال، بمنع تركيب المولدات بقصد بيع الكهرباء، والتي تسمّى هنا اﻷمبيرات. وترافق القرار بزيادة حادة في ساعات قطع الكهرباء وصلت إلى ثلاث وعشرين ساعة يومياً.

طلب التعميم “مكافحة ومنع ظاهرة تركيب المولدات بقصد بيع الأمبيرات”، مع فرض عقوبات بحق المخالفين، وقد لقي التعميم احتجاجات من بعض أهالي اللاذقية على منصات  وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها المساحة الوحيدة المتاحة نسبياً للاحتجاج، حيث عبّر كثيرون عن دهشتهم من الطريقة القطعية في نصّ التعميم، إلى درجة دفعت كثيرين للقول إنّ المحافظة “لا ترحم ولا تترك رحمة ربها تنزل”.

ترافق التعميم أيضاً، مع إعلان وزارة الكهرباء السورية، مطلع شباط 2022 رفع أسعار الكهرباء في سوريا للمرة الثانية، إذ عدّلت الوزارة أسعارها للمرة اﻷولى في تشرين اﻷول 2011 شاملةً رفع أسعار الاستهلاك المنزلي بنسبة مئة بالمئة، لكلّ شرائح الاستهلاك.

“بالنسبة لأهل اللاذقية تحديداً، فإنّ العصي التي تقذفهم بها الحكومة لم تعد قابلة للعد”. هذا ما يقوله حسن حيدر (اسم مستعار) من منطقة سقوبين الملاصقة للمدينة، مضيفا أنّ “رفع فواتير الكهرباء كان متوّقعاً قياساً برفع أسعار كلّ شيء، ولكن المصيبة تكمن في رفع أسعار الكهرباء، وهي غائبة عن الحضور، وبأرقام باتت فلكية لدى كثيرين”.

وفق قرار وزارة الكهرباء السورية، في شباط 2022 ارتفع سعر الكيلوواط الواحد في الشريحة الأولى للاستهلاك المنزلي، المقدر  بـ600  كيلوواط ساعي خلال دورة الشهرين من ليرة سورية إلى ليرتين (أقل من سنت من الدولار الأميركي). وفي الشريحة الثانية، بين 601 وألف كيلوواط ساعي، من ثلاث إلى ست ليرات (أقل من سنت من الدولار الأميركي). كما ارتفع سعر الكيلو واط في الشريحة الثالثة بين ألف و1500 كيلوواط ساعي من ست إلى عشرين ليرة (كذلك أقل من سنت أميركي). وفي الرابعة من عشر إلى تسعين ليرة، وفي الشريحة الأخيرة من 125 إلى 150 ليرة (0٫03 من الدولار)، ولم تعرض الوزارة القرار على موقعها الإلكتروني، ولكن وضعت الأرقام على الفواتير. 

 اﻷمبيرات وعدم قنونة بيعها

شكّلت الكهرباء مادةً للاستثمار المتنوّع الأشكال، منذ العام 2011، خصوصاً مع بدء انقطاع التيار الكهربائي لأسباب كثيرة، منها تدمير محطات توليد الطاقة الكهربائية في سياق مجريات الصراع السوري. ولتغطية حاجات الناس والرغبة في الربح لدى التجار والمستثمرين، حجزت المولّدات مواقعها في الشوارع واﻷحياء، لتظهر فئة من الأشخاص تبيع الكهرباء المنتجة من مولّدات للناس أوقات التقنين.

وفي حين انتشرت الظاهرة في المحافظات الكبرى مثل حلب منذ العام 2013، فإنها لم تنتشر في اللاذقية بوضوح حتى العام  2017، لأسباب غير معروفة بدقة، وربما لعدم معرفة جدوى هذه البدائل، رغم أنّ التقنين وصل إلى عشرين ساعة يومياً منذ العام 2016، حيث بدأت المولّدات ذات الاستطاعات الصغيرة بالاختفاء، لتحلّ محلّها مولّدات باستطاعات كبيرة يمكنها تغذية البيوت والمحلات التجارية، وهو ما أطلق السوريون عليه اسم “اﻷمبيرات”.

