هكذا روج المجتمع لثقافة العنف ضد النساء من خلال الفكاهة
تشهد مجتمعاتنا الكثير من الأساليب القائمة على تعنيف النساء والسخرية منهن وامتهان كرامتهن، حيث أن العديد من النكات والنصوص الفكاهية والأمثال الشعبية والعروض الكوميدية واللوحات الفنية تستخدم النساء كمادة أساسية في موضوعاتها.
إذ تم استخدام المرأة وجسدها بطريقة مسيئة تعزز الفكر الذكوري في مجتمعاتنا، وتظهر النساء بأنهن أدنى من الرجل، إضافة إلى تكريس الفكرة النمطية بأنهن لا يملكن إلا جسد!
العنف الثقافي
وفي ظل الثقافة الأبوية الذكورية والامتيازات التي قدمت للرجل على حساب المرأة، وسيطرة الرجل على معظم مجالات الحياة الثقافية والعلمية والسياسية والاجتماعية وغيرها، أدى ذلك إلى ظهور مصطلح “العنف الثقافي” الذي لعب دور المشرّع للعنف المؤسساتي والمباشر.
وعرف عالم الاجتماع النرويجي يوهان غالتونغ العنف الثقافي بـ ” الجوانب الثقافية والمجال الرمزي لوجودنا كبشر والمتجلية في الدين، الأيديولوجية، اللغة، الفن، والعلوم التي يتم استخدامها لتبرير أو تشريع العنف المؤسساتي”.
ويظهر تأثير العنف الثقافي بشكل كبير على اللغة المحكية، وتندرج تحتها الأمثال والأغاني والنكات الشعبية، والتي تعود بجزء كبير منها إلى الموروثات والنصوص الدينية.
وهناك عبارات عديدة القصد منها السخرية من المرأة ويتم تداولها بشكل كبير، مثل “كتلة هرمونات متنقلة” و”مسترجلة” و”المطبخ ينتظرك” و”النساء بنصف عقل” و”المرأة ضلع قاصر”.
أضف إلى ذلك العبارات التي يعتبرونها طريفة ومضحكة ويتداولها الناس نساء ورجالا فيما بينهم، والتي تشير إلى عدم كفاءة النساء في لعب الرياضة أو الرياضيات والأرقام أو قيادة السيارة، مثل ”كثيرة حكي“ أو ”قليلة عقل “.
وعلى مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، نلاحظ أن العديد من الأشخاص ينشرون محتويات يصفونها بالكوميدية، مثل مقطع فيديو تمثيلي لرجل وزوجته من مشاهير “التيك توك” يقوم بتعليمها قيادة السيارة، يقول لها يسار فتذهب يمين فيبدأ بشتم النساء عامة ويصفهن بالغبيات ويلحقها بعبارة “ارجعي عالمطبخ”.
النكتة الشعبية!
أعطى المجتمع صورة سلبية عن المرأة ونعتها بالعديد من المساوئ وألغى قيمتها وكيانها، إذ أن
النكتة الشعبية المتداولة حول المرأة، حملت في معظمها تحذيرات وتنبيهات للناس إلى عدم الانخداع بالمرأة التي قد تظهر الجمال والليونة والعواطف، لكنها بالمقابل تخفي الكيد والمكر والحيلة والخداع، وغالبا ما تضع النساء في مواضع تحط من قيمتهن وتحرض على تعنيفهن.
إذ أن صورة المرأة المستقرة في التفكير الجمعي للمجتمع لا تعبر عنها، وإنما تمثل التصور الثقافي الذي أدى إلى إقصاء النساء واختزال إنسانيتهن بشكل غير منصف.
هذه الرسمة تعبر عن نكتة متداولة في معظم الدول العربية، وتقول “يحكى أن رجلا غضب من زوجته غضبا شديدا، فأمسك بها من شعرها في الشارع وفي يده عصا يضربها بها، فجاء رجل وأمسك يده وقال له، يا أخي ضرب البهائم بالعصا، وضرب النساء بالنساء، ويقصد تزوج عليها، لم يفهم الزوج فطلب من الرجل التوضيح، فصاحت به زوجته وقالت له أكمل الضرب واتركه”.
ومن النكات المسيئة للنساء والتي تعطي الرجل أحقية في وصف زوجته بالصفات السلبية والقبيحة التي تحلو له، ” ابن يسأل والده عن الفرق بين القضاء والقدر والمصيبة، فأجاب الأب: إذا ذهبنا أنا وأنت وأمك إلى البحر، وغرق المركب هذا يعني قضاء وقدر، ولكن المصيبة إذا كانت أمك تجيد السباحة”.
وهناك عشرات الأمثلة عن النكات المتداولة، ولكن من المثالين السابقين، نجد أن الذاكرة الثقافية في مجتمعاتنا تحمل طابعا تمييزيا وعنصريا ضد النساء، ومنها ما يظهر العلاقة الزوجية بنظرهم قائمة على أساس تملك الرجل للمرأة، وبالتالي إعطاءه الحق بأن يفعل بها ما يشاء!
ومن الأقوال الشائعة، ” الشّيطان أستاذ الرجل وتلميذ المرأة، و”ما لا يقدر عليه الشّيطان تقدر عليه المرأة”، و”المرأة والمال يضيّعان الرجل”، و” الشّيطان يكفيه ساعاتٍ ليخدع رجلاً وامرأة، والمرأة يكفيها ساعةً واحدة لتخدع عشرة شياطين”، ويقال أيضا “عندما تفكّر المرأة بعقلها فإنّها تفكّر في الأذى”، و”النّساء كالحكّام قلّما يجدن أصدقاء مخلصين”.
كما تقوم النكات الشعبية بتحديد الأدوار الجندرية في المجتمع، وإذا ما ألقينا نظرة واسعة على هذه النكات ونضيف لها الأمثال الشعبية، نرى أنها تحدد دور المرأة ووظيفتها ضمن شبكة العلاقات التي تربطها بالمجتمع، في إطار الأعراف والتقاليد القائمة أساساً على حصر النساء في وظائف معينة، والتحكم بهن وفرض الوصاية عليهن.
وترفض النكتة الشعبية النساء وتعتبرهن كائنات يجب الابتعاد عنهن، وأحيانا كانت تقوم بدور الناصح للرجال بأهمية ابتعادهم عن النساء حتى يحافظوا على عقولهم ومكانتهم الاجتماعية، على اعتباره صاحب العقل، وبهذا تكريس وتعزيز المفهوم النمطي الذي يظهر المرأة بأنها أقل درجة من الرجل.
وختاما، أرى أن “العنف الثقافي” من أخطر أنواع العنف الموجه ضد النساء، لأنه يجعل الناس يعتقدون أن العنف ليس عنفا، وتعززه الممارسات الخطابية الثقافية والاجتماعية والدينية التي يتم نشرها وتداولها بشكل يومي، والتي تحتاج إلى خطابات مناهضة بذات الزخم حتى نتمكن من تخفيف انعكاساتها على حالة المرأة في مجتمعاتنا.
خاص باللوبي النسوي السوري – حملة مارح أسكت
لقراءة المقال كاملاً:
أضف تعليق