جولة جديدة من عنف النظام السوري في الشمال
بقلم: عمر حاج حسين
جهة النشر: الجمهورية.نت AlJumhuriya.net
شهدت مدينة إدلب وأريافها كافة، مع أجزاء من ريف حلب الغربي، خلال الأيام الستة الماضية حملة قصفٍ شرسة، شنّتها قوات النظام السوري وروسيا والمليشيات المتحالفة معهما، استهدفت الأحياء السكنية والمراكز الحيوية وأسفرت عن مقتل ما يزيد على 50 مدنياً وإصابة المئات منذ مساء الرابع من تشرين الأول وحتى مساء يوم أمس الثلاثاء، وخروج معظم المرافق الطبية والتعليمية عن الخدمة بعد تعرُّضها لقصف مباشر، ونزوح آلاف السكان خارج منازلهم صوب مناطق أكثر أمناً قرب الحدود السورية – التركية المكتظّة بالمخيمات.
ووُصِفت الحملة التي بدأها النظام السوري في الخامس من تشرين الأول الجاري (أكتوبر) بأنها الأعنف منذ ثلاث سنوات، بعد آخر حملة شنّها النظام على مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرته مطلع عام 2020، الأمر الذي فاقم معاناة الأهالي المقيمين في مناطق شمال غربي سوريا، ودفعهم إلى النزوح هرباً من الموت.
مع مضيِّ اليوم الثاني لحملة النظام العسكرية وتوسّع رقعتها إلى قرى ومدن ريف حلب الغربي، انتشرت حالة من الذعر لدى السكان وبات الحديث عن اجتياح المنطقة عسكرياً نبأً يُردّدونه، ما دفع الآلاف منهم إلى النزوح من قراهم ومدنهم طلباً للأمان وتحسباً من أي عملية عسكرية مفاجئة من شأنها قضم مناطق جديدة.
ومع احتدام القصف البري للنظام والجوي لطائرات روسيا ونزوح السكان، باتت المناطق الساخنة التي تتعرض للقصف فارغة، إذ توقفت الحياة بداخلها بشكلٍ شبه كامل، إذ أُغلقت المحلات التجارية وباتت الشوارع خاليةً من السكان، وخاصّة في فترة المساء، لتبدو مناطق مظلمة تماماً لا يُسمع فيها سوى أصوات القصف وأزيز طائرات الاستطلاع الروسية.
شهادات الأهالي
تروي منى العلي، النازحة مع أطفالها من مدينة أريحا إلى مركز إيواء في معرة مصرين، للجمهورية.نت: «هربنا أنا وأطفالي الثلاثة مساء الخميس الماضي أثناء سقوط الصواريخ على المدينة، وتوجّهنا إلى الطريق العام، وفور وصولي أوقفتُ سيارةً من نوع سوزوكي تحمل عائلة، وأوصلتني معهم إلى مدينة معرة مصرين حيث أقربائي»، متابعةً قولها: «خرجتُ أنا وأطفالي بملابسنا التي نرتديها فقط. لم أستطِع حمل أي شيء من شدة القصف والرعب الذي أصابنا. الوضع كان كارثياً والقصف كان يشتد في كل دقيقة».
ولا يختلف الأمر كثيراً على عبد الكريم حاج أحمد (38 عاماً) وهو أب لستة أطفال، والذي نزح من مدينة دارة عزة باتجاه الحدود التركية إلى أحد المخيمات في بلدة قاح شمالي إدلب. يقول: «نزحتُ من مدينتي صباح الجمعة الذي صادف اليوم الثاني للحملة العسكرية ‘مُجبراً’ من أجل أطفالي الصغار وزوجتي ووالدتي المسنَّة، فهم يخافون جداً من أصوات انفجار القذائف، ويدخلون في حالة هلع ورعب إلى حد الإغماء، فخرجت من منزلي دون إخراج أي شيء تاركاً خلفي كل ما أملك، بالإضافة لدُكاني المليء بالبضاعة، والذي أعمل فيه ويشكل مصدر رزقي الوحيد».
وأوضح حاج أحمد خلال حديثه للجمهورية.نت: «فور وصولي إلى قاح بحثتُ لساعات عن منزل للإيجار لكنني لم أجد، لذلك اضطررت إلى أن أبُقي عائلتي في أحد مساجد القرية، وأعود مرةً أخرى للبحث عن منزلٍ نسكنه».
يشير حاج أحمد إلى أن اشتداد حدّة القصف كان سبباً رئيسياً لنزوحه، واصفاً القصف الذي تعرضت له مدينته بأنه «الأعنف والأخطر منذ سنوات عديدة»، وهو ما جعله يشعر بخوفٍ مضاعف، وفق قوله، مؤكداً أنه «لم يعتد منذ سنوات طويلة على قصف مباشر براجمة الأربعين»، كما يسميها، على مركز المدينة.
ووثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقريره منذ أيام سقوط أكثر من 550 قذيفة صاروخية ومدفعية مصدرها قوات النظام السوري، استهدفت الشمال السوري خلال الـ24 ساعة الأولى من الحملة العسكرية، إضافةً إلى 5 غارات جويّة للطائرات الحربية الروسية على مدن وبلدات في إدلب وجسر الشغور مع بداية الحملة.
