سوريا: نماذج عن مواد مضللة انتشرت خلال أحداث دير الزور
ترافقت العمليات العسكرية مع انتشار واسع لأخبار وصور ومقاطع مرئية قديمة وأخرى كاذبة ساهمت في التحريض وتهديد السلم الأهلي في المنطقة
جهة النشر: Syrians for Truth and Justice سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
خلفية:
مساء السابع والعشرين من آب/أغسطس 2023، تداولت المعرفات الرسمية لـ”قوات سوريا الديمقراطية”(قسد)، ووسائل إعلام في شمال وشرق سوريا، خبراً عن إطلاق “قسد” لعملية عسكرية تحت مسمى “تعزيز الأمن” في ريف دير الزور، هدفها بحسب بيان “قسد”، “القضاء على بقايا خلايا تنظيم داعش الإرهابي ومنع عملياتهم المحتملة، وكذلك تعقب المجرمين الذين ارتكبوا المظالم بحق السكان وإنفاذ القانون، إضافة إلى ملاحقة المهربين الذين يتاجرون بلقمة عيش الأهالي”.
في ذات الأثناء تناقلت حسابات وصفحات محلية ووسائل إعلام تابعة لـ”مجلس دير الزور العسكري” التابع لقوات سوريا الديمقراطية، فيديو لجلال الخبيل، شقيق أحمد الخبيل (أبو خولة)، قائد المجلس العسكري، تحدّث فيه عن تعرضهم لحصار من قبل “قسد” في حي خشمان بمدينة الحسكة، وإن “الأمير أحمد الخبيل تعرض للاعتقال بعد استدراجه إلى قاعدة الوزير”، مقر قيادة “قسد”. وفي ذات الفيديو طالب جلال أبناء عشيرة العكيدات/العقيدات العربية بمحاصرة مقرات “قسد” في دير الزور حتى إطلاق سراحهم، وتوعد أيضاً بالرد بقوة، واعتبر أن المعركة لم تعد محصورة بين قسد والعشائر، “بل بين الأكراد والعرب“.
كانت هذه الأحداث بمثابة الشرارة التي أعقبتها سلسلة مواجهات عسكرية مميتة شهدتها مناطق ريف دير الزور الشرقي، على مدار أسبوعين متتالين، رافقها انتشار واسع وغير مسبوق لخطاب كراهية متبادل، وعمليات تضليل واسعة النطاق، أخذت أشكالاً متعددة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو وسائل إعلام، كإعادة نشر صور وفيديوهات قديمة أو/و تم تصويرها في نزاعات أخرى، أو تداول أخبار ملفقة، بدا أنّها ساهمت في زيادة التحريض وحدّة العمليات العسكرية التي عززت الشرخ المجتمعي بين مكونات المنطقة، وحملت تهديدات جدّية للسلم الأهلي وخاصة بين عرب وكرد المنطقة.
فلم تكد تمر 24 ساعة على انتشار فيديو “الخبيل” الذي تأكد بعده اعتقال “قسد” لقائد “مجلس دير الزور العسكري” وعدد من قياداته، حتى انتشرت إحدى المقاطع المضللة، التي زعم ناشروها أنها لاشتباكات في منطقة المعامل شمالي دير الزور، بين عناصر من المجلس ومقاتلين من العشائر العربية من جهة، و”قسد” من جهة أخرى، ليتبين لاحقاً أن المقطع المتداول قديم، وقد تداولته وسائل إعلام يمنية في آذار/مارس 2021 كحساب “قناة اليمن اليوم” الفضائية على يوتويب، وصفحة الحدث اليمني (الموثقة)على فيسبوك والعديد من الحسابات والصفحات المحلية على وسائل التواصل الاجتماعي.
