حركة 10 آب: لا خلاص إلّا بالعمل السياسي المنظم
بقلم: صادق عبد الرحمن
جهة النشر: الجمهورية.نت AlJumhuriya.net
في الخامس من آب (أغسطس) الماضي صدرَ بيانٌ عن حركة سياسية أطلقت على نفسها اسم «حركة 10 آب»، حدّدت فيه مهلةً للسلطة السورية لإعلان آجال زمنية لتنفيذ بعض المطالب المعيشية والسياسية، وأعلنت أنها ستُطلق حراكها السلمي مع نهاية المهلة في العاشر من آب إذا لم تكن هناك استجابة من طرف السلطة.
جاء بيان الحركة في سياق أجواء من السخط الشعبي نتيجة التدهور الرهيب في سعر صرف الليرة السورية، وفشل مشروع التطبيع العربي وانهيار الوعود الاقتصادية التي كان يحملها. كان التفاعل الواسع مع البيان على صفحة الحركة على فيسبوك واحداً فقط من العلامات الكثيرة على هذا السخط، لكن بشار الأسد خرج في مقابلة على شاشة سكاي نيوز يوم التاسع من آب، ليكرّر خطابه المألوف ويتجاهل كل ذلك السخط. ثم جاء البيان الثاني للحركة في اليوم نفسه ليُعلن انطلاق الحراك السلمي للحركة، وتتعاقب بعدها فيديوهات وصور على صفحتها تُظهر توزيع منشورات أو رفع لافتات تطالب بالتغيير وتحمل اسم الحركة، من دمشق وحلب وحماة والسويداء ومدن الساحل السوري وغيرها.
حدثَ ذلك بينما كان واضحاً أن روحاً احتجاجية جديدة تدبُّ في الجسد السوري، تمثّلت في تعبيرات غاضبة وعلنية على وسائل التواصل الاجتماعي واجهها النظام بالاعتقالات، وفي عودة أشكال متنوعة من محاولات الانتظام السياسي، كما في عودة حركة الشغل المدني إلى النشاط عبر التجمع الشبابي الذي أصدر بيانه في الثاني عشر من آب، ثم إطلاق صفحة الحركة الشعبية السورية من طرطوس واللاذقية في 15 آب، ثم إعلان لجنة تنظيم الإضراب والحراك (قاوم) عن نفسها في 25 آب.
في تلك الأثناء أيضاً، أصدر النظام قرارات في 16 آب برفع المعاشات بنسبة 100 بالمئة، لكن بالتزامن مع رفع الدعم عن المحروقات، ما تسبّب بموجة جديدة من ارتفاع سعر الصرف وتدهور القدرة الشرائية للسوريين، وبموجات من الغضب الشعبي بلغت ذروتها مع تَحوُّل حراك السويداء، الذي كان يتجدد ويتطور بأشكال متنوعة طوال السنين الماضية، إلى انتفاضة شاملة منذ 20 آب.
أصدرت حركة عشرة آب بيانات عدة ونشرت فيديوهات وصوراً متنوعة طوال هذا الوقت، وبدأت تصوغ خطابها السياسي الذي تتضح معالمه أكثر فأكثر يوماً بعد يوم. أُحاورُ هنا أمير ناصر المتحدث الرسمي باسم الحركة، عن مشروع الحركة وخطابها ورؤيتها للّحظة الراهنة ومستقبل البلد.
يستخدم أمير ناصر اسماً مستعاراً ووسائل اتصال آمنة تضمن إخفاء شخصيته حتى عن مُحدِّثيه، ويتحدّث من مكان مجهول باسم حركة سرّية سورية تسعى إلى التغيير السياسي بوسائل سلمية، في بلد توجد فيها عشرات آلاف البنادق المرفوعة، ومئات مراكز الاعتقال والميليشيات والجماعات المسلحة، وجيوش لدول عديدة.
في ما يلي حوارنا:
في الثالث عشر من آب نشرتم على صفحتكم نصّاً قصيراً قلتم فيه: «سنبقى مستمرين بما بدأنا به، خطواتنا صغيرة لكن ثابتة حتى النهاية».
