إنشاء سجل Sign In

عن حق السورية في “تجنيس” ابنائها

الأمهات أشبه بوطن نحلم به، وطنا يجمع أبناءه من شتات، ويضمد جراحهم، ويحميهم. وطنا يساوي بين جميع أبنائه، يسهر على راحتهم، يوفر كل أسباب الحياة الكريمة لهم. وطن يستمع لأبنائه ويضمن حريتهم، يخاف عليهم لا يخيفهم، وعندما يكون الوطن بخير تكون الأمهات بخير .
“الوطن ليس بخير”، وأمهاتنا لسن بخير. القضية السورية، ترمي بأعبائها على كاهل الأم السورية أكثر أي فئة أخرى، لقد دفعت الأم السورية ثمن لجوء ونزوح أبنائها في مختلف أرجاء المعمورة، وأصبح حلمها لم شملهم، فقدت الأمهات أبنائها بالحرب والاعتقال والتغييب ألقسري، وتقضي وقتها في البحث عنهم وتنتظر عودتهم مهما طال الزمن.
الأمهات المعيلات لأبنائهن وما أكثرهن، بعد فقدان معيل العائلة يقضين أيامهن، بالبحث والعمل لتامين لقمة عيش أبنائهن. لن يجد الأبناء روابط أقوى وأوثق من الانتماء لأمهن، ومع ذلك تحرم الأم في وطن مثل سوريا من حقها في منح جنسيتها لأبنائها، في حال تزوجت من جنسية غير سورية، أو تزوجت من رجل مجهول الجنسية، حتى لو اختارت سوريامكانا للعيش وليس وطن وزوجها، وأيضا في حال وفاة الزوج، وبعد الطلاق حتى لو كان الأبناء في سن الحضانة ولها حق حضا نتهم، يحرمها القانون السوري حق منح جنسيتها لأبنائها، وما لذلك من مصاعب وتبعات قانونية على تسجيل الأبناء في المدارس وعلى عملهم ومستقبلهم. ما يزيد من أعباء معيشتهم ومعاناة إضافية لأمهن؟

ضغوط واضرار
قبل عام 2011 كانت الأمهات المحرومات من منح جنسيتها لأبنائها تقتصر على النساء المتزوجات من جنسية أخرى، وكانت إعدادهن قليلة، عارضت المنظمات النسائية ومنظمات حقوقية، تحت ضغط الامهات المتضررات قانون الجنسية المعمول به، وطالبن بتغيير القانون الذي يحرم الأمهات منح جنسيتها لأبنائهن، وكانت حالة المتزوجة من جنسية غير سورية وتعيش في سوريا هي وأولادها، أكثر المتضررات، وقد فشلت مطالبتهن بتغيير هذا القانون التمييزي، الذي ينتهك حقوق المرأة، ويتعارض مع حقوق الإنسان.
بعد 2011 حيث انتشرت ظاهرة زواج السوريات من جنسيات الدول التي لجئن إليها، وكانت أعدادا كبيرة منهن قاصرات وخضعن لعقود زواج لا تستوفي الشروط القانونية، منها عدم تسجيل عقد الزواج بشكل رسمي، وفي حال وقوع الطلاق غالبا يتولد عن هذا الزواج أولاد ، ولصعوبة وبسبب من التكاليف الباهظة لرفع دعوى تثبيت زواج و نسب في بلدان اللجوء، في هذه الحالة الأطفال مهددين بانعدام الجنسية، وفي حال عودة الأم إلى سوريا، سوف تواجه صعوبة مرافقة أبنائها لها، حيث أنهم لم يكتسبوا جنسية أبيهم غير السوري، والقانون السوري لا يمنح الأم حق منح جنسيتها لأبنائها.
إن حل هذه المعضلة تقع على عاتق الأمم المتحدة، ممثلة بالمنظمات التي تعمل بين اللاجئين، وضرورة تشكيل هيئة تعنى بوضع آلية لتسجيل واقعات الولادة ومنح نسب وجنسية للأطفال تلحق بالأم ريثما يعود اللاجئين، حتى تتم تسوية الحالات التي طرأت بعد اللجوء منها واقعات الزواج والنسب والجنسية.
والحالة الأخرى التي انتشرت في الداخل السوري أثناء الحرب، حالة زواج سوريات من مقاتلين أجانب، خاصة في مناطق سيطرة “داعش” و “القاعدة” وفق عقود شرعية غير مسجلة، في أكثر الحالات يتم كتمان اسم الأب الحقيقي وجنسيته والتعامل باسم وهمي أبو فلان.
وفي حالة وفاة الزوج او طلاقه او مغادرته سوريا، لن تتمكن إلام من تسجيل أولادها قانونيا ولا تستطيع منح جنسيتها لأبنائها، ويتم تسجيلهم مكتومي الجنسية ، تعمل المنظمات الإنسانية المنتشرة في مناطق شمال شرق والشمال السوري على إعطاء مايثبت نسب الأطفال لأمهم، لغاية تقديم خدمات التعليم والمعونات الإغاثية دون أن تكسب الأم الحق القانوني يمنح جنسيتها لأبنائها. ويتعرض الأطفال الابائهم من دواعش لكثير من التنمر ونكران المجتمع، وتاثير ذلك السيء على معنويات الام المعيلة وعلى الاولاد.

