الجهة: مركز السياسات وبحوث العمليات
مـلـخـص تـنـفيـذي
تَسعى هذه الدراسةُ للإسهام في المساعي الدولية الرامية إلى تحفيز مشاركة الشباب في مناطق الصراع. لقد قمنا بإجراء دراسةٍ عن شباب سوريا، البلد الذي خرج من حقبةٍ امتـدتْ إلى أربعة عقودٍ من الدكتاتورية، بانتـفاضةٍ جماهيرية اتخذَ فيها الشبابُ مكانةً قيادية، ثم آلت إلى عقدٍ من الحرب. ما تزال الحرب مستمرة، وكذلك حالة التشظِّي السياسي في سوريا المقسمة على ثلاث مناطق نُـفوذٍ رئيسية.
كان هدفنا هو استكشاف العلاقة بين الشباب السوريين والشأن العام لبلدهم، وذلك من خلال ثلاث وجهات نظرٍ تتمثل في: اهتمامات الشباب ومواقفهم تجاه الشأن العام، ومستويات مشاركتهم فيه، والعقبات التي تَحول دون مشاركتهم بشكلٍ أكبر. كما تستطلع الدراسةُ عن التدخلات القائمة حاليا في هذا الميدان وتُـقدِّم توصياتٍ حولها.
اعتمدت الدراسةُ على منهج مَيداني كَـمِّي باستخدام المسح كأداةٍ رئيسية لجَمع البيانات. ولحساباتٍ تتعلق بحالة الانقسام السياسي في سوريا، أُجرِيَـتِ الدراسةُ في أربع مناطق رئيسية، هي: المناطق التي يُسيطر عليها النظام، والمناطق التي تُسيطر عليها المعارضة، والمناطق التي تُسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ومناطق تَـمركزِ اللاجئين السوريين في تركيا. شمل الاستطلاعُ 1000 مشاركة ومشارك، وبحث كـلًّا من المتغيرات الرئيسية الثلاثة في علاقة الشباب مع الشأن العام، والمتمثلة في (الاهتمام، والمشاركة، والعقبات)؛ وذلك من خلال طرح أسئلةٍ متعددة. قدمتْ هذه المقاربةُ منظورًا مقارنًا فريدًا للشباب السوريِّ في سياقاتٍ سياسية مختلفة داخل سوريا أو خارجها، وسمحتْ بياناته بإجراء نوعٍ من المقارنة على نطاقٍ أوسع بين مختلف الفئات العرقية والجنسية والتعليمية والعمرية.
تُشير النتائج التي توصَّلنا إليها إلى أن ما يقرب من نصف الشباب السوري مُهتمون إلى حَدٍّ ما بالشأن العام. ومن بين مناطق السيطرة الثلاث، تتـزايد معدلاتُ الاهتـمام في مناطق سيطرة قسد والمعارضة، تليها مناطق سيطرة النظام، وأخيرًا بين الشباب السوري المقيمين في تركيا. كانت التصوراتُ الثلاثة السائدة للمجال العام بين المشاركين في البحث تتمثلُ في أنها “منطقةٌ مُرهقة ومن الأفضل تَجنُّـبها”، وأنها “واجب مَدني” وأنها “حق يجب السعي في طَلبه”؛ إلا أنَّ الاختلافَ الأكثر إثارةً للاهتمام بين مناطق النفوذ تلك هو أن عددًا أكبر من المشاركين في كلٍّ من مناطق سيطرة النظام وفي تركيا يَميلون إلى رؤية الشأن العام على أنه “مسعًى محفوف بالمخاطر وله عواقب”. وينطبق الشيء ذاته على المشاركين العرب في منطقة قوات سوريا الديمقراطية، الذين وصَفوا المجال العام بأنه “مَحفوفٌ بالمخاطر” بنسبةٍ أعلى بكثير من المستجيبين الأكراد في نفس المنطقة.
