إنشاء سجل Sign In

تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم: موقف عنصري وضرورة سياسية

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم: موقف عنصري وضرورة سياسية

إعداد: ماهر الشريف

جهة النشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية

بغية تسويغ الحرب التدميرية التي راح جيشه يشنها على قطاع غزة-والتي تسببت حتى وقت كتابة هذا المقال باستشهاد نحو 6500 فلسطيني وفلسطينية أكثر من ثلثهم من الأطفال-صرّح وزير الحرب في إسرائيل يوآف غالانت، في 9 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بأن إسرائيل “ستفرض حصاراً على قطاع غزة بصورة كاملة، بحيث لن يكون هناك كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، بل سيكون كل شيء مغلقاً، ذلك لأننا نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف على هذا الأساس”. والواقع أن تصريح غالانت هذا ليس معزولاً عن خطاب شاع مع نشوء الحركة الصهيونية، واندرج ضمن نطاق خطاب التفوق العنصري الأوروبي الاستعماري، الذي عبّر عنه بوضوح تيودور هرتزل، منذ سنة 1896 في الكتاب الذي نشره بعنوان: “دولة اليهود”، والذي خاطب فيه الدول الاستعمارية الأوروبية، الطامح إلى الحصول على مساعدتها في إقامة هذه الدولة، بقوله: “سنشكّل هناك مكوّناً من حاجز في آسيا وموقعاً متقدماً للحضارة ضد البربرية”؛ ففلسطين، في نظر مؤسس الحركة الصهيونية، هي أرض يقطنها سكان “متخلفون” لم يمتلكوا مقومات الحضارة، أو لم يمتلكوا روابط، ثقافية أو قومية، تربطهم بالأرض التي يعيشون عليها، الأمر الذي يجعل من السهل رحيلهم منها طواعية، أو ترحيلهم منها بالقوة، وهو ما أشار إليه كاتب إنكليزي يهودي مقرّب من تيودور هرتزل، هو يسرائيل زانغويل، الذي زار فلسطين في سنة 1897 وتعرّف إلى حقائقها الديموغرافية، ونشر مقالاً في سنة 1901، في مجلة “نيو ليبرال ريفيو”، أورد فيه عبارته الشهيرة: “فلسطين بلد بلا شعب واليهود شعب بلا بلد”، واقترح، عقب صدور تصريح بلفور، في كتاب له بعنوان: “صوت القدس” إغراء العرب الفلسطينيين بالرحيل من أراضيهم، عبر تقديم تعويضات لهم في حال موافقتهم على التوطن في البلدان المجاورة، معتبراً أنه لا يمكن السماح لهؤلاء الأناس “المتخلفين” ثقافياً واقتصادياً بعرقلة عملية “إعادة البناء الثمينة” التي يقوم بها الصهيونيون[1].

التفوق العنصري في الخطاب الصهيوني

مثّل تجريد الشعوب أو الجماعات الإثنية من إنسانيتها ثابتاً من ثوابت خطاب التفوق العنصري الذي شاع في أوروبا، وانطوى على ممارسة التمييز إزاء الآخرين واعتبارهم أقل شأناً على المستوى الحضاري، كما انطوى، في بعض الحالات، على مشاريع إبادة جماعية لجأ إليها من يزعمون تفوقهم العنصري على غيرهم، كما كان الحال، منذ سنة 1492، لدى استعمار الأوروبيين الأميركيتين وأماكن أخرى في العالم، وكما كان الحال في ألمانيا النازية، حيث شاع خطاب يزعم بتفوق “الجنس الآري” على غيره من الأجناس، وسعى، بصورة خاصة، إلى تجريد اليهود من إنسانيتهم ووصفهم “بالحشرات والفئران” تمهيداً لتصفيتهم جسدياً[2].

