الذكاء الاصطناعي وسؤال القيم
بقلم: علي أنوزلا
جهة النشر: العربي الجديد
طوال التاريخ البشري، سعى الإنسان، باستمرار، إلى توسيع نطاق قدراته الجسدية والعقلية إلى ما وراء حدودها لتلبية احتياجاته ورغباته. ويندرج، في هذه السيرورة الذكاء الاصطناعي الذي نما بشكل كبير في السنوات الأخيرة، باعتباره أداة تؤدّي وظائف معرفية عند البشر، لتنمية الإدراك والاستدلال والتعلم والتفاعل مع الآخرين. ونظرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح أكثر انتشارًا في حياتنا اليومية، فإنه يعمل على تغيير الطريقة التي نعيش بها ونعمل ونتفاعل مع بعضنا بعضا، من روبوتات المحادثة والمساعدات الافتراضية إلى السيارات ذاتية القيادة وتكنولوجيا التعرّف على الوجه، أصبح الذكاء الاصطناعي منتشرًا بشكل متزايد في حياتنا اليومية، وهو ما يثير أسئلة اجتماعية وأخلاقية مهمة بشأن دور التكنولوجيا في حياتنا، وتأثيرها على علاقاتنا وأعرافنا الاجتماعية.
وفي حين أن لدى الذكاء الاصطناعي القدرة على تحسين حياتنا بعدّة طرق، فإنه يعمل، في الآن نفسه، على تغيير القيم الإنسانية بطرق إيجابية وسلبية، وأنتج تطويرُه شكوكًا كبيرة في ما يتعلق بضمان توافق الذكاء الاصطناعي مع القيم البشرية، وبات يثير أسئلةً عميقة بشأن تأثير التكنولوجيا على القيم الإنسانية. ومن دون أن ندرك، أصبح الذكاء الاصطناعي يعمل على تغيير الطريقة التي نعيش بها ونعمل ونتفاعل مع بعضنا بعضا. وللانتباه إلى هذه المشكلة، نحتاج إلى التفكير بشكل نقدي في دور التكنولوجيا في حياتنا، والقيم والأعراف التي نريد التمسّك بها، أفرادا ومجتمعات، وهو ما يطرح سؤال الآثار الاجتماعية والأخلاقية للذكاء الاصطناعي في حياتنا وفي السلوكيات التي تعكس قيمنا.
الغاية من تطوير الذكاء الاصطناعي، بوصفه ظاهرة اقتصادية واجتماعية وتنظيمية، جعل هذا العالم أفضل، باستخدام وظائف الذكاء الفائق لخدمة الاحتياجات البشرية وتلبية رغباتها، وتعظيم تحقيق تفوّقنا البشري، وهو ما يطرح السؤال الأساسي والحاسم بشأن كيفية ضمان توافق الذكاء الاصطناعي مع القيم الإنسانية، وكيفية مواءمة هذه القيم في تنظيم الذكاء الاصطناعي وتصميمه لضمان استخدام هذه التكنولوجيا القوية لإفادة البشرية، وتعزيز قيم مجتمعاتها.
الغاية من تطوير الذكاء الاصطناعي، بوصفه ظاهرة اقتصادية واجتماعية وتنظيمية، جعل هذا العالم أفضل
وعند الحديث عن تأثير الذكاء الاصطناعي على القيم الإنسانية، والآثار الأخلاقية والاجتماعية لهذا التقاطع بين التكنولوجيا والإنسانية، من المهم أن نقف عند ما نعنيه بـ”القيم الإنسانية”، باعتبارها مجموعة المبادئ والمعتقدات والمثل تتشكّل من خلال عدة عوامل ثقافية ومجتمعية وشخصية، توجّه سلوكنا وتساعدنا في تحديد اختياراتنا واتخاذ قراراتنا، وهي يمكن أن تختلف اختلافًا كبيرًا من مجتمع إلى آخر، بل ومن شخص إلى آخر. وإثارة سؤال القيم بارتباط مع التطوّر الذي بات يفرضه الذكاء الاصطناعي على أنماط سلوكنا، لا يعني مقاربة نظرتنا إلى هذا التأثير من وجهة نظر أخلاقية محضة. لأن الأخلاق ليست هي القيم، بما أنها هي مجموعة من المبادئ والسلوك التي تحدّد ما هو صحيح وما هو خاطئ من وجهة نظر مجتمع معين، فالأخلاق تركز على قواعد السلوك التي يتوقعها المجتمع أو الجماعة من الأفراد، أما القيم فهي المبادئ والمعتقدات التي ينظُر إليها الفرد أو الجماعة باعتبارها مهمة وتستحق التشبث بها. لذلك يمكن اعتبار الأخلاق بمثابة القوانين التنظيمية للقواعد الأساسية والعامة التي تمثلها وتحدّدها القيم التي نؤمن بها. وخلف أخلاق كل منا قيم توجّه سلوكنا وتصرفاتنا وتفاعلاتنا، والاختلاف في القيم يؤثر على الاختلاف في نظرتنا إلى ما يمكن اعتباره سلوكا أخلاقيا أو منافيا للأخلاق. فالأخلاق هي انعكاسٌ للقيم التي توجّه أعمالنا وتحفّزها على المستوى الفردي، فيما تعتبر أفعالنا كلها وسائل لتحقيق قيمنا. وعلى المستوى الجماعي، فرض القواعد هو أيضًا وسيلة لتحقيق المُثل العليا المشتركة، والأفعال التي تسير في اتجاه المثل الأعلى تصبح واجباتٍ والتزامات، وهكذا تصبح القيم أهدافًا يجب بلوغها ومُثُلا يجب تحقيقها.
لذلك، فهم القيم الإنسانية هو الخطوة الأساسية الأولى لمواصلة تطوير الأخلاق المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. ومن شأن الفهم الأكثر شمولاً للقيم الإنسانية أن يفيد تطوير الذكاء الاصطناعي الآمن بطريقة تجعله موائما مع القيم الإنسانية، وموجّهاً نحو خدمة الغايات الإنسانية الفضلى. ومن هنا، يجب تعزيز الأبحاث في مدى تأثير تطور الذكاء الاصطناعي على القيم الإنسانية، للتأكد من أن تطويره يهدف إلى إيجاد حياة أفضل، وجعل العالم أفضل مما هو عليه، وهذا هو الوقت للقيام بهذه الأبحاث، قبل أن يحين الوقت الذي تكون فيه أجهزة الكمبيوتر قد تجاوزت القدرات البشرية، وتتحوّل الآلات من أبعد من مجرّد خوارزميات رياضية إلى أدوات تمتلك بالفعل سمات التفكير البشري، فمجتمع الذكاء الاصطناعي يواجه اليوم تحدّيًا كبيرًا بسبب التعقيد المتأصل في حياة الإنسان وعدم وجود نموذج للقيم الإنسانية في أبحاث الذكاء الاصطناعي الحالية لتحقيق مبادئ محاذاة هذا الذكاء القيم الفُضلى.
Add Comment