لبنان: حرب الأرقام في ملف اللاجئين
بقلم: جنى بركات
جهة النشر: Daraj Media
كم يبلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان؟
ما هي الأرقام الدقيقة للمساعدات التي يتلقونها شهرياً؟
ما حجم العمالة السورية في سوق العمل المحلي؟
بعض من الأسئلة الجوهرية لا جواب دقيقاً لها، مقابل كمّ من الأرقام والمعلومات المضلّلة والمغلوطة التي تُبث بشكل ممنهج للرأي العام المحلي. فإلى جانب الانهيار الاقتصادي والأزمات المعيشية والسياسية التي يعيشها لبنان منذ أواخر عام 2019، برزت مجدداً مع الموجة المستجدّة ضد اللاجئين السوريين، فوضى في الأرقام والإحصاءات المتعلّقة بواقعهم.
في الأسابيع الأخيرة، اجتمعت الأحزاب السياسية بمختلف أطيافها على فتح ملف إعادة النازحين إلى لبنان، إذ يطغى خطاب معظمها على تحميلهم مسؤولية كل ما وصلت إليه البلاد من مشكلات وتحديات.
فجأة، بدأت الحملة بتصريحات مسؤولين محليين عن تفاوت مداخيل اللاجئين مقارنة باللبنانيين، وتحديداً ما كان أعلنه محافظ بعلبك بشير خضر لبعض وسائل الإعلام التلفزيونية، حين صرّح بأن راتبه أدنى مما يحصل عليه اللاجئ السوري في لبنان، مفتتحاً حملة شعواء ضد اللاجئين وحقيقة الأرقام المرتبطة بعددهم والمساعدات الأممية التي يتلقونها ودورهم في الواقع الاقتصادي اللبناني.
تبدأ أولى الإشكاليات بالأرقام المتعلقة بعدد اللاجئين، إذ أعلن الأمن العام اللبناني أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان في تشرين الأول/ أكتوبر 2022 هو مليونان و80 ألفاً من دون توضيح الآلية التي اعتمدها وصولاً إلى هذا الرقم، وبلا تقديم تفاصيل إن كان هذا الرقم يشمل المسجلين وغير المسجلين أو العائدين أو الحاصلين على إقامة موقتة.
لم يحدد الأمن العام مصدر الرقم، خصوصاً أن رقم مفوضية الأمم المتحدة هو نحو 800 ألف لاجئ مسجل حتى 31 آذار/ مارس 2023. أي أن هذا الرقم لا يشمل اللاجئين غير المسجلين رسمياً لدى الأمم، كما أشارت المفوضية أن الحكومة اللبنانية طلبت منها تعليق تسجيل اللاجئين السوريين في لبنان منذ أيار/ مايو 2015، وذلك بقرار من الحكومة اللبنانية، وهو قرار أتى في سياق احتقان سياسي بشأن ملف اللاجئين.
يوضح مدير “المركز اللبناني لحقوق الإنسان” وديع الأسمر، أنه بعد تلك الفترة، لم تعد المفوضية تسجل السوريين الذين يتوجهون إلى مراكزها بصفتهم لاجئين، بل تضع ملفهم “قيد الدرس” إلى حين مراجعته، لتقرر لاحقاً إن كان الشخص سيُمنح مساعدات شهرية لكونه لاجئاً أم لا.
أما عن المساعدات التي تثير جدلاً ويتوسل بعض الوزراء إلى الأمم المتحدة لتقديمها إلى الفقراء في لبنان بدل السوريين، عوضاً عن وضع خطة رسمية وصرف النظر عن البطاقة الائتمانية، فقد أوضحت المفوضية أن برنامج المساعدات النقدية للعائلات يشمل تغطية تكاليف الإيجار والطعام والأدوية، ويساهم في تقليل تعرضهم للاستغلال وفي اعتمادهم أساليب تأقلم سلبية.
أعلنت المفوضية أن المبلغ الذي تقدمه في الوقت الحالي لعائلات اللاجئين الأكثر ضعفاً هو 2.5 مليون ليرة لبنانية للعائلة الواحدة.