وبحسب المرصد السوري، فإن الحملة أسفرت في ساعاتها الأولى عن نزوح مئات العائلات نحو الحدود التركية، باعتبارها مناطق أكثر أماناً من قراهم.
مدن فارغة
خلال إعداد هذا التقرير، التقينا عضو مجلس إدارة الدفاع المدني السوري أحمد يازجي، والذي أكّد على أن القصف أدى إلى إفراغ مدنٍ بأكملها من السكان في أرياف إدلب وحلب، وتحديداً في اليوم الثاني للحملة، كجسر الشغور وأريحا وسرمين وبداما ودارة عزة وكباشين والأبزمو. وأوضح يازجي أن فِرَق الدفاع المدني تعمل منذ اليوم الأول للحملة التي شنّها النظام في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) على إجلاء النازحين من قراهم إلى مراكز إيواء مؤقتة، أو نحو مدنٍ أكثر أمناً كحارم وسلقين في ريف إدلب الغربي.
وبيّن أنه لا يوجد إلى اليوم إحصائية دقيقة عن عدد الأشخاص الذين غادروا منازلهم في شمال سوريا إثر الحملة، خاصّة أن العديد من العائلات نزحت إلى محيط قُراها أو القرى المجاورة لها، وهو أمرٌ يصعب إحصاؤه حالياً بسبب صعوبة العمل بالتزامن مع القصف العنيف بحسب يازجي.
يؤكد أحمد يازجي على أن قصف النظام السوري وروسيا تركّز بالدرجة الأولى على الأسواق والمدارس والبنى التحتية والمرافق العامة والحيوية والعمال الإنسانيين، معتبراً أن الحملة كانت «ممنهجةً تماماً».
استهداف المرافق الحيوية
وطابق كلام اليازجي ما رواه الناشط الإعلامي في إدلب معاذ العباس أثناء حديثه للجمهورية.نت، والذي أوضح أنه منذ صباح يوم الخميس الماضي لم يهدأ القصف على منطقة إدلب وريف حلب الغربي، وطال عشرات القرى والمدن، ومنها أريحا وجسر الشغور ومحمبل والنيرب وآفس وسرمين وبنّش ومدينة إدلب وسرجة وقميناس ومعارة النعسان ودارة عزة والأتارب والأبزمو وكفر تعال وكفر عمة والقصر.
وأضاف في حديثٍ للجمهورية.نت أن القصف تركز بالدرجة الأولى على المرافق الطبية والبُنى التحتية في مدينة إدلب تحديداً، إذ تعرضت كلٌّ من كلية طب الأسنان وكلية البيطرة للقصف، إضافة إلى المخابر التعليمية ومبنى مديرية التربية ومخيم الجامعة في مدينة إدلب، وكذلك مشفى الجامعة ومشفى ابن سينا والمشفى الوطني ومشفى الأمومة، ومركز تصوير الرنين المغناطيسي وبنك الدم الوطني، ومركز غسيل الكلى ودار الإحسان لرعاية الأيتام، ومبنى بنك شام ومبنى سيريا فون والقصر العدلي، ومركز تمكين المرأة في إدلب، وهيئة الزكاة ومدرسة الوحدة ومركز الدكتور وائل المحمود للتصوير الشعاعي والطبقي، ومشفى المحافظة ومركز الطبابة الشرعية، بالإضافة إلى مشفى الكنانة في مدينة دارة عزة غربي حلب، ومستوصف مدينة ترمانين، ومركز صحة النساء والأسرة التابع للدفاع المدني السوري.
ولفت إلى أن تصاعد وتيرة قصف قوات النظام وروسيا البري والجوي على هذه المناطق، وتركّزه على المنشآت المذكورة والتجمعات السكنية ومنازل المدنيين بشكل مباشر، كان سبباً رئيسياً لنزوح الأهالي. وأشار إلى أن العديد من العائلات عجزت في اليوم الأول والثاني للحملة عن الخروج لعدم امتلاكهم سيارات خاصة، وأيضاً بسبب توقّف عمل السيارات العامة وغلاء أجورها إن توفّرت، ما دفع مئات العائلات للهرب مشياً على الأقدام خارج منازلهم، متوجهين إلى مراكز إيواء أو مخيمات قريبة.
الخط الساخن
وعلى إثر ما تحدث به العباس، تواصلت الجمهورية.نت مع مستشار برنامج الحماية في مؤسسة إحسان الإنسانية، محمد غزال، الذي أكّد على أن كثرة احتياج العوائل لخدمة المواصلات والتنقل بعد انقطاع وسائل النقل العامة، دفعت المؤسسة إلى إطلاق فكرة الخط الساخن لإجلاء الأهالي في المناطق المستهدفة إلى مناطق أقل استهدافاً.
