حتى اللحظة، لا توجد إحصائية دقيقة أو موحّدة للوجود السوري في لبنان، إذ تعلن السلطات اللبنانية الرسمية أن عدد السوريين النازحين يتراوح ما بين مليون ونصف المليون ومليوني سوري مُقيم على الأراضي اللبنانية. والأرقام تتباين بين جهاز رسمي وآخر.
وكانت السلطات اللبنانية قد طلبت من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين عدم تسجيل المزيد منهم في مطلع عام ٢٠١٥، وأن من يريد الدخول إلى لبنان عليه الالتزام بالشروط المفروضة على دخول أي أجنبي، لكنّ ذلك لم يمنع عدداً كبيراً من السوريين من الدخول عبر ١٣٦ ممراً غير قانوني على الحدود ما بين لبنان وسورية.
وتُشير أرقام المفوضية إلى وجود ٩٥١٦٢٩ لاجئاً سورياً مسجّلاً لديها حتى تاريخ ٢١ تشرين الاول ٢٠١٨.
استبيان جديد
ترافَق تسارُع الانهيار المالي والاقتصادي في نهاية عام ٢٠١٨، مع تصاعُد الخطاب العنصري وخطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين وتحميلهم مسؤولية التفلّت الأمني والانهيار الاقتصادي، وهذا ما دفع مجموعة بسمة الدولية للمساعدات الإنسانية إلى القيام باستبيان للمساهمة في البحث بعودة اللاجئين الطوعية والآمنة إلى وطنهم سورية. والعوامل التي تدفعهم إلى العودة أو عدمها، وتسليط الضوء على الهواجس والمخاوف التي تلعب دوراً مهماً في عملية اتّخاذ القرار.
استهدف الاستبيان ٢٠١ شخصاً مقيماً في مناطق مختلفة من لبنان، ١٠٤ من الإناث و٩٧ من الذكور.
شروط العودة
أظهر الاستبيان، خصوصاً بما يتعلّق بالرغبة في العودة، أنّ ٥١ ٪ منهم لا يرغبون بالعودة إلى الوطن، في حين أن ٢٥ ٪ أبدوا رغبتهم بشدّة للعودة، فيما بقي ٢٤ ٪ منهم متردّدين باتّخاذ القرار.
ويرى ١٧٥ شخصاً، أي ما نسبته ٨٧ ٪، أن الشرط الأساسي للعودة هو تحسّن الظروف الأمنية في الداخل السوري، و٥١ ٪ يشترطون تحسناً في الظروف الاقتصادية، فيما اشترط ٨٨ شخصاً من أصل ٢٠١ ضرورة الوصول إلى تسوية سياسية بين الأطراف السورية، وطالب ٨٣ شخصاً بشرط تعزيز سلطة القانون.
٥١ ٪ من السوريين لا يرغبون بالعودة . ٢٥ ٪ أبدوا رغبتهم بشدّة للعودة، بينما ٢٤ ٪ أبدوا ترددهم باتّخاذ القرار
كل هذه الشروط تجعل من أي عودة طوعية وآمنة للّاجئين قضية ليست للتنفيذ سريعاً على الرغم من أنها حق من حقوق الإنسان يجب تأمينها للعودة.
من استهدف الاستبيان؟
استهدف الاستبيان أشخاصاً من جميع الفئات العمرية، من أقلّ من ١٨ عاماً وصولاً إلى ما فوق ٦٠ عاماً.
٥٢ ٪ من المستهدفين متزوجون، و٣١ ٪ عازبون، و١٢ ٪ أرامل، و٥ ٪ مطلّقون.
كما تبيّن أن ٦٥ ٪ يتحمّلون مسؤولية الأسرة، في حين أن ٣٥ ٪ لا يتحمّلون أي مسؤولية أُسرية. وأن ٨٠ ٪ مسجّلون مع أُسرهم بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين. كما أن ٦٠ ٪ يسكنون في منازل مستأجرة والباقي في مخيمات عشوائية.
ويلاحظ أن ٥٥ ٪ من المستهدفين يعيش جزء من أسرهم في سورية، في حين أن ٤٥ ٪ لا أُسر لهم بالداخل السوري. وأن ٤٧،٥ ٪ يعملون في مهن مختلفة والباقي لا يعمل.
وأفاد ١٣٩ شخصاً، أي ٦٩ ٪، أنهم لا يحصلون على أية مساعدات مالية من منظمات دولية أو محلية.