في ما يخص الرواتب الشهرية، أعلنت المفوضية أن المبلغ الذي تقدمه في الوقت الحالي لعائلات اللاجئين الأكثر ضعفاً هو 2.5 مليون ليرة لبنانية للعائلة الواحدة. ويقدّم أيضاً برنامج الأغذية العالمي 1.1 مليون ليرة لبنانية للفرد في العائلة الواحدة (وبحد أقصى 5 أفراد في العائلة الواحدة). هذا يعني أن الحد الأقصى لما تحصل عليه عائلة من 5 أفراد أو أكثر، هو مساعدات نقدية وغذائية بقيمة 8 ملايين ليرة لبنانية شهرياً، وتقدَّم هذه المساعدات بالليرة اللبنانية لا بالدولار الأميركي.
حاولنا الاتصال برئيس مكتب الإعلام في الأمن العام العميد إيلي الديك، لاستيضاح خلفيات هذا الرقم، إلا أننا لم نحصل على رد.
لكن هذا التخبط في الأرقام لا يقتصر على اللاجئين فقط، فغياب الرقم الدقيق يشمل عدد السكان، المهجرين، السجناء… ولذلك أسباب عدة إما سياسية تتمحور حول الخوف من التغير الديموغرافي بحسب الأسمر، أو لضعف في التقنيات لأن معظم الآليات التي تعمل عليها الدوائر الرسمية في لبنان لم تتطور إلى حد إدخال البيانات إلكترونياً، بل يدوياً.
عدد سكان لبنان
الأرقام، أداة قياس دقيقة وعلمية تُبنى عليها سياسات واستنتاجات وخطط إلا في لبنان، حيث تُنثر الأرقام كيفما اتفق، وفي جميع الاتجاهات بلا مصادر واضحة أو منهجية دقيقة، فمن يعرف حقاً عدد سكان لبنان؟ ومَن يعرف عدد أفراد كل طائفة على حدة؟ ومَن يستطيع تحديد عدد ضحايا الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)؟ وعلى أي رقم استقر عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أو عدد السوريين النازحين إليه؟
في لبنان تبدو الأرقام أداة مناكفة طائفية سياسية تستعملها الأطراف في معاركها وحساباتها.
آخر إحصاء عن عدد سكان لبنان صدر عام 2021، بتقدير 5.59 مليون نسمة تقريباً بحسب شعبة السكان التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة. أما الإحصاء الرسمي فيعود إلى عام 1932.
في شباط/ فبراير من كل عام، تنشر وزارة الداخلية والبلديات في لبنان أسماء وعدد الناخبين عن كل دائرة انتخابية، مضيفة على اللائحة كل من أصبح صالحاً ليدلي بصوته في الانتخابات النيابية والبلدية بعد إتمام الـ21، علماً أن ليست لذلك علاقة بعدد السكان، بما فيهم الولادات والوفيات.
من جهة أخرى، صرحت الأمم المتحدة في لبنان بأن عدد السكان حتى نيسان/أبريل 2023 يقدر بحوالى 6.7 مليون نسمة، ولم تتبنَّ أي جهة رسمية هذا الرقم.
أما عن عدد المهاجرين اللبنانيين، فقد أفاد تقرير جديد لـ”Lebanon International“، بقفز عددهم من 17721 عام 2020 إلى 79134 عام 2021. وحدد مركز الأبحاث، الذي يتخذ من بيروت مقراً له، أن معدل الهجرة هو الأعلى الذي شهده لبنان منذ خمس سنوات.
إنها الموجة الثالثة من الهجرة الجماعية في لبنان، وكان سببها إلى حد كبير الانهيار المالي والاقتصادي، بحسب الموقع. كما أن وزارة الخارجية والمغتربين لم تنشر أي دراسة عن المغتربين الجدد رغم أعدادهم الكبيرة.