من هم الذين كنتم تخاطبونهم وقتها بهذا التأكيد على ثبات خطواتكم رغم صغرها؟
كنا نخاطب المُستعجلين الذين توقعوا أنهم سيشاهدون مظاهرات كبرى في الشارع تقودها الحركة خلال أيام من بدء حراكها، والذين يرون أن خطواتنا الصغيرة مثل رمي المنشورات لا قيمة لها، وكذلك أنصار السلطة الذين يهزؤون بِحراكنا. أردنا أن نقول إن مواجهة السلطة والعمل على التغيير السياسي أمورٌ تحتاج صبراً ونَفَساً طويلاً، وإنه لا حلول يمكن أن تأتي بها خطوات غير مدروسة، تتسبب بخسارة شباب وشابات على يد السلطة في مناطق السيطرة الأمنية المُحكَمة للمخابرات السورية مثل الساحل ووسط سوريا ودمشق، بل إن الحلول تأتي بالعمل الدؤوب الذي يدرك الواقع المحيط به.
لكن بيانكم الثاني كان عالي النبرة بحيث أعطى انطباعاً لكثيرين أن هناك حراكاً ضخماً تم التجهيز له. ألا تشعرون أن هذا قد سبَّبَ بعض الإحباط لأنصار خطابكم السياسي؟ ما الذي يمكنكم قوله لمن أحبطتهم تلك التوقعات العالية؟
نقول إنه تم تحميل الحركة ما لا تحتمل، فهي حركة ناشئة حديثاً تسعى إلى المساهمة في التغيير ولا تدّعي أنها ستقود إلى التغيير بشكل سريع. لقد وعدنا بإطلاق حراك لا عنفي في مناطق عدة داخل البلد، وفعلنا ذلك لنثبت أنه يمكن التنظيم والعمل والنضال، ولنثبت أننا موجودون فعلاً. نؤكد مجدداً أن خطواتنا مستمرة، لكن على جميع الراغبين في التغيير أن يعملوا عليه بأنفسهم بدل أن ينتظروا حدوثه دون القيام بشيء. ثمة وسائل عديدة للاحتجاج على السلطة، ومن بينها البدء فوراً بالتنظيم السياسي واللقاء والنقاش، وبأية أنماط احتجاجية لا عنفية يمكن أن يقوم بها الأشخاص منفردين أو مجتمعين، كلٌّ حسب ظرفه ومكان تواجده وطبيعة السلطة وأدواتها في مكان تواجده وبما يضمن سلامته قدر الإمكان، ويشمل ذلك الاحتجاج على سلطة النظام السوري وكل سلطات الأمر الواقع الأخرى في البلد. لا تستطيع حركة 10 آب ولا غيرها أن تقلب الواقع القائم بمفردها، لأن هذا يحتاج حراكاً شعبياً جماهيرياً وطنياً نسعى للمساهمة فيه.
حاز بيانكم الأول تضامناً واحتفاءً واسعاً بين سوريين من أصحاب الخطاب الإصلاحي إذا صح القول، أو أصحاب الخطاب الاحتجاجي الذي لا يتجاوز سقف المطالب المعيشية، لكن مع بدء الحديث عن الانتقال السياسي ثم ظهور منشورات على صفحتكم تهاجم بشار الأسد، تراجع كثيرون منهم عن دعمكم، حتى أننا نجد تعليقات تتّهمكم بتغيير مبادئكم. كيف تقرأون هذا وتتعاملون معه؟
أردنا في البداية أن نقدّم مطالب بسيطة، حتى أننا لم نطلب شيئاً سوى إعلان آجال زمنية لتنفيذ بعض المطالب التي لا يختلف على شرعيتها أحدٌ في سوريا. أردنا ذلك كي نُظهر لأكبر قدر من السوريين والسوريات أن السلطة لا تستجيب حتى لأبسط المطالب. سيتراجع كثيرون دون شك لأسباب عديدة، من بينها اعتقادهم بإمكانية تحسّن الوضع المعيشي دون الحاجة لتغيير سياسي، أو خشيتهم من تبعات رفع السقف وتناول رأس السلطة. ما يهمنا أن هؤلاء انخرطوا اليوم في نقاشات سياسية. بدأت حركتنا في ظرف من الاستنقاع والركود السياسي، وفي أجواء غاب فيها حضور الفاعل السياسي السوري طويلاً، وأردنا أن نبدأ نوعاً من الحراك السياسي في مناطق سيطرة النظام السوري، وأن نبدأ بتأسيس خطاب سياسي سوري جديد.