إن تصريح يوآف غالانت المشار إليه هو تعبير عن خطاب التفوق العنصري هذا، وقد سبقته تصريحات كثيرة لمسؤولين أمنيين وسياسيين ودينيين في الاتجاه ذاته، إذ شبّه رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق، رفائيل ايتان، الفلسطينيين “بالصراصير المسممة داخل قنينة”، بينما نقل موقع “والا” الإسرائيلي، في 29 تشرين الأول/أكتوبر 2010، عن الليفتينانت جنرال عامي شوحط، من القيادة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، قوله خلال محاضرة له أن وحدته صادرت، أثناء عملية “السور الواقي” في سنة 2002، “صهريج ماء للحثالات الفلسطينيين في جنين، كي يموتوا عطشاً”، كما نقل عن مجند إسرائيلي في الاحتياط، كان حاضراً في المحاضرة، قوله: “إن محاضرة شوحط تضمنت عبارات مليئة بتحقير العرب، من بينها: “العرب حقيرون، قمامة وحثالات””. وقد استمع إلى المحاضرة 40 مجنداً، كان بينهم كولونيل، وكان رد فعل المجندين، حسبما نقل جندي الاحتياط نفسه للموقع الإلكتروني الإسرائيلي، هو “الضحك ولم يعترض أحد منهم على تصريحاته”[3]. أما عضو الكنيست عن حزب الليكود، أورون حزان، فقد هاجم مذيعة الأخبار العربية الإسرائيلية لوسي هريش بسبب زفافها من الممثل اليهودي تساحي هاليفي، وكتب على حسابه على تويتر: “لا ألوم لوسي هريش على إغوائها روح يهودية، هي تهدف لإيذاء بلدنا ومنع المزيد من النسل اليهودي واستمرار سلالة اليهود”[4].

ويتخذ عدد كبير من الحاخامات في إسرائيل مواقف تجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم، ويصدرون فتاوى عنصرية متطرفة حيالهم. ففي سنة 2000، أفتى عوفاديا يوسف الحاخام الأكبر والأب الروحي لحزب “شاس”، بأن العرب والفلسطينيين ” شرٌ مطلق، وأنهم يضرون ولا ينفعون؛ بل هم كالأفاعي السامة، يقتلون ويغدرون، ويؤذون ولا ينفعون، وأنه ينبغي على اليهود وضع الفلسطينيين في زجاجةٍ مغلقة، ليمنعوا شرهم، ويصدوا خطرهم، ثم ليموتوا خنقاً فيها”. بينما أفتى الحاخام دوف ليئور، حاخام مستوطنة “كريات أربع” المقامة على أراضي الخليل بأن “من يتفاوض مع الوحوش”، أي مع العرب، “خائن ونذل وجبان”، كما أفتى “بـوجوب تدمير غزة عن بكرة أبيها لتحقيق سلام إسرائيل”. وفي سنة 2014، أفتى حاخام المدرسة الدينية فى مستوطنة “يتسهار”، يتسحاق جينزبورج، بأن كل فلسطيني، صغيراً كان أو كبيراً، “يشكل خطراً على مستقبل إسرائيل، وينبغي قتلهم جميعاً بلا رحمة”، بينما أفتى الحاخام شموئيل الياهو، الذي يعمل حاخاماً لمدينة صفد في آب/أغسطس 2017، في برنامجه الأسبوعي الذي يذاع على إذاعة “أمواج إسرائيل”، التي تبث من استوديوهاتها في مستوطنة “جفعات زئيف” في القدس المحتلة، “بتحريم جلوس اليهود مع العرب على الطاولة نفسها”، مضيفاً بأن الفلسطينيين “وحوش وقتلهم والانتقام منهم فريضة دينية”. وذهب الحاخام أليعزر كشتئيل، رئيس “أكاديمية بني ديفيد” في مستوطنة “عيلي”، في سنة 2019 إلى حد تصوير العرب بـ “العبيد”، وتصوير اليهود بـ “السادة”، معتبراً أن من الأفضل للعرب “أن يكونوا عبيداً لليهود”، وأنه يتوجب على العرب أن “يكونوا تحت الاحتلال؛ فهم لا يستطيعون إدارة الدول، وغير قادرين على فعل أي شيء؛ نحن نؤمن بنظرية التفوق العرقي”[5].

تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم في الممارسة الصهيونية

في الرابع من أيلول/سبتمبر 2022، نشرت الناشطة في منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية ساريت ميخائيلي تقريراً بعنوان: “المتفجرات المزروعة في قرية كفر قدوم: تجريد من الإنسانية”، أشارت فيه إلى أن جنوداً إسرائيليين زرعوا عبوات ناسفة بدائية الصنع عند مدخل قرية كفر قدوم، الواقعة إلى الشرق من مدينة قلقيلية، وأن سكان القرية، الذين “ظلوا يحتجون أسبوعياً منذ سنة 2011 ضد إغلاق المدخل الرئيسي لقريتهم”، نشروا “صوراً لعبوات ناسفة بدائية مموهة زرعتها إسرائيل في أماكن يتجمع فيها المتظاهرون”، وخصوصاً بعد أن انفجرت، في الأول من أيلول/سبتمبر “العبوة الأولى بعد أن اكتشفها طفل يبلغ من العمر 7 سنوات ولم يلمسها لحسن الحظ، وقد أصيب وسيم شتيوي، وهو قريب له تم استدعاؤه إلى مكان الحادث وفحص العبوة، بجروح طفيفة جراء الانفجار؛ ورداَ على التحقيق الذي أجراه صحفيا صحيفة هآرتس، هاجر شيزاف ويانييف كوبوفيتش، اعترف الجيش بأنه زرع هذه العبوات”. ورأت الناشطة الحقوقية في هذه الحادثة تعبيراً عن “مدى تجريد سكان كفر قدوم وجميع الفلسطينيين في الضفة الغربية من الإنسانية وتآكل كرامتهم الإنسانية الأساسية”، ذلك إن “الاعتقاد السائد في إسرائيل هو أننا نستطيع أن نفعل ما نريد بالفلسطينيين، وأن شعباً بأكمله يقاتل ضد قوة احتلال أقوى بكثير منه، سوف يُردع عن القيام بذلك، بطريقة أو بأخرى، إذا سمحنا فقط بإيذائه وترهيبه”، مضيفة بأن هذا “يشكّل تجريداً من الإنسانية، ليس فقط لأن العديد من الناس يعتقدون أن هذه التصرفات معقولة، بل وأيضاً لأننا نفترض أن استجابة الفلسطينيين للعقاب الجماعي سوف تكون مختلفة عن ردود أفعالنا، لأن إنسانيتهم ​​تختلف إلى حد ما عن إنسانيتنا”، لتخلص إلى أن المنطق السائد في إسرائيل يقول إن إنزال “العقاب الجماعي” بالفلسطينيين، سيجبرهم، في نهاية المطاف، على “التوقف عن المطالبة بالحقوق الأساسية نفسها التي نعتبرها حقوقاً ذاتية لنا: الحق في الحرية، الحق في لقمة العيش، الحق في الكرامة”[6].

