Add Listing Sign In

حراك السويداء وضرورة طرد رموز الثورة المضادّة

العربي الجديد

حراك السويداء وضرورة طرد رموز الثورة المضادّة

بقلم: حيان جابر

جهة النشر: العربي الجديد

تشهد محافظة السويداء السورية احتجاجاتٍ جديدة ومتجدّدة، إذ مثّلت المحافظة في السنوات الأخيرة البقعة شبه الوحيدة للمظاهرات الاحتجاجية في مناطق سيطرة النظام. أثارت المظاهرات مشاعر معظم السوريين، إذ استعادوا عبرها أجواء موجتهم الثورية الأولى عام 2011، من خلال الشعارات والهتافات؛ خصوصاً المطالبة برحيل بشّار الأسد، إلى جانب رفع علم سورية القديم؛ ذي الثلاثة نجوم حمراء.

مثّل ذلك كله مؤشراتٍ أوليّة على إمكانية توسّع مظاهرات السويداء وتمدّدها إلى خارج المحافظة، وهو ما حصل فعلاً في مدينتي درعا وإدلب، ونسبياً في بعض أحياء محافظة حلب، بيد أنّ محافظة حلب لم تتحوّل إلى مركزٍ احتجاجي واضحٍ، كما لم تنتشر عدوى التظاهر لتطاول مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، على الرغم من حالة الغضب والاحتقان الشعبي السائدة فيها، والتي دلّلت عليها شواهد كثيرة في الأشهر الأخيرة.

يُنظر إلى تمدّد التظاهر وتوسّعه إلى مناطقٍ جديدة خاضعة لسيطرة الأسد، على اعتباره مؤشّراً أساسياً لانطلاق موجة ثورية سورية ثانية، تكمل المسار الثوري الذي بدأ في 2011، وتعالج نواقصه وأخطاءه، من عسكرة الثورة، وتنامي الدور الخارجي؛ خصوصاً في تسليح المعارضة المسلّحة، والخطاب الطائفي، وتدين الثورة، وأهمّها عفوية الحركة الثورية، وغياب برنامجها السياسي الواضح والشامل. إذ هناك من يعتبر الشعارات المرفوعة في مظاهرات أبناء السويداء دليلاً دامغاً على تجاوز هذه الأخطاء، لا سيّما رفض العسكرة، والتدخّل الخارجي، وقوى الاحتلال المختلفة، والدعوة إلى وحدة السوريين، لكن هناك ما يغيب عن أذهاننا، أنّ البدايات الناصعة لا تقود بالضرورة إلى النهايات المأمولة، كما علمتنا تجربة السوريين الثورية الأولى.

لقد رفعت مظاهرات السوريين عام 2011 جملة من الشعارات الحاسمة والواضحة، التي تتعارض مع مجمل المسار الذي سارت نحوه قوى المعارضة الرسيمة لاحقاً، وقسمٌ كبيرٌ من المعارضة المسلّحة، خصوصاً في نبذ الطائفية، والعسكرة، والتدخل الخارجي، مثل “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد”، “لا أميركا ولا إخوان ثورتنا ثورة شجعان”، لكن البدايات الجميلة في 2011 لم تستمرّ على طول الخط، بفعل تدخّلاتٍ عديدة، أبرزها نهج النظام الدموي والعسكري تجاه المتظاهرين والمناطق الثائرة، إلى جانب إملاءات القوى الخارجية الداعمة للمعارضة السياسية والعسكرية على حدٍ سواء. حتّى وصلنا إلى مرحلة غُيّب فيها نهج الموجة الثورية الأولى، وتصدّرته قوى طائفية متشدّدة، مثل جيش الإسلام وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو قوى انفصالية متعصبة، مثل وحدات حماية الشعب؛ الجناح المسلّح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني.

البدايات الناصعة لا تقود بالضرورة إلى النهايات المأمولة، كما علمتنا تجربة السوريين الثورية الأولى

إذاً، كانت الموجة الثورية الأولى وطنية في اتجاهها العامّ وفي أهدافها، لكنها افتقدت عنصرين مهمّين، سهّلا على قوى الثورة المضادّة تسيد الحالة وحرفها عن مسارها، أوّلهما التنظيم الثوري ذو البرنامج السياسي الشامل والواضح، وثانيهما؛ التصدّي المبكّر لقوى الثورة المضادّة. كانت هناك محاولاتٌ عديدة يمكن أن تفضي إلى تملّك هذين العنصرين، إذ عملت بعض المناطق الثائرة على صياغة مقدّماتٍ برامجية، تمثّلت في الإعلان عن لائحة مطالب ثورية، شملت قضايا اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية متعدّدة، تمسّ بنية الدولة المنشودة وهيكليّتها، كما حاولت التنسيقيات الثورية المناطقية تنظيم هيكلية ثورية تنظيمية موحدة، كذلك واجهت حاضنة المناطق الثائرة الاجتماعية أهمّ رموز الثورة المضادّة في مناطق سورية عدة، أهمّها ريفا دمشق وحمص، لكن هذه المهام لم تُستكمل، ولم تصل إلى غاياتها ونهاياتها المرجوّة، نتيجة عوامل كثيرة، أهمّها سعي نظام الأسد إلى ضرب هذه المحاولات في مهدها، عبر الاعتقالات والاغتيالات واختراقها أمنياً، ومحاولات القوى الخارجية تقويض هذه المحاولات، عبر أذرعها العسكرية داخل سورية، إذ استهدفتها كذلك عبر الاعتقال والاغتيال، وأخيراً بسبب تهميش هذه المحاولات، على اعتبارها ضرباً لوحدة الصف الثوري، وحرفاً عن الأولويّة الثورية المتمثّلة في حينها في إسقاط الأسد، من وسائل إعلامية عديدة، فضلاً عن نشطاء كثر.