قُمنا أيضًا باستطلاع مستوياتِ مُشاركة الشباب ضمن أطُـر العمل الجماعي كالأحزاب أو الحركات السياسية، والمنظمات الإنسانية أو منظمات المجتمع المدني، والنقابات التجارية أو الطلابية، وغيرها، إلا أنَّ مُعدلاتِ مشاركاتهم كانت أقل بكثيرٍ من معدلات اهتمامهم؛ فقد سُجِّلَ أعلى مستوى لمشاركة الشباب مع المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني والفِرق أو الحملات التطوعية. من ناحيةٍ أخرى، كان أقل من عشرة بالمائة من الشباب الذين قابلناهم مُرتبطين بأيِّ مجموعةٍ سياسية أو اتحاد مهنـي/ طُـلابي. بالإضافة إلى ذلك، فإنه ومن بين ثلث العَينة الذين أفادوا بأنهم أعضاء في أيِّ إطارِ عملٍ جماعي، لم يشترك إلا نِصفهم فقط في أيِّ حدثٍ أو نشاطٍ متعلق بأطُرهم خلال الأشهر الثلاثة التي سبقتْ لقاءنا بهم.
ثمةَ مجموعةٌ كبيرة من العوائق التي تحد من مشاركة الشباب، كان أبرزها “ضغوط المعيشة” (سِيما في مناطق سيطرة النظام)، يليها “ضعفُ التعليم والمؤهلات بين الشباب” (والذي كانت نسبته أعلى في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية من غيرها)، وثالثًا كان “خوف الشباب من بطش السلطات” بنسبةٍ أعلى بين الشباب السوري المقيمين في تركيا، ثم في مناطق النظام.
يتحدثُ الفصل الأخير من هذه الدراسة عن التدخلات القائمة في هذا المجال، ويعرض مؤشراتٍ عامة حول: مدى توفر برامج تمكين الشباب في سوريا وتركيا، وأنواع التدخل الأكثر أهميةً من منظور الشباب. في هذا السياق، قال ما يقرب من نصف الشباب المُستطـلَعين إنهم لم يَسمعوا قَط بمثل تلك البرامج في مناطقهم، ولم يُشارك سوى أقل من ربعهم في أحد هذه البرامج. كما أظهرت البياناتُ أن أعلى معدلٍ للفرص كان في مناطق النظام، وكان الأدنى بين الشباب السوري المقيمين في تركيا.
من وجهة نظر الشباب السوري، يجب أن تركز التدخلاتُ أولًا على دعم سُبل العيش، لا سِيما في مناطق النظام والمعارضة. بينما جاءت برامجُ التعليم والتأهيل للشباب في المرتبة الثانية عمومًا، مع ارتفاع الطَّـلب عليها في مناطق المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية. الأولوية الثالثة كانت لمُعالجة المشاكل المجتمعية العامة؛ وكان هذا الطلب بنسبةٍ أعلى بين السوريين المقيمين في تركيا. الأمر الأكثر إثارةً للدهشة هو أن عشرةً بالمائة فقط من المستطلَعين اعتبروا القضيةَ السياسية أولوية قصوى؛ وذكر ذلك ربع المشاركين في منطقة قسد، بينما كانت النسبة أقل بكثيرٍ في مناطق أخرى.
كانت هذه الدراسةُ محاولةً لقياس الفجوة بين الشباب السوري والشأن العام السياسي والمدني والمجتـمعي السوري، ويبدو أن تلك العلاقةَ تمر في مرحلةِ أزمةٍ حرجةٍ وواعدة في نفس الوقت؛ إذ إنـنا نجدُ أنَّ هناك أزمةً بسبب مُشاركـتهم المَحدودة وافتِـقارهم إلى النشاط المُنـظَّم، لا سِيما في الأطُر السياسية. ومع ذلك، فإننا نشعر بالتفاؤل، لأنه حتى بعد أكثر من عقدٍ من الحرب وفي ظلِّ هذا الأفق السياسي الغامض، إلا أنه لا يزال جزءٌ كبير من الشباب السوريين مُهتمين بالشأن العام _بما في ذلك أولئك الذين أُجبروا على العيش خارج بلدهم_ والأغلبية منهم يَنـظرون إلى المستقبل بتفاؤل.
أضف تعليق