اللاجئون السوريون في الدراما، هل أنصفتهم الحكايات؟
بقلم: جوان ملا
الجهة: Refugees = Partners
لطالما كانت الدراما السورية الأكثر قرباً من الواقع، فقد طرحت على مدار سنوات قضايا هامة تلامس المجتمع السوري والعربي أيضاً. ومع بدء الحرب في سوريا واستمرار تبعاتها، برزت قضايا جديدة وملحّة تناولتها الأعمال الدرامية ومنها موضوعات تتعلّق باللاجئين السوريين، ولكن هل استطاعت هذه الأعمال توصيف حالهم بطريقة موضوعية بعيداً عن التجاذبات السياسية أو المؤدلجة؟
حكايات درامية عن اللاجئين:
بعد عمليات النزوح والتهجير في سوريا من عدة مناطق، وتنقّل السوريين داخل أو خارج البلاد، شحذَ الكتّاب أقلامهم لتقديم وجبات درامية دسمة تتحدث عن هذا الموضوع؛ إما بخطّ درامي من مجمل خطوط العمل، أو ليكون موضوع اللاجئين محور المسلسل بأكمله، مثل مسلسل “غداً نلتقي” تأليف إياد أبو الشامات وإخراج رامي حنا، والذي تناول قضايا مجموعة من السوريين الذي يعيشون في مدرسة لبنانية، مع إسقاطات سياسيّة تطرح شرائح المجتمع السوري بكل أفكاره في الحرب من خلال هؤلاء الأشخاص. فبين المتأسلم المتشدد، ومن يسعى للخيانة، والمؤيد والمعارض، والفلسطيني السوري الذي تهجّر مرتين، تدور كل هذه الشخوص في فلك “وردة” التي لعبتها كاريس بشار والتي كانت ترمز بشخصيّتها تلك لسوريا، والتي تهاجر فيما بعد بقوارب اللجوء نحو فرنسا بحثاً عن وطن جديد تسكنه.
وفي ثلاثية “موطني” من مسلسل “مدرسة الحب” طُرحت قضايا اللاجئين السوريين الهاربين عبر البحر نحو أوروبا والمعاناة التي عانوها في رحلة الوصول لوطن جديد، من خلال التحدث عن مجموعة سوريين يهاجرون بالبحر لكنهم يصلون في النهاية جثثاً لبلاد الاغتراب بعد موتهم في شاحنة ثلاجة هربوا بها عبر الحدود، كذلك الموت كان من نصيب ابنة هدى التي لعبتها الفنانة شكران مرتجى في مسلسل “مذكرات عشيقة سابقة” أثناء رحلة اللجوء في الغابات نحو أوروبا وذلك بسبب مرضها وعدم تحمّلها لمشقة المشي سيراً على الأقدام.
وفي الموسم الرمضاني عام 2023 تناول مسلسل “النار بالنار”، وربما لأول مرة، موضوع العنصرية الذي يتعرض له اللاجئون السوريون داخل لبنان، وذلك عبر حي شعبي يعيش فيه مجموعة لبنانيين وسوريين يتناحرون فيما بينهم على الأفضلية “أفضلية اللبناني على السوري ثقافياً واجتماعياً والعكس بالعكس” لكن في الحقيقية فإن الشعبين مسحوقان ويعانون من ظروف اقتصادية صعبة لا يستطيعان تجاوزها بسهولة.
ويُحسَب للنار بالنار “تأليف رامي كوسا وإخراج محمد عبد العزيز” أنه قدّم صورة مغايرة للنزوح السوري في لبنان من خلال ما يتعرض له اللاجئون السوريون في هذا البلد الجار الصغير من “تسميع حكي” ومطالبات ليست بالقليلة بالترحيل من البلاد بحجة أن السوريين “خرّبوها” واستوطنوا فيها آكلين حق أهل البلاد الأصليين. وينوّه العمل من خلال شخصية عزيز التي لعبها جورج خباز على قضية الوصاية السورية السابقة على لبنان أيام الحرب الأهلية، لينبُشَ في التاريخ بقضايا كانت قد أُغلِقَت ولو بشكل موارب، وهو الأمر الذي اعتبره البعض تأجيجاً لصراع سوري لبناني محتمل خصوصاً أن الوضع في لبنان، مع تدهور البلاد، “لا يحتمل هذه الطروحات نتيجة الاحتقان الشعبي الحاصل”.
لكن يبقى السؤال هل حلّت هذه القصص الدرامية مشكلات اللاجئين؟ أم أنها ليست مطالبة بذلك؟ وهل كانت حقيقية بطرحها أم مبالِغة؟ وهل يستفيد منها اللاجئون السوريون فعلاً؟
بين الدراما والواقع: ما رأي اللاجئين السوريين؟
في لبنان يقيم مجموعة كبيرة من السوريين، سواء قبل الحرب أو بعدها، إنما، طبعاً، أصبح النزوح إليه كبيراً بعد حصول الأزمة التي طال أمدها في سوريا، فكيف يجدُ بعض اللاجئين هذه الحكايات الدرامية؟ هل تخدم قضيتهم أم تزيد الطين بلّة؟
تقول أم محمد “57 عاماً” إنها تستمتع بمشاهدة هذه الأعمال، ولا تعلم حقيقةً إن كانت تفيدها كلاجئة سورية في لبنان، لكن برأيها إنه من الضروري أن تُطرَح مواضيع كهذه لأن المسلسلات تصل إلى قلوب الناس أكثر من نشرات الأخبار والتقارير “الناشفة”، فالعمل الدرامي، برأيها، يصل بشكل أسهل للناس وبطريقة ممتعة. لكن ابنها محمد “تسعة وعشرون عاماً” الذي يعمل في مجال صنع الحلويات في لبنان منذ أكثر من سبع سنوات يقول إنه ليس متفرّغاً أصلاً لمشاهدة هذه الأعمال لأنه يصلُ ليله بنهاره بالعمل لكي يُعيل أسرته، ويقول إن بعض مقاطع الأعمال تطالعه عبر السوشال ميديا، لكنها تدعوه للضحك لأنها “مجرد كلام” ولا تفيد برأيه أحداً من اللاجئين السوريين، بل تفيد صنّاعها فقط من ممثلين ومخرجين وكتّاب الذين يقبضون آلاف الدولارات، ولا يتذكّر أحدٌ منهم اللاجئين الذين تحدثوا عنهم في مسلسلهم أصلاً.
