تأثير عمليات التحالف الدولي على اقتصاد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا
- عدد المشاهدات: 0
Description
مقدمة:
يمثل تنظيم “الدولة الإسلامية” شكلاً جديداً ومختلفاً للتنظيمات الأصولية التي تجاهد لأهداف محددة، فالتنظيم المتطرف يمتلك رؤية استراتيجية بعيدة المدى، هي إقامة دولة الخلافة الإسلامية التي تستمد قوانينها وفقاً للرؤية الفقهية للتنظيم المستندة إلى الشريعة الإسلامية، وتحويلها إلى واقع فعلي.
بعد سيطرته على مناطق شاسعة يتوفر فيها العديد من الموارد الطبيعية “نفط، غاز، زراعة” في سوريا والعراق، وتحكّمه النشاطات التجارية فيها، بات تنظيم الدولة الإسلامية، التنظيم الأيديولوجي الأغنى في العالم، إذ تبلغ ميزانيته وفقاً لمصادر عديدة حوالي (2،2) مليار دولار أمريكي سنوياً.
تنظيم الدولة الإسلامية يختلف عن باقي التنظيمات، خصوصاً تنظيم “القاعدة”، فقد أدرك الخطورة على استمرارية التنظيم المتأتية من الاعتماد على مصادر تمويل خارجية، وسعى لأن يمتلك موارده المالية مستقلاً عن مصادر الدعم والتمويل التقليدية (التبرعات) التي طالما تغيرت تحت ضغوط سياسية، وأثرت في استراتيجيات التنظيمات الأخرى. فعمل التنظيم للسيطرة منفرداً على المناطق الغنية بالموارد التي من شأنها تأمين التمويل اللازم لتحقق الاكتفاء الذاتي الذي يساعده لبناء اقتصاد دولته المنشودة، بما يضمن استقرار، واستمرار “دولته” التي أعلنها على المساحة التي سيطر عليها.
تعتبر مناطق سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا الأكثر أهمية بالنسبة للتنظيم، إذ يسيطر فيها على (11) حقلاً نفطياً في محافظات: “دير الزور، الحسكة، الرقة، حمص” حيث أكبر حقلين نفطيين إنتاجيين في سوريا: “حقل العمر، حقل التنك” في محافظة دير الزور، بالإضافة لعدد من محطات توليد الطاقة الكهربائية، وصوامع الحبوب، ومساحة شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة المنتجة للقمح والشعير، والغنية بالمواقع الأثرية.
- اقتصاد تنظيم “الدولة الإسلامية”:
ثمة تغييراً نوعياً أحدثه تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد إبّان سيطرته عليها. إذ ساد في تلك المناطق، قبل سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وخصوصاً محافظة دير الزور شكلاً من اقتصاد الحرب، لا مركزي، تديره بجزئه الأكبر، الفصائل العسكرية المسيطرة على الموارد النفطية وطرق التهريب، وتوظفه لاستمرار حربها ضد نظام الأسد، ويدور في فلكه تجار الحرب المحليين. ما أدّى لازدهار حركة تجارية غير منضبطة تعتمد على التهريب بشكل رئيسي: “السلع الغذائية، السلاح، المخدرات، الآثار”، يضاف إلى ذلك أموال التبرعات والدعم الإغاثي والعسكري. وفي خضم هذا المشهد حافظ نظام الأسد على استمرار دورته الاقتصادية في تلك المناطق بحدّها الأدنى([1])،
بعد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على المنطقة الشرقية عمل التنظيم على ضبط تلك الدورة الاقتصادية الهجينة، بالتوازي مع بناء منظومته الاقتصادية المركزية التي يسيطر فيها على الموارد كافة، وخصوصاً النفطية منها، ويديرها بالتزامن مع ضبط الحركة التجارية في المنطقة من خلال فرض الضرائب والتسعير الإجباري ومنع الاتجار بالمواد الممنوعة، وحصر شبكات التهريب عن طريق عناصر التنظيم، والاستثمار غير المعلن.
هذه الموارد المتنوعة في مناطق سيطرة التنظيم، والعوائد المالية الضخمة المتأتية منها، وفرت للتنظيم إمكانية بناء تدريجي، مالي وإداري، لاقتصاد بسيط لدولته، بما يخدم نشاطاته العسكرية والمدينة. وساعده في ذلك ظروف الحرب في سوريا، إذ تنخفض التكاليف غير العسكرية (الإدارة، الخدمات) فيها إلى حد الكفاف، وهذا مناسب جداً لتنظيم “الدولة الإسلامية” الذي يتحكم بموارد مالية ضخمة. كما وفر للتنظيم، هذا الاستقرار النسبي، إمكانية عقد اتفاقيات تبادل مع “نظام الأسد”، خصوصاً في قطاعي: “النفط، الغاز”([2]).
يعتبر النمط الاقتصادي لتنظيم الدولة الإسلامية الأكثر تطوراً لمثيلاته من التنظيمات الأيديولوجية، إذ استفاد التنظيم من التجارب السابقة لتنظيم القاعدة الذي كان يعتمد في جزء كبير من مصادر تمويله على التحويلات البنكية من المجموعات الأهلية، الخليجية خصوصاً، والتي يسهل تطويقها وخنقها، ما جعل التنظيم يغير من استراتيجية تعاملاته المالية التقليدية من التعامل بالتحويل البنكي عبر النظام المالي الرسمي إلى تهريب الأموال واستلامها نقداً عبر الحدود، واستخدام طرقاً غير رسمية في النظام المصرفي، وهذا جعل من الصعوبة بمكان تتبع المصادر المالية للتنظيم وتقويضها.
تدريجياً، طور التنظيم منظومته الاقتصادية سعياً منه لتحقيق الاكتفاء الذاتي لتمويل حروبه وتأمين رواتب مقاتليه، مع تقديم خدمات طفيفة للسكان بحدودها الدنيا (النظافة، الكهرباء، الهاتف، دعم الخبر).
هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.
Information Card
-
- Title: تأثير عمليات التحالف الدولي على اقتصاد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا
- Publishing Date: يناير، 2016
- Download Link: Click here
إضافة تعليق إلغاء الرد
هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.
إضافة تعليق