لا يَخفى على أحد أنّ حرية التعبير قيمة كبرى، تتمثّل بحريّة التفكير والإبداع، وحرية القلم. إضافة إلى حريّة وسائل الإعلام والنشر بصورها وأشكالها كافّة، سواء كانت ورقية أو إلكترونية أو سمعية أو بصرية. ولا يَخفى أيضاً أنّ الحق في حريّة التعبير والحريّات الإعلاميّة، وبالإضافة لطابعها الفردي امتيازاتٌ جماعيّة، يمس انتهاكها المجتمع بأسره كونها أحد الأسس اللازمة لبناء النظام الديمقراطي وبناء المجتمعات، عبر إتاحة التدفق الحر للمعلومات والتوعية وتمكين المواطن من الوصول إلى الوعي التام بحقوقه وواجباته.
في القانون الدولي، يعدُّ الوصول إلى المعلومات وحرية التعبير وجهان لعملة واحدة، وقد حصل كلاهما على دفعة هائلة مع ظهور الإنترنت والتواصل عبر الفضاء الرقمي, الذي تعرض منذ بداياته لمحاولات السيطرة عليه وتضييق مساحات الحرية فيه من قبل بعض الحكومات التي تستخدم جميع أدواتها لإغلاقه أو تدجينه, بما فيها التشريعات التي تتم صياغتها لتقنين الانتهاك وتكريس الخلط بين التنظيم والتقييد، وقلب العلاقة بين الحرية والقيد وبين الأصل والاستثناء؛ لتمسي القيود على ممارسة الأفراد لحقهم في التعبير عن آرائهم هي القاعدة العامة, في ظل غياب فلسفة حرية التعبير ومضمونها المعياري سواء في التشريعات أو السياسات أو الممارسات.
منذ عام 1963 اتبعت الحكومات المتعاقبة في سوريا سياسةً مُعاديّة لحرية التعبير، ما وضع سوريا في ذيل مؤشرات حرية الصحافة عالمياً مع دول مثل كوريا الشمالية وإيران، وفي دراسة مُوسّعة أُجريت عام 2005 عن الرقابة على الإنترنت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجدت هيومن رايتس ووتش أنّ «الحكومة السورية تعتمد على جملة من القوانين القمعية والإجراءات غير القانونية التي تقمع حق السوريين في الاطلاع على المعلومات ونشرها بحرية على الإنترنت»، أضافت المنظمة في مناشدة أطلقتها عام 2007 أنّ على الحكومة السورية أن «تطلق فوراً سراح الكُتّاب والنشطاء الذين تحتجزهم فقط لتعبيرهم عن آرائهم، أو لنشر معلومات على الإنترنت».
بالإضافة إلى سياسة تكميم الأفواه داخلياً ومنع أي شكل من أشكال الإعلام الحر، تعاملت الحكومة السورية مع الفضاء الرقمي بسياسات التقييد والحجب، وفي دراسته التي كانت الأولى من نوعها في سوريا بعنوان «ترويض الإنترنت»، وثّق المركز السوري للإعلام وحرية التعبير عام 2008: « 161 موقعاً محجوباً حتى تاريخ 28/4/2008 وهي أرقام غير نهائية لما استطاع فريق المركز حصره و التثبت من واقعة حجبه فقط،» من ضمن هذه المواقع موقع يوتيوب!
ومتابعةً لنهج السلطة الهادف إلى الهيمنة التامة على مجال الفضاء الرقمي وتهميش أيّ مساحة لحرية الرأي والتعبير على هذا الفضاء، أصدر الرئيس السوري في 18 نيسان القانون رقم 20 للعام 2022 القاضي بإعادة تنظيم القواعد القانونية الجزائية للجريمة المعلوماتية، التي تضمنها المرسوم التشريعي رقم 17 للعام 2012، بعد إقرار مجلس الشعب مشروع القانون المُقدم في كانون الأول عام 2021، من قبل وزارة الاتصالات والتقانة، والذي عدّ نافذاً في 17 أيار 2022 أي بعد شهر من تاريخ صدوره. وتضمن خلاصة التَّوجُّه الانغلاقي والقمعي والمناقض للمعايير الدولية الخاصة بالحريات وحرية التعبير .
لقراءة الدراسة كاملة:
أضف تعليق