إذاً، فيما لا نعرف عدد سكان لبنان الحقيقي، وفي غياب مسح شامل لذلك، ينشر الأمن العام اللبناني عدد النازحين، ويتم الترويج لأن عددهم يفوق عدد اللبنانيين، أو يساوي نصفهم. وهو أسلوب ينتهجه أصحاب خطاب التحريض والتجييش ضد اللاجئين السوريين، باعتبار أنهم بعددهم الكبير يشكلون خطراً ديمغرافياً واقتصادياً وأمنياً.
بين اللاجئين والنازحين
يجب التنويه بأن الأرقام الصادرة عن الأمن العام غير مفصلة، لتحديد من هم هؤلاء السوريين (هل هم لاجئون أو عاملون…) وسبب وجودهم في لبنان. ثمة فارق بين النازحين واللاجئين لغوياً وقانونياً، لذا، تسعى الحكومة اللبنانية إلى اللغط بين الاثنين ربما عمداً لأسباب سياسية واقتصادية.
لوحظ استخدام النظام السوري والموالين له مصطلح “نازح”، أي أنه لم يتخذ صفة لاجئ واختار النزوح إلى بلد آخر من دون التقديم على طلب اللجوء. أما اللاجئ، وهو التعريف المستخدم لدى الأمم المتحدة والمعارضين للنظام السوري، فهو شخصٌ أُجبر على مغادرة وطنه الذي نشأ فيه، هرباً من الاضطهاد والعنف، أو من تهديدٍ خطير يمسّ حياته أو حريته الشخصيّة أو سلامته النفسيّة والجسدية.
تروّج الدولة اللبنانية أرقاماً بهدف توظيفها سياسياً، لا وجود لإحصاء دقيق عن عدد السوريين على الأراضي اللبنانية، لكن باعتقاد الأسمر، فإن العدد لا يتجاوز المليون ونصف المليون ويشمل عدد الولادات والعائدين. أما عن اللاجئين الذين يدخلون خلسة عبر المعابر غير الشرعية، فيؤكد الأسمر في حديث مع “درج”، أن “المعابر غير الشرعية مكشوفة وتدركها الدولة اللبنانية جيداً، فإن أرادت الحد من هذا الأمر، ببساطة عليها إقفال هذه الحدود ووضع مراقبة شديدة”.
أما مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان، فأعلنت في آخر إحصاء لها في آذار/ مارس 2023، أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان هو 805 آلاف موزّعين على مختلف المحافظات، علماً أن العدد الأكبر يتركز في البقاع الذي يضم حوالى 321 ألف لاجئ.
في تحليل هذا العدد، أوضح الأسمر أن المفوضية غيرت أسلوب تسجيل اللاجئين حديثاً، فالسوري الذي يسجل نفسه في المفوضية يكون ملفه “قيد الدرس” قبل تسجيله لاجئاً. فقبل عام 2015، كان عدد اللاجئين بحسب المفوضية 950 ألفاً، عاد حوالى 90 ألفاً منهم الى سوريا حينها.
بالعودة إلى الأرقام الصادرة عشوائياً عن الأمن العام، وبما أنها غير مستندة إلى دراسة أو إحصاء معين، فهذا يعني أنه من الصعب الإشارة إلى أن هذا العدد يساوي نصف سكان لبنان، فيما تستخدمها الحكومة حجة أمام الأمم المتحدة لإقناعها بعودة اللاجئين إلى بلادهم.
للأرقام غير الدقيقة التي تروج لها الطبقة السياسية بأطرافها كافة، غاية في استغلالها سياسياً، وقد تكون متعلقة بملف رئاسة الجمهورية تمهيداً لتسوية بالتصويت للمرشح صديق النظام السوري سليمان فرنجية. على المقلب الآخر، يثبت هذا التخبط بالأرقام وغياب تحديث الأرقام الرسمية، انحلال الدولة بمؤسساتها كافة، فما قصة اللاجئين، إلا حجة تضيفها الدولة لتتنصل من مسؤوليتها. والسؤال الأهم، كيف لحكومة وبرلمان لا يعرفان العدد الدقيق لسكان البلد، أن يناقشا أعداد اللاجئين ودرس عودتهم إلى سوريا؟
أضف تعليق