تفعيل المجتمع المدني ..من أجل التنمية وبناء السلام في شمال وشرق سوريا
بقلم: محمد عواد
جهة النشر: Baytna Online بيتنا أونلاين
يلعب المجتمع المدني دوراً حيوياً في بناء السلام في شمال وشرق سوريا، بالرغم من حداثة عهده، حيث شهدت المنطقة منذ عام 2011 حتى الآن تعاقب العديد من الفصائل الراديكالية والسياسية والعسكرية، التي كانت تحمل أجندات خاصة ومختلفة تخدم مصالح الأطراف المحلية والإقليمية المتنافسة على فرض النفوذ والسيطرة على المنطقة. وبالرغم من الصعوبات والتحديات التي تواجه جهود بناء السلام في المنطقة، إلا أن المجتمع المدني بركائزه وروافده مع وجود الفواعل الاجتماعية، والآمال والتطلعات التي يرنو إليها المجتمع، وبتظافر الجهود مع المجتمعات المحلية يستطيع الصمود والسير قدما الى الأمام في مسيرة إعادة الاستقرار وبناء السلام المستدام، علما أنه يحتاج الى زيادة التفعيل والتمكين على مختلف المجالات حتى يقود الحراك الاجتماعي نحو مجتمع متمدن ومتحضر ومنفتح على الداخل والخارج لتحقيق رقي المجتمع.
دأب المجتمع المدني في مناطق شمال وشرق سوريا منذ عام 2016 على تقديم الدعم والمساعدة وتوفير الخدمات الأساسية للسكان المتضررين من النزاعات ولا سيما النازحين واللاجئين والعائدين من النزوح والمخيمات. ومن الخدمات التي يقدمها المجتمع المدني الإسكان والايواء، والخدمات الصحية والتعليم والمساعدات الغذائية الى جانب الخدمات اللوجستية الأساسية التي تقدمها الإدارات المحلية كالكهرباء والمياه ووقود التدفئة والغاز المنزلي.
يقوم المجتمع المدني بأدوار كبيرة وحاسمة في بناء السلام في شمال وشرق سوريا، حيث يساهم في توفير الخدمات الأساسية للمجتمع وتوعية الجماهير بحقوقهم وواجباتهم، وتفعيل المشاركة السياسية والمجتمعية.
يقود الحراك الاجتماعي نشطاء المجتمع المدني من العاملين في المنظمات المحلية والدولية بالتعاون والتنسيق مع مؤسسات الإدارة الذاتية ومؤسسات المجتمع المدني كالاتحادات الحرفية والمهنية والجمعيات الأهلية والخيرية ولجان الصلح الأهلية والقادة المحليين ، الكل يعمل معا من أجل ترويج ثقافة السلام واذكاء روح التسامح وتشجيع المصالحة والحوار بين أفراد المجتمع. كما يقع على عاتق المجتمع المدني دعم الفئات الاجتماعية المهمشة كالنساء والشباب من أجل اشراكهم في عملية بناء السلام والتنمية المستدامة وفي عمليات صنع القرار، من خلال توفير فرص التدريب المهني، والمهاري، والتثقيف، والتعليم.
ويقوم المجتمع الدولي الى جانب المجالس المدنية وهيئاتها بدعم مؤسسات المجتمع المدني في شمال وشرق سوريا والعمل معه من أجل تمكينه ومساعدته على احداث التغيير الإيجابي للتخفيف من الأضرار التي نتجت عن النزاعات والحروب، من خلال تقديم الدعم المادي لتمويل المشاريع وبناء القدرات وتقديم الاستشارات والحلول للتحديات والصعوبات التي تعترضهم.
ويواجه المجتمع المدني في مناطق شمال وشرق سوريا العديد من التحديات التي تعيق بناء السلام في المنطقة، ومنها الظروف الأمنية الصعبة وقد يتعرض النشطاء للتهديد والاعتداء. كما يعتبر تفشي الفقر والبطالة من الصعوبات التي تعيق بناء السلام في المنطقة، أضف الى ذلك عدم توافر فرص للمشاركة السياسية، وتعقيدات الأوضاع السياسية والميدانية التي تؤدي ظهور حالات من الانقسام داخل المجتمع. كما أن ضعف القدرات المادية والبشرية للمنظمات المجتمعية وعدم توفر التمويل الكافي لتنفيذ المشاريع يشكل تحدي أمام قدرتها على تطبيق خططها الاستراتيجية. وبالرغم من هذه التحديات فإن المجتمع المدني يعمل بشكل دؤوب ومثالي على بناء السلام وتعزيز ثقافة الحوار والاحترام المتبادل للرأي والرأي الآخر، وهذه الجهود تستدعي الدعم الدائم لتحقيق سلام مستدام وإيجابي في المنطقة.