إنكار الشخصية المدنية الفلسطينية

في 20 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وبينما كانت الطائرات الإسرائيلية تصب حممها على قطاع غزة، نشرت الأستاذة المشاركة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، سامرة إسمير، مقالاً حلّلت فيه نظام الاستعمار الذي يحاصر الكائن الفلسطيني ويجرده من إنسانيته، مستندة في ذلك إلى تفكير سياسي فلسفي يركّز على شخصية “المدني” ومفهوم “الحياة المدنية الطبيعية”؛ فكتبت “أن الأرض تضيّق الخناق على الفلسطينيين في غزة؛ وبينما أكتب هذا المقال، تواصل إسرائيل قصف أكثر من مليوني فلسطيني، من اللاجئين وأحفاد اللاجئين، المحاصرين في قطاع غزة المحاصر، الذي لا تكاد مساحته تبلغ 365 كيلومتراً مربعاً”، مضيفة أن الحياة المدنية الطبيعية في فلسطين واجهت العديد من الصعوبات منذ النكبة، إذ “تمّ تدمير المجتمع الفلسطيني في سنة 1948، وتمّ تجزئة الأراضي المحتلة في سنة 1967 وفصلها عن بعضها البعض بواسطة المستوطنات، ونشأ العديد من مخيمات اللاجئين، والأسر المحرومة”، بحيث أصبح كل ما يمكن أن يعزز الحياة المدنية الطبيعية “مستهدفاً بالفعل من قبل الاحتلال الإسرائيلي، سواء المنازل أو المدارس أو المنظمات غير الحكومية أو المراكز الثقافية أو الجامعات”. وبعد أن لاحظت أن “الروح المدنية”، كما يفهمها الغرب “الليبرالي المتحضر”، تتطلب “البراءة والسلبية السياسية وغياب الحركة والثبات”، وتفرض على المدنيين “أن يكونوا مسالمين، سلبيين وأبرياء، وأن ألا يتمردوا”، قدّرت أن الفلسطينيين “كلاجئين، وكأشخاص مقاومين ومنخرطين سياسياً، ويتطلعون إلى الأرض التي طردوا منها ويطمحون إلى الانتقال إليها، ولا يرغبون في الاستقرار في منطقة مسيجة”، يفشلون في امتحان “هذه الروح الليبرالية”، بحيث تجعلهم “أحلامهم وتطلعاتهم قابلين للمحو، في نظر أولئك الذين يقدرون الحياة المدنية الطبيعية”. وخلصت الأستاذة نفسها إلى أن الخطاب الذي يجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم لا يهدف إلى “تجريم حماس على أفعالها”، ذلك لأن هناك مصطلحات قانونية يمكن اللجوء إليها في هذه الحالة، مثل ارتكاب “جرائم حرب”، وإنما يهدف إلى “إدانة الفلسطينيين ووجودهم في حد ذاته”، وذلك في نطاق الخطاب الذي أشاعه الغرب “عن الشعوب المستعمَرة والمستعبدة الأخرى”، والذي يقصر المعاناة الإنسانية على شعوب الدول الاستعمارية ولا يكترث بمعاناة الشعوب الخاضعة للاستعمار: فمن ناحية، لدينا دولة تمتلك واحداً من أكثر الجيوش تقدماً على هذا الكوكب، وهي دولة يمكنها، من خلال الاحتجاج على انتهاكات الحياة المدنية الطبيعية فيها، أن تحشد القوات العسكرية المدمرة بدعم من معظم أعضاء المجتمع الدولي، وتكون آلام المدنيين في هذه الدولة واضحة وقادرة على إثارة الهلع؛ ومن ناحية أخرى، لدينا شعب فلسطيني مستعمَر، محتل، من دون جنسية، مقتلع من أرضه، من دون جيش دائم، مع مجال صغير للمناورة وهو، لأنه “يتجرأ على مقاومة الدمار الاستعماري، لا يتمتع بأي حياة طبيعية مدنية، ولا يولّد نضاله سوى القليل من الدعم الدولي”[7].

تواطؤ الغرب الرسمي مع الرواية الصهيونية              

لم يكن مستغرباً أن يتبنى الموقف الغربي الرسمي بصورة كاملة الرواية الاستعمارية الإسرائيلية؛ وما يلفت النظر أن وسائل الإعلام والقادة الغربيين الذين يسارعون إلى اتهام روسيا بـ “ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يمتنعون باستمرار عن القيام بذلك عندما يتعلق الأمر بإسرائيل”، وهم بينما يدعمون “مذكرة الاعتقال” التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس الروسي، “يعملون بنشاط على عرقلة تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم الإسرائيلية من أجل حرمان الضحايا الفلسطينيين من ذرة من العدالة”؛ هذا ما لاحظه إميل بدارين، الباحث في السياسة والاستعمار والعلاقات الدولية في الشرق الأوسط، في مقال نشره في 23 تشرين الأول/أكتوبر الجاري على موقع Middle East Eye بعنوان: “غزة تتسبب في انهيار العقلية الاستعمارية في الغرب”[8].

فضحايا الاستعمار لن يتمكنوا أبداً، كما يكتب، من “إقناع مستعمريهم الأوروبيين بمعاناتهم ورغبتهم العميقة في الحرية”، ذلك إن الغرب الرسمي، وحتى بعد قرن من نضال الفلسطينيين من أجل الحرية، لا يزال

