تعاني النساء العائدات من مخيم الهول لمدينة الرقة من مشكلة عدم تقبل المجتمع لهنّ، ووصمهنّ بالارتباط بتنظيم داعش، ويطلق عليهن المجتمع المحيط بهن مسمى “الداعشيات“، عدا عن حرمانهن لحقوقهن من المساعدات أو الخدمات.
واقع معيشي صعب
تأمين السكن والاحتياجات اليومية والعلاج من أبرز المشكلات التي تواجه النساء العائدات من مخيم الهول، وبالأخص أن معظم سكان مدينة الرقة يعانون من الفقر والعجز عن توفير الاحتياجات اليومية، وما يزيد الأمر سوءاً لدى النساء غياب وجود المعيل وقلة فرص العمل المتوفرة للنساء في المنطقة.
خلال سيطرة “تنظيم الدولة” على مدينة الرقة، انضم اثنان من أولاد أم محمود للتنظيم، وعجزت عن منعهم، فُقِدَ أحدهم واعتقل الآخر من قبل “قوات سوريا الديمقراطية”، وتوفي زوجها خلال المعارك التي شهدتها المدينة.
احتجزت المرأة مع أطفالها المتبقين في مخيم الهول لمدة ثلاث سنوات، ليتم إخراجها منذ عامين بوساطة أحد شيوخ العشائر في المدينة، لكنها واجهت الفقر والحاجة والحرمان من أبسط حقوقها، كحرمانها من المساعدات الإنسانية، وعدم تقبل جيرانها لها، تقول: “واجهت الكثير من الأشياء الصعبة والمشاكل، في إحدى المرات ذهبت لطلب المساعدة من قبل إحدى الجهات المتواجدة في المنطقة، لكن رفضوا مساعدتي، وقالوا لي أنتم عائلة دواعش وقادمة لطلب المساعدات، خرجت من عندهم وأنا أبكي”.
وتضيف، “تكرر الأمر عند زيارة أحد الموظفين لنا من أجل التسجيل على مساعدات، وعندما رأى دفتر العائلة الخاص بنا بدأ يسألني عن أبنائي وطلب مني أن أحضر له وثيقة تثبت بأن ابني مفقود، وأنا عاجزة عن إصدار هكذا وثيقة”.
تعيش أم محمود بعد خروجها من المخيم حالة خوف دائم من أقربائها وجيرانها نتيجة نظرتهم لنا، فتقول بصوت مخنوق “أنا ليس لدي هم في هذه الحياة سوى العيش بأمان، وتوفير العلاج لابنتيّ غير القادرتين على المشي”.
بينما عانت علا، وهي إحدى النساء المفرج عنهنّ من المخيم، من مشكلة توفير سكن لها ولبناتها بسب غلاء الأجور ومتطلبات المنزل، ما اضطرها للسكن مع أهلها، تصف لـ “روزنة” حالتها: “أعيش مع عائلة أهلي المكونة من أمي وإخوتي وزوجة أخي وأطفالها، وأنا وبناتي الثلاثة، وهم أساساً يعانون من فقر الحال، ومع ازدياد عددنا زادت احتياجات المنزل الأساسية كمواد المؤونة والحاجات اليومية، ونحن عاجزون على توفيرها في هذا الوضع الصعب”.
إيجاد فرصة عمل ضمن المؤسسات المدنية، صعوبة كبيرة تواجه النساء العائدات من المخيم، فخديجة تمكنت من الحصول على فرصة عمل ضمن إحدى المنظمات، لكن بعد معرفتهم بأنها عائدة من المخيم رفضوها، وتعيش مع إخوتها بلا معيل، “أسعى دائماً لتأمين فرصة عمل، في أحد المرات تم قبولي في إحدى المنظمات، لكن بعد معرفتهم بأني خارجة من مخيم الهول، تشكلت لديهم ردة فعل قوية، وقاموا برفضي”.