هل شعرتم أنكم برفعكم للسقف سريعاً خسرتم شريحة كانت ترغب في خطاب أخفض سقفاً، وتجد نفسها مستعدة للتماهي مع مطالب لا تتناول رأس السلطة وشكل النظام السياسي؟
لم نشعر بالخسارة التي تتحدّث عنها، أولاً لأننا أمام سلطة لا تعرف غير لغة الحذاء العسكري والبطش، ولا معنى في رأينا لخطاب سياسي لا يتحدث عن جوهر المشكلة ويسمّي المسؤولين عنها. لكننا لم نشعر بالخسارة أيضاً لأن هدفنا لم يكن قيادة التغيير في سوريا، بل كان المساهمة في عودة الحراك السياسي إلى الشارع السوري في مناطق سيطرة النظام، وإعادة الاعتبار لأهمية التنظيم السياسي الذي نراه الوسيلة الوحيدة للتغيير نحو الأفضل. بعد انطلاق حراكنا بأيام، تم الإعلان عن تأسيس الحركة الشعبية السورية في طرطوس واللاذقية، التي يوحي خطابها بأنها تمثّل مؤيدين سابقين للنظام باتوا راغبين في التغيير من خلال خطاب أقل صِدامية مع السلطة وأكثر بُعداً عن خطاب ثورة 2011. بهذا المعنى، فإن تلك الشريحة التي أدركت ضرورة التغيير وتختلف معنا ومع غيرنا على خطابه وأدواته، بدأت تنظّم نفسها وتعي أهمية التنظيم، وهذا هو المهم في رأينا.
بالمقابل، توحي صفحتكم على فيسبوك أن شعبيتكم تراجعت أيضاً لدى جزء من جمهور ثورة 2011، وذلك نتيجة ما اعتبره كثيرون «ضعفاً» في حراككم أو خطابكم؟
بداية نشير إلى أن التراجع في حجم المتابعة على فيسبوك يعود في جزء منه إلى تقييد صفحتنا، إذ يبدو أن فيسبوك ليس صديقاً للحراك السوري. لكن على أي حال، قد يكون صحيحاً ما تشير إليه بشأن شعبية الحركة بين جمهور ثورة 2011، لكنني أكرّر ما قلته سابقاً عن رؤيتنا بشأن أننا ننحاز إلى ضرورة حراك منظم ومدروس بعيداً عن الاندفاع سواء بالنسبة لحركتنا أو لكل الراغبين في التغيير، وإلى أن يكون الحراك مناسباً للمنطقة وظروفها، بحيث أن ما يمكن فعله في السويداء كما نرى في انتفاضتها العظيمة قد لا يكون ممكناً في مناطق أخرى. وأُضيف أيضاً أننا في الحركة نرى أن هناك خطابين سائدين في البلد؛ خطاب النظام وخطاب المعارضة التقليدي، ونعتقد أنه ينبغي تجاوز الخطابين وخوض تجارب جديدة تستفيد من أخطاء الماضي وتكون متناسبة مع الظروف الراهنة للبلد، التي تغيرت كثيراً عمّا كان عليه الحال عام 2011. لهذا أصدرنا مثلاً بياناً يرفض دعوات التظاهر يوم الجمعة في مناطق القبضة الأمنية المحكمة للنظام، ويدعو إلى أساليب نضال مختلفة وتراكمية.