روّجت المؤسّسات الإعلامية المعارضة؛ المموّلة من الخارج، لأولوية شعار إسقاط الأسد على أي مسألة أخرى، وأشادت بأهمّية دور القوى الطائفية المعارضة للأسد، من جيش الإسلام وصولاً إلى “داعش”، كونها تقاتل قوات الأسد؛ ولو آنياً، كما اعتبرت التماهي مع مصالح القوى الخارجية ضرورة استراتيجية، تشجّع المجتمع الدولي على المضي في مسار إطاحة نظام الأسد، إلى جانب تأجيل المسائل الحسّاسة والحاسمة إلى مرحلة ما بعد إسقاط الأسد، من القضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، التي تمسّ شريحة واسعة من السوريين، وأحياناً جميعهم، مثل الموقف من قوى الاحتلال، ومن ضمنهم الاحتلال الصهيوني، إلى الموقف من تسييس الدين؛ أي دين، إلى الحقوق القومية والثقافية، والنظام الاقتصادي، والحقوق الاجتماعية، ودور الدولة الاجتماعي، والحقوق السياسية، والبنية السياسية الناظمة لذلك كله.

يغيب ذلك كله؛ بذريعة تأجيله إلى مرحلة ما بعد الأسد، ما ساهم في دمج قوى الثورة المضادّة بالثورة بداية، ومن ثمّ في تصدّرها المشهد وتهميش قوى الثورة الأساسية وتوجّهاتها، حتّى وصلنا إلى مرحلة سيطرة الاحتلالات المتعدّدة مباشرة، عبر قواها العسكرية، أو عبر قوى الأمر الواقع التابعة لها.

البدايات الوطنية والعفوية تتطلّب العمل الثوري السريع على تنظيمها وتأطيرها، وفق رؤى برامجيةٍ واضحةٍ، لا تُهادن مع أعداء الثورة

يعنينا من هذه الخلاصات ربطها بمظاهرات السويداء تحديداً، على اعتبارها مقدّماتٍ منطقية لموجة ثورية سورية ثانية، لا تخلو من أزمات الماضي وإنجازاته، لذا ذكّرتنا هذه المظاهرات بالموجة الثورية الأولى، ليس بشعاراتها وحيويتها فقط، بل أيضاً بعفويّتها الشعبية والسياسية؛ الوطنية عامة. لذا كان لا بدّ من التذكير بأنّ البدايات الوطنية والعفوية تتطلّب العمل الثوري السريع على تنظيمها وتأطيرها، وفق رؤى برامجية واضحة، لا تُهادن مع أعداء الثورة، ولا تغفل عن مصالح السوريين المُفقرين والمهمّشين، فمعارضة النظام الحاكم لا تمثّل بطاقة سماحٍ مطلقة الصلاحية لتصدّر المشهد الثوري، أو حتّى للمشاركة فيه، سواء من أقطاب المنظومة الأسدية السابقين، منظومته الأمنية والعسكرية، أو من منظومته العشائرية والطائفية والدينية، التي لعبت دوراً حاسماً في سيطرة النظام على سورية تاريخياً، وشاركته في نهب خيرات سورية؛ وإنّ كان لها النصيب الأقل، أو من تجّار التهريب والسلاح ومحتكري البضائع، أو من أصحاب التوجّهات الطائفية والانفصالية، حتّى لو تستّروا تحت راية مضللة ذات عناوين مرحلية، أو من عملاء الخارج ومرتزقته الذين يربطون إسقاط الأسد بالإرادة الدولية، ويناشدون الحركة الثورية تلبية مطالب المجتمع الدولي كاملة، أو أحد أطرافه.

لم تغز الرايات الانفصالية والطائفية ساحات المظاهرات في محافظة السويداء اليوم، لكنها تحوم حولها، وعلى مقربة منها، ما يتطلّب التصدّي السريع لها أولاً، وتجذير الخطاب الثوري ثانياً في مواجهة جميع قوى الاحتلال الداخلي والخارجي. وتحتاج إلى حثّ الخُطا للانتقال من العمل العفوي إلى المنظم، ذي البرنامج الثوري الشامل والكامل، الذي لا يفصل بين القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تمسّ حياة كلّ سوري، بغضّ النظر عن مكان وجوده الحالي، وعن انتمائه الفكري أو العقائدي أو الإثني أو العرقي.

المصدر.

Prev Post
منحة الحكومة المصرية 2024
Next Post
حان الوقت لتغيير المسار.. تقويم استراتيجية الأمم المتحدة للوساطة في الصراعات في سورية من (2019 إلى 2023)

Application for registration on Rawabet

X