قانون تمييزي
في العودة إلى قانون الجنسية السوري الذي يحرم الأم من منح جنسيتها لأبنائها، فهو قانون تمييزي بكثير من مواده : لكن ما يهمنا في هذا المقال هو التمييز ضد المرأة الام وحرمانها من منح الجنسية السورية لأطفالها. وفق مارود ما في المادة الثالثة من قانون الجنسية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 267 لعام 1969: لى أنه يعتبر عربياً سورياً:
أ ـ من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري.
ب ـ من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانوناً .
ج ـ من ولد في القطر من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما، ويعتبر اللقيط في القطر مولوداً فيه وفي المكان الذي عثر عليه فيه ما لم تثبت العكس .
د ـ من ولد في القطر ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية .
هـ ـ من ينتمي بأصله للجمهورية العربية السورية ولم يكتسب جنسية أخرى ولم يتقدم لاختيار الجنسية السورية في المهلة المحددة بموجب القرارات والقوانين السابقة .
مناقشة وضوء على المادة الثالثة :
في الفقرة أ : حيث يعد الشخص عربياً سورياً حكماً من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري. أي الأخذ بحق الدم من جهة الأب فقط وبالتالي فإن جنسية الطفل تحدد تبعاً لجنسية أبيه. وينتقص من حق المرأة منح جنسيتها لأبنائها .
الفقرة ب من المادة الثالثة: يعد سورياً حكماً من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه، أي منح الجنسية السورية بناء على حق الدم والإقليم معاً في حالة كانت الولادة في سوريا من أم سورية ولم يثبت نسب الطفل إلى أب شرعي ، لا يؤخذ بهذه المادة عادة لمن تزوجت من داعشي لأنها لا تقبل هي ولا أهلها ولا حتى المجتمع ان يكون الأب غير شرعي حيث تأخذ معنى ولد من الزنا.
كما تمنح الجنسية، أيضاً للطفل بناء على حق الإقليم فقط في حالة كان المولود من أبوين مجهولي الجنسية ، أي حالة الطفل اللقيط وحالة المولود في سورية ولم يكتسب بصلة البنوة جنسية دولة أخرى.
الفقرة ج من المادة الثالثة.
نشير إلى ان الفقرة ج من المادة الثالثة: إن الجنسية تمنح لمجهول النسب إذا ولد في سوريا، أي الولد اللقيط و ولكن القانون لا يمنحها للأم السورية إذا تزوجت من غير سوري.
وبناء عليه فإن حالة الأم التي ولدت أطفالها خارج سوريا ، في دولة لا يمنح الجنسية بالميلاد على إقليمها، يؤدي ذلك إلى انعدام جنسية المولود، وفي هذه الحالة القانون السوري يرفض ثبوت الجنسية السورية ، حتى لو كان الأب مجهول الهوية أو عديم الجنسية.
هذه السياسة التمييزية في القانون السوري تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث جاء في المادة 15 منه : على أن كل فرد له الحق في الحصول على جنسية ، ولا يجوز حرمان أحد من جنسيته بطريقة تعسفية.
وعليه يجب أن تصاغ المادة الثالثة وتعدل على الشكل التالي:
1ـ حيث يعد عربياً سورياً حكماً من ولد في القطر أو خارجه من أب سوري أو من أم سورية.
ويجب تعديل الفقرة ب من المادة 3 لتصبح على الشكل التالي:
2 ـ تمنح الجنسية حكماً لمن ولد لأم سورية داخل أو خارج سوريا ولم يثبت نسبه إلى أبيه قانوناً أو من ولد لأم سورية وأب مجهول الجنسية، أو لا جنسية له ، بحيث تشمل هذه الفقرة جميع أطفال الأم السورية.
ختاماً، فان المشرع السوري لم يعدل قانون الجنسية الذي ينتهك حقوق المرأة،، بل تحفظ على بنود من الاتفاقات الدولية ، مراعاة لقانون الجنسية القائم: هذا ما جرى عليه موقف الحكومة السورية من اتفاقية سيداو حين صادقت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” في عام 2003 لكنها تحفظت على عديد من المواد الجوهرية للاتفاقية منها الفقرة الثانية من المادة التاسعة من الاتفاقية المتعلقة بحق المرأة في منح جنسيتها لأبنائها. هذا التحفظ جاء لاعتبارات موضوعية، ولمخالفتها الشريعة الإسلامية ، وإن الأخذ بأسباب شرعية في معرض تطبيق الجنسية وفق اعتبارات المشرع السوري هو خلط بين حق النسب والجنسية رغم اختلافهما، النسب في المفهوم الشرعي يعود للأب نتيجة الزواج الشرعي، وما يمنحه القانون من القوامة على المرأة، أما الجنسية فهي أوسع وأشمل ، أنها تتعلق بالانتماء والمواطنة، والإقامة ، وتلعب الاعتبارات الإنسانية والسياسية دوراً كبيراً في منح الجنسية ، وليست محصورة بمؤسسة العائلة التي هي بحاجة أيضا لتغيير التشريعات التمييزية.

لقراءة المقال كاملا ً :

https://www.salonsyria.com/%d8%b9%d9%86-%d8%ad%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%ac%d9%86%d9%8a%d8%b3-%d8%a7%d8%a8%d9%86%d8%a7%d8%a6%d9%87%d8%a7/

المقالة السابقة
دورة عام 2022 من برنامج مختبر الفنون
المقالة التالية
Global Feminist Pitch: For Feminist Mobilisation

أضف تعليق

Your email is safe with us.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Rawabet طلب التسجيل في منصة

X