بالحديث عن بيانكم بشأن رفض الدعوة للتظاهر يوم الجمعة، يبدو واضحاً من خطابكم في مناسبات عديدة أنكم تتخذون مسافة من ثورة 2011. تتحدثون عن «قصة لا تريدون تكرارها» وعن «أخطاء الماضي»، لكن ماذا عن ثورة 2011 وموقعها بالنسبة لحركتكم؟
معظم الشباب والشابات في الحركة اليوم في عشرينات أعمارهم، كانوا أطفالاً وقت قيام ثورة 2011، وقد خاضوا تجارب قاسية وعاشوا ظروفاً مختلفة عن الظروف التي عاشها ثوار وثائرات 2011، ولدى كثيرون منهم نظرة مختلفة عن الجيل الأكبر. لدينا أيضاً في الحركة منتسبون ومنتسبات من متظاهري وثوار 2011، ويُعرِّفون أنفسهم على هذا الأساس. هناك لقاء في الحركة بين جيلين يطمحان للتغيير السياسي في سوريا، وبهذا المعنى نحن لسنا منفصلين عن ثورة 2011 وتجربتها العظيمة. ثورة 2011 في أشهرها السلمية الأولى هي ثورة كثيرين وكثيرات من أعضاء الحركة، ونحن نسعى لاستعادة تلك المرحلة بجوانبها وتجاربها وكفاحها، ولكن أيضاً بالدروس التي يمكننا الاستفادة منها، بحيث لا تتكرر الأخطاء نفسها التي قادت إلى سيطرة المعارضة المرتهنة للخارج والفصائل الإسلامية على صوت وتوجهات المعارضة والثورة.
وتعتقدون أن الإصرار على اللاعنف كفيلٌ بعدم تكرار أخطاء الماضي؟
نعتقد أن العنف هو ملعب السلطة وأن اللاعنف هو ملعبنا، لكن بالتأكيد ليس اللاعنف وحده هو ما يكفل عدم تكرار الأخطاء، بل كذلك العمل السياسي الجماهيري المنظم الذي يستفيد من تجارب الماضي.
نحن الآن كحركة في مرحلة بناء التنظيم وتطوير الخطاب، نركز عملنا على محورين أساسيين هما: نشر ثقافة العمل السياسي التنظيمي في الداخل السوري، ونشر ثقافة النضال اللاعنفي. ونضع في اعتبارنا أن هناك شروخات عمودية في المجتمع، سواء على المستويات الطائفية أو نتيجة تصلب الخطابات والمواقف السياسية للأطراف المختلفة، ونسعى للمساهمة في تجاوز هذه الشروخات العمودية والتأسيس لخطاب جديد، وكذلك العمل على فتح المجال السياسي مجدداً في البلد، الأمر الذي نعتقد أننا نجحنا فيه، أو ساهمنا فيه مساهمة فاعلة على الأقل.
بالحديث عن بناء الحركة، وضمن حدود ما يمكنك قوله بما يضمن سلامة منتسبي ومنتسبات الحركة: منذ متى بدأت النقاشات التي قادت إلى إطلاق حركتكم؟ وما الذي يمكنك شرحه عن ظروف وأساليب تشكيل وتنظيم الحركة؟
النقاشات والاجتماعات التي تتحدث بشكل مباشر عن ضرورة إطلاق الحركة وعن صياغة رؤيتها بدأت قبل نحو شهر من إصدار بياننا الأول، لكن التواصلات بين المنتسبين والمنتسبات أقدم من ذلك بكثير. نحن مجموعة من السوريين والسوريات في جميع أنحاء البلد وفي كل مكان يوجد فيه سوريون وسوريات، نلتقي ونتحاور عبر وسائل متنوعة منذ فترة طويلة، ونفكر معاً ونتحاور بشأن أوضاعنا وأوضاع البلد، وتجمعنا الرغبة في التغيير السياسي، لكننا لا نجد خطاباً يمثلّنا لا عند الفئات الأقرب للنظام التي تنتقده تحت سقف منخفض لا يتناول جذر المشكلة الذي هو النظام نفسه، ولا عند المعارضة التقليدية وما تبقى من البنى السياسية التي أنتجتها ثورة 2011. بدأت هذه الشبكة تتسع تدريجياً وتنضج مع الوقت، حتى وصلنا إلى اللحظة الراهنة التي رأينا فيها أن الظروف باتت ملائمة للإعلان عن حركة سياسية جديدة في الداخل السوري.