يضيف: إن هذه الأعمال موجهة سياسياً أكثر من كونها واقعية، وبرأيه، لا يوجد عمل درامي وضّحَ مثلاً أن الكثير من المنظمات وأولها الأمم المتحدة “تكذب علينا” ولا تساعدنا سوى بالقليل جداً بين الفينة والأخرى بمبالغ لا تكفي معيشة شخص واحد، في حين يظننا اللبنانيون أننا نعيش أفضل منهم بسبب ما نحصل عليه من مساعدات “بالدولار” وهذا الأمر بالأصل غير صحيح لأن المساعدات “مضحكة” ولا تأتي كل شهر، و المفصولون من المعونات من الأمم وغيرها من المنظمات أكثر من الذين تتم مساعدتهم، والمساعدات بالأصل ليست من جيوب الحكومات، لذلك نحن نعمل بالقليل كي نحصل على رزقنا بالحلال.
في حين تقول ريم “ستة وعشرون عاماً”، وهي لاجئة في لبنان مع عائلتها منذ أكثر من ست سنوات، بأن هذه الأعمال هي وسيلة مهمة لإيصال صورة عن السوريين اللاجئين، ليس فقط في لبنان بل في عدد من الدول، إنما يجب أن تُطرح بطريقة موضوعية دون الإساءة للشعب المضيف حتى لو بالتلميح، وتؤكد ريم أنها طيلة فترة إقامتها في لبنان لم تتعرض لمواقف عنصرية أو مُسيئة إلا فيما ندر، بل على العكس، تَعتبر أن اللبنانيين شعبٌ مضياف وكريم وأن أغلب من ساعدوهم حين جاؤوا إلى لبنان هم لبنانيون، وأصدقاؤها من اللبنانيين كُثُر ويحبونها كثيراً، وبحسب رأيها أن ما نراه على السوشال ميديا من عبارات عنصرية لا تشمل أكثر من عشرة بالمئة من الشعب اللبناني، ويجب على الأعمال الدرامية أن تبتعد عن التعميم.
في حين تعتبر سلمى “خمسة وثلاثون عاماً”، وهي سورية مقيمة في لبنان منذ أكثر من عشر سنوات، أن مشكلة هذا النوع من الأعمال الدرامية هو التعميم، أي أنها تعمّم أن الشعب المضيف “سيئ أو جيد بالمطلق” وتعمم أن كل اللاجئين السوريين بأغلبهم “شراشيح” أو غير حضاريين وكأنهم عاشوا كل حياتهم لا يفقهون شيئاً عن العلم والثقافة والتربية، وهذا خاطئ بالمطلق ويصدّر صورة سيئة عن اللاجئين قد تُخيف منهم ومن أفعالهم أي شعب مضيف آخر. وتساهم هذه الأعمال الدرامية بتكريس هذه الصورة النمطية وكأننا شعب لا يستحق الاحترام والتقدير، والمشكلة أن من يصدّر هذه الصورة هم النجوم والكتّاب والمخرجون السوريون بأنفسهم.
هل يستطيع ما يُطرح أمام الكاميرا أن يضع حلولاً؟
على اختلاف وتنوّع الطّرق التي طَرحت بها المسلسلات قصص اللاجئين ومعاناتهم، تبقى تلك الحكايات رهينة لتبعية الشركة المنتجة السياسية ورؤيتها، بالإضافة إلى رؤية الكاتب والمخرج وعن ما يريد هؤلاء الأشخاص إيصاله، من خلال هذه الأعمال، إلى الناس من رسائل حسب رؤاهم وخلفياتهم.
ورغم أن الأعمال الدرامية السورية والعربية لم تكن يوماً قادرة على وضع حلول للمشكلات المطروحة في سياق العمل، وهذه ليست مهمّتها أصلاً، فمهمتها هي وضع الإصبع على الجرح وعكس الواقع من خلال التركيز على قضايا مهمّشة لتسليط الضوء على معاناة أصحابها وإيصال صوتهم، إلا أن الحلول تبقى بين أيدي أصحاب الحل، وطبعاً هم ليسوا صنّاع الأعمال الدرامية.
لكن لا بد من التنويه أن الأعمال الدرامية هذه هي أسلوب حكائي مهم وخطير بنفس الوقت في تمرير أفكار ورسائل سياسية واجتماعية، وتحمل مسؤولية كبيرة بتقديم صورة متوازنة عن الشرائح المَحكي عنها دون مغالاة أو تحيز أو إساءة.