إدراك الصحّة النفسيّة في المنطقة العربيّة: التحدّيات والحواجز التي تحول دون الوصول إلى الحقّ في الصحّة النفسيّة
إعداد: ليا زينون
جهة النشر: Arab NGO Network for Development
على مدار العقد الماضي، شهد العالم نموًّا في الاعتراف بأهميّة الصحّة والراحة النفسيّتَيْن، وفي طلب مستوى رعاية صحيّة نفسيّة أفضل. تشكّل الصحّة النفسيّة جزءًا لا يتجزّأ من الحقّ في الصحّة، وهو حقٌّ من حقوق الإنسان معترف به في القانون الدولي، إذ يُعلن أنّ لكلّ فردٍ الحقّ في التمتُّع بأعلى مستوى ممكن من الصحّة البدنيّة والنفسيّة. وعلى الرغم من هذه التطوّرات، يتمّ إهمال التثقيف والموارد في مجال الصحّة النفسيّة حتى في البلدان الأكثر ثراءً، ما يؤثّر بدوره على الحقّ في الصحّة النفسيّة (المركز العربي واشنطن دي سي 2022). نتيجةً لذلك، يدعو المناصرون إلى التكافؤ بين تمويل الصحّة العامّة وتمويل الصحة النفسية، بحيث يحصل الأشخاص الذين يعانون مشاكلَ نفسيّة على مستوى الرعاية نفسه الذي يحصل عليه الأشخاص الذين يعانون مشاكلَ صحيّة جسديّة. كما أنّهم يطالبون بردم الفجوة العلاجيّة، لكي يتمكّن المزيد من الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية صحيّة نفسيّة من الوصول إليها، لا سيّما في البلدان منخفضة ومتوسّطة الدخل (بوراس وآخرون 2019).
تشكّل الصحّة النفسيّة جزءًا مهمًّا من الصحّة العامّة، وتشير إلى حالةٍ من الراحة تسمح للأفراد تحقيق إمكاناتهم الخاصّة، والتعامل مع ضغوطات الحياة، والعمل بشكلٍ منتجٍ، والمساهمة في مجتمعاتهم. وقد تؤثّر مشاكل الصحّة النفسيّة تأثيرًا كبيرًا على قدرة الشخص على ممارسة العمل، ما يؤدّي إلى ضعف الأداء الاجتماعي، وانخفاض الإنتاجيّة، وزيادة خطر الانتحار.
يشمل الحق في الصحّة الحق في الحصول على الرعاية في مجال الصحّة النفسيّة. ويشير ذلك إلى الوصول العادل إلى خدمات الصحّة النفسيّة الجيّدة وميسورة التكلفةُ تُقدّم بكرامة واحترام للفرد الذي يحصل عليها، بغض النظر عن قدرات الشخص الماليّة وظروف حياته. في المقابل، تقف حواجز عدّة بين توفير خدمات الرعاية الصحّية النفسيّة والوصول إلى هذه الخدمات، فتؤثّر على مراعاة الصحّة النفسيّة والحقّ في الحصول على الرعاية الصحيّة النفسيّة. في حين أنّ بعض الحواجز عالميّة مثل القيود المفروضة على التشريعات وتوافر الموارد، فإنّ الحواجز الأخرى تكون سياقيّة وتختلف عبر المجتمعات وخبراتها الفريدة.
يسود التنوّع في المنطقة العربيّة التي تتألّف من 22 دولة، ويبلغ عدد سكانها 400 مليون شخص عربي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و34 مليون مهاجر (البنك الدولي 2022)، فضلًا عن أعدادٍ كبيرةٍ من اللاجئين والنازحين داخليًّا (مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لشؤون اللاجئين 2022). على حدّ علمنا، لا تتوفّر توقّعات بشأن العبء الذي يسبّبه المرض النفسيّ في المنطقة العربيّة. من خلال استطلاعات الرأي العامّة، يقدّر المركز العربي واشنطن دي سي (2022) أنّ 30٪ من سكّان المنطقة أفادوا عن معاناتهم الاكتئابَ؛ ويحذّر المركز من عدم التوازن بين الحاجة المتزايدة لخدمات الصحّة النفسيّة وتوافرها على مدى السنوات القادمة. كما أظهرت بحوثٌ موسّعة أخرى انتشار وصمة الصحّة النفسيّة، إلى جانب انتشار متزايد للضائقة النفسيّة (الخطيب وآخرون 2023)، دفعت بالأفراد المصابين بمرضٍ نفسي إلى براثن الفقر والتهميش بسبب حالتهم (دارداس وآخرون 2015).
وأظهر استعراضٌ لإمكانيّات الوصول إلى الرعاية الصحّية والحواجز التي تحول دون ذلك في المنطقة العربيّة، أنّ التطوّر في الوصول إلى الرعاية الصحّية لم يكن متكافئ بالنسبة إلى الفئات السكانية المتنوّعة، وعلى مختلف المستويات الاجتماعيّة والاقتصاديّة على وجه التحديد. في إطار تأمين الخدمات الصحيّة وتقديمها في المنطقة، يسلّط المقال الضوء على استبعاد الصحّة النفسيّة من هذه الخدمات في أغلب الأحيان (قرنفل 2012). تؤثّر هذه العوامل، من بين عواملٍ أخرى، على وصول الأفراد إلى الخدمات الصحّية والحقّ في الصحّة النفسيّة في المنطقة العربيّة. يُعزّز إدراك التحدّيات والحواجز التي تحول دون نيل هذا الحقّ في المنطقة العربيّة إمكانيّة فهم الصحّة النفسيّة في المنطقة، ويحسّن تطوير تدخّلات وبرامج علاجيّة بصورةٍ أكثر فعاليةٍ، وقد يقلّل من الوصمة ذات الصلة، ويُعزّز في نهاية المطاف الوصول إلى الرعاية الصحّية النفسيّة كحقٍّ صحّي.