“غير متأثر بمعاناة الفلسطينيين في مواجهة الاستعمار الصهيوني الذي دعمته وتدعمه أوروبا”، بل على العكس من ذلك، فإن الزعماء الغربيين ووسائل الإعلام الغربية “يطالبون الفلسطينيين بإدانة أنفسهم وإدانة سعيهم إلى التحرر”، ويتصرفون “كما لو أن هذا الصراع قد بدأ فقط في الأسبوع الماضي، بل يتجاهلان أيضاً، كما لاحظ إدوارد سعيد منذ ما يقرب من 40 عاماً، حقهم في سرد ​​روايتهم”. إنهم يصرون على تصوير الفلسطينيين “على أنهم الجناة، ومنتهكو القانون، والإرهابيون المطلقون على الرغم من وجود أدلة وفيرة تشير إلى عكس ذلك”، وعلى الرغم من توثيق معاناتهم في ظل نظام الفصل العنصري “من خلال العديد من تحقيقات الأمم المتحدة وقراراتها وتقاريرها ولجانها وإحصائياتها ورسومها البيانية، بالإضافة إلى أعمال البحث الأرشيفي المستندة إلى أدلة من مؤرخين مشهورين”. واليوم، نشهد وصول “الانهيار الأخلاقي” للغرب الرسمي إلى حد بات فيه “مجرد التلويح بالعلم الفلسطيني أو ارتداء الكوفية الفلسطينية” يعتبر، في بعض الحالات، “عملاً من أعمال العنف”؛ وسواء اتخذ نضال الفلسطينيين “شكلاً عنيفاً أو غير عنيف، وكلاهما مشروع بموجب القانون الدولي، فإنه يوصف حتماً بأنه عنيف لأنه يتحدى الإطار الاستعماري الأوروبي-الإسرائيلي للعدالة، وأسسه العنيفة وغير العادلة وغير الأخلاقية”.

وينهي الباحث مقاله بالتأكيد على أن الفلسطينيين، مثل غيرهم من الشعوب المستعمَرة والمضطهّدة عبر التاريخ، سيستمرون في نضالهم “من أجل مستقبل خالٍ من الاضطهاد الاستعماري؛ وكما أشار فريدريك دوغلاس [1818-1895]، أحد دعاة إلغاء العبودية المشهورين والعبد الأسود السابق لأسياد أميركا ومستوطنيها، منذ أكثر من قرن ونصف، فإن التقدم لا يتحقق أبداً من دون كفاح، ذلك لأن السلطة لا تتخلَ عن شيء ما لم يُطالب به أحد، وهي لم تفعل ذلك أبداً ولن تفعله مطلقاً”.

خاتمة

منذ الثامن من تموز/يوليو 2014، اعتبر الكاتب والفيلسوف الإسباني سانتياجو ألبار ريكو، في مقال له بعنوان: “تجريد إسرائيل الفلسطينيين من إنسانيتهم هو ضرورة سياسية”، تعليقاً على قيام مستوطنين بخطف الطفل محمد أبو خضير (16 عاماً) من مخيم شعفاط وحرقه حياً، أن إنكار إسرائيل إنسانية الفلسطينيين ليس تعبيراً عن موقف عنصري فحسب، بل هو كذلك ضرورة سياسية، ذلك “إن الاعتراف بإنسانية الفلسطينيين سيجبر الإسرائيليين على التشكيك في إنسانيتهم، وفي تأسيس دولتهم وتاريخها”، مقدراً أن أحد الشروط الأساسية لتحرير فلسطين هو “إعادة إضفاء الإنسانية على الفلسطينيين من خلال وسائل الإعلام، المسؤولة عن تجريدهم من إنسانيتهم”، وهو أمر لن يحدث إلا بعد أن “يكون للفلسطيني اسم ووجه، ويصبح موت أحد أبناء الفلسطينيين أمراً لا يطاق بالنسبة لنا مثل موت طفل إسرائيلي”[9]. أما نعوم شومسكي وإيلان بابه، فقد قدّرا، في الحوار الذي أجراه معهما الناشط فرانك بارا في 11 نيسان/أبريل 2016، أن “تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم ​​من خلال وسائل الإعلام هو أمر يجب محاربته يوماً بعد يوم”، وأن “عدم الانحياز في حالة الظلم هو مثل الانحياز إلى الظالم”، وتساءلا: “عندما نواجه قوة احتلال وشعباً محتلاً، يقاتل من أجل حريته، كيف يمكننا أن نبقى على الحياد؟”[10].

المصدر.

المقالة السابقة
من التهميش إلى الإنصاف: سياسات الحماية للنساء في مناطق الجنوب السوري
المقالة التالية
منحة SBW برلين 2024

Rawabet طلب التسجيل في منصة

X