لم يدفع انتشار ظاهرة مولّدات اﻷمبيرات الحكومة السورية إلى وضع أسس قانونية ومالية لمن يقوم بتزويد الناس باﻷمبيرات البديلة عن كهرباء الدولة، مثلما فعل العراق مثلا، وكانت الفكرة حسب الحكومة “عدم شرعنتها”، ولهذا لم يحصل نظام “الأمبيرات” هذا على ترخيص قانوني في البلاد. وفي تصريح نشر على وكالة الأنباء السورية الحكومية تشرين الثاني/نوفمبر 2020 نفى وزير الكهرباء، غسان الزامل، مناقشة أي مشروع لـ”الأمبيرات” في دمشق وريفها، مؤكداً أنّ وزارته “صاحبة الحق الحصري في توزيع الكهرباء”.

أسعار سياحية

فرضت اﻷمبيرات نفسها بديلاً إجبارياً عند بعض المواطنين وأصحاب المصالح الاقتصادية، إذ يقول السيد عدنان أحمد (50 عاما، اسم مستعار) من سكان حي الزراعة في اللاذقية، وهو صاحب محل لتجارة المواد الغذائية: “نحن شبه مجبرين على الاشتراك باﻷمبيرات، فغياب الطاقة الكهربائية يشلّ حياتنا، رغم استغلال أصحاب مولّدات اﻷمبيرات لحاجاتنا للكهرباء. وبعد أن كان سعر اﻷمبير الواحد لقاء ست ساعات وصل بين 35 و50 ألف ليرة سورية في حزيران 2022، ارتفع إلى مئة ألف ل.س شهرياً (23 دولاراً) في تموز وآب من العام نفسه، بسبب ارتفاع أسعار الوقود (سعر الدولار وقتها 4400 وسطياً)، تكفي لشحن بطارية وشاشة وجوالات، أما في حال تشغيل براد أو غسالة فالتكلفة بين 150  و 300 ألف (بين 30 و70 دولار) شهرياً”.

يرتفع سعر اﻷمبير عند تغذية المنشآت الاقتصادية مثل اﻷفران الصغيرة أو البرادات الصناعية. ويشير صاحب محل يمتلك فرناً لصناعة الحلويات في حي الزراعة، إلى أنّ دفعه الشهري للأمبيرات وصل إلى مليون ونصف المليون ليرة (340 دولار). ولكونه يستجر أكثر من خمسة عشر أمبير شهرياً، فقد حصل على حسم ونال زيادة في عدد ساعات التغذية بمقدار ساعة يومياً “بعد الثانية عشرة ليلاً حيث تكون البيوت توقفت عن الاستجرار” كما يقول لحكاية ما انحكت ونيريج.

وبحسب محمد محي الدين (اسم مستعار)، وهو مالك مولدة أمبيرات في منطقة الكورنيش الجنوبي، وهي من المناطق الثرية، فإنّه في ظلّ زيادة عدد ساعات التقنين، فإنّ “عدد المستفيدين من مولدته الخاصة زاد فوق النصف”، ما زاد من أرباحه الأسبوعية التي رفض ذكر قيمتها، وهي من فئة الملايين بالتأكيد) رغم أزمة توفير المحروقات الخاصة بتشغيل المولدة، حيث يلجأ إلى السوق السوداء للحصول عليها). وبشأن التعميم أعلن أنه لن يلتزم بما طرحته المحافظة، والنتيجة هي دفع المزيد من الرشاوى لجماعة المحافظة، وهي “مقدور عليها” وفق قوله.

حتى اﻵن، ليس هناك معيار واضح لتحديد سعر اﻷمبير الواحد، سوى استهلاك الموّلدات من المازوت، وخلال سنوات الأزمة تغّيرت أسعار المازوت الحرّ كثيراً، حيث يوضح المخطط التالي هذا التغيّر في سوريا.

التعميم يفتح بوابات فساد

وإذ حرمت ساعات التقنين الطويلة موظفي الكهرباء من قبض اﻷموال لقاء التغاضي عن التأخر في دفع الفواتير، أو متابعة سرقات الشبكة الكهربائية الكثيرة، فإنّ التعميم فتح باباً جديداً لفساد موظفي شركة الكهرباء كما يرى ذلك مواطنون.

يقول حسّان (45 عاما، اسم مستعار)، وهو صاحب محل لبيع ثياب البالة في منطقة “مشروع البعث” أنّ “التعميم الجديد يساعدهم على ابتزاز أصحاب المولدات بالدرجة اﻷولى، إذا هم تركوها تعمل متغاضين عن قرار السيد المحافظ بالمنع أو الترخيص، هذا إذا استطاعوا ذلك مع من تبقى منهم شغالاً”.