نحن موجودون في كل أنحاء البلد على تنوع مناطق السيطرة، ونسعى للتواصل مع كل الجهات الراغبة في التغيير في كل أنحاء البلد، ونستخدم أكثر وسائل التواصل والاجتماع المُتاحة أماناً.
ماذا عن الشتات السوري؟ هل لحركتكم حضورٌ في الخارج؟
نرى أن كل السوريين معنيون بإنجاز حوار مجتمعي سياسي شامل، وأن التمييز بين داخل وخارج أمرٌ غير مفيد للسوريين، لكن نشاطنا السياسي الأساسي داخل سوريا، والقوام الأساسي لحركتنا موجود فيها. يتم بناء خطابنا السياسي في الداخل وبحسب ظروف الداخل على تنوعها وتبايُنها من منطقة لأخرى، لكن بالتأكيد لدينا تواصلات وأصدقاء وحلفاء ومتضامنون بين السوريين والسوريات في الخارج، ونعتقد أن مساهمة السوريين في الشتات ضرورية على صعيد دعم الحراك في الداخل إعلامياً وبالخبرات التنظيمية والسياسية، والمشاركة في النقاشات بشأن مستقبل سوريا والطريق إلى التغيير السياسي فيها.
تحدثتم عبر صفحة الحركة عن ضرورة تطبيق القرار 2254 للوصول إلى التغيير السياسي المنشود. هل ترون إمكانية فعلية للسير على طريق تنفيذ هذا القرار؟ وكيف تتصورون ذلك؟
قد لا يكون ما يطرحه القرار 2254 هو الطريق الأمثل للانتقال السياسي في سوريا، لكنه الحل الوحيد المطروح على السوريين أممياً، والذي وافقت عليه القوى النافذة في العالم. هو الممكن الوحيد نظرياً، والورقة الوحيدة بين أيدي السوريين باعتباره يتضمن إقراراً دولياً بضرورة التغيير السياسي في سوريا، وبأن الحل يبدأ من تأسيس هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة.
نعلم جميعاً كيف تم لاحقاً وضع العربة أمام الحصان عبر الذهاب إلى لجنة لصياغة دستور جديد قبل تأسيس الهيئة الانتقالية، ونعلم كيف أن هناك خلافاً حول تفسير القرار إذ يصرّ النظام وحلفاؤه على اعتبار أن المقصود بهيئة الحكم الانتقالي هو حكومة وحدة وطنية، لكن يبقى أن القرار 2254 هو الورقة الوحيدة التي يمكن طرحها للنقاش سياسياً.
القرار 2254 وبيان جنيف قبله هي وثائق بين أيدينا فيها خطوات ومراحل للحلّ في البلد، ونرى أن طرحها للنقاش بين السوريين ضروريٌ اليوم، فهي تتحدث مثلاً عن انتخابات برلمانية نزيهة برعاية أممية في أحد المراحل؛ هل يمكن أن يكون هذا مثلاً مدخلاً يُطرَح جدياً للنقاش العام، وذلك في ظل امتناع النظام عن نقاش هيئة الحكم الانتقالي واستعصاء أعمال اللجنة الدستورية؟
المهم في رأينا هو إطلاق نقاشات سياسية واسعة في المجتمع حول الحلّ في سوريا. بالنسبة لنا مثلاً، نسعى في الحركة إلى تغيير النظام في سوريا، ولا يتوقف الأمر عند رحيل بشار الأسد فقط عن السلطة، بل نرى أن منصب الرئيس بصلاحياته الحالية في حد ذاته مشكلة كبرى، ويتبلور الاتجاه العام في الحركة تدريجياً نحو تبنّي نظام برلماني بديلاً عن النظام الرئاسي ونحو المطالبة بتحويل سوريا إلى جمهورية برلمانية. يحتاج كل هذا نقاشات واسعة نأمل أن نساهم في إطلاقها في المجتمع السوري.