وتتساءل خديجة عن رفض تقبل المجتمع لهن كنساء عائدات من المخيم، فتقول: “نحاول أن نندمج بالمجتمع لكن لماذا المجتمع يرفضنا؟ علماً أننا في الأساس ننتمي لهذا المجتمع”.
بينما كانت سعادة عفراء عارمة بتمكنها من مغادرة المخيم في شهر تشرين الأول من العام الماضي، بكفالة عشائرية، لكنها اصطدمت بالواقع خارج المخيم، من ناحية رفض المجتمع تقبّلها، بسبب انضمام زوجه إلى التنظيم سابقاً، وهو اليوم معتقل لدى “قوات سوريا الديمقراطية”.
تقول عفراء: “بعد عودتنا واجهنا شعور الغربة، حتى من أقرب الناس، بالأخص من الأهل ومن الجيران، ولم يكن هناك مكان مناسب للإقامة فيه”، ومن بين أكثر الأسئلة التي واجهتها من أهلها ومحيطها الاجتماعي عدم معرفة شيء عن مصير زوجها، لكنها أكدت أنه منذ تاريخ خروجهما من مناطق سيطرة التنظيم نهاية 2017 وهي لا تعلم عنه أي شيء: “رغم مطالباتي الملحة من الإدارة الحاكمة وأعضاء (لجان حل النزاع) اعطاءنا أجوبة شافية، لكن دون جدوى”.
أما نور ذات العشرين عاماً المنحدرة من بلدة هجين بريف دير الزور الشرقي، وهي أم لأربعة أطفال، عاشت نصف حياتها بين المخيمات ومناطق الحروب، تؤكد على فقدانها الأمل في تحسن ظروفها المعيشية، خصوصاً بعد أن واجهت رفض المجتمع، والمشاجرات اليومية مع جاراتها: “أغلب الجيران والمحيط الاجتماعي يخافون من أطفالي، وأوصوا أولادهم بعدم اللعب معهم، كان شعوراً قاسياً أن تتقبل هذا الواقع”.
كانت نور تحلم بحياة طبيعية بعيداً عن معاناة المخيم وظروف العيش القاسية في مناطق سيطرة التنظيم، لكنها وجدت نفسها وسط مجتمع يرفضها ولم تعد تكترث كثيراً لهذه المعاملة نظراً لمواجهة مشقات الحياة وتأمين نفقات معيشة عائلتها.
أطفال بلا قيد وجنسية
يضاف إلى مجموع معاناة النساء العائدات من مخيم الهول، معاناة تسجيل أطفالهن ضمن المدارس، أو الحصول على وثيقة تثبت جنسية الطفل في حال كان الأب من جنسية أجنبية، الأمر الذي يؤدي إلى حرمان الأطفال العديد من حقوقهم كالتعليم والرعاية الصحية.
واجهت خديجة الكثير من الصعوبات حتى تمكنت من إصدار وثائق تثبت جنسية أطفالها لتسجيلهم في المدرسة، بينما لم تستطع مروة تأمين وثيقة تثبت جنسية طفلتها التي يعود أصل أبيها إلى الجنسية المغربية، حاولتْ البحث عن أقربائه والوصول لهم، لكنهم لم يستطيعوا مساعدتها، وباتت عاجزة عن تقديم العلاج لطفلتها مكتومة القيد.
تتحدث مروة لـ “روزنة” عن قصتها بعد أن أتعبها التفكير بمستقبل طفلتها ووضعها الحالي بعدم وجود قيد لها، تقول: “اليوم أعيش مع صراع وتفكير دائم في كيفية تسجيل الطفلة، وحصولها على اسم وعلاج، لأنها تعاني من المرض منذ الولادة”.
مبادرة للدمج المجتمعي
مع نهاية العام الماضي شكّلت منظمة “شباب أوكسجين” لجنة حل النزاع بالرقة، التي تعمل على دمج النساء والأطفال العائدين من مخيم الهول بالمجتمع، من خلال تقديم مجموعة من الخدمات لهم بالتنسيق مع مؤسسات “الإدارة الذاتية” بالمنطقة.