توّجه التعميم إلى “كافة رؤساء الوحدات اﻹدارية، مدن وبلدات وبلديات”، ولم  يحدّد في نصه القاطع آليةً محدّدةً لقمع ظاهرة الاحتكار، وكان على الناس انتظار تفسيرات رسمية من المحافظة نفسها. وبدلاً من ذلك صرّح عضو المكتب التنفيذي المختص بقطاع الكهرباء، المهندس مالك الخيّر، لصحيفة تشرين المحلية بتاريخ 2022/4/13 قائلاً: “إنّ تعميم منع ظاهرة تركيب المولدات الكهربائية بقصد بيع الكهرباء، جاء لأنه غير قانوني وليس لديهم أي ترخيص قانوني، وأنّ جميع الوحدات الإدارية قد تمّ التعميم عليها لمكافحة ومنع الأمبيرات”، وردّاً على مطالبة بعض أصحاب المولدات بدفع رسوم إشغال البلدية، قال الخير: “يجوز لصاحب المولدة استعادة ما دفعه للبلدية عن الأشهر المقبلة”، مضيفاً “إنّ هناك أفرادا يعيشون بالقرب من الأمبيرات ينزعجون من ضوضائها”.

تعليق رسمي على موضوع بيع الأمبيرات.

وفي ظلّ تغيّرات يومية في أسعار المازوت، وبغياب مخصّصات حكومية منه لأصحاب المولدات غير المرخصة في اللاذقية وفق توجيهات المحافظ، ضمن برنامج المواد المقنّنة، فإنّ أصحابها يؤّمنون المادة من السوق السوداء، وأحد أسرع وجهات تأمين مازوت اﻷمبيرات حالياً، هم أصحاب سرافيس الخدمة العامة العاملة على المازوت، حيث يباع اللتر الواحد بأكثر من ستة آلاف ليرة سورية.

عقوبات “غير معروفة” لمخالفة التعميم

 لم توضّح عقوبات مخالفة القرار بشكل قانوني مفصّل، ولم يتبع التعميم تعليمات تنفيذية من قبل مجلس المحافظة، وحسب المحامي مرهف (اسم مستعار)، فإن “العقوبات تعتبر مخالفة تعليمات إدارية، ولكن المشكلة هي في الغرامات المالية غير المحدّدة قانونياً برقم معينّ، ولكن يمكن أن تصب في إطار قانون الاستجرار غير الشرعي للكهرباء وإنتاجها المحدّد بالدولة أو بجهات محددة أوضحها قانون الحفاظ على الطاقة رقم ٣ لعام 2009، ثم قانون الشبكة الكهربائية رقم 32 لعام2010، حيث تحظر المادة 4 منه مزاولة أنشطة توليد أو توزيع الكهرباء دون الحصول على رخصة أو تصريح من الوزارة وفقاً لأحكام القانون وتعليماته التنفيذية. ولا يترتب على منح الرخصة أي حق احتكاري في النطاق الجغرافي لأي من المرّخص لهم. أما عقوبات المرسوم التشريعي رقم /35/ لعام 2015  القاضي بتحديد عقوبات على مستجري الكهرباء من الشبكة العامة بصورة غير مشروعة أو من ساهم بذلك، فهي تقتصر على أشخاص استجروا كهرباء من الشبكة العامة، وليس لمن أنتجها وباعها، وهذه لا توجد لها حجة قانونية معلنة في قضية اﻷمبيرات”.

ملاحقات مزاجية وخوف من منتجي الأمبيرات

تفرض المحافظة رسوماً على أصحاب المولدات لقاء إشغال اﻷرصفة، وهي أرقام تصل إلى مليون ونصف مليون ليرة سورية (300 دولار) لمدة ستة أشهر لكلّ مولّدة، تحت مسمّى عقد إشغال. ورغم نظامية العقود إلاّ أنّه تمّ توجيه إنذارات من مديرية الكهرباء في اللاذقية لأصحاب هذه المولدات للتوّقف عن بيع الكهرباء بشكل فوري، وهو ما أسهم في انخفاض منسوب الحركة الاقتصادية، الخفيفة أصلا،  إذ شهدت مدينتا جبلة واللاذقية أياما كثيرة ما يشبه حظر تجول في اﻷسواق نهاراً وليلاً.