وبيّن أن الفِرَق الميدانية لمؤسسة إحسان استطاعت إجلاء العوائل من مدن وبلدات الأتارب وترمانين ودارة عزة وأريحا وجسر الشغور ومدينة إدلب، نحو مراكز إيواء على الحدود السورية – التركية ضمن مناطق أطمة وسلقين ودركوش وحارم وسرمدا، بالإضافة إلى مناطق أخرى آمنة نسبياً حسب رغبة العوائل. وأضاف غزال أن فِرَق إحسان التطوعية قدمت بعض جلسات الإسعاف النفسي الأولي ضمن مراكز الإيواء.
النازحون بالأرقام
مدير فريق منسقو استجابة سوريا محمد الحلاج، يؤكد أن فِرَقهُ استطاعت توثيق حملة القصف وأعداد النازحين الذين خرجوا من منازلهم في شمال غربي سوريا، إثر الحملة العسكرية الشرسة التي شرع بها النظام السوري نهاية الأسبوع الأول من الشهر الجاري.
وقال الحلاج للجمهورية.نت إن التطورات العسكرية في المنطقة، منذ بدء التصعيد العسكري في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري وحتى الثامن منه، أسفرت عن استهداف المنطقة من قبل قوات النظام وروسيا أكثر من 198 مرة، إذ تركز الاستهداف على أكثر من 61 مدينة وقرية، كما ساهمت الطائرات الحربية بأكثر من 35 غارة جوية خلال فترة التصعيد.
وأوضح أن النظام السوري استخدم في حملته العسكرية على شمال غربي سوريا أنواع أسلحة مختلفة، منها أنواع محرمة دولياً، إذ جرى استخدام الأسلحة العنقودية والفوسفورية أكثر من ست مرات في أرياف إدلب وحلب، وسببت عدة إصابات بين المدنيين.
وأشار إلى أن الحملة أسفرت عن مقتل أكثر من 42 مدنياً بينهم 12 طفلاً، وإصابة أكثر من 214 مدنياً بينهم 66 طفلاً، كما تم توثيق مقتل اثنين من كوادر العمل الإنساني وإصابة 4 آخرين نتيجة الاستهدافات.
وسبّبت الهجمة العسكرية للنظام السوري، وفقاً للحلاج، حركة نزوح من كافة المناطق المستهدفة، منوّهاً إلى أن العدد الأولي لإحصاء النازحين من قبل الفِرَق الميدانية تجاوز في اليوم الرابع للحملة 78.709 نازحاً ونازحة من مختلف المناطق، توجه 2619 شخصاً منهم إلى مراكز إيواء مُحدَثة، فيما توجه 7194 شخصاً إلى مخيمات النازحين الموجودة سلفاً في المنطقة الأساسية، كما توجه إلى مناطق ريف حلب الشمالي 6188 نسمة، وإلى قرى وبلدات ريف إدلب شبه الآمنة 35.713 نسمة، في حين توجه 26995 شخصاً إلى محيط القرى المُستهدفة والمزارع.
وحسب الحلاج أيضاً، فإن النازحين توزعوا إلى 31483 طفلاً وطفلة، و28335 امرأة، و18891 رجلاً. واختتم حديثه مع الجمهورية.نت بالمطالبة من كافة المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة بضرورة عودة العمل في مختلف المناطق وإعادة العمليات الإنسانية للمدنيين، وخاصة في مناطق النزوح، إضافة إلى العمل على الوصول إلى أماكن المدنيين غير القادرين على النزوح.
تعليق من الأمم المتحدة
في تقريرٍ صدر عن الأمم المتحدة يوم الإثنين 9 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، حمل عنوان أربعة أيام من الأعمال العدائية المستمرة، أكّدت على أن القصف المستمر والغارات الجوية للنظام وروسيا، استهدفوا أكثر من 1100 موقعٍ في شمال غربي إدلب وغربي حلب، مشيرةً إلى أنها سجلت 169 هجوماً في 4 أيام، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 36 شخصاً وإصابة 201 آخرين، من بينهم 48 طفلاً.
ونقل التقرير وقتئذٍ عن نائب منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأزمة السورية، ديفيد كاردين، قوله: «للأسف العائلات في إدلب يتعرضون لمحنة متكررة لأكثر من عقد من الزمن». وأضاف المسؤول الأممي: «أشعر بالقلق أيضاً من التقارير التي تفيد باستهداف المنشآت الإنسانية. مهما كانت الظروف، يجب تجنيب البنية التحتية المدنية آثار الأعمال العدائية».
وجاء في التقرير أنه وفقاً لآخر تحديثٍ صادرٍ عن مجموعة تنسيق وإدارة المخيمات، فقد نزح ما يقرب من 25.000 شخصٍ حديثاً، معظمهم من سرمين وجسر الشغور وإدلب ودارة عزة، وقد تكون أرقام النزوح الفعلية أعلى بكثير نظراً لسيولة الوضع.
وبيّنت الأمم المتحدة أنه اعتباراً من 8 تشرين الأول (أكتوبر)، يوجد 16 مركز استقبال في منطقة إدلب يمكنها استيعاب 460 أسرة، وفقاً للسلطات المحلية، وأفاد الشركاء بأن المراكز في حاجة ماسة إلى الخيام والغذاء والمراحيض وحليب الأطفال والنقود ومياه الشرب، بحسب التقرير.