صفاء الشبلي
إحساس الأمومة يتغلغل داخل كل أنثى بمجرد أن يكون جنينها نطفة، تشعر بنبضه ثم حركته وتنتظر قدومه بفارغ الصبر؛ لكن ماذا لو اكتشفت إصابة جنينها بمتلازمة داون؟
في الشهر الثالث من الحمل يمكن للأم اكتشاف إن كان ابنها مريضا بمتلازمة داون، عن طريق ما يُسمى باختبار “قياس الشفافية القفوية”، وهو يهدف في الأساس للكشف عن الاضطرابات الصبغية للجنين، وخاصة متلازمة داون.
صدمة بعد الولادة
بعض الأمهات ربما لا يعرفن بهذا الاختبار، وهو ما قد يصيبهن بالصدمة بعد الولادة، عندما تظهر علامات الإصابة على أبنائهن.
وهو ما تحدثنا عنه الجزائرية ميمي محمود التي فوجئت بإصابة ابنتها بمتلازمة داون بعد ولادتها مباشرة.
صدمة شديدة أصابت ميمي جعلتها ترفض ضم ابنتها لصدرها، وذهبت في موجة بكاء هيستري، ونظرا للحالة الصحية لطفلتها مريم فقد أُخِذت إلى مصلحة طب الأطفال.
عن هذا تقول ميمي “ما زلت أشعر بالندم حتى الآن بسبب رفضي لها في البداية، هي الآن كل دنياي وحلاوتها”.
إحصاءات وجهود
تقول الدراسات إن متلازمة داون هي الإعاقة الأكثر انتشارا في العالم، ووفقا للجمعية الأميركية لمرضى داون، فإن هناك أكثر من 250 ألف شخص في الولايات المتحدة وحدها مصابون بالمرض.
وقد خُصص يوم 21 مارس/آذار من كل عام يوما عالميا لمتلازمة داون.
ورغم وجود عدد كبير من الصفحات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم أُسر المصابين بالمرض. وكذلك إعلان 2018 عاما لذوي الاحتياجات الخاصة، فإنه في المقابل لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد المصابين بالمرض عربيا.
لكن الدراسات العلمية -بحسب المؤتمر الخامس لعلوم الوراثة البشرية- تقول إن المنطقة العربية هي من أهم المناطق التي تحوي أمراضا ناتجة عن الخلل الوراثي أو الصبغي، نتيجة لزواج الأقارب الذي يسبب نسبة كبيرة من تشوهات الأجنة، وهو ما أثبتته دراسة مصرية أيضا عن الشأن ذاته.
ويهتم المركز العربي للدراسات الجينية بدراسة الأمراض الناتجة عن خلل وراثي، ويكاد يكون المركز الوحيد عربيا المهتم بهذا الشأن.
وتحوي قاعدة بيانات المركز معلومات عن حالات الخلل الصبغي المتسبب في متلازمة الداون في بعض الدول العربية. وتُظهر بلدان أخرى -مثل ليبيا ودول المغرب العربي- كبلاد خالية من المرض.
يقول خالد المهداوي أحد أعضاء فريق إدماج وتعليم الفئات الخاصة ببني غازي. إن القسم يهتم بإدماج عدد كبير من المترددين عليه من الأطفال المصابين بمتلازمة داون، إلا أنه لا توجد إحصاءات رسمية عن أعدادهم في ليبيا. غير أنهم يهتمون بتقديم الدعم بمساعدة المختصين والتدخل الفوري إن انتكست الحالة.
قرار الإجهاض
ندى إبراهيم زوجة مصرية قررت أن تجهض ابنها بعد كشف مبكر ظهر فيه أنه مصاب بمتلازمة داون، فهي ترى أن نظرة المجتمع لهؤلاء الأطفال جعلتها تقوم بعملية الإجهاض.
وكان زوجها داعما لها، وتقول “قد يكون ما فعلته حرام، لكنني في النهاية رحمته من نظرة المجتمع”.
أما هبة ويزو، المصرية من مدينة طنطا، فرغم حبها لابنها الذي اكتشفت أنه مصاب بمتلازمة داون بعد ولادته. تقول إنها كانت ستجهضه لو علمت ذلك أثناء الحمل، خاصة أنه مصاب بثقوب في القلب وأمراض أخرى.
تقول هبة إن “ردود الأفعال التي واجهتها كانت قاسية جدا. لكني ما أزال صابرة عندما أرى نماذج ناجحة مثل رحمة خالد (أول مذيعة مصابة بمتلازمة داون).”
“وأتمنى أن أرى آسر مثلها يوما ما”.
فلذات أكبادنا
“البركة” أو “المنغولي” وغيرهما من الألقاب القاسية التي يطلقها المجتمع على مرضى الداون.. لكن هناك من يصمم على الإبقاء على حياة أبنائهم وعدم الانصياع لرغبات المجتمع في التخلي عنهم. تقول أم رامي من نابلس للجزيرة نت، إن المعارف والأهل طالبوها بعدم الاهتمام بصحة ابنها وتركه “يموت”، لكنها نهرتهم.
وتقول “من صرف جنيها واحدا على ابني فليأخذه. أنا ووالده دعمناه، قمنا بإجراء عملية قلب مفتوح له، بعدها قال الأطباء إنه لن يستطيع المشي. لم نستسلم وكنت أساعده في إجراء جلسات العلاج الطبيعي حتى استطاع المشي في عمر خمس سنوات.. وما زلنا ندعمه، وهو الآن ابن 15 عاما”.
أم يوسف من فلسطين رفضت الإجهاض بعد معرفتها بإصابة ابنها في الشهر الثالث من الحمل.
وتطالب كل أم تعرف أن جنينها مصاب بمتلازمة داون بألا تجهضه.. وتقول “بعدما تعاملت مع أطفال دوان، لو لم يكن لدي ابن مصاب بها، لتمنيت أن يرزقني الله بطفل مصاب. هم ملائكة يسيرون على الأرض”.
حقوق أبنائنا
عدم القدرة المالية لبعض الأهالي -نظرا للمصروفات العالية التي قد تحتاجها حالة داون- قد تدفع بعض الأهل للتخلي عن أبنائهم.
ولذلك تطالب الأردنية إيناس قعدان -وهي أم طفل مُصاب- جميع الحكومات العربية بتقديم الدعم لهؤلاء الأطفال، حتى لا يضطروا لتخبئة أبنائهم في المنازل وتركهم يموتون.
“نحن نجاهد للحصول على حقوق أبنائنا، أتمنى أن يحصل ابني على تعليم دامج مثل إخوانه”.
وهو المطلب نفسه لأم لؤي من المغرب التي ترى أن الحكومات العربية في “كوكب آخر”، فيما يخص أطفال داون.
أضف تعليق