تتألف اللجنة من عشرة أشخاص، ثلاثة منهم ناشطات بالمجتمع المدني، بالإضافة إلى وجهاء عشائر وقضاة ونشطاء، عملوا خلال الفترة الماضية على حل الكثير من مشاكل العائلات العائدة من المخيم، كما أطلقوا في تشرين الأول من العام 2021 حملة “بين أهلكم”. يتحدث لـ “روزنة” عن آلية عمل اللجنة أحد أعضائها، أحمد حنفيش: “تعمل هذه اللجنة على المصالحة من منظور الصدمة النفسية، التي عانت منها منطقتنا والعمل على بناء السلام والعدل والرحمة”.
يضيف حنفيش، “وضعت خارطة طريق للعمل، من أولوياتها الوقوف على أحوال العائلات العائدة من مخيم الهول، والتي تضم أبناء عناصر تنظيم الدولة، وهم أطفال أيتام ونساء أرامل، وعددهم يقدر بالآلاف، وتحديد معاناتهم والعمل على تذليل الصعاب ولدمجهم في المجتمع حتى لا يكونوا في مسرب آخر”.
ويشير إلى أنه بالنسبة للنساء السوريات المتزوجات من أجانب، ما زالت قضيتهنّ طور النقاش مع مديرية الأحوال المدنية، دون الوصول إلى حل نهائي لكن، مؤكداً تلقيهم وعوداً بحل هذه المشكلة ومنحهنّ بطاقات مؤقتة.
أما عن موضوع المساعدات وتوفير فرص العمل، يقول حنفيش: “الوضع الاقتصادي في المنطقة صعب، ونحن أمام تحدٍ كبير، لكن نسعى لتوفير المساعدات الإنسانية لهؤلاء العائلات بالتنسيق مع المنظمات والجمعيات والخيرية، وفي حال كان لدى إحدى النساء مؤهلات نسعى لتأمين فرص عمل، كما نعمل دائماً لتشجيع النساء على الانخراط في دورات تدريبية في مجالي الحاسوب وتصفيف الشعر، لنستطيع ربط هؤلاء النساء بالمنظمات والجمعيات وتوفير العمل لهن”.
ويتحدث بشار الكراف المدير التنفيذي لمنظمة “شباب أوكسجين” بأن الورشات والأنشطة التي تنظمها هذه الجمعيات سلطت الضوء على أولوية احتياجات النساء والأطفال العائدين من مخيم الهول، قائلاً: “ناقشنا سبل كيفية استقرار هذه العائلات، وتعزيز السلم الأهلي بين المجتمع وصولاً لحل كافة المشاكل التي تواجهها من خلال الحلول الفردية لكل مشكلة على حدة”.
أسهمت هذه اللجان والمنظمات المدنية بحسب مدير منظمة “شباب أوكسجين” في تخفيف الصورة النمطية حول هذه العائلات العائدة لمسقط رأسها، فيضيف، “تحررت من تهمة تبعيتها لفصيل عسكري وتنظيم محدد، فهؤلاء واجهوا مشاكل التنمر من قبل المجتمع والشعور بالعزلة والرفض الغير مبرر، لكن كل العائلات مؤلفة من نساء وأطفال أبرياء لا ذنب لهم في هذه الحروب”، واختتم حديثه قائلاً: “هدفنا دمجهم بين أهلهم وتقبلهم من الجميع ومساعدتها لطي الماضي ونسيان أهوال الحرب”.
وبلغ عدد النساء العائدات من مخيم الهول إلى محافظة الرقة 873 امرأة، برفقة أكثر من 2500 طفل، بحاجة للمساعدة الماسة لتحسين وضعهم الاقتصادي ودمجهم بالمجتمع بحسب لجنة حل النزاع في الرقة.
للمزيد :
أضف تعليق