لكن إذا لم تتجاوب السلطة في دمشق مع هذه الطروحات، فإنها ستبقى مجرد طروحات نظرية ستواجه مصير لجنة صياغة الدستور. أي رهانات لديكم على هذا الصعيد؟ أو بصياغة أخرى للسؤال: أيُّ مَخرج لسوريا وأهلها في حال استمرار السلطة في رفض السير على طريق تنفيذ 2254، أياً يكن تفسير القرار والمدخل إلى تنفيذه؟
ليس لدينا أي رهان على أن السلطة بتركيبتها الحالية يمكن أن تتجاوب مع أي طروحات للتغيير، لكن رهاننا على السوريين وكفاحهم وانتظامهم سياسياً من أجل التغيير. لا معنى لانتظار حلّ من الخارج قد يأتي وقد لا يأتي، أو قد يأتي ليقود إلى أوضاع كارثية أخرى بدل الانتقال إلى أوضاع أفضل، لذلك نراهن على نضال السوريين من أجل التغيير، كما في حراك السويداء الذي يؤسس لخطاب وطني جامع نابع من الشارع الحرّ وحراكه، ونراهن على العودة إلى العمل السياسي المنظّم الدؤوب لإنتاج فاعل سياسي سوري جديد، بما يمكن أن يُنتِجَ احتمالات وآفاقاً جديدة لا نعرفها اليوم.
لا نجد اليوم بديلاً عن التصعيد النضالي التدريجي في مواجهة الأوضاع القائمة. ما تزال السلطة قادرة على ممارسة البطش والقمع. لقد خرجت في العام 2011 مظاهرات ضخمة بطولية بمئات الآلاف، لكنها لم تنجح في إنجاز التغيير في مواجهة أدوات النظام. وبالقياس إلى ذلك، فإننا نحتاج انخراط شرائح أوسع في النضال اليوم لإنجاز التغيير، ونحتاج أن نأخذ بعين الاعتبار أن الشرائح والمناطق التي ثارت في العام 2011 دفعت أثماناً باهظة وتعرضت لعنف هائل، بحيث يتعذّر الرهان على أنها يمكن أن تكون وحدها حاملاً لحركة احتجاجية جديدة تُفضي إلى التغيير. كي نكون واضحين، نحتاج أن تنضم أجيال جديدة لم تعش ثورة 2011 إلى العمل السياسي والنضال من أجل التغيير، ونحتاج أيضاً أن تنضم إلى العمل السياسي والنضال من أجل التغيير شرائح وفئات جديدة كانت بمعظمها على الحياد أو مؤيدة للنظام. ولمزيد من الوضوح، نتحدث هنا على وجه الخصوص عن الطائفة العلوية والفئات المدينية في وسط دمشق وغيرها من مدن البلد الرئيسية.
ختاماً، هل هناك خطوات مرسومة سلفاً للتصعيد التدريجي اللاعنفي الذي ستقوم به الحركة في المرحلة القادمة؟ أم أن ذلك رهينٌ بالأوضاع والتطورات على الأرض؟
لدينا خطط مستقبلية للتصعيد في النضال اللاعنفي، وسيتم الإعلان عنها عبر صفحتنا. لكن سيبقى هاجسنا الأول اليوم هو عدم المغامرة بسلامة أبناء وبنات الحركة ومناصريها وجميع المناضلين اللاعنفيين في البلد، وخاصة في ظل القبضة الأمنية التي شدّدها النظام مؤخراً في مناطق سيطرته. هدفنا هو تصعيد النضال اللاعنفي تدريجياً على كل صعيد، وأن تنخرط في هذا النضال فئات متنوعة سواء آمنت بخطاب الحركة أم لم تؤمن، وسواء رفعت شعارات سياسية تطالب بالتغيير السياسي الجذري أو كانت نضالاتها مطلبية ونقابية مثلاً، وسواء كان نضالها ضد النظام السوري أو ضد سلطات أمر واقع أخرى، وصولاً إلى طموح كبير نؤمن بإمكانيته هو الانتقال إلى نظام ديمقراطي في سوريا بثورة بيضاء.