حرب فلسطين… من يسرد القصة بالطريقة الأفضل يربح!
بقلم: جاد شحرور
جهة النشر: Arab NGO Network for Development
لأول مرة تكون الحرب الإعلامية واضحة وشريكة أساسية في حرب جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد فلسطين. لأول مرة تكون حرب السردية تساوي خطورة وشناعة الحرب العسكرية. القتل نفسه، الظلم نفسه…
صناعة البروبغندا
منذ بدء الإعلام الغربي بمتابعة عملية طوفان الأقصى، لم يخف موقفه المنحاز لإسرائيل. سؤال موحد، لا يمكن لمقابلة تلفزيونية أن تنطلق من دونه، “هل تدين حماس؟”. ومن هذا السؤال فعلياً، يمكننا التأكد، أن هذه هي الخطوة الأولى للبروباغندا الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. لكن هل يملك الإعلام الغربي رفاهية الانحياز؟ ما إن بدأت الصور والفيديوهات تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى بدء هذا الإعلام يتراجع عن دعم الرواية الإسرائيلية، بسبب ضعف حججها.
مثلاً، خبر صحيفة النيويورك تايمز، الذي تغير عنوانه ثلاث مرات:
Israeli Strike Kills Hundreds in Hospital, Palestinians Say
الغارة الإسرائيلية تقتل المئات في المستشفى، كما يقول الفلسطينيون
At Least 500 Dead in Strike on Gaza Hospital, Palestinians Say
ما لا يقل عن 500 قتيل في الغارة على مستشفى غزة، كما يقول الفلسطينيون
At Least 500 Dead in Blast at Gaza Hospital, Palestinians Say
ويقول الفلسطينيون إن ما لا يقل عن 500 قتيل في انفجار بمستشفى في غزة
إذ حاولت الصحيفة تغطية الخبر بطريقة غير واضحة لتستبدل المصطلحات بشكل ينقل الخبر على نحو مبرر. ومسحت فرضية القصف الإسرائيلي ليصبح وكأنه هناك انفجار عادي أودى بحياة ٥٠٠ فلسطيني.
وفي حادثة مروعة، البيت الأبيض تراجع عن ادعاء الرئيس الأميركي، جو بايدن، بأنه رأى أطفالاً قطعت رؤوسهم على يد حركة حماس الفلسطينية، ووضح المتحدث باسم الرئيس الأمريكي إن التعليقات استندت إلى تقارير إخبارية وادعاءات لمسؤولين إسرائيليين! وظهرت ادعاءات بايدن على الصفحات الأولى من الصحف الغربية، واُسْتُشْهِد بتقارير عن أطفال مقطوعي الرأس في بعض الأوساط كمبرر للهجمات الانتقامية والعقاب الجماعي للمدنيين في غزة. وهذا الخبر لا أساس له، ولا صورة له، تناقل بفعل قوة الإعلام الغربي، ليسمح بتشبيه حماس بداعش.
فن الحوار ونقد السردية
لقن بعض الشخصيات الإعلامية والدبلوماسية، درساً في فن الخطاب والحوار في الدفاع عن السردية غير المنحازة، وحول طرح الحقائق، أذكر منها مقابلات للسفير الفلسطيني في بريطانيا، حسام زملط، الذي استنكر في مقابلتين على “بي بي سي” و “سي أن أن”، مساواة الإعلام الغربي بين الجلاد والضحية وبين الاحتلال الإسرائيلي وضحاياه الفلسطينيين ودعا إلى تطبيق القانون الدولي ومحاسبة الاحتلال على جرائمه في حق الفلسطينيين.
أيضاً، لمصطفى البرغوثي، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، في مقابلة مع الإعلامية كريستيان أمانبور على شاشة “سي أن أن” أن “ما تتعرض له غزة الآن ليس سوى ثلاث جرائم وهي الحصار والعقاب الجماعي، والإبادة الجماعية والتطهير العرقي “. والمهم هنا فيما قاله البرغوثي، هو إظهار حقيقة المجرم، وكسر التعتيم الإعلامي الذي يمارسه الإعلام الغربي.
وفي مقابلة على قناة العربية، أحرج الإعلامي طاهر بركة، المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، في مقابلة مباشرة على الهواء بسؤالين عن عدد قتلى قادة حماس، وبسؤال عمّا إذا كانت ستوافق إسرائيل على إرسال لجنة تحقيق دولية على الأرض للكشف عن ملابسات مجزرة مستشفى المعمداني وكان أدرعي يتهرّب من الجواب ويناور في إجاباته على أسئلة طاهر.
طبعاً، الأمثلة المطروحة هنا، كانت واضحة وقيد نقاش بين الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، المهتمين بالسياسة والقضية الفلسطينية. إلا أن هذا السرد والدفاع عنه، تطور مع لغة أقل كلفة، مع الكوميدي المصري، باسم يوسف، الذي بدأ مقابلته مع الإعلامي البريطاني بيرس مورغان، بالكوميديا السوداء، حول استخدام الأطفال كأدرع بشرية، ومن بعدها لينطلق حول نقد السردية الغربية.
هذه الأمثلة ليست الوحيدة، إنما تعداد باقي الأمثلة لا شك يحتاج إلى أكثر من مقال، يكشف خبث من يروج لأخلاق ومعايير المهنة وينتهكها في آن واحد.
سياسات مواقع التواصل الاجتماعي
وفي ظل النقاشات وحملات المتضامنة مع فلسطين، يعاني المستخدمون على هذه المواقع، بما يسمى بظاهرة، “المنع المظلل”، أي المنع للمحتوى على نحو غير رسمي أو لأسباب واضحة. وقبل الانطلاق من أي نظرية تؤيد هذه المعلومة أو تنفيها، علينا مراعاة أمرين، الأول أننا ضيوف هذه المنصات ونوافق على شروطها عندما ندخل إليها، وثانياً أن صعوبة شرح معاييرها في وقت الحرب، فنبقى أمام خيار واحد أحد، وهو النشر ضمن معايير المنصة من دون التغيير في موقفنا. كيف ذلك؟ بكل سهولة، يمكن لنا أن نساهم في كشف السردية المضللة من قبل جيش الاحتلال، بحركة بسيطة جداً، وهي نشر كل الأخبار المتعلقة بالأخبار المزيفة والمضللة. فبسهولة يمكن للمرء أن يحول صفحته لمركز تفكيك الأخبار المزيفة عبر زر المشاركة على هذه الأخبار، وهي غالباً موجودة على AFP ، ورويترز وغيرها من الوكالات الكبيرة، فالنشر بهذه الصيغة له منافع أكثر بكثير من نقد المنصات، التي لا نملك رفاهية تغيير سياستها كما نحب أو نأمل.
في نهاية المطاف، يجب ألا تعنينا الأرقام، لغاية وقت كتابة هذا المقال، هناك فوق ٢٤ حالة اغتيال لصحافيين فلسطينيين في أثناء عملهم، واثنين لا معلومات عنهم، ولا أثر، وعشرات الجرحى، ومبان إعلامية مدمرة بالكامل. دورنا كمواطنين واضح، وهو نشر شرح وتفكيك للرواية الإسرائيلية، لا يقع العاتق علينا فعلياً، إلا أن بعضاً من هذه الممارسات تبني لنا مستقبلاً أوضح.