تفعيل المجتمع المدني ضروري في عملية بناء السلام والتنمية المستدامة وهنالك عدة طرق يمكن من خلالها تفعيل المجتمع المدني تشمل:
1. توفير الدعم المالي والمنح: المنظمات المجتمعية والجمعيات يمكنها تفعيل أنشطتها ومشاريعها من خلال توفير الدعم المالي اللازم من خلال الحصول على المنح والتمويل وغيرها من الخيارات.
2. توفير التدريب والتعليم وبناء القدرات: من خلال توفير التدريب والتعليم المستمر يمكن تمكين المجتمع المدني وتفعيله، فالمعرفة والمهارات والإمكانيات هي المفتاح الرئيسي لتطوير أي مجتمع مدني.
3. دعم التشبيك وإنشاء الشبكات والتحالفات والمنصات وتشجيع الشراكات: يمكن تعزيز العمل الجماعي والتعاون بين أعضاء المجتمع المدني والجمعيات المحلية من خلال إنشاء الشبكات والتحالفات، حيث تم تشكيل عدد من التحالفات والشبكات التي تنضوي تحتها مجموعات كبيرة من المنظمات مثل (تحالف منظمات شمال وشرق سوريا – منصة آسو – منصة منظمات المجتمع المدني وغيرها.
4. تشجيع المشاركة والاستجابة وتنظيم حملات الحشد والمناصرة: يجب على المجتمع المدني أن يشجع المشاركة والاستجابة من جميع فئات المجتمع والتعاون معها في إدارة المشاريع وتنفيذها ودعم القضايا الجوهرية والحياتية والحقوقية التي تمس حياة المجتمع.
5. توفير منصات الإعلام الاجتماعي: يمكن للمجتمع المدني الحصول على الدعم والمساندة من خلال استخدام منصات الإعلام الاجتماعي لنشر أفكاره ومشاريعه وجذب أفراد جدد للمشاركة في العمل المدني.
6. التعاون مع المؤسسات الحكومية: عندما يعمل المجتمع المدني بشكل مشترك مع الحكومة والمؤسسات المحلية يتحقق التعاون والتفاهم الجيد بين الأطراف، ويتم تطوير المجتمع بطريقة مستدامة.
7. تشجيع المبادرات المجتمعية والتطوعية والفنية ودعمها: مثل المبادرات التي تنمي روح العمل الجماعي والتشاركية كحملات النظافة والتشجير وغيرها من الأنشطة المفيدة التي تنمي القيم والمبادئ الإنسانية والاجتماعية.
هناك ركائز للمجتمع المدني وهي مجموعة من القيم والمفاهيم التي تحيط به، كالعمل التطوعي الذي يتطلب المشاركة النشطة والتطوعية من مختلف أفراد المجتمع في تنفيذ المشاريع والأنشطة الخاصة بالمجتمع، والشفافية والديمقراطية حتى يتاح لجميع أفراد المجتمع الفرصة للمشاركة في صنع القرارات وتحديد المسارات المستقبلية. ويعتمد نجاح المجتمع المدني على القدرة على العمل الجماعي والتنسيق والتعاون بين المؤسسات والأفراد المختلفين. ومن ركائز المجتمع المدني القدرة على الابتكار والبحث عن حلول إبداعية لمشاكل المجتمع وخدمتها بأفضل طريقة ممكنة. إن التركيز على الأهداف والنجاحات والإنجازات يعتبر دافع لمواصلة العمل والمثابرة على عكس التوقف عند الأخطاء الذي يهدم كل نجاح سابق ويعيق مسيرة البناء.
أخيرا، إن تحقيق آمال الجماهير وتطلعاتهم لحياة كريمة آمنه يعمها السلام والوئام يتم عن طريق تظافر الجهود والتعلم من تجارب الشعوب التي مرت بنفس الظروف وحققت الكثير من القفزات في مجال بناء السلام والتعايش السلمي بين كافة أفراد المجتمع. إن الوصول الى تحسين الحياة الاجتماعية والاقتصادية وتعزيز الاستقرار، والحصول على الحقوق وتحقيق الديمقراطية يحتاج الى مستوى من النضج الاجتماعي الذي لا يأتي جزافا، أو يخلق بين ليلة وضحاها، إنما يتطلب تعريف السكان بحقوقهم وواجباتهم وتعليمهم قيم المواطنة، فالمجتمع المدني حول الحل في تمكين حقوق الانسان وصياغة عقد اجتماعي جامع يحقق السلام والتعايش السلمي بين شعوب مناطق شمال وشرق سوريا.