بناءً على المتابعة الدقيقة لمجريات الأحداث في دير الزور، وما رافقها من عمليات تضليل، أعدت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بالتعاون مع فريق منصة “True Platform” المتخصصة في التحقق من المعلومات المضللة، وتحليل خطاب الكراهية، ومجلة صور، هذا التقرير، الذي يستعرض مجموعة من المواد المضللة التي انتشرت خلال المواجهات الأخيرة، حيث تم التركيز على تتبع التضليل الممارس من جانب القنوات (وسائل تواصل أو إعلام) المحسوبة على جميع الأطراف المنخرطة بالمواجهات، بشكل مباشرة أو غير مباشر.
ساهمت العديد من الجهات الإعلامية والحسابات والصفحات على منصات التواصل في نشر أخبار مضللة عن التطورات الميدانية على الأرض، وركّزت بشكلٍ أساسي على نتائج المواجهات وإبراز التفوق العسكري لأحد الطرفين على حساب الآخر، غير آبهة بسلم المنطقة، المهدد بفعل اتساع رقعة المواجهات التدريجي، والذي رافقه وقوع خسائر بشرية من الطرفين المقتتلين، ومدنيين، مع حركات نزوح داخلي.
وإضافة إلى تأجيج العنف، ساهمت هذه القنوات (وسائل إعلام وصفحات تواصل) على ترسيخ مجموعة من الانحيازات بين المتابعين، مساندة صف أحد طرفي المواجهات، في استغلالٍ لبعض السرديات التي تم إسقاطها على النزاع، وأخطرها “الحرب الاثنية بين العرب/الكرد” السوريين، وفي لعبٍ على توترات سبقت الأحداث الأخيرة ذاتها، مردها سوء حوكمة وفساد في الأجهزة الإدارية والعسكرية والمدنية القائمة على المنطقة، وما ترتب على ذلك من إهمال لمطالب المجتمع المحلي. حيث ساد المنطقة الشرقية من دير الزور واقع خدمي متردٍ على مختلف المستويات، شمل قطاعات التعليم والصحة، وسط احتجاجاتٍ متكررة للأهالي عبروا فيها، عن استيائهم من الأوضاع والتضييقات الإدارية.
بني هذا التقرير على نتائج عمليات الرصد والتحقق التي رافقت المواجهات في أوجها، والتي كشفت عما لا يقل عن 16 منشوراً مرئياً مضللاً؛ فيديو أو صورة، أغلبها ذات تاريخ قديم تم إعادة نشرها على أنها للأحداث الدائرة في دير الزور، ونشرت بعضها كاملة أو تم اجتزاؤها، فيما انتزع بعضها الآخر من السياق الأصلي تماماً وحور بهدف دعم السرديات العديدة التي رافقت النزاع، كما استخدمت وسائل إعلام سوريّة معارضة، عدداً من هذه المواد في تقاريرها المتعلقة بالتوترات، إما خطأً أو بشكل متعمد.
لأغراض التحقق، اعتمد الفريق البحثي على منهجيات تدقيق متعددة، منها تقنية البحث العكسي عن الصورة والفيديو، عبر محركات بحث رئيسة مثل: غوغل وعبر منصات فيسبوك وتويتر وتلغرام. وأحياناً تمّت الاستعانة بتقنية تحديد الجغرافي وربطه مع صور أقمار اصطناعية.
من الجدير بالذكر، أن أغلب المنشورات المضللة تم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي بدايةً عبر حسابات شخصية، أو صفحات عامة، وأخرى وهمية، ولكنها سرعان ما كانت تنتشر على نطاق أوسع، بمشاركة وسائل إعلام، إضافة إلى صفحات عامة، وحسابات شخصية ووهمية أخرى. إن عدم إيرادنا لجميع حالات التضليل التي تم رصدها، في سياق توترات دير الزور، مرده تحاشي الوقوع في مطب الترويج غير المقصود لمواد مضللة قد تنطوي على تحريض على القتل أو العنف أو الكراهية، ما يخالف هدفنا من وراء إعداد هذا التقرير، فضلاً عن أن “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، سبق لها أن أعدت تقريراً منفصلاً رصدت فيه خطاب الكراهية المرافق لهذه الأحداث. ونورد فيما يلي بعض المواد المضللة التي تم رصدها.