بعد هذه الخلاصات التي أظهرها الاستبيان، هل من إمكانية للتوصل إلى خطة وطنية تُعيد اللاجئين السوريين إلى وطنهم ليستعيدوا حياتهم بكرامة وأمن؟ أسئلة كبيرة لا يملك أحد الإجابة عنها حالياً…
سورية… الجديدة
ليندا سيدة سورية تبلغ من العمر ٣٨ عاماً ولديها أربعة أولاد، لجأت إلى لبنان قبل خمس سنوات واضطرّت إلى العودة إلى سورية بسبب المضايقات التي تعرّضت لها خلال فترة اللجوء. تقول ليندا: “في لبنان واجهت صعوبات بالحصول على فرص عمل لي ولأولادي، وتعرّضت خلال وجودي إلى نحو ١٥ محاولة تحرّش جنسي، ما دفعني إلى تبديل أماكن العمل، كما خفت على بناتي، وهذا ما دفعني إلى العودة من دون التفكير بصعوبة الحياة في سورية”.
بعد مرور أكثر من عام على عودتها لا تعلم ليندا إن كان قرارها صائباً أم لا. وتوضح الأمر قائلة: “بعد ارتفاع الخطاب العنصري في لبنان والمضايقات التي تعرّضت لها خلال لجوئي مع أطفالي، قرّرت العودة إلى سورية وطني الغالي، نصحني عدد من الأصدقاء بعدم العودة إلا بعد تأمين الأمن والأمان وشروط الحياة الكريمة”.
وتتابع: “لم أُصغِ للنصيحة، وعدت إلى مدينتي لأعيش عيشة الكلاب. وكيف يمكن أن أصف الحياة هنا؟ أعتقد أنكم لن تستوعبوا الصورة الفعلية والمشهد الذي يتكرّر أمامنا يومياً. الحياة هنا في سورية صارت معاناة بحدّ ذاتها”.
تضيف: “عدت لأجد أن النسيج الاجتماعي الذي تعوّدنا عليه قبل الحرب، لم يعد موجوداً، عدت مع أطفالي الأربعة ولم يستقبلني أحد. منزلنا كان منزلاً، وتحوّل إلى بقايا منزل. لا تستطيع أن تجول في الشوارع، الدمار يحيط بك من كل جانب، الأبنية مهدّمة والركام يملأ الشوارع، والنقليات من مكان إلى آخر هي كارثة بحدّ ذاتها. إننا نعيش بدون كهرباء ولا ماء ولا حتى غاز كي نستخدمه للطبخ، ودوري بالحصول على قارورة غاز يأتي بعد ١٤ يوماً. نشرت إعلاناً على هاتفي للحصول على قارورةغاز وأعيدها إلى أصحابها بعد حصولي على حصتي. لا تسألوني عن الطعام لأنكم لن تصدّقوا كيف نحصل على الطعام، وأخجل من شرح ذلك”.
الجانب الصحّي جيد، الكادر في المستشفيات موجود وكامل، ومولدات الكهرباء تعمل بشكل دائم، والخدمات الطبية متوفرة، ولكن ليست مجانية كما كانت قبل الحرب، الآن تحوّلت الخدمات الصحية إلى القطاع الخاص، ولا يستطيع الدخول إلى المستشفى إلا من كان يملك المال، الطبيب العادي يتقاضى ٧ آلاف ليرة سورية بدل معاينة وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى كثير من السوريين.
حتى المدارس والجامعات لم يعد معظمها مجانياً، وتشرح: “أولادي تلقّوا العلم في لبنان بصفتهم لاجئين، للأسف لم يتعملّوا جيداً ولم يحصلوا على شهادات، إذا أردتم المقارنة الآن، هنا أفضل إذا توفّر المال.
ونصل الان الى بيت القصيد، اي فرصة عمل في اي مكان، في الدولة أو مؤسسات خاصة أو عامة لا يمكن أن تتوفر لك إلا إذا حصلت على دعم من أصحاب النفوذ، وأن يكون صاحب النفوذ جزءاً من السلطة، هذا كي تحصل على راتب يصل إلى ٢٠٠ ألف ل.س. شهرياً. خارج هذا الإطار فإنك تحصل على راتب يتراوح ما بين ٥٠ و٦٠ ألف ل.س. في حين أن إيجار منزل عادي يصل إلى ٨٠ ألف ل.س.”
من يستطيع العيش هنا وعلى مستوى عادي جداً، هو من يستطيع الحصول على حوالات مالية من الخارج، من له إبن أو إبنة، أخ أو أخت في الخارج ويستطيع أن يرسل لأهله مساعدة مالية تساعده على الإستمرار في الحياة.
وتختم ليندا: “أخجل أن أقول أن هناك من يجمع أكله من النفايات المرمية على جوانب الشوارع.
أما نحن النساء فنعاني أكثر من غيرنا وخصوصاً إذا كنا مسؤولات عن أطفالنا. إننا نتعرض لكل شيء منافٍ للإنسانية. حتماً عودتنا إلى الوطن حقّ لنا، ولكن كيف نعود ولا إمكانية للعيش بكرامة، شأننا شأن غيرنا من الشعوب العربية؟”.
المصدر باللغة العربية: https://www.nasmedia.org/index.jsp?post_id=207&fbclid=IwAR3IjNVVzW7QhoSwnRJYT55qBAJ_y17qdgBp_WeFHTvgSi4crzzo9lvZqdI
أضف تعليق