يقول السيد أحمد (اسم مستعار)، وهو صاحب منشأة لصناعة الملابس في المنطقة الصناعية في مدينة جبلة، أنّ لجنة من البلدية ومن مديرية الكهرباء مؤلفة من ثلاثة موظفين حضرت بعد أيام من صدور التعميم إلى المنطقة، وأبرزت التعميم لصاحب المولدة التي تتغذّى منها منشأته الصغيرة. وبعد وقت بدأ صاحب المولدة بالصراخ على الموظفين، صائحاً إنهم يطلبون رشوة مليون ليرة سورية كي لا يوقفوا المولدة أو يسجلوا رفض صاحب المولدة تفكيك الكابلات التي تغذّي المنشأة ومحلات أخرى قريبة، و”بعد تجمع الناس وصراخهم على الموظفين غادر هؤلاء بعد أن سجلوا رسمياً رفض الرجل تفكيك الكابلات من مولدته إلى الجيران، واعدين بتحويله إلى محكمة اقتصادية”.

صاحب المولدة أشار لنا إلى أنّ الموظفين الثلاثة ينفذون التعميم على هواهم، وإذا كانوا قد طلبوا رشوة مليون ليرة (وفق كلامه)، فإنّ الغاية هي تأجيل تفكيك الكابلات لمدّة لا يعرفونها بدقة، ولكن التفكيك سوف يقع لاحقاً باستخدام قوة القانون وبحضور الشرطة. ووفقاً لكلام صاحب المولدة، فإنه تابع في عمله ولم يوقف المولدة.

يشير المهندس، محمد  ع، من العاملين في المنطقة الصناعية إلى أنّ هناك محوّلة نظامية تغذّي المنطقة الصناعية، ويفترض أن تغطي ساعات وصل مقبولة من الصباح حتى الرابعة ظهراً، “لكنها  لا تلبي حاجة الورش في المنطقة الصناعية، فهي قديمة والشبكة قديمة عمرها أربعون عاماً وهي بحاجة لاستبدال بشكل كامل، ولهذا تباع اﻷمبيرات هنا أيضاً”.

في حي الزراعة في اللاذقية، حاولت مجموعة موظفين تنفيذ التعميم في شهر أيار، وفرضت على صاحب مولدة لتوليد اﻷمبيرات في شارع بنت الشاويش تنفيذ التعميم. وبالفعل فصل الرجل الكابلات التي تغذي عدداً من المحلات اﻷخرى مثل محل للشاورما (محل أبو علي كما يعرف في المنطقة)، حيث أعلن صاحب محل الشاورما في اليوم التالي إغلاق المحل نهائياً. 

صاحب محل الشاورما الذي التقيناه قال “إنّه لم يعد قادراً على العمل، فلا مولدة لديه، وبالتالي فإنه غير قادر على استجرار مواد لتخزينها في براداته”، وباﻷصل إنّ اﻹقبال على شراء الشاورما قد تضاءل نظراً لارتفاع أسعارها إلى أكثر من أربعة أضعاف.

شركة ستاركو… هل لها علاقة بالتعميم؟

وفق التصريحات الرسمية، فإنّ المحافظة ومديرية الكهرباء والجهات اﻷخرى المعنية مصرّةٌ على تنفيذ التعميم، ولكن ما اتضح في اﻷيام التالية لصدور التعميم، هو أنّه لم يكن ارتجالياً بالفعل، وأنّ هناك من يقف وراءه باعتباره باباً لتوسيع اﻷعمال زمن التقنين.

عبر متابعة أحياء متعدّدة في اللاذقية وجبلة، من شهر تموز/ يوليو 2022 حتى شهر كانون الثاني 2023، لوحظ عكس ما ورد في التعميم وجود مولدات أمبيرات جديدة مزروعة على اﻷرصفة وعلى جوانب الشوارع، أصواتها تعلو الفضاء، وبعض منها لم تنته أعمال التهيئة لها، أو أنهيت على عجل.

كما ظهر في منطقة حي الزراعة واﻷميركان في اللاذقية عدد من مولدات اﻷمبيرات تحمل اسم “ستاركو،  وعليها رقم هاتف للاتصال (الصورة). وعند سؤال مستفيدين منها، تبيّن أنها تتبع  لحافظ منذر اﻷسد، وهذه الشخصية معروفة هنا باستثماراتها في العديد من المجالات المرتبطة باﻷزمة السورية الحالية، مثل المخدرات والآثار والفحم.

حافظ منذر الأسد من مواليد العام 1987، وهو ابن منذر ابن جميل الأسد، شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد وعمّ الرئيس الحالي، وقد انتشر اسم “حافظ الصغير” على نطاق واسع بعد ظهوره في العديد من التحقيقات والتقارير التي تحدّثت عن توّرطه بعمليات إنتاج وتهريب الكبتاغون والمخدرات.

بغاية تأكيد ملكية حافظ منذر الأسد لهذه المولدات، اتصلنا على رقم الهاتف المذكور في اللصاقة المعدنية الموضوعة على المولدات الجديدة وطلبنا تزويدنا باﻷمبيرات لصالح محل تجاري، فكان الجواب الموافقة بضمانة  “الأستاذ حافظ”، وهذه ضمانة وفق الشخص الذي أجاب على الاتصال “كافية وافية”، وعند إثارة موضوع تعميم المحافظ أجاب الشخص “خليه يسترجى يقرّب”.

اسم “ستاركو”، يعود إلى شركة نقل ركاب امتلكها منذر اﻷسد تسعينيات القرن الماضي في اللاذقية، وقد استفاد الابن من سجل الشركة التجاري وغيّره إلى شركة للإنارة والتجهيزات المنزلية، بحيث باتت شركة مرخصة تبيع الكهرباء وتحصل على مازوت مدعوم.

لم يكن ممكناً تحديد بدقة عدد من توجّه بعد صدور التعميم إلى الاستفادة من مولدات شركة ستاركو، ولكن مع توقف عدد من المولدات اﻷخرى، وبسؤال عدد من الفعاليات التجارية والاقتصادية، على مدار أشهر هذا التحقيق، أفاد هؤلاء بأنّه بقي هناك عدد قليل من مولدات اﻷمبيرات في منطقة الزراعة تغذّي محلات أصحابها فقط، وأنّ البائع اﻷكبر حالياً هو السيد حافظ. وبقياس حجم سوق الزراعة وجوارها الملاصق، يمكن القول إن رقم المشتركين يتجاوز اﻵلاف حتى مطلع العام 2023.

 تهديدات حتى لمديرية الكهرباء

بشكل تقريبي، سألنا عشرةً من أصحاب المحلات على فترات متباعدة، بهدف عدم لفت الانتباه، فأشار نصفهم إلى أنهم باتوا من مشتركي “ستاركو” بعد توقف المولدات المغّذية لمحلاتهم وبيوتهم. ومع تزايد مساحات التغطية الكهربائية للسيد حافظ إلى مناطق جديدة، يمكن التفكير بوجود إزالة مولدات ناس آخرين، مع احتمال وجود تهديدات في حال المخالفة. لحظنا ذلك في حي المشروع السابع، وفي جواره باتجاه شارع شعبة التجنيد، ولكن أصحاب المولدات المزالة لم يشيروا إلى ذلك.

في إشارة قد تصب في إطار التحقيق، أشار أحد المواطنين في الزراعة إلى زيادة ساعات التقنين في المدينة ككل، قائلاً: “إنّ هؤلاء الأوغاد (ويعني أصحاب المولدات بالجملة) يأمرون موظفي الكهرباء في اللاذقية بقطع الكهرباء عن المواطنين لمدة تزيد عن 22 ساعة يومياً من أجل بيع الأمبيرات من المولدات التي يملكونها”.

وفي حوار مع أحد مديري الصيانة في مديرية كهرباء اللاذقية، أقرّ المهندس بأنّ هناك ضغوطاً كبيرة على المديرية من قبل “جماعة ستاركو” لعدم  تخفيف ساعات التقنين الكهربائي تحت التهديد والوعيد، وأكد المهندس كلامه أنه عند زيارة وزير الكهرباء لللاذقية زادت ساعات الوصل إلى أكثر من خمس ساعات لثلاثة أيام.

تأكيد آخر من أحد الجوار، أشار فيه أنّ “موظفي الكهرباء والبلدية لا يجرؤون على الاقتراب من “مولدات حافظ” (كما يسميها البعض) التي تعمل أربع وعشرين ساعة بكامل ضجيجها، مع ملاحظة توقف عدّة مولدات مؤخراً في الجوار مثل منطقة الشارع المواجه للمدينة الجامعية، وبهذا فإنّ المسرب الوحيد لتأمين الكهرباء من خلال مولدات “اﻷستاذ حافظ””.

عدم اقتراب الجهات الحكومية من هذه المولدات على الرغم من تعميم المحافظ ودوريات الكهرباء وإرسال إنذارات لأصحاب مولدات اﻷمبيرات اﻷخرى، شجّع العديد من أصحاب الفعاليات التجارية على الاشتراك مع مولدات الأمبيرات لـ “اﻷستاذ حافظ”. ويشير صاحب محل بوظة في حي الحمام رفض ذكر اسمه لأسباب معروفة، إلى أنّه ليس مهماً بالنسبة له من يزوّده باﻷمبيرات، “يصطفلوا فخار يكسّر بعضو، المهم أن تستمر مصلحتي بالعمل، فمن غير الأمبيرات سوف نتوقف عن العمل ونشحد”. 

يأتي التضييق على أصحاب مولدات أمبيرات في منطقة الزراعة لدفع القادرين على الاشتراك في مولدات أمبيرات ستاركو، ربما لأن الزراعة تقع ضمن مناطق نفوذ العائلة، حيث يعيش فيها عدد من أفرادها، مثل سامر اﻷسد، المدير الأسبق لشركة الخيوط القطنية، وأولاد فواز الأسد، وأفراد من عائلة شاليش، ويتواجد قربها عدد من الأفرع اﻷمنية، ويصح هذا الكلام بشكل أقل على الشارع الرئيسي في حي اﻷميركان في اللاذقية، وعلى منطقة الكورنيش الجنوبي حيث تقع استثمارات فندقية للعائلة مثل مطعم VIew ومطعم سومر، وغيرها.

خارج الزراعة، وصلت أمبيرات السيد حافظ إلى مناطق جديدة، مثل حيّ الحمام، والمشروع العاشر، ومشروع البعث، واﻷوقاف، ومنطقة سبيرو، وتتفاوت نسبة المشتركين هنا تبعاً لمراقبتنا للموضوع، ولكن هناك ملاحظة أنّ هذا الانتشار لم يتوّسع باتجاه مناطق المدينة القديمة مثل الصليبة والطابيات، حيث لا سلطة للعائلة عموماً، ولا يمكن تقديم سبب لذلك، سوى أنّ عمليات بيع اﻷمبيرات تقتصر على مناطق تعتبر تقليدياً ضمن مناطق نفوذ العائلة.

 وماذا بعد؟

في فترة الصيف، تزايد انقطاع التيار الكهربائي والمياه في مدينة “السيد الرئيس”، ومعها طرطوس وجبلة وبانياس بشكل كبير، فأصبحت ساعات التقنين فعلياً 22 ساعة قطع، وأما ساعتي الوصل فهي تشهد انقطاعات متتالية.

يحدث هذا في وقت تتعالى فيه اﻷصوات في الساحل عما يسمّى “عدالة التقنين”، قياسا بمناطق أخرى في البلاد. وفي سياق الاحتجاج على عدالة التقنين، كتب دريد اﻷسد، الذي يعيش في لندن، مطلع شهر آب 2022، أنّ سوريا باتت “فندقاً تأتي فيه الكهرباء في بعض الغرف وتنقطع في غرف أخرى”، مطالباً بقطع الكهرباء عن بيوت المسؤولين، وتثير هذه المفارقة بين الناس هنا، اﻷسئلة عن جدوى التضحيات التي قدمها الساحل بمجمله لصالح النظام الحاكم، وإن كانت هذه الأسئلة تبقى محصورةً ضمن نطاقات ضيقة ولا تتحول إلى شكل سياسي، فإنها مؤشر إلى تغيّر الرؤية العامة للنظام ضمن الطائفة، ولكن هذا كله لم يعد مفيداً.

للاطلاع على التقرير كاملا اضغط/ي هنا.

المقالة السابقة
برنامج زمالة المقارنة 2023-2024
المقالة التالية
المُشتركات السورية بعد أحد عشر عاماً: الخسارة سيدة الموقف

أضف تعليق

Your email is safe with us.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Rawabet طلب